الرئيسية / شؤون محلية / اليمن يعقد صفقة تاريخية مع صالح: وقصة اللقاء السري بدار الرئاسة
اليمن يعقد صفقة تاريخية مع صالح: وقصة اللقاء السري بدار الرئاسة

اليمن يعقد صفقة تاريخية مع صالح: وقصة اللقاء السري بدار الرئاسة

28 يناير 2012 05:01 مساء (يمن برس)
يتفق الكثيرون على أن الرئيس اليمني المنتهية ولايته علي عبدالله صالح، لم يقرر مغادرة اليمن إلا بعدما حصل على صفقة سياسية تاريخية لا تعوض خصوصاً، وأنها جاءت بعدما كان قد خسر كل شيء بمن فيهم أركان نظامه من قادة الجيش الذين تخلوا عنه أو تساقطوا في ثورة الاحتجاجات التي اكتسحت مؤسسات الجيش؛ فيما وضع فقدانه لحلفائه المقربين من قبيلة حاشد ومسقط رأسه قرية سنحان، المسمار الأخير في نعش نظامه الذي ظل لعقود يستقوي بالمؤسسة العسكرية الخاضعة لسيطرته وأقربائه واستخدمها خلال أشهر الثورة ومفاوضات التسوية خندقاً للتمترس وفرض الشروط للبقاء.

لعل اللقاء السري الذي عقده صالح قبيل مغادرته اليمن مع مقربيه من أبناء ووجهاء قريته سنحان الذين عملوا معه خلال سني حكمه ال 33 والأسرار التي أفصح عنها كانت كافية لتأكيد أن الرجل وجد نفسه في الأيام الأخيرة قبيل مغادرته صنعاء وحيدا بعدما تخلى عنه حلفاؤه وأكثر المقربين منه.

أقر صالح يومها أن هؤلاء "غرروا به ودفعوه إلى مربع حرج لم يقو معه على الصمود فاختار الرحيل بكرامة وإفساح المجال لعجلة التغيير التي صنعتها ثورة الشباب".

كان صالح صريحاً بما فيه الكفاية عندما أكد لمقربيه الذين قلدهم أرفع المناصب العسكرية والمدنية وأفسح لهم المجال للثراء خلال سنوات حكمه الممتدة ل 33 عاماً وأكثر، ذات مغزى إذ قال "لقد عرفت أعدائي من غرروا بي وعلينا أن نتكاتف كأسرة واحدة على رغم كل ما حصل".

هذا الحال لم يختلف كثيراً في خطابه الأخير أمام أركان نظامه وقيادات حزبه المؤتمر الشعبي العام، حيث حرص على تقديم اعتذار وداعي لليمنيين وطلب منهم الصفح عن أي تقصير أو أخطاء حصلت خلال فترة حكمه، ما اعتبره سياسيون دليلاً على عدم قناعة صالح بقانون الحصانة الذي لا يعني أنه سيكون في مأمن في حال ما قرر العودة إلى اليمن لممارسة نشاطه السياسي رئيساً لحزب المؤتمر، كما قال.

ويقول قريبون من صالح إن الرجل شعر في أيامه الأخيرة بالندم لأنه أهدر فرصاً كثيرة أتيحت له خلال الفترة الماضية لترميم جراحات الماضي وتمادى في إغراق البلاد بمستنقع الانقسامات مراهناً على المقربين منه الذين تساقطوا واحداً تلو الآخر وخصوصاً من أبناء عشيرته الذين طالما قربهم منه ومنحهم أكبر المناصب في مؤسسات الدولة، ناهيك عن منحهم هبات وعطيات صنعت منهم مليونيرات في بلاد يعصف الفقر المطلق بأكثر سكانها.

ويشير هؤلاء إلى أن صالح وفي موازاة نصائح لبعض القريبين منه في وقت مبكر بأخذ خيار التنحي السلمي والشروع بإصلاحات شاملة ترمم جراحات الماضي وتلبي مطالب التغيير والكف عن استخدام العنف ضد شباب الثورة، إلا أنه مال إلى فريق الصقور الذين تورطوا في إسالة الكثير من الدماء خلال 11 شهراً من الاحتجاجات، ما أنتج فاتورة ضحايا كبيرة تعدت الألف قتيل و27 ألف جريح و1500 معاق، إضافة إلى آلاف المعتقلين بسجون سرية وغير سرية.

انقسامات وحروب
مثلت مغادرة صالح اليمن بالنسبة لكثير من المواطنين حدثاً كبيراً خصوصاً أن هذا الحدث قلّص من احتمالات نشوب حرب في بلد يعاني من تشظي وانقسامات في نسيجه الاجتماعي ومؤسساته، غير أن البعض يرى أن صالح ترك البلاد مخلفاً تركة ثقيلة من المشكلات أكثرها حدة الحروب المندلعة في بعض المحافظات على خلفية مذهبية وأكثر من ذلك خطر تنظيم القاعدة، الذي برز إلى الواجهة بعد سيطرة مسلحي التنظيم على مدينة رداع في محافظة البيضاء، وسط البلاد، في إطار مشروع التنظيم لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.

ويقول شباب الثورة إن أكثر التركات خطورة هي حال الانقسام في الشارع وفي مؤسسة الجيش وهو الحال الذي يعتقد كثيرون أن صالح عمقه كثيراً بقوة المال والسلطة، وصار اليوم يمثل مشكلة عميقة قد تكون من أكبر التحديات التي ستواجهها الحكومة والرئيس الجديد وربما يحتاج اليمن لسنوات لردمها، وهذا الحال عبر عنه المخلوع بوضوح عندما دعا الشعب اليمني قبيل مغادرته إلى التلاحم والتوحد والالتفاف حول بعضهم بعضا والمصالحة والمصارحة.

وأنتجت التداعيات الأمنية التي رافقت الثورة الشبابية خارطة أمنية ملبدة بالمشكلات تبدأ من أقصى الشمال في محافظتي صعدة وحجة، حيث تدور حرب طاحنة بين المسلحين الحوثيين ومسلحي الجماعات السلفية من جهة وبين الحوثيين والقبائل الحدودية المتحالفة مع التيارات السلفية الدينية من جهة ثانية وصولاً إلى صنعاء حيث آثار الحروب التي خاضها الجيش الموالي لصالح مع رجال القبائل في الضواحي الشمالية للعاصمة.

ويمتد المشهد الأمني المضطرب إلى أقصى جنوب ووسط البلاد، في محافظتي أبين والبيضاء، حيث تدور في الأولى مواجهات مسلحة بين الجيش وخلايا الذراع اليمنية لتنظيم القاعدة فيما تخضع مدينة رداع في البيضاء لسيطرة مسلحي التنظيم الأصولي الذي أعلن من هناك تأسيس إمارة إسلامية.

ويقول الناشط عبدالكريم الحبيشي إن "جسامة المشكلات الأمنية تبرز بوضوح إذا ما عرفنا أن الجيش الذي احتفظ طوال عام من الاضطرابات بولائه لصالح وأقربائه يعيش اليوم أسوأ مشكلاته في ظل انقسامات حادة بين الفريق المؤيد للنظام السابق والفريق المؤيد للثورة في مناطق يمنية عدة".

تجربة سياسية فريدة
برز صالح في المشهد اليمني في ظل أوضاع سياسية وأمنية مضطربة وبعد تعيينه حاكماً عسكرياً في محافظة تعز، كان الطريق أمامه قد فتح باتجاه كرسي الحكم؛ فوصل إلى رأس السلطة بعد اغتيال رئيسين هما إبراهيم الحمدي وأحمد حسين الغشمي، عضواً في مجلس الرئاسة ثم رئيسا للمجلس وقائداً أعلى للقوات المسلحة في يوليو 1978.

ومثلت عملية اغتيال هؤلاء في الفترة من أكتوبر / تشرين الأول 1977  يونيو/ حزيران 1978 محطة تحول مفصلية في التاريخ السياسي في الجمهورية العربية اليمنية ( الشمال سابقاً )، كان اليمن في عهد الرئيس الحمدي الذي قاد ثورة تصحيحية ناصرية على أعتاب مرحلة تغيير كبيرة خصوصاً بعد تنبي الأخير رؤى قومية تدفع باتجاه الوحدة بين شطري اليمن ورؤى اقتصادية حديثة انعكست واقعاً على الشعب اليمني في فترة قياسية.

لكن هذا الحلم أجهض بعملية الاغتيال التي طالت المقدم الحمدي وما تلاها من عمليات تصفية للكثير من رفاقه من قادة الجيش بما فيهم المقدم الغشمي، لم يضيع صالح الكثير من الوقت إذ كان أدرك مفاتيح اللعبة السياسية مستفيداً من تجربة سلفه؛ فكرس جهوده لكسب ود زعماء القبائل الذين خاضوا صراعاً محموماً مع الرئيس الحمدي، وسرعان ما فرض سيطرة كاملة على قوات الجيش بمساعدة أشقائه وقادة الجيش المقربين منه استناداً إلى القاعدة السحرية التي طالما اعتمدها في تثبيت نظامه وهي أن السيطرة على الجيش تعني السيطرة على كرسي الحكم.

لم يلتفت صالح إلى جهود سابقيه في المضي باتفاقيات الوحدة بين الشطرين، بل خاض حروباً مع النظام في جنوب اليمن سابقاً، غير أن الأوضاع وبعد مضي سنوات، كانت استقرت بالنسبة إليه؛ في حين دخل الجنوب في دوامة من العنف وصلت ذروتها في أحداث 13 يناير/ كانون الثاني من العام 1986 التي قوضت أركان الدولة كلياً.

بمساندة أطراف إقليمية ودولية، أدرك صالح أن الوقت قد حان للانقضاض على الجنوب ذي التوجه الاشتراكي وقطف ثمار الجهد الوحدوي الذي سبقه إليه رؤساء سابقون في شمال اليمن وجنوبه فآوى نظام الرئيس السابق علي ناصر محمد وبنى له معسكرات التدريب استعداداً لمرحلة قادمة قبل أن تفرض الظروف الدولية مساراً آخر دفعه للخوض في ترتيبات لإعلان وحدة اندماجية بين الشطرين.

وبموجب اتفاق الوحدة صار علي صالح رئيساً لليمن الموحد وصنعاء عاصمة دولة الوحدة، وأدت سياسته في شراء ولاءات القوى المشيخية والشخصيات المدنية والعسكرية المؤثرة وتصفية الخصوم إلى إضعاف شركائه في الوحدة من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن سابقاً.

في أقل من عامين اختل التوازن الذي فرضه اتفاق الوحدة الاندماجية فصارت الغلبة لنظام صالح على حساب شريكه الذي كان فقد أكثر حلفائه التقليديين والسياسيين وعجز كلياً على الصمود في حرب صيف 1994 التي انتهت بانتصار قوات صالح وفرار القادة الجنوبيين إلى خارج اليمن لاجئين سياسيين.

بعد حرب صيف 94 كان على "الطغمة" العسكرية التي شكلها أبناء وأقرباء صالح ومعهم القوى الإسلامية التي كانت تناصب النظام في الجنوب العداء لأسباب أيديولوجية أن يملؤوا الفراغ في خطة الإقصاء التي تبناها صالح بعدما وضعت الحرب أوزارها ليسيطر صالح وأقرباؤه على مفاصل الحكم في اليمن شمالاً وجنوباً.

التوريث والثورة
لم تمض سوى سنوات قليلة حتى غيّر صالح دستور دولة الوحدة بعد سلسلة تعديلات حصّنت نظام صالح وساعدته على إقصاء القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين في دولة الجنوب السابقة وإحلالهم بآخرين من الشمال، وأخيراً تصفية رفاقه من قادة الجيش وسائر القوى الإسلامية وغير الإسلامية التي ساندته في حرب صيف 1994 بعدما أعلنت صراحة رفضها لمشروعه في التوريث.

ركز صالح في هذا المشروع على المؤسسة العسكرية، وفي سنوات قليلة حصل نجله الأكبر على رتبة عسكرية رفيعة تجاوزت كل القوانين العسكرية ليصير بين عشية وضحاها قائداً لقوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، قوات النخبة في الجيش اليمني.

في مقابل العطايا التي كان يغدقها على معاونيه والفساد المستشري في جسد الدولة والذي أفقد اليمن الكثير من الدعم الدولي بعدما رفضت كثير من دول العالم تقديم الدعم لبلد ينخره الفساد، انحسرت مستويات المعيشة لدى المواطن اليمني بعدما صار أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر؛ فيما تفاقمت البطالة وصارت نصف قوة العمل تعاني العجز والعوز.

زاد من ذلك إهدار نظام صالح للموارد المحدودة للبلد نتيجة اعتماده على شراء الولاءات، ويرى كثيرون أن شروع صالح بتهيئة نجله للتوريث كان سبباً كافياً في اغتيال أحلام اليمنيين في التغيير والحرية والعدل والمواطنة المتساوية، ما أثار حوله الكثير من العواصف.

وعلى الرغم من أن نظام صالح واجه في العام 2010 موجة احتجاجات عاصفة في جنوب اليمن وشماله نتيجة الصراع مع المعارضة حول قانون الانتخابات، إلا أن العام 2011 كان كابوساً بالنسبة إليه، حيث شهد اليمن مع مطلع هذا العام تباشير ثورة قادها الشباب تطالب بإسقاط النظام.

أدى لجوء صالح إلى العنف المفرط لقمع الثورة إلى فقدانه كثيراً من رفاق دربه في مؤسسات الجيش، كما فقد أكثر حلفائه التقليديين من وجهاء القبائل وعلماء الدين الذين تخلوا عنه فيما كانت القوى السياسية في المعارضة قد حسمت أمرها وأعلنت الالتحام بالثورة الشبابية.

ولم يعدم صالح الوسيلة في مواجهة ثورة شعبية تطالب بإنهاء نظامه العائلي المختبئ تحت غطاء الديمقراطية والتعددية السياسية، ولعل أكثر ما يتذكره اليمنيون خلال شهور الثورة الشبابية هو تصريحات صالح المتكررة بشأن التحديات والمؤامرات التي تواجه اليمن ودعوته رجال القبائل على مواجهة مخططات لإشعال حرب أهلية ودعوته المواطنين إلى الاصطفاف لمواجهتها ثم حديثه أمام رجال القبائل الموالين للنظام عن محاولات انقلابية على الثورة والجمهورية والحرية والديمقراطية والوحدة وشكره المواطنين على مواجهة المخطط الانقلابي على الشرعية الدستورية.

وأكثر من ذلك الدعوات التي كان يطلقها للمواطنين للدفاع عن أموالهم وأعراضهم في حال دبت ما أسماها “الفوضى والغوغائية” التي قال إن أحداً لن يستطيع السيطرة عليها في إشارة إلى رياح التغيير.

بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في القصر الجمهوري في مطلع يونيو/ حزيران العام الماضي، عاد صالح إلى اليمن بعد شهور من خضوعه للعلاج مدعياً أنه حامل حمامة سلام وغصن الزيتون، غير أن ممارسات نظامه على الأرض كانت تثبت العكس كلياً؛ فبعد شهر واحد من عودته كانت حصيلة ضحايا عمليات القتل الجماعي والفردي التي مارسها نظامه بحق شباب الثورة تصاعدت كثيراً في عدد القتلى والجرحى والمخطوفين.

ولعب صالح بالورقة الأمنية فمارس سياسة العقاب الجماعي على مواطنيه ودعم خلايا تنظيم القاعدة ليقول للعالم إنه ليس هناك من زعيم يمكن أن يواجه خطر القاعدة سواه فيما أطلت الفتنة برأسها في الحروب التي اندلعت في أكثر من مدينة يمنية وكانت سائر الأطراف تتهمه بالضلوع في إشعالها.

رئيس محظوظ
رغم كل المحطات العصيبة التي واجهها صالح في حياته وفي ختام مسيرته السياسية، إلا أن مؤيديه يرون أنه كان من الرؤساء اليمنيين الأكثر حظاً، شمالاً وجنوباً، إذ إن فترة حكمه كانت الأطول بين كل الرؤساء المتعاقبين على “اليمنيين” بواقع 33 سنة .

أكثر من ذلك أنه ظل لعقود متحكماً بمصيره حتى في أحلك الظروف خلافاً لنظرائه السابقين والذين انتهى الحال بأكثرهم إما إلى الموت في ظروف اغتيال غامضة أو النفي خارج البلاد في حين نجا هو من أكثر عمليات الاغتيال خطورة في قصره الرئاسي، كما حصل على حصانة قانونية كاملة أعادته “كيوم ولدته أمه”، بل وأتاحت له العودة إلى اليمن في أي وقت شاء لممارسة نشاطه السياسي بكل حرية وحصانة.

ويرى هؤلاء أن صالح خرج من اليمن مرفوع الرأس بعدما حصل على امتيازات أقلها حصوله على تشريع سيادي منحه الحصانة القانونية والكاملة، إلا أن البعض الآخر اعتبر خروجه مخزياً خصوصاً أنه كان حتى اللحظات الأخيرة، يخطط للانقلاب على اتفاق التسوية الخليجي وتراجع عن ذلك بعدما شعر أنه فقد الكثير من حلفائه وقوته في مقابل تنامٍ كبير للضغوط الخارجية المطالبة برحيله والملوحة بإدانته في أي لحظة.

*المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية
شارك الخبر