كان يوما عصيباً بكل معاني الكلمة، ليس بالمعنى المادي المتعلق بالإرهاق والصعاب، لكنه بالمعنى المعنوي المتعلق بالشعور الداخلي، فقد تحركنا بالسيارة متجهين صوب مديرية صيرة لتغطية فعالية تحت شعار (اصنع بسمة لليتيم تنل صحبة النبي الكريم)، استهدفت الفعالية أكثر من ألف شخص من أسر الشهداء منهم 600 طفل يتيم، وهي بمثابة رحلة ترفيهية للأيتام (أبناء الشهداء) نظمتها أكثر من عشر جمعيات ومنظمات مجتمع مدني على رأسها مؤسسة الرسالة للتنمية الاجتماعية والثقافية ومبادرة شباب راقٍ وصناع النهضة، وفي تصريح خاص لبرنامج التواصل مع علماء اليمن، شرح محمد عبد الواسع رئيس مؤسسة الرسالة طبيعة الفعالية والهدف منها بالقول: "هذا أقل شيء نقدمه في مؤسسة الرسالة والمبادرات العشر لأبناء الشهداء لا باعتباره تكريما ولكنه واجب علينا بهدف محاولة التخفيف من الآثار النفسية الناتجة عن الحرب وفقدان الأب، فنزرع روح التآلف والبسمة؛ لأن في إسعادهم نيل الأجر بدل الحرب الفاشية".
وكانت البداية مع وصول حافلات النقل التي تحمل أبناء الشهداء وأسرهم، وبخطوات متراصة وابتسامة واضحة تخفي حزنا متشبعا بالغموض مضت صفوف الأطفال متحركة إلى داخل منتزه (فن سيتي) واكتمل وصول أفواج الأطفال من كل مديريات عدن حيث أضاف رئيس مؤسسة الرسالة في سياق تصريحه الخاص: "إن كثيرا من الحالات الموجودة فقدت الأب والأم بل والبعض فقد جميع أفراد الأسرة"، كما أكد أيضا أن: "الله تعالى لن يسامح من أهمل الأيتام أبناء الشهداء تكريما لتضحية الشهداء، أما الشهداء الذين لم يكن لديهم زوجات ولا أطفال فإن شاء الله سيكون لهم تكريم خاص حسب إمكانياتنا وتنسيقنا مع الدولة".
في ساحة المنتزه انتشر الأطفال يتسابقون الصفوف الأولى لحجز مرتبة الدخول إلى الألعاب المختلفة، وارتفعت أصوات الأطفال واللعب والصراخ يملأ المكان، فيما إن أردت فهم واقع الحزن الذي يعيشه الأطفال عليك الحضور إلى هنا والاقتراب من تفاصيل حياتهم اليومية التي يخوضونها مكشوفين الظهر بعد استشهاد أبائهم ، عليك أن تهتم أكثر بتلك العين المراقبة، عين الأم، وهي ترفع يديها إلى رب السماء أن ينتقم لها من مليشيات الموت والإرهاب الحوثية التي خطفت منهم إرادة الحياة، وحرمت الأطفال من عاطفة الأبوة والنطق بكلمة (أبي).
اقتربنا أكثر والتقينا مع بعض الأطفال (الأيتام) وتبادلنا معهم أطراف الحديث، أسرة الشهيد طه عاطف حكت لنا كيف استشهد رب أسرتهم في معارك تحرير عدن، وتقول: غادرته رصاصات الموت الحوثية في منطقة جعولة وطرحته أرضا ووضعت جرحا لن يندمل في روح الأطفال والأسرة المكونة من الأم وستة أطفال، الشهيد طه كان موظفا في التربية والتعليم، وعن مصدر دخلهم أو الراتب يقول عم الأطفال:" الراتب حق الشهيد موقف من صنعاء بدون سبب".
ذلك الأمل الذي يحاول زرعه الخيرون في هؤلاء الأيتام، لم يستطع محو أهمية الإجابة عن حياتهم في قادم الأيام ولا كيف سيفهمون أن الأب غائب دون عودة، وهؤلاء الفتيات الأربع بنات الشهيد علي خضر أكبرهن في الثامنة وأصغرهن في الثالثة من العمر يعجزن عن فهم موت أبيهن الذي قتل على أيدي المليشيات وهو يدافع عن أرضه في مطار عدن. الفتيات اليوم يعشن في منزل الجد، أسماء البنت الكبرى أخبرتنا أنها "تشعر بسعادة لحضورها الآن"، وهي تتمنى أن تدرس وتكمل تعليمها وتلعب في أي وقت تريده، ثم توقفت عن الكلام لتنطلق في سبيل حجز مكان اللعبة القادمة.. ويتحدث العم عن مستقبل الفتيات بالقول: "نحتاج من يقدم لهم الرعاية والتعليم الكاملة ونبنيهم للدفاع عن الانتصار الذي حققته عدن بدماء الشهداء".
سيأتي اليوم الذي يعي فيه الأطفال (اليتامى) أن احتفالهم اليوم يعبر عن نصر وشجاعة الشهداء الذين وقفوا في مجابهة المليشيات الحوثية.