كغيره من القطاعات، يعاني قطاع تعليم الفتيات في اليمن من انتكاسة كبيرة بسبب الحرب. ويأتي ذلك بعدما كانت الحكومة اليمنية ومنظمات دولية وأممية تعمل في هذا المجال قد حققت تقدّماً ملحوظاً في الحدّ من الفجوة التعليمية ما بين الذكور والإناث، من خلال إقناع عدد كبير من الأسر بتعليم بناتها. لكن الحرب نسفت جميع الجهود التي بُذلت خلال العقدين الأخيرين.
لم تكن سارة خالد (15 عاماً) قد أكملت الصف الثالث الإعدادي بعد، لكن والدها منعها من الذهاب إلى المدرسة في بداية الفصل الثاني من العام الدراسي السابق، إثر اشتداد المواجهات المسلحة في مدينة تعز (وسط) بين الفصائل المؤيّدة للحكومة الشرعية من جهة، وبين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس السابق علي عبدالله صالح. ويرفض الوالد عودة ابنته إلى مدرسة القرية التي نزحوا إليها في ريف محافظة تعز منذ بداية الحرب، إذ يرى أن الحرب ستمتد، ولا جدوى من استمرار ابنته الوحيدة في الدراسة. يقول: "أخشى على سلامتها حتى في الريف، خصوصاً أن المدرسة بعيدة جداً عن المنزل"، مشيراً إلى أن سارة ألحّت عليه للذهاب إلى المدرسة، لكنه رفض، حفاظاً على سلامتها. يضيف لـ"العربي الجديد": "وافقت على أن تكمل دراستها في المدينة بسبب قرب المدرسة من المنزل. لكن المدرسة اليوم بعيدة"، لافتاً إلى أن "تعليم الفتاة ليس أمراً ملحّاً، كونها ستتزوج في نهاية المطاف".
عبد الكريم الحاشدي أيضاً فضّل إبقاء فتياته الثلاث في المنزل بعد تخفيض راتبه، وهو الذي يعمل في إحدى شركات المقاولات في محافظة حجة (غرب). يقول: "لم أعد قادراً على توفير مصاريف الدراسة لكلّ أبنائي. لذلك، سجّلت الفتيان في المدرسة هذا العام، وأبقيت الفتيات في المنزل، إذ إنهنّ لسن بحاجة إلى التعليم. المهم أن يتعلّمن الكتابة والقراءة". ويلفت الحاشدي إلى أن بعض المنظمات الأممية "كانت تقدّم لنا مواد غذائية بشكل مستمر، شرط أن نسمح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة. لكن هذه المساعدات توقفت تماماً بسبب الحرب".
وكان نزوح مئات الآلاف من اليمنيين إلى مناطق أخرى، خصوصاً الأرياف، سبباً مباشراً لإبقاء الفتيات في المنزل. في هذا السياق، تؤكد وكيلة الوزارة لقطاع تعليم الفتاة في وزارة التربية والتعليم، إشراق الحكيمي، لـ"العربي الجديد"، أن الحرب المستمرة في اليمن أثّرت بشكل كبير على قطاع التعليم، خصوصاً لدى الفتيات. وتشير إلى أن الدراسة التي أعدتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي تحت عنوان "تداعيات الأزمة الراهنة على التعليم العام في اليمن"، بيّنت أن 3584 مدرسة (70 في المائة من إجمالي المدارس) أغلقت أبوابها قبل نهاية العام الدراسي، ما حرم نحو 1.84 مليون تلميذ وتلميذة من التعليم (علماً أن الأكثرية من الإناث)، لافتة إلى أن العدد سيرتفع، وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية لدفع الفتيات إلى المدارس.
تضيف الحكيمي أن عدداً كبيراً من الأهالي كانوا يرفضون إلحاق بناتهم بالمدرسة، وقد باتت المهمة أصعب اليوم، خصوصاً أن عائلات كثيرة منعت بناتها من الذهاب إلى المدرسة نهائياً في ظل الصعوبات الكثيرة، على غرار انقطاع التيار الكهربائي، وتوقف إمدادات الوقود، وارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على تحمّل تكاليف التعليم وغيرها.
وتشير الحكيمي إلى أن تعليم الفتاة لم يعد أولوية لدى بعض الأسر النازحة التي فقدت مصادر دخلها، ما أجبر بعض الآباء على تزويج الفتيات للتخفيف من العبء الاقتصادي، استناداً إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). وترى أن "تعليم الفتاة في اليمن أولوية. لكننا نواجه مشاكل عدة في هذا المجال، أبرزها تقليص الموازنات، وتوقف دعم المانحين لهذا القطاع".