كأنها قطعة من السماء أراد الله إنزالها على أرض يمنية، إنها سقطرى، جزيرة ليست ككل الجزر، كما أنها ليست كأي أرض، فيها تلتحف الأرض بالسماء ويغدو الشغف بها جزءاً من الحنين إلى ماضٍ يسكن دواخلنا كلما أوغلت بنا الحداثة ونقلتنا إلى عالم آخر غير ذلك الذي عرفته طفولتنا.
منظر جزيرة سقطرى من على الجو يثير الإعجاب والدهشة، فهذه الجزيرة مترامية الأطراف تتمدد على بحر لطالما كان مقصداً للطامعين، فقد وجد البرتغاليون في هذه الجزيرة مكاناً للبقاء فيها لتكون منطلقاً لهم إلى بقية أصقاع الأرض، وفي الجزيرة بعض الشواهد القديمة التي تدل على بقايا أقدام البرتغاليين الذين أقاموا فيها لسنوات قبل أن يرحلوا، وهو الاحتلال الذي تزامن مع الاحتلال البرتغالي لحضرموت.
مستشفى خليفة شاهد حي على خير الإمارات الموصول.
تبدو الجزيرة وكأنها قطعة منسية فمطارها الوحيد لا يختلف من حيث البؤس عن حال الكثير من المطارات في البلاد خاصة المطارات الصغيرة، لكن هذا الوضع البائس الذي عليه المطار من وجهة نظر راكب قادم إلى الجزيرة من دول مختلفة راض به أبناء الجزيرة، لأنه فك عنهم عزلتهم عن العالم.
قلوب من لبن
تعد حديبو، أكبر مدينة حضرية في الجزيرة، والمحلات التي تنتشر على شارع المدينة تخلو من كثير من المستلزمات التي يحتاج لها المواطن في هذا العصر، فالسقطري لم يعد ذلك الذي يكتفي بمنتجات جزيرته، بل إن حاله حال الكثير من المواطنين في البلاد يتطلع لحياة أفضل وأيسر.
عندما يسير الزائر في جولات لمعرفة مناطق الجزيرة يشعر أن للسقطريين قلوباً من لبن وألسنة من عسل، فالزائر إلى جزيرتهم يلقى ترحاباً من الجميع، يتساوى في ذلك الصغير والكبير معاً، فالناس كرماء في التعبير عن ترحيبهم بالضيوف، وكلما ذهب زائر إلى مكان كان كرم الناس يطعم القلوب قبل البطون، هذا الكرم السقطري يبدو مستغرباً للبعض، لكنه غير ذلك لأبناء سقطرى، فهم يرون في الضيف واحداً من أهل البيت، فرغم فقر الناس، إلا أن البساطة غالبة على حياتهم.
تفتقر حديبو، عاصمة المحافظة، ومعها قلنسية، أكبر منطقتين في الجزيرة، إلى الكثير من مقومات الحياة، رغم أن كثيراً من أبناء سقطرى يقولون إن ما هو قائم اليوم من مرافق حكومية ومدارس ومحلات تجارية كانت معدومة إلى ما قبل سنوات، قد تكون نظرة الزائر القادم إلى سقطرى من مدن مملوءة بالحركة إلى مدينة الحياة فيها هادئة وفقيرة الإمكانات مختلفة عن نظرة أبناء سقطرى الذين ينظرون إلى أن ما تحقق للجزيرة يعتبر إلى حد ما أفضل مما كان عليه الحال قبل الوحدة وحتى ما بعدها بسنوات، الطريق ربما يكون واحداً من أهم ما غير وجه الجزيرة، صحيح أن الطرق لم تصل إلى كل مناطق الجزيرة، إلا أنه كان هناك حركة في تنفيذ بعض مشاريع الطرق التي تربط الجزيرة ببعضها بعضاً أفضل ما تحقق لأبناء الجزيرة، لكن الجزيرة تفتقد تقريباً إلى كل شيء، ولو لا الطبيعة التي خص بها الله عباده في هذه الجزيرة لكان الناس هنا بين الحياة والموت.
إقبال أجنبي
لكن ماذا يجذب السائح في سقطرى؟، تعد سقطرى بكاملها جاذبة للسائح والزائر، لكن هناك أذواقاً مختلفة للسياح، فالبعض يهوى البحر للسباحة، حيث يمتاز بحر سقطرى بالشواطئ الرائعة جداً، كما أنها نظيفة، وهي تجذب الراغبين في هذا النوع من السياحة، وهناك نوع من السياح تستهويهم المناظر الطبيعية، وتنوعها هي الأخرى فريد، سواء جيولوجي أو نباتي أو تكوين الجبال وطبيعية المناخ الموجود في سقطرى، فسقطرى على رغم صغر مساحتها، فيها اختلاف كبير في مناخها، هناك مناطق تكون حارة نسبياً في أوقات الصيف ومناطق باردة في الفصل نفسه.
يملأ الأجانب الفنادق والمحميات البرية والبحرية، بحثاً عن متعة لا يجدونها في بلدانهم، كان الفندقان الرئيسيان في الجزيرة ممتلئان بنزلائهما، وكان السقطريون ممن يتحدثون لغات أجنبية، يحيطون بهم ويشرفون على تنظيم برامج سياحية متميزة لهم في الجزيرة.
لا يبدو أن هناك خوفاً على السياح الأجانب في سقطرى، فهم يتجولون بحرية محاطون بحب السقطريين الذين يتعاملون معهم بنوع من الألفة حيثما ذهبوا، فهم يجدون الاهتمام الكبير من أبناء الجزيرة، فتراهم يسيرون بدون حراسات أو أطقم عسكرية، ويشاهد العشرات من السياح وهم يتناولون الطعام في بعض المطاعم الشعبية في الجزيرة، رغم قلتها، كما كانوا يوجدون في الأماكن التي تشكل مصدر جذب سياحي كبير من دون أية مظاهر عسكرية.
ويعد إلمام العديد من أبناء جزيرة سقطرى ببعض اللغات الأجنبية مثيراً للاهتمام، فقد درس العديد من أبناء جزيرة سقطرى اللغات الأجنبية ليكونوا قادرين على التعامل مع الأفواج السياحية الأجنبية، ونظمت السلطات المحلية دورات لتوعية هؤلاء الشباب بالبيئة السقطرية، ليتمكنوا من نقل المعلومة الصحيحة عمّا تحويه الجزيرة من نباتات وأعشاب وأشجار وأسماك وجبال وغيرها وأهميتها وقدرة بعضها على شفاء الأمراض.
شجرة دم الأخوين
تحتوي الجزيرة على العديد من أشجار دم الأخوين الشهيرة، وتعد أغرب شجرة في العالم، وفي محمية «ذي سكام»، والتي تحتوي على غابات من شجرة دم الأخوين يمر الزائر بمناطق يكسوها الضباب على قمم الجبال، وتبدو المنطقة مملوءة بغابات شجرة دم الأخوين، تلك الشجرة الشبيهة بالقبعة، والتي كانت تملأ المكان وتبدو أشكالها غريبة، وهي معمرة وبطيئة النمو، لدرجة أن بعض الأشجار يحتاج إلى عشرات السنين لتصبح في طول مترين.
وسبب تسمية الشجرة ب«دم الأخوين»، يعود إلى الأسطورة التي تتناقلها الأجيال في اليمن، والتي تحكي قصة أول قطرة دم وأول نزيف بين الأخوين قابيل وهابيل، وبحسب الأسطورة فقد كان قابيل وهابيل أول من سكن جزيرة سقطرى وعندما وقعت أول جريمة قتل في التاريخ وسال الدم نبتت شجرة دم الأخوين.
وهناك محمية «ذي حمري»، وهي منطقة ذات جاذبية للسياح الأجانب، كما حال مناطق أخرى مثل «عرهر» ذي الشاطئ الساحر والجميل، والوصول إليها يتطلب قطع مسافة تصل إلى أكثر من نصف ساعة بسيارة «لاند كروزر»، وهي السيارات التي تستخدم في الأغلب في الجزيرة.
بين الطريق الإسفلتي ومحمية ذي حمري طريق ترابي ترفض السلطات المحلية تعبيده، وحتى السياح يرون في بقائه أفضل مما لو تم تعبيده أو رصفه، لأنه يبعد عن المحمية توحش المدينة، البعض يقول إنه لو تم تعبيد الطريق بالإسفلت فإن ذلك سيقضي على خصائص المحمية البحرية، التي لا تزال متروكة كما هي بدون تدخل أحد.وهناك كهف يعرف باسم «حُق» المرتفع عن سطح الأرض، ولمن رأى مغارة «جعيتا» في لبنان بالقرب من نهر الكلب، فإن كهف «حُق» يعد قريباً منها، مع فوارق عديدة أن كهف سقطرى لا تصله أية وسيلة مواصلات عكس «جعيتا»، والاهتمام بالمغارة في لبنان غير موجود في كهف سقطرى، فيد الإنسان لم تمتد إليه قط، لهذا كان الاستعانة بكشاف النور ضرورياً للتجول في الكهف الذي يعد عميقاً إلى الداخل في مسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات تقريباً.
لم يتم تنفيذ مشروع يسهل للناس صعود الجبل لرؤية الكهف ونزوله لأسباب عدة البعض لا يزال يعتقد أن إدخال مثل هذه المشاريع يقضي على فكرة الإثارة التي توفرها رحلة الصعود إلى الجبل والعودة من نفس الطريق، ويبرر البعض هذه الخطوة بعدم جدوى إقامة مشروع العربات الجوية، أي «التلفريك»، كما هو حاصل في بعض المناطق اليمنية والعالمية خاصة مع قلة السياح الذين يصلون إلى الجزيرة، والذين يكون وجودهم في مناسبات معينة، إضافة إلى غياب السياحة الداخلية، لهذا فإن إقامة هذه المشاريع في ظل غياب التدفق السياحي الكبير ستكون غير مربحة، فيما يتخوف البعض من مسؤولي الجزيرة من أن يشكل إقامة مثل هذه المشاريع خطراً على البيئة السقطرية، إذ ستلحق هذه المشاريع استحقاقات أخرى لا تحتاجها بيئة الجزيرة.
خير الإمارات
في ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، افتتح سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، السابق عبدالله مطر المزروعي مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي نفذته مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية بجزيرة سقطرى. وقال عبدالله المزروعي، الذي أكد أن الفكرة الأولية لبناء المستشفى بدأت منذ 2009 بإنشاء غرفة عمليات ثم تطورت لتتحول إلى بناء مستشفى متكامل يضم العديد من الأجهزة والمعدات الطبية المتطورة، مشيراً إلى أن المستشفى يضم غرفتي عمليات وغرفة للعناية المركزة وأقسام النساء والتوليد والأطفال والطوارئ بتجهيزات ومعدات طبية متطورة، مؤكداً أن ما تم إنجازه حالياً يعتبر مرحلة أولى من المشروع الذي ستشمل المرحلة الثانية منه مبنى للعيادات الخارجية وآخر لإدارة المستشفى.
ولفت إلى أن دولة الإمارات خاصة مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، لم يقتصر عملها على هذا المستشفى ولم تنتظر حتى الانتهاء من إنجازه لكنها دعمت الخدمات الطبية من خلال توفير أطباء متخصصين في العظام والتخدير والأسنان منذ مدة طويلة، إضافة إلى توفير أربع سيارات إسعاف مع سائقيها وسيارات خاصة بالمستشفى، كما قامت المؤسسة ببناء عدة مشاريع لتخزين المياه في مناطق متفرقة بالجزيرة وإنشاء مصنع للثلج، إضافة إلى نشاط العديد من المؤسسات الخيرية الإماراتية.
وفي الأيام القليلة الماضية تسابقت المنظمات الخيرية الإماراتية لتقديم الدعم لسكان جزيرة سقطرى بعدما تعرضت الجزيرة لإعصاري «تشابالا» و«ميغ»، والذي أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية للجزيرة الضعيفة أصلاً، فضلاً عن مصرع العديد من أبناء الجزيرة، حيث وصلت سفينتان وطائرتان تقل مواد إغاثية لسكان الجزيرة، في مسعى من دولة الإمارات للتخفيف عن السكان من آثار الإعصارين المدمرين.
سقطرى.. الجزيرة والأرخبيل
-تعتبر سقطرى وأرخبيلها الذي يضم 6 جزر صغيرة تعتبر الأجمل والأغنى والأكثر تفرداً في تنوعها الحيوي، حيث تعد جزيرة سقطرى أكبر وأهم جزيرة ضمن خمس جزر تكون أرخبيل يعرف باسمها «أرخبيل سقطرى» وهي: سقطرى، عبد الكوري، درسة، سمحة وكعول فرعون، ويقع أرخبيل سقطرى عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر العربي وشرق إفريقيا، وتتناثر جزره على مستوى أفقي تقابل في امتدادها الساحل الجنوبي الشرقي لليمن عند محافظتي المهرة وحضرموت أما المساحة الإجمالية للأرخبيل فتقدر بنحو 2650 كيلو متراً مربعاً، ويبلغ طول جزيرة سقطرى وحدها 125 كيلو متراً وعرضها 33 كيلو متراً.
يتمتع الأرخبيل بتنوع حيوي فريد، حيث يتميز بنباتاته المتنوعة والمتعددة، حيث سجلت الدراسات احتواء سقطرى على نحو 850 نوعاً من النبات منها 293 نوعاً مستوطناً ونادراً تنفرد بها سقطرى عن باقي مناطق العالم، إذ يعتبرها العلماء والباحثون في مجالات الطبيعة والبيئة بأنها تحتضن أكبر تجمع للتنوع النباتي في العالم.
من أبرز أنواع النباتات النادرة والطبية التي تزخر بها جزيرة سقطرى شجرة «دم الأخوين»، المعروفة علمياً باسم (Dragon Tree Blood)، وشجرة «امتة»، المعروفة علمياً باسم (Euphorbia Arbuscula) وشجرة «سيرو» المعروفة علمياً باسم (Jatropha Uni cortata)، كما تنتشر شجرة «الاسفد» بشكل واسع في الجزيرة التي تشكل أحد أبرز معالم الأرخبيل، وتتميز بجذعها الضخم والأوراق ذات الشكل النجمي، إضافة إلى ذلك توجد في الجزيرة أشجار البخور ونبتة الصبر.