عززت تطورات سياسية وميدانية مختلفة في اليمن، فرص تغليب المسار السياسي على العسكري ووضع نهاية للحرب الدائرة في البلاد، منذ أكثر من سبعة أشهر، الأمر الذي أظهرته تصريحات المسؤولين اليمنيين والدوليين المنعيين، فيما لا تزال التعقيدات الميدانية وغياب الثقة بين الأطراف المختلفة أبرز العوائق، التي تجعل الوضع مفتوحاً على الاحتمالات كافة.
وكانت الحكومة اليمنية أعلنت في أكثر من مرة، أن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والذي تقدمت به دول مجلس التعاون، في أبريل/نيسان الماضي، هو شرط للسلام ولأي مفاوضات مع الانقلابيين، وجاءت موافقة الحوثيين وحزب "المؤتمر الشعبي" الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتمثّل منعطفاً مهماً في مسار الأزمة، عزز الآمال بإمكانية نجاح الجهود السياسية. غير أن الثقة بإمكانية التزامها بقيت محل شك، بسبب عدم إظهار خطوات جدية في التطبيق على أرض الواقع، بالإضافة إلى صيغة الإعلان، التي ربطت الموافقة بالنقاط السبع التي توصل إليها الحوثيون وحلفاؤهم مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في العاصمة العُمانية مسقط.
على الرغم من أهمية الخطوة التي تمت من الحوثيين بالموافقة على القرار، وإن بصيغة عليها نظر، إلا أن التقدّم كان بانتظار خطوة مهمة، تمثّلت في موافقة الحكومة اليمنية على الحضور إلى مفاوضات مع الانقلابيين برعاية أممية، تقوم على أساس الوصول إلى آلية لتنفيذ القرار الدولي 2216، وهو ما أكده الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في رسالته التي بعثها للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وجاءت رسالة هادي رداً على رسالة وجهها بان، طالب فيها الطرف الحكومي بالمشاركة في مفاوضات، وأكد التزام الحوثيين وحلفائهم بالقرار.
ولم تكن موافقة الحوثيين وحزب صالح على القرار الدولي، بمعزل عن خسائرهم الميدانية خلال أكثر من نصف عام من الحرب، إذ انتهت قوات التحالف والقوات الموالية للشرعية من تحرير المحافظات الجنوبية وانتقلت إلى محافظة مأرب، المحاذية لصنعاء من الشرق. وخلال كل ذلك، سقطت الكثير من قوات ورهانات الحوثيين وحلفائهم، بدءاً بعامل الوقت الذي كانوا يعولون على أنه سيكون في صالحهم وسيدفع التحالف إلى إيقاف عملياته من دون أن يرضخوا لمطالب الحكومة والمجتمع الدولي، مروراً برهانات أخرى، مثل الضغوط الدولية وكلفة المعركة الميدانية.
وبعد مرور ما يزيد عن عام، على بدء التدخل العسكري للتحالف العربي، من دون أن تنجح الضغوط الدولية والرهانات، فهِمَ الحوثيون ككثير من اليمنيين والمتابعين أن الحرب قد تستمر على هذا النحو، لشهور أخرى قد تطول. والجدير ذكره في هذا الصدد، أن الجماعة فشلت في اتخاذ أي خطوات سياسية مع حلفائها، إذ كانت في الشهور الأولى للحرب تلوّح بـ"تشكيل حكومة"، وهو الأمر الذي فشلت فيه، وانتهى الحديث عنه لاحقاً.
كما كان لتغيّر الموازين الميدانية انعكاس أساسي على ترجيح السياق السياسي، ففي الأشهر الأولى للحرب، كان عامل موازين القوة على الأرض، في كفة الحوثيين وحلفائهم، أحد أبرز العوائق التي تعيق استعادة المسار السياسي، إذ سعى التحالف العربي إلى تحرير عدن ومحيطها كحد أدنى، بما يسمح بعودة الحكومة إلى البلاد وبما يقوي فرصة الشرعية والقوات المتحالفة معها على الأرض. وفي الأشهر اللاحقة، شكّلت التغييرات التي فرضتها المعارك، عامل قوة في مصلحة الشرعية والتحالف، وهو الأمر الذي عبّر عنه وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، ونظيره البريطاني، فيليب هاموند، قبل أكثر من أسبوع، واعتبراه من العوامل المساعدة على قرب نهاية الحرب.
وعلى الرغم من أن التحوّل الأهم الفترة الماضية، كان موافقة الحوثيين على القرار 2216، إلا أن موافقة الطرف الحكومي على المفاوضات، كان عاملاً أساسياً، وهذه الموافقة وفق مراقبين، لم تأتِ كاستجابة بحتة لموافقة الحوثيين، إذ كان التقدّم المحرز جنوباً ووسطاً أمراً مغرياً بالمواصلة عسكرياً، خصوصاً مع حالة عدم الثقة في الانقلابيين ونواياهم تجاه المفاوضات.
ومع ذلك، فقد كان الفشل السياسي والأمني في المناطق المحررة، من العوامل المهمة التي دفعت الطرف الحكومي ليصبح أكثر حرصاً على المسار السياسي، إذ اضطرت الحكومة لمغادرة البلاد مجدداً، عقب هجمات استهدفت مقرها المؤقت في عدن، وتبنّاها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إضافة إلى تعقيدات سياسية واقتصادية وأمنية وإدارية متعددة، من مخلفات الحرب.
ومثلما كانت التفجيرات الإرهابية سبباً في مغادرة الحكومة، فإن نشاط مجموعات مسلحة محسوبة على "داعش" و"القاعدة" في عدن، وفي محافظات أخرى، يُمثّل أحد أبرز الأسباب المقلقة للحكومة والتحالف العربي، ليس لكونها تمثل تحدياً أمنياً في مناطق الشرعية فقط، بل كذلك، باعتبار أن تهديدات الإرهاب عابرة للحدود، وتجلب أنشطتها انتقادات وضغطاً دولياً، الأمر الذي يستفيد منه الحوثيون وصالح وتُوجه إليهم اتهامات بإنعاشه، بهدف إفشال الحكومة.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها "المقاومة" والقوات الموالية للشرعية بدعم من التحالف الأشهر الماضية، إلا أنها كانت انتصارات مكلفة، بالنظر إلى المدة التي استغرقتها الحرب بعد أن دخلت شهرها الثامن، علماً أن الحل السياسي كان وارداً منذ إيقاف "عاصفة الحزم" بعد 27 يوماً من بدء انطلاق التدخل العربي، وأخذت عملية "إعادة الأمل" اللاحقة للعاصفة، تسميتها وأهدافها، باعتبارها تتضمن شقاً سياسياً، مع استمرار العمليات العسكرية التي تستهدف التحركات، غير أن التطورات الميدانية والسياسية المختلفة، جعلت المسار العسكري هو الأقوى.
كما أن الوضع الإنساني يستمر في التدهور، والواقع بات أكثر تعقيداً مما تعلنه المنظمات الدولية عن حاجة أكثر من 20 مليون من بين 25، إلى المساعدة. فأغلب المدن اليمنية، ومنها العاصمة صنعاء، تعيش منذ بدء الحرب، من دون تيار كهربائي، وهناك آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، وهناك خسائر على مستوى كل فرد تقريباً، نتيجة تعطل الكثير من المصالح. وأظهرت التعقيدات في المناطق المحررة، أن آثار الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمنشآت الخدمية، تزيد من التعقيدات.
ولكن على الرغم من المعطيات المختلفة التي تعزز فرص الحل السياسي، وتجعله خياراً يميل إليه كثيرون، إلا أن تجارب الأشهر الماضية، أثبتت هشاشة المعطيات السياسية، التي فشلت في أكثر من محطة، بينما بقي المعطى الميداني هو الأقوى تأثيراً، حتى على المسار السياسي نفسه.
ومن أبرز العوامل التي قد تستمر معها الحرب، غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، والقلق من جدية الحوثيين في الالتزام بالقرار الدولي، ومن أن يستغلوا المفاوضات لإعادة ترتيب صفوفهم. ومن هذا المنطلق، يرى العديد من قادة "المقاومة" والقيادات السياسية الموالية للشرعية ومن مؤيديها بشكل عام، أن الحوار مع الانقلابيين، بعد الحرب التي شنوها وتسببوا بها على البلاد، ما هو إلا تأجيل للمواجهات إلى مرحلة لاحقة، ما لم تظهر مؤشرات حقيقية مدعومة بخطوات ميدانية تؤكد خضوعهم للقرار 2216.