هل تعلم أن توماس إديسون (مخترع المصباح) والذي غيرت اختراعاته البالغ عددها 1093 حياتنا كلية، اعتبره المدرسون غير قابل للتعلم، ولم يتعلم سوى ثلاثة أشهر فقط بعد أن وجده ناظر المدرسة طفلا بليدا متخلفا عقليا، وقامت والدته بمهمة تنشئته وتربيته، ولم ينس إديسون أن ذلك كان له عظيم الأثر في حياته، إذ يقول "أمي التي صنعتني لأنها كانت تحترمني وتثق بي وأشعرتني أنني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط".
ليس وحده "توماس إديسون"، ألبرت أينشتاين، صاحب النظرية النسبية أيضا كان يأتي دائما متأخرا في العلوم والرياضيات ويذكر أنه رسب في مادة الرياضيات ثلاث سنوات واعتبره المدرسون بطيء التعلم، ولويس باستور، مكتشف الجراثيم والبسترة، كان كثير السرحان لدرجة أنه صُنف كمريض ذهان.
لم ينجحوا دراسيا
هكذا حال غالبية الموهوبين، لم ينجحوا دراسيا لوجودهم في فصول دراسية عادية لا تتفق مع قدراتهم العالية على التعلم ولا تتلاءم مع رغبتهم الجامحة في البحث والمناقشة والاعتماد على التجربة والخطأ والتحليل وطرح الأسئلة غير العادية والاستفسارات البعيدة عن موضوع الدرس والتي غالبا ما يرفضها المدرسون.
وتشير الإحصاءات إلى أن هناك من 15% إلى 50% من الموهوبين ذوي تحصيل الدراسي متدنٍ لأنهم يختلفون اختلافا واضحا عن أقرانهم العاديين في النواحي العقلية أو الجسدية أو اللغوية وغيرها، ولهذا أدرجت العديد من الأبحاث التربوية الموهوبين ضمن فئة ذوي الإعاقة لأنهم يحتاجون برامج تربوية متخصصة تختلف عن البرامج التربوية المعدة للأطفال العاديين، وتوجد مؤسسات أعدت خصيصا من قبل حكومات الدول لرعايتهم تنتشر في الدول الأجنبية وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا إنجلترا واليابان وأستراليا وبعض الدول العربية.
وهناك أكثر من خمسين شخصية مشهورة عربية وعالمية تخلفت عن أقرانها في الدراسة، ومع ذلك استطاع جميعهم تحقيق شهرة واسعة وتقديم خدمات جليلة للبشرية، وهو العدد فقط الذي يعرضه كتاب "عظماء بلا مدارس" من تأليف عبد الله صالح الجمعة، والذي يقول في متن كتابه أن الفشل الدراسي قد يكون بداية لسلم نجاح، فهناك الكثير ممن كانت قدراتهم العقلية أقوى من مجرد التلقين ولهذا فشلوا دراسيا لأن مداركهم أكبر من مجرد مدارس نظامية تحد وتميت الإبداع وتحصر حدود تفكير الطفل في المجال الذي وضعه الكتاب المدرسي، فكانت مدرسة الحياة أولى بهم.
ومن الشخصيات التي أوردها الكتاب، أغاثا مالاي كلاريسا، أشهر كاتبة إنجليزية، فلو وضعت مجموعة الكتب التي طُبعت من مؤلفاتها فوق بعضها لشكلت 20 ألف كومة يساوي ارتفاع كل كومة منها برج إيفل بباريس أو 3400 كومة يساوي ارتفاع كل كومة منها قمة إيفريست "أعلى قمة في العالم".
أمهات أذكياء
عاشت أغاثا طفولة سعيدة لأم ذكية طموحة تعتقد اعتقادا راسخا أن أطفالها قادرون على عمل كل شيء، كما تصفها أغاثا، لم تذهب إلى المدرسة وتلقت تعليمها على يد أمها في المنزل ومن المفارقات العجيبة أنها عانت من صعوبات في فهمها لقواعد اللغة وتهجي الحروف، وكان الفضل لوالدة أغاثا في توجيهها للكتابة والتأليف، إذ شجعتها عليها في وقت مبكر من حياتها، بعد أن اقتنعت بموهبة أغاثا في الخيال الخلاق المناسب للتكتيك القصصي، ومنذ هذا الحين قضت أغاثا حياتها في كتابة القصص والروايات والمسرحيات حتى صارت أكثر كاتب بريطاني يُقرأ له يليها شكسبير كما أعلنت ذلك منظمة "اليونسكو".
أما ميشيل فاراداي، فقد قدم بحوثا سابقة لعصرها ومازال العلماء يستقون منها إلى اليوم، وكان قد ولد لأب فقير يعمل حدادا، وكان يقول عن نفسه "تلميذ عادي في مدرسة عادية" تلقى تعليما ضئيلا في مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتهت دراسته النظامية نهاية سريعة غير متوقعة بسبب عيوب لديه في النطق إذ كان ألثغ لا يستطيع نطق حرف الراء، وظنت مدرسته أن السخرية والتحقير ستجعله يتحسن وينطق بشكل سليم وعندما لم يتحسن اضطرت لضربه، فسحبته أمه من الدراسة وآثرت صحة طفلها.
عمل فاراداي بعد ذلك كصبي للطلبات عند بائع كتب، ثم عمل في غسل الزجاجات والقوارير في أحد المعامل ليلاحظ صاحب المعمل ذكاء الطفل وفهمه لما يقوم به الكيميائي، فأعجب به وضمه لفريق عمله حتى تميز بأبحاثه الكيميائية المعروفة واقترح عدد كبير من المصطلحات العلمية التي مازالت تستخدم حتى اليوم ومنها الإلكترود، الكاتود، الآنود والأيون والعازل الكهربائي وغيرها.
اللافت للنظر في جميع القصص التي يسردها الكتاب بشكل متوال هو دور الأم وإيمانها المطلق بقدرة ابنها على التفوق والنجاح في عمل أي شيء، ولكن بشرط أن يكون ذلك مصحوبا بالدعم وبث روح الحب والثقة والإيمان إلى داخل هذا الطفل نفسه، لذا ينصح بأن يحاول كل أبوين اكتشاف قدرات وميول واهتمامات الأبناء وملاحظتهم بشكل منتظم، وتوفير المناخ المناسب للنمو النفسي والاجتماعي للطفل والبعد عن نقده وتوبيخه، وترك مساحة حرية للطفل للتعبير عن آرائه وخيالاته والإصغاء إلى أسئلته غير العادية، وتشجيع الطفل على حب الاستطلاع وتوجيهه لمصادر المعلومات المختلفة. وأخيرا عدم الاستسلام لأحكام الناس في أطفالنا بل وعدم السماح لهم ببث روح الهزيمة في أبنائنا منذ البداية.