الرئيسية / تقارير وحوارات / صالح في مشرحة علم النفس.. ماكر ونرجسي وانتهازي من طراز رفيع
صالح في مشرحة علم النفس.. ماكر ونرجسي وانتهازي من طراز رفيع

صالح في مشرحة علم النفس.. ماكر ونرجسي وانتهازي من طراز رفيع

24 أكتوبر 2015 07:32 صباحا (يمن برس)
ترك الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح السلطة في اليمن بعد أكثر من 3 عقود، لكنه لم يرد أن يغادر السجن الذي وضع نفسه فيه منذ وصوله إلى السلطة عام 1978، حيث تحول الشعور البسيط الذي انتابه في السنوات الأولى من حكمه من أنه صار الشخص الأول في بلد كان مضطرباً سياسياً واجتماعياً، إلى شعور بالعظمة، وبأنه الأوحد الذي يلجأ إليه الجميع ولا تستطيع البلد الاستغناء عنه، وأنه «جمع المجد من كل أطرافه»، كما كان يروج له الفريق السياسي المحيط به خلال فترة حكمه. فهو، بحسب إعلام حزبه «صاحب كل الإنجازات التي تحققت في اليمن، فهو محقق الوحدة، وهو باني الدولة اليمنية الحديثة، ومستخرج الثروات من باطن الأرض»، لدرجة أن مؤيديه عندما خرجوا في تظاهرات مؤيدة له في 2011 رفعوا يافطة كتب عليها «علي عبدالله صالح سادس الخلفاء الراشدين».
 
الأمر لا يتعلق بمنصب رئيس الدولة، وهو المنصب الذي ينظر إليه في دول العالم الثالث بغير ما ينظر إليه في الدول المتقدمة الأخرى، فعندما تولى صالح رئاسة الجمهورية العربية اليمنية، كان يدرك أنه قد لا يستمر طويلاً في الحكم، بحكم ما آلت إليه مصائر رؤساء سبقوه، أمثال المشير عبدالله السلال، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، والعقيد إبراهيم الحمدي، والعقيد أحمد حسين الغشمي، بل إن مراقبين سياسيين للوضع في اليمن لم يتوقعوا أن يصمد صالح في السلطة أكثر من ستة أشهر.
 
كان صالح خلال السنوات الأولى من الحكم شخصاً بسيطاً، فقد جاء من الريف وهو لم يكمل دراسته حتى الابتدائية، والتحق بصفوف الجيش قبل أن يصل إلى قيادة لواء المخا في محافظة تعز، التي رد لها الجميل اليوم بالمساعدة في قصفها بوحشية من خلال قواته وأنصاره الذين يقاتلون إلى جانب ميليشيات جماعة الحوثي، وتسلم منصب رئيس الدولة في وقت كان اليمن الشمالي يعيش وضعاً استثنائياً على وقع اغتيال رئيسين في غضون أشهر قليلة، هما الحمدي والغشمي.
 
يقول الكاتب صادق الوصابي: «ولد علي عبد الله صالح عام 1942 في قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان بمحافظة صنعاء لأسرة فقيرة، وعانى شظف العيش، بعد طلاق والديه في سن مبكرة، هذا الحال الذي عاشه صالح في مرحلة حياته الأولى، التي تعد الأكثر حرجاً، تدل على أنه قد حرم الاستقرار النفسي في حياته منذ وقت مبكر، وإذا أضفنا إليه عامل الفاقة والحرمان الذي عاشه في طفولته، سنجد أن هذه العوامل منحته بعداً نفسياً خاصاً، بني على انسجام نفسي أكسبه حب الانتقام ممن حوله، وهذا يوضح بجلاء السلوك الانتقامي للرجل ممن حوله، هذه النفسية لا تفرق بين المحيطين به، حتى لو كانوا من المقربين إليه، بل إنه في لحظة معينه أو موقف ما قد ينتقم من نفسه».
 
البعض في الوقت الحالي يعتبر تنكره لقيادات حزبه، وتحالفه مع الحوثي والقيام بكل ما يجري، برغم الإساءة التي تنعكس على حزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته، هو نوع من أنواع الانتقام من الذات.
 
شخصية سيكوباتية
 
بعد توليه السلطة، تعمق لدى صالح الشعور بأنه المنقذ الوحيد للبلد، وفي محاولة لإظهار تضحيته من أجل البلد، ظل يردد طوال سنوات حكمه أنه لم يكن يرغب في السلطة ولم يسع إليها، بل هي من سعت إليه. كان دائماً ما يكرر أنه حمل كفنه بيده عندما عرضت عليه مهمة تسلم السلطة بعد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي ولفترة محددة، إلا أن هذه الفترة طالت وتحولت مع مرور السنوات إلى كابوس أذاق اليمن الويل وأوصله إلى ما هو عليه اليوم.
 
يتفق الكثيرون على أن المخلوع يتمتع بقدرات عقلية كبيرة، وأنه لولا هذا الذكاء، الذي اتسم بالمكر والدهاء، ما كان له ليصمد كل هذه السنوات في الحكم، مع أن رؤساء سابقين كانوا أكثر قدرة وإمكانات عسكرية وسياسية.
 
يقول الدكتور أحمد المجرشي، أستاذ علم النفس بجامعة عدن إن المخلوع صالح «يتمتع بقدرة كبيرة على المناورات وهذا تعبير عن إمكانات وقدرات عقلية جيدة، لكن هذه القدرات كان يمكن تسخيرها في إرساء العدالة وتطوير البلد واستقراره وليس في خلق الأزمات وهدر الطاقات وإشعال الحروب التي ارتدت عليه، عكس ما كان يخطط له».
 
ويتفق معه في ذلك البروفيسور واستشاري الطب النفسي السعودي طارق الحبيب، الذي يقول إن علي عبدالله صالح يعتبر «داهية» في المجال السياسي، ولكنه يعاني مرضاً نفسياً هو «الشخصية السيكوباتية» التي تجعل منه شخصاً انتهازياً.
 
ويعرف الحبيب شخصية صالح السيكوباتية بالقول إنه «شخص انتهازي في استغلال الفرص ويغير جلده للتماهي مع الظرف الراهن.. هذه الشخصية إشكالية ولا يؤمن جانبها ولا يمكن الدخول معها في شراكة».
 
ويستدل الحبيب على شخصية صالح بالتذكير بأنه سبق له أن بدل موقفه في حرب العراق التي كانت السعودية فيها ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ثم جاء إلى الرياض عندما احتاج المعالجة من آثار الحريق الذي أصابه بعد الانفجار بصنعاء، وقد عاملته السعودية بشكل جيد حتى إن صورة واحدة له أثناء علاجه لم تتسرب للإعلام».
 
أما السياسي والكاتب صادق الوصابي فقد كتب عن صالح بالقول إنه «دائماً يخطط على المستويين القريب والبعيد، لكن خططه لم تكن في يوم من الأيام خطط بناء وتعمير، بقدر ما كانت خطط صراعات وحروب، مخططاته دائماً تقوم على الصراعات، إذا لم يتمكن من إقامة صراعات آنية خطط لصراعات مستقبلية».
 
ويرى المجرشي أن شخصية صالح تثير الكثير من الغموض والالتباس والحيرة في أغلب الأحيان ليس في الداخل اليمني فقط، بل في أغلب التقارير الدولية، ويقول: «قسم العلماء والدارسين هذه الشخصيات إلى عدد من المجموعات، وما يهمنا هنا هي المجموعة الثانية، حيث تتميز هذه المجموعة بأن أصحابها ذوو ميول مسرحية ودرامية في الحركات وتكون مشاعرهم متقلبة وغير متوازنة مع الأحداث، وصالح يندرج ضمن هذه المجموعة، التي تشمل أيضاً الشخصية الحديدية، الهستيرية، العدائية للمجتمع، النرجسية»، وكثير من هذه الصفات يتسم بها صالح وتظهر في سلوكه وتصرفاته، إلا أن الشخصية النرجسية، برأي المجرشي، هي الأكثر مماثلة أو مواءمة لشخصية صالح.
 
ويفسر المجرشي الشخصية النرجسية لصالح بقوله إنها «عادة ما تكون غير مرنة وغير متكيفة وينشأ عنها فشل اجتماعي أو معاناة ذاتية، والفشل الاجتماعي في حياة الفرد لا يقتصر على المرحلة العمرية الحالية، بل ربما كان له أثر في أي مرحلة من مراحل العمر منذ الطفولة، وهنا يمكن التركيز أكثر على المعاناة الذاتية في مرحلة الطفولة التي عبر عنها صالح في أكثر من لقاء تلفزيوني عند حديثه عن نشأته، حيث تتصف الشخصية النرجسية بالشعور بالعظمة والحساسية من الانتقادات وتقويمات الآخرين».
 
ويشير المجرشي في حديث سابق مع «الخليج» إلى أنه غالباً ما يتميز أصحاب هذه الشخصية بتضخيم ذواتهم ومنجزاتهم وذكائهم وإمكاناتهم ودورهم الاجتماعي والوظيفي، ويعتقدون أن الآخرين يلاحظونهم ويتابعون أخبارهم باستمرار، وأيضاً يشعرون بأن مشكلاتهم فريدة ولا يمكن فهم هذه المشكلات واستيعابها إلا من قبل فئة خاصة بالمجتمع، ومثل هذا الشعور يدفعهم إلى الوقوع في مشكلات وأزمات في المجتمع».
 
ويقول إن هذا كله رأيناه في تصرفات المخلوع صالح عندما كان يناور في قضية تخليه عن السلطة عند اندلاع ثورة فبراير/شباط من العام 2011، وهو في الحقيقة لم يكن يريد ذلك، فقد كان يقول إنه يريد أن يترك السلطة ولكن يريد تسليمها إلى أيد أمينة، وهو في الحقيقة لم يكن يرى من بين ملايين الشعب اليمني (أيادي أمينة) ليسلم إليها السلطة.
 
ويضيف المجرشي بالقول: «النرجسيون عادة منشغلون بخيالات من النجاح غير المحدود والقوة، ويعانون مشاعر الحسد من أولئك الذين يرونهم أكثر نجاحاً أو جمالاً منهم، وسلوكهم يقوم على أساس أنهم مركز الانتباه والمحور الاجتماعي، وقد يستخدمون كل الوسائل لبقاء هذه الصورة التي رسموها لأنفسهم حتى إن استخدموا العنف في سبيل تحقيق ذلك».
 
تضخيم الـ«أنا»
 
ويرى المجرشي أن صالح «تضخمت لديه ال«أنا» الزعيم، الرمز، المشير، وباتت مركزاً لديه عنواناً لاستقرار الوطن، وهو ما حول البلد إلى متراس لأهوائه، ولاحظنا ذلك بجلاء في حروبه العبثية والأزمات المتتالية التي وصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم».
 
ويشير المجرشي إلى أن «جزءاً من طبيعة وتكوين شخصية صالح أنها شخصية إنكارية، في لحظات تكتشف فيها بعد عقود من الهيمنة والاستبداد الطويل أن مركزها بدأ يهتز وقدراتها النافذة بدأت تتعطل، ولذا لا غرابة أنه أصيب في لحظة الصدمة الأولى عند اندلاع الثورة الشعبية ضده بحالة من عدم التصديق، مع ميل كبير لترويج نظرية المؤامرة التي تدار من البيت الأبيض و«إسرائيل»، وان البلد بعد رحيله سيتقسم إلى دويلات، ورأيناه في مناسبات مختلفة وهو يتقن فن التجاهل لكل النقاط المعتمة في نظامه»، الذي استمر لنحو 33 عاماً.
 
وعن الدلالات البارزة في شخصية المخلوع صالح من حيث تعبيرات الوجه والجسد ومفردات خطاباته وتصرفاته وقراراته، يقول المجرشي إن شخصية صالح تبدو ضعيفة من الداخل، وهذا يبدو من المبادرات التي يطلقها بين وقت لآخر، وهي بما تحمله من معان كان يرفضها سابقاً وتأتي متأخرة، ويعتبرها الآخرون لا تعبر عن قناعة حقيقية، وإنما لكسب مزيد من الوقت لخلط الأوراق أو ترقب أخطاء الآخرين كي يستفيد منها لإعادة ترتيب أوراقه، وهو بكل ذلك يحاول تغطية ذلك الضعف الذي يعيشه.
 
يمكن ملاحظة ذلك من خلال إظهار علامات الغضب وارتفاع الصوت واحمرار الوجه وتقطيب الحاجبين، ورأينا هذا من خلال إطلالاته الأخيرة على شاشات التلفزة، سواء في قناة «اليمن اليوم»، التابعة له أو «الميادين»، التي بثت مقابلة مطولة له أراد من خلالها التأكيد أنه حاضر، لكنه وقع في الكثير من التناقضات، وأحياناً يقع في تناقض بين إجابة وأخرى.
 
ما بعد ترك السلطة
 
لم يمنح رئيس عربي قامت ضده ثورة من قبل شعبه، كما منح الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فعلى الرغم من تسببه بمآس لملايين اليمنيين خلال فترة حكمه، منح صالح بموجب المبادرة الخليجية حصانة قضائية من الملاحقة القضائية، مع رموز حكمه، تحت وهم أن ذلك قد يكون مخرجاً لليمن من أزماته، لكن صالح لم يستغل ذلك جيداً، وظل على اعتقاد أنه قادر على قلب الطاولة على خصومه.
 
بموجب المبادرة الخليجية تخلى صالح عن السلطة ورشح نائبه السابق عبدربه منصور هادي (الرئيس الحالي) لمنصب رئيس الدولة، وكان يعتقد أن قادر على العودة مرة أخرى من بوابة هادي باعتباره شخصية ضعيفة، وظلت في جلباب الرئيس لمدة تزيد على 15 عاماً.
 
وقد اعترف صالح في آخر مقابلة له في قناة «الميادين» عندما أبدى ندمه على ترشيح هادي رئيساً، وقال إنه إذا هناك من مخطئ في تصعيده إلى الرئاسة فهو أنا «يقصد نفسه».
 
ويروي سياسيون كانوا يقومون بزيارة صالح في منزله في العاصمة صنعاء بعد تسليمه السلطة إلى الرئيس هادي، أن الرجل لا يزال يعيش الدور باعتباره رئيساً، ويبدو كمن لم يصدق أنه سلم الرئاسة، بل إنه أعطى فرصة لهادي لعامين ويعود لها.
 
ويشير هؤلاء إلى أن صالح ظل يعطي التوجيهات ويصرف الإعانات للناس كما لو كان رئيس دولة، كما ظل يستقبل زواره كما كان يستقبلهم عند كل صباح، بل ويستقبل وفوداً سياسية وخريجي جامعات وأندية رياضية ويجري مقابلات ويتحدث معهم تماماً كما كان يفعل عندما كان رئيساً.
 
ويقول طارق الحبيب إن صالح يمر حالياً بحالة احتضار سياسي، فما حدث له في الرياض سابقاً كان تأميناً سياسياً له حتى عاد ثانية إلى اليمن ومارس العمل السياسي من جديد رئيساً لحزب كبير، إلا أن خط الرجعة قد فاته، فحصانته السابقة قد انتهت»، بعد أن تسبب بإشعال حرب كبيرة طالت كل البلاد.
 
في المحصلة الأخيرة، يرى مقربون من صالح أن الرجل يمكن أن يهد المعبد على رؤوس الجميع إذا ما شعر بأنه لم يعد هناك من مجال لتنفيذ ما يراه هو، لا ما يراه الجميع، أي «إما أنا أو الطوفان»، ويستدلون على ذلك بما قام ويقوم به من خلط أوراق سياسية وعسكرية بتحالفات مع ميليشيا مسلحة خاض ضدها ست حروب وقتل فيها الآلاف من الجنود والمواطنين، دليلاً على ضياع العقل وغياب مصلحة اليمن لديه.
شارك الخبر