الرئيسية / تقارير وحوارات / اليمن: السيطرة العائلية تنسف المبادرة الخليجية
اليمن: السيطرة العائلية تنسف المبادرة الخليجية

اليمن: السيطرة العائلية تنسف المبادرة الخليجية

28 يناير 2012 08:01 مساء (يمن برس)
بينما كان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يغادر مطار صنعاء - بعد طول تردد وتلاعب وتمرير للوقت - كانت سلسلة من الأحداث المتفرقة تلقي بظلالها، سواء في العاصمة أم في محافظات يمنية أخرى. وكان العالم يترقب ما إذا كان الانفراج سيشق طريقه فعلاً لا قولاً، في بلد تتهاوى فيه الأوضاع الحياتية وبدأت ملامح مجاعة وتشرد وأمراض فتاكة!

فها هم العسكريون يعتصمون للمطالبة بإقالة قائد القوات الجوية اللواء محمد صالح الأحمر. ويتكرر تحرك الجنود والضباط في قاعدتين جويتين في صنعاء وفي كبرى مدن الجنوب عدن، ويتجمع ضباط وطيارو قاعدة الديلمي الملاصقة لمطار صنعاء أمام منزل نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي. وهذا دليل آخر على الوضع المتأزم حتى داخل المؤسسات العسكرية التي لم تنشق بعد عن السلطة.

نسف الانتخابات الرئاسية
اللواء الأحمر هو الأخ غير الشقيق للرئيس المنكفئ اضطراراً وغير المستقيل بالكامل. الضباط والجنود تحدثهم أنفسهم بأن عائلة صالح وأقرب المقربين منه سيواصلون القبض على مقاليد السلطة، سواء طالت غيبة صالح في الخارج أم قصرت، ومهما كانت "حيثيات" المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يشرف عليها منصور هادي، المرشح الأوحد للرئاسة.
والغريب هو أن أكثر من جهة محلية وأجنبية لا تستبعد أن يضغط صالح أو أبناؤه لأجل نسف الانتخابات الرئاسية بالذات، فيبقى صالح في سدة الرئاسة إلى الأبد فقط!

سوريا على خطى اليمن!
واللافت هو السعي العربي إلى تعميم تجربة اليمن الانتقالية على الوضع السوري، لجهة مطالبة الرئيس بشار الأسد بنقل صلاحياته إلى نائب الرئيس كي يرأس حكومة وحدة وطنية كمنطلق لمرحلة انتقالية. لكن أحد المعنيين العرب فاجأنا بالقول: حتى في اليمن قد لا تنجح تجربة كهذه، والبرهان أن منصور هادي سيجد نفسه محاصراً بالضغوط، خصوصاً أن أقرب المقربين من صالح أصبح لديهم الحصانة. بمعنى آخر "البراءة المسبقة من أعمال القمع اللاحقة".

تبرير "سياسي" للقتل
وحول كون البرلمان أعطى هؤلاء الحصانة في الأعمال التي نفذوها لأهداف سياسية، وليس في القتل والأعمال الجنائية، قال المسؤول المعني، وبلغة الواثق من نفسه: "وهل هناك ضوابط قانونية تمنع تبرير أي عمل سلطوي أو دموي من منظار سياسي، وحتى من منطلق صون وحدة اليمن واستقراره؟!

المهم، أن الرئيس صالح اصطحب معه إلى أميركا زوجته والأبناء الخمسة الصغار، تاركاً الابنين الأكبر عمراً ومقاماً - وسطوة - في المعترك، وهذا عدا الوسائل الأخرى المتاحة أمام بعض ألوية الجيش والمخابرات والأمن، والتي ليس واضحاً بعد ما إذا كان منصور هادي كرئيس مقبل سيتمكن من السيطرة عليها، أو سيفرض شمولها بعملية إعادة بناء ودمج القوات المسلحة (الموالية والمنشقة) والتي هي إحدى أبرز مواد المبادرة الخليجية.

طريق التهدئة غير سالك
أما "لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار" التي تم تشكيلها لإعادة الحياة الطبيعية بعد تنحي صالح، فلم تتوقف عن مناشدة جميع الجهات العسكرية والأمنية إطلاق سراح جميع الذين احتجزوا خلال الاحتجاجات. ولكن، على أرض الواقع، فإن طريق التهدئة لا يزال غير سالك حتى في المجال الأمني البحت، فكيف بالنسبة لمجمل المهام المتعلقة بإعادة بناء البلد سياسياً ودستورياً و"مؤسساتياً" وإدارياً وإنمائياً في يمن ما بعد علي عبد الله صالح؟!

الحصانة للقيادات المنشقة
بالطبع هناك مراكز حيوية وأحياء وشوارع لا تزال تحت سيطرة المنشقين عن الجيش، وهؤلاء يخشون أن يجري تطبيق إجراءات سحب القوات من طرف واحد.

وفي إطار "التسويق المسبق والذكي" لقانون الحصانة، فقد لجأ مناصرو صالح إلى القول إن إعطاء الحصانة، ولو الجزئية، لمعاوني الرئيس صالح وأركان نظامه ستقابلها حصانة لقادة اللواء المنشق عن الجيش، وإن هذا هو "عين العدل". وقد نسي هؤلاء أن التنفيذ على الأرض قد لا يكون على هذا النحو من "المساواة" الشكلية والمصطنعة!

سيطرة العائلة والأقارب
لا شك أن ابتعاد صالح عن المشهد السياسي اليمني، ولو إلى حين، قد أحدث ردود فعل عفوية لا تخلو من التفاؤل في تقريب ساعة الخلاص في حال وجود قرار خليجي ودولي بمواجهة المراحل اللاحقة من مناورات الرئيس الغائب الحاضر. لكن الأمر يتوقف أيضاً على الدور المرتقب لعدد هائل من الأبناء والأشقاء والمقربين الآخرين، الذين يسيطرون على كافة الأجهزة العسكرية والأمنية ودهاليزها، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ابن الرئيس أحمد علي- قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وابناء أخ الرئيس (يحيى محمد-رئيس أركان حرب الأمن المركزي. طارق محمد- قائد الحرس الخاص لعمه، وعمار محمد- مسؤول جهاز الأمن القومي)، بالإضافة الى محمد صالح عبدالله الأحمر(أخ غير شقيق - قائد القوات الجوية)، وعلي صالح عبدالله الأحمر (أخ غير شقيق- مستشار مدير مكتب القائد الأعلى)، وهناك أيضاً عدد كبير من أصهار الرئيس وأشقائه.

ونذكر من المسيطرين والممسكين بالوضع الاقتصادي على سبيل العد لا الحصر: عمر الأرحبي (من أصهار الرئيس - نائب مدير عام شركة النفط)، وعلي صالح القاضي (من الأقارب- مدير عام الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية)، ويحيى دويد (من أصهار الرئيس- رئيس مصلحة أراضي وعقارات الدولة)، وفضل الأكوع (من أصهار الرئيس - وكيل وزارة التأمينات)... إلخ.

وعلى الصعيد الدبلوماسي نذكر: عبد الكريم الأرحبي (من أصهار الرئيس - نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي).

ومهما يكن من أمر التطمينات التي أعطاها منصور هادي بعد سفر رئيسه فمن دون وجود ضغوط غير عادية "تكف أيدي" الطواقم المتشعبة التابعة لصالح وعائلته، ستبقى الأوضاع في اليمن تدور في فلك المراوحة التي يدفع ثمنها ألوف من الناس قتلاً أو إصابة أو اعتقالاً، وفي ظل تفاعلات الانشقاقات العسكرية. هذا فضلاً عما يجري من اشتباكات في محافظات حجة وصعدة ومأرب والبيضاء، لأسباب تتعلق بالحوثيين حيناً والقبليين أحياناً، والاستغلال "السلطوي" لتمرد القاعدة وأعوانها في كل حين.

*كتبه: د. نبيل حاوي
شارك الخبر