الرئيسية / تقارير وحوارات / تعاطف شعبي خليجي واسع مع تركيا.. هل يرسخ العلاقات رسمياً؟
تعاطف شعبي خليجي واسع مع تركيا.. هل يرسخ العلاقات رسمياً؟

تعاطف شعبي خليجي واسع مع تركيا.. هل يرسخ العلاقات رسمياً؟

01 ديسمبر 2015 10:42 صباحا (يمن برس)
من حيث لا يدري، انقلب سحر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعلن عن إجراءات اقتصادية "عقابية" ضد تركيا، عليه، إذ أشعل روحاً من التضامن من الشعوب العربية عموماً، والخليجية الغنية خصوصاً، مع بلاد الأناضول المسلمة المؤثرة.

ولليوم الثاني على التوالي، واصل كتّاب وإعلاميون واقتصاديون خليجيون بارزون، حملتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل حث شعوب المنطقة على اتخاذ قرار ذاتي بدعم المنتجات والبضائع التركية، بعد قرار موسكو قرارات بمنع استيراد بعض السلع ذات المنشأ التركي، رداً على إسقاط تركيا طائرة حربية روسية اخترقت أجواءها الثلاثاء الماضي.

ووقّع بوتين أمس السبت، مرسوماً يتضمن سلسلة إجراءات اقتصادية ضد تركيا، شملت "منع المؤسسات والمنشآت التركية من ممارسة نشاطات في روسيا، ووقف استيراد بعض السلع ذات المنشأ التركي، ومنع الشركات العاملة في البلاد كافة من توظيف مواطنين أتراك، كما تضمنت تعليق السفر بدون تأشيرة بين روسيا وتركيا، ومنع الشركات السياحية من تنظيم رحلات إلى تركيا، ووقف رحلات الطائرات المستأجرة من قبل الشركات (شارتر) بين البلدين، وتشديد الرقابة على شركات الشحن التركية الناشطة في روسيا، والناقلات البحرية التركية في البحر الأسود وبحر آزوف، وغيرها.

المغردون الذين دشنوا عدداً من الوسوم (هاشتاغات) على شبكات التواصل، من أبرزها وسم #دعم_البضائع_التركية، الذي أطلقه المغرد الكويتي "فالح بن حجري"، أثنوا على جودة المنتجات التركية، وفيما عدد بعضهم أسماء أبرز العلامات التجارية التي يمكن التعامل معها، أشار آخرون إلى أهم وسائل دعم تركيا، مشيرين إلى "أثر الفراشة" الذي يمكن أن يلحظ على المدى المتوسط والبعيد في التخفيف من أي إجراءات سلبية ضد الاقتصاد التركي، أو حتى دعمه لمزيد من النمو.

- حملة متواصلة وترحيب تركي

وقال "بن حجري"، إن الحملة التي حظيت خلال الساعات السابقة بأكثر من 170 ألف تغريدة، جاءت "رداً على استخدام روسيا لسلاح الاقتصاد في مواجهة تركيا"، مضيفاً في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "تخفيف الضغط الموجه نحو إخواننا الأتراك واجب تحتمه العلاقات المشتركة التاريخية والدينية بيننا وبينهم".

وأشار إلى أن الحملة أثبتت رضى المستهلكين العرب عن المنتجات التركية ودعمهم لفكرة فتح السوق العربي أمامها، داعياً التجار الأفراد والشركات العربية إلى زيادة عقودها مع مثيلاتها التركية.

واعتبر الكاتب السعودي خالد الناصر، أن نجاح الحملة يكمن في المقام الأول برمزيتها وبالرسالة التي نجحت في إيصالها، وهي الوقوف مع السياسة التركية الواضحة ضد نظام الأسد ومع مطالب الشعب السوري المشروعة في الحرية والكرامة، إلا أن الأفراد كما هو واضح في الشبكات الاجتماعية حريصون على تفعيل هذه الحملة بذكر وسائل مباشرة في دعم الاقتصاد التركي، منها نشرهم للعلامات التجارية التركية وتبادلها فيما بينهم، وسرد تجاربهم الناجحة مع عدد من المنتجات التركية، وتأكيدهم على تطور الصناعة التركية في كثير من المنتجات وتفوقها على عدد من الصناعات الأوروبية والآسيوية"، وفق ما قال لـ"الخليج أونلاين".

وأبدى عدد من المثقفين والكتاب الأتراك، عن ترحيبهم بالحملة، معتبرين أنها "تجاوزت إثارة ردود إيجابية إلى تعزيز مشاعر الترابط والمحبة الأخوية بين العرب والأتراك"، وفق ما ورد في تغريدة لمستشار رئيس الوزراء التركي طه كينتش.

وغرد كينتش قائلاً: "أتمنى أن تتحدثوا اللغة التركية لتقرؤوا ما يكتبه الأتراك من امتنان ومحبة وتقدير ومشاعر أخوية لأشقاهم العرب القائمين على الحملة".

الكاتب التركي إسماعيل ياشا، أبدى سعادته بدوره بالحملة، ونشر في تغريدات له أنواعاً من المنتجات التي رأى أنه ستعجب العرب.

وتوقع ياشا في حديث لـ"الخليج أونلاين" أن "يتم بيع المنتجات التركية إلى روسيا عبر شركات دول أخرى"، مشيراً إلى أن "هذا سيزيد الأسعار في الأسواق الروسية".

وشدد ياشا على ضرورة أن تدفع الحملة الشركات للشراء والاستيراد لبيعها وتوزيعها في الأسواق الخليجية وغيرها"، أما عن دور الأفراد، فذكر أنه يمكنهم شراء المنتجات التركية والبحث عنها في المتاجر، وطلبها بإلحاح لدفع أصحاب المتاجر إلى شرائها وعرضها في متاجرهم.

- أولوية

وأظهر استبيان آراء أطلقه الكاتب الاقتصادي ورجل الأعمال السعودي عصام الزامل، وشارك فيه نحو 80 ألف مغرد، أن 63% من المصوتين يؤيدون دعم المنتجات التركية خليجياً، فيما لم يؤيدها 37% من المصوتين، لأسباب منها الرغبة بدعم المنتج المحلي، وفق ما كشفت تعليقات المغردين.


وقال الزامل تعقيباً على هذه النتيجة: "لم أستغرب النتيجة. فشعوب الخليج والعالم العربي مواقفها نبيلة تجاه قضايا الأمة. وقضية الشعب السوري أصبحت في أعلى الأولويات بسبب إجرام نظام الأسد وحلفائه".

وأضاف الزامل في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنّ "الاقتصاد التركي اقتصاد قوي ومنتج، والبضائع التركية عالية الجودة، وتركيا أيضاً وجهة رئيسية لسياح الخليج".

وحول آلية دعم الأفراد العاديين للاقتصاد التركي، ذكر الزامل أن ذلك يتم "من خلال تفضيل المنتج التركي على أي منتج غربي آخر، وإعطاء أولوية أيضاً للسياحة في تركيا". لافتاً إلى أن "بوتين يحاول الضغط على تركيا من خلال تقليل سفر الروس لتركيا، خاصة أن الروس يمثلون عدداً لا بأس به من سياحها. وينبغي ألّا نسمح بأن ينجح بوتين في الضغط على تركيا. ونفعل ما بوسعنا لتقليل أثر هذا الضغط اقتصادياً".

ونبّه الكاتب السعودي إلى ضرورة أن "تبادر الحكومات والشركات أيضاً في الإسهام في هذه الحملة، مشيراً إلى أن "التحالف الاقتصادي والسياسي مع تركيا يفترض أن يكون على رأس أولويات صانعي السياسة في الخليج"، مشيراً بتحسّن العلاقات الخليجية التركية الآونة الأخيرة.

والزامل، من أبرز المشاركين في الحملة التي تتواصل بزخم كبير خليجياً، ونشر على حسابه الرسمي على تويتر، ما وصفها بـ "أقوى وسائل الدعم لتركيا"، وهي: السياحة في تركيا، والسفر على الخطوط التركية، وشراء البضائع التركية.

- فرصة لزيادة التوأمة

الكاتب والمستشار الاقتصادي السعودي أحمد علي الشهري، رأى أن القرارات الروسية ضد تركيا غير مؤثرة، وقال: "لا أعتقد أنها مؤثرة على دولة لديها علاقات اقتصادية مع 110 دول حول العالم بنسب متفاوتة، وأرى أنها فرصة مناسبة لزيادة التوأمة بين الصناعات التركية والخليجية".

وشدد المستشار الاقتصادي في حديث لمراسل "الخليج أونلاين"، على أنه "يجب ألا نكتفي بالدعم المؤقت أو العاطفي لشراء المنتجات التركية بل علينا رفع الاستثمارات المتبادلة والمشتركة وفتح مناطق صناعية مشتركة لتبادل الخبرات ونقل التقنية بين تلك الدول". مشيراً إلى أن "هذا النوع من التشابك والتداخل الاقتصادي يسهم في تبادل عناصر الإنتاج من القوى العاملة ورؤوس الأموال والخبرات والاستثمارات المشتركة؛ وهذا يمنح المنطقة مزيداً من النمو الاقتصادي على غرار الدول الآسيوية التي نجحت من خلال التشابك الاقتصادي الإقليمي مع ندرة الموارد في تلك المناطق".

وأوضح أن "أول الحلول الحقيقية لتطوير المنطقة اقتصادياً، تبادل جزء من حصص السوق على مستوى الاستيراد والتصدير للمواد الأولية أو نصف المصنعة أو المصنعة بشكل كامل بين دول الخليج وتركيا".

- إقبال استثماري خليجي

ويشهد السوق العقاري والاستثماري التركي إقبالاً مكثفاً من قبل المستثمرين الخليجيين مؤخراً، بعد أن عملت الحكومة التركية على تعديل قانون العقارات لديها، ليصبح أكثر مرونة ومواءمة للاستثمارات الخارجية، فقد ذكرت إحصائيات تركية رسمية، نقلتها وكالة الأناضول في وقت سابق هذا العام، أن المساحة التي اشتراها الخليجيّون بلغت مليوني متر مربّع، وأن السعودية تعد الأولى خليجياً من ناحية الإقبال على شراء المنازل في تركيا، إذ بلغت مساحة ما اشتراه السعوديون عام 2014، 910 آلاف متر مربّع، بعد أن كان إجمالي ما يملكه المستثمرون السعوديّون 402 ألف متر مربّع خلال عام 2013.

وبلغت مساحة المنازل التي اشتراها الكويتيّون في تركيا خلال عام 2013، ما يقارب 94 ألف متر مربّع، في حين زاد الرّقم ليصل إلى 522 ألف متر مربّع خلال عام 2014، ليرتفع مركز الكويت من السّادس إلى الرّابع في ترتيب الاستثمارات الأجنبيّة للعقارات في تركيا.

الاستثمارات الإماراتية حاضرة أيضاً في سوق العقارات التركيّة، حيث شهد السّوق إقبالاً من قبل الإماراتيّين الذي رفعوا حصّتهم من شراء المنازل في تركيا ليصل إلى 219 ألف متر مربّع، بعد أن كانت المساحة المملوكة من قبل الإماراتيّين 73 ألف متر مربّعٍ خلال عام 2013.

ولا يخفى على المراقب مقدار الصلة الوثيقة التي تجمع أنقرة بالدوحة، وتؤدي الشركات التركية دوراً ملحوظاً في إنجاز الكثير من المشاريع، وسط توسّع قطري في تنفيذ مشاريع التنمية؛ منها إنشاء الجسور والطرق والمرافق الخدمية، خاصة أنها على مشارف إكمال المشاريع المضمّنة في استراتيجيتها التنموية 2011- 2016، بالإضافة إلى مشاريع ضخمة أخرى كـ"مونديال كأس العالم لكرة القدم 2022"؛ سعياً منها لتحقيق رؤيتها الوطنية 2030، التي تهدف إلى تحويل قطر إلى دولة متقدمة في كل المجالات التنموية والتي ستعزز مكانتها ودروها الإقليمي أكثر.

وتبدو دول الخليج اليوم، أكثر قرباً من إتمام مفاوضات "اتفاقية التجارة الحرة" مع تركيا، بعد 4 جولات مفاوضات بشأنها.

وكان وزير الاقتصاد والتجارة القطري، الشيخ أحمد آل ثاني، قد دعا في أبريل/ نيسان الماضي، دول الخليج إلى الانتهاء من مفاوضات الاتفاقية لأجل إقرارها مع الجانب التركي؛ لما لها من أثر إيجابي على تنمية التبادل التجاري والاستثماري، وإزالة كل المعوقات التي تعترض تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة بين تركيا والدول العربية، وهو الصوت الذي قد يجد صداه اليوم، مع حالة التعاطف والتضامن بين الشعبين.
شارك الخبر