تبدو الأوضاع في اليمن في طريق نحو التحول، المفروض خارجياً، إذ لم يقبل أطراف اللعبة السياسية في البلاد أن يكون الحل لأزمتهم بأيديهم، بل بأيدي غيرهم، فالأحداث تتسارع منذ أسابيع، لكن القدرة على إحداث اختراق جدي لحلحلة الأزمة لا تزال غائبة .
يشكل "قانون الحصانة" واحدة من التحديات الحقيقية لإنجاح الحل المطروح دولياً، فإقرار القانون في مجلس النواب لقي اعتراض أطراف في جناح المعارضة السابقة، المؤتلفة حالياً في حكومة الوفاق الوطني، فيما لا تزال قضية الانتخابات الرئاسية وترشيح عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي، عقبة يحاول حزب المؤتمر الشعبي العام عدم التعاطي معها قبل إقرار قانون الحصانة، وهو بذلك يلقى تأييد أطراف إقليمية ودولية ترى أهمية أن يتم السير في الطريقين معاً للوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل بحسب جدول زمني اتفق عليه بالتوقيع على المبادرة الخليجية .
يسير طرفا حكومة الوفاق الوطني، المشكلة بموجب المبادرة الخليجية في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في خطين متوازيين، فحزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم سابقاً"، يعتقد أن الحكومة تتعامل مع القضايا الحالية بنوع من الانتقائية، ويرى أن المعارضة تتجه تدريجياً إلى إبطاء إقرار الحصانة للرئيس صالح .
وفي اعتقاد المؤتمر فإن السياسة التي يتبعها شريكه في الحكومة، المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك وشركائه أنه يرغب في اتباع سياسة تؤدي في نهاية المطاف إلى اجتثاث الحزب بشكل كامل على طريقة اجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وقد أشار إلى ذلك الرئيس علي عبدالله صالح في إحدى لقاءاته مع قادة حزبه عندما أوضح أن معارضي المؤتمر يريدون اجتثاثه بعد رحيله عن السلطة .
من هذا المنطلق يحاول الرئيس صالح إبقاء الخيوط في يده حتى مغادرته اليمن، على الرغم من شعوره بأن الأمور قد تتدهور بشكل أسرع مما يتوقع الكثيرون، بخاصة إذا ما تمت عملية الانتخابات الرئاسية بسلام .
ويجد حزب المؤتمر الشعبي نفسه واقعاً بين أزمة البقاء كمعادل سياسي مهم في الساحة والتحول إلى المعارضة بعدما قبل بأصول اللعبة السياسية، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن الحزب قد ينهار عندما يغادر الرئيس صالح اليمن
للعلاج في الخارج، لأن المؤتمر يدرك أن صالح لن يعود مجدداً إلى الحياة السياسية بعد خروجه من السلطة، ويرسخ هذه القناعة ما كان صرح به الرئيس صالح نفسه بعد شهر من اندلاع الثورة في البلاد عندما قال معلقاً على خروج خصومه أثناء حرب العام 1994 عندما قال "من يخرج من الباب لا يمكنه أن يعود من النافذة"، وهو وقادة حزب المؤتمر يدركون أنه في حالة خروجه من السلطة وبالتالي من اليمن، فإن مسألة عودته ستكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة .
كما يدرك الرئيس وحزب المؤتمر أن حصول صالح على الحصانة سيكون سبباً جوهرياً ومنطقياً ألا يعود إلى الحياة السياسية من جديد، وإن صرحوا بخلاف ذلك، لأن جزئية العفو في قانون الحصانة تعني في جانبها الجوهري التخلي عن العمل السياسي، وصالح الذي سيحصل على العفو بإقرار قانون الحصانة له ولنظام حكمه لن يكون قادراً على العودة إلى الحياة السياسية من جديد، والأمر لا يتعلق به، بل بصف طويل من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين، الذين خدموا النظام طوال أكثر من ثلاثة عقود .
من هنا يدرك حزب المؤتمر أنه بحاجة إلى غطاء سياسي حقيقي حتى يستطيع التكيف مع الواقع الجديد، كحزب معارض، وهو ما ألمح إليه الرئيس صالح عندما قال إنه سيعود للعمل السياسي من موقع المعارض، مسلماً بذلك بخسارة حزبه في أية انتخابات مقبلة .
أما الطرف الثاني في المعادلة، المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك المعارض وشركائه، فإن إقرار قانون الحصانة سيكون بالنسبة له كارثياً قياساً بالوعود التي ظل يؤكدها بعدم منح الحصانة للرئيس صالح ومن عمل معه، إلا أن قبوله بالتوقيع على المبادرة الخليجية، والتي تشتمل على إقرار قانون الحصانة يجعله في وجه العاصفة، وبالتالي عليه أن ينفذ التزاماته كاملة، لا أن ينتقي منها ما يشاء ويرفض ما يشاء .
وقد أثيرت قضية غياب وزيري العدل والشؤون القانونية عن جلسات مجلس النواب لإقرار قانون الحصانة، استياء الكثير من الأطراف المؤيدة للمبادرة والراعية لها، بما فيها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وكلها ترى ضرورة أن يسير الجميع باتجاه إقرار القانون ومنح الرئيس صالح حصانة قضائية تجعله مطمئناً لمغادرة البلاد ويترك لحكومة الوفاق الوطني العمل في أوضاع طبيعية .
ويرى مراقبون أن التلكؤ في إقرار قانون الحصانة يمنح الرئيس صالح ومؤيديه مبررات جديدة لإعادة خلط الأوراق من جديد والتسبب في إعاقة التزامات كل طرف في الوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل، وهو موعد الاستحقاقات المهمة، المتمثلة في انتخاب عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي .
وكان هادي قد طالب بضرورة تنفيذ المبادرة الخليجية وترجمتها على الواقع بحسب بنودها المحددة زمنياً، والتي جرى التوقيع عليها من قبل الأطراف كافة، معتبراً أن "الأصل في الموضوع يتمثل في إخلاص النوايا وصدق التوجه لإخراج اليمن من هذه الدوامة التي باتت أضرارها تطال كل جوانب حياة المجتمع اليمني" .
ويؤكد هادي، الذي يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل طرفي الأزمة، المؤتمر الشعبي العام من جهة واللقاء المشترك من جهة أخرى "ضرورة الاصطفاف والتكاتف من أجل إنجاح التسوية السياسية التاريخية وإخراج اليمن من هذه الظروف والأزمة الراهنة على أساس أن المسؤولية الوطنية جماعية، ويتحمل الجميع أمانة تنفيذ وترجمة المبادرة إلى الواقع باعتبارها تمثل المخرج الآمن للجميع" .
ويستشعر المجتمع الدولي خطورة الوضع في البلد، لذلك كثفت الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، التي تقف وراء المبادرة الأساسية لحل الأزمة القائمة في البلاد من اتصالاتها، فعقد سفراء هذه الدول سلسلة من اللقاءات من أجل تقريب وجهات النظر حيال الوضع القائم، ساعد في ذلك عودة الوفد الحكومي برئاسة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة من جولة خليجية قام بها لتحريك وتنشيط الجهود بهدف الوصول إلى إقرار قانون الحصانة وتسليم عبدربه منصور هادي أوراق ترشيح إلى مجلس النواب للبدء بالإجراءات القانونية لذلك، بخاصة أن اللجنة العليا للانتخابات تسير بوتيرة عالية للتحضير لهذه الانتخابات .
ويخشى مسؤولون أن يعرقل قانون الحصانة المطروح في البرلمان إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما أفصح عنه وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي، الذي أشار إلى أنه يعتقد أن عملية إجراء الانتخابات ستكون مستحيلة في مثل هذه الظروف، بخاصة ما يتعلق بعدم التوصل إلى إقرار قانون الحصانة .
تحديات القاعدة
من تداعيات هذه الأزمات داخل الحكومة ومجلس النواب، ظهور تنظيم القاعدة كلاعب رئيس جديد في الساحة، حيث جاء احتلال تنظيم القاعدة لمدينة رداع بمحافظة البيضاء، وسط البلاد، ليترجم حقيقة المخاوف من تأخر الحلول الملزمة لطرفي الأزمة لتصبح مخاوف جدية .
وتؤكد الشواهد أن الوضع في البلد قابل للتفكك إذا لم يتم حسم الخلافات السياسية بشكل سريع،، فبعد تمدد القاعدة إلى منطقة البيضاء، المجاورة لمحافظة البيضاء، إضافة إلى نشاط القاعدة في شبوة، والأزمة المستعرة في الشمال والمساعي النشطة من أجل انفصال الجنوب، يكون المشهد في غاية الخطورة .
وما لم يبدأ الجميع بحل القضايا المجمدة بسبب الخلافات السياسية فإن محاصرة الأزمات والكوارث بعد أن تقع في أكثر من مكان، ستكون صعبة للغاية، فالجوانب الأمنية لا تزال هشة في كل مناطق البلاد، كما أن الصراع في الشمال لا يزال محتدماً بين الحوثيين والجماعات السلفية منذ أسابيع عدة، ولم تفلح الوساطات التي أجريت لإنهائها .
والأوضاع في الجنوب زادت وتيرتها أكثر من اللازم، وشكلت الصدامات التي وقعت الأسبوع الماضي في مدينة عدن وحضرموت ولحج بعد مسيرات خرجت للمطالبة بالانفصال عن دولة الوحدة تحت لافتة مهرجانات التصالح والتسامح، تشكل تحدياً جدياً للحكومة المقبلة،إذا ما جرت الانتخابات الرئاسية .
اليمن سيواجه بشكل جدي خطورة تنظيم القاعدة، على الرغم من أن كثيرين يرون أن التخلص من كابوس القاعدة مرتبط بخروج الرئيس صالح من السلطة، لأن جزءاً كبيراً من التنظيم يُحرك بأدوات الرئيس نفسه، وهو ما أفصح عنه مؤخراً شقيق قائد عملية احتلال منطقة رداع عندما أكد أن شقيقه اعترف لهم بأنه يعمل مع النظام وأنه محصن من أية ملاحقة .
مع ذلك فإن خطورة تنظيم القاعدة تشكل حلقة مهمة من حلقات أزمة اليمن، ولا يمكن التخلص من هذه الخطورة بسهولة، فهي حاضرة بشكل قوي في المناطق الجنوبية من البلاد، بخاصة في منطقة زنجبار بمحافظة أبين، التي تعد الأرضية القوية التي تقف عليها نشاطات تنظيم القاعدة في اليمن ككل، وقد أعلنتها الجماعة "إمارة إسلامية" في شهر مايو/أيار من العام الماضي، ولم تتمكن قوات الجيش من تطهير المدينة من تواجدها، رغم الضربات التي وجهت إليها بمساعدة الطيران الأمريكي .
حبس أنفاس
يمكن القول إن اليمن يحبس أنفاسه للوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل، وفي أيدي الجميع، بخاصة ممن هم في موقع اتخاذ القرار أن يجعلوا هذا الموعد ممكناً .
الجميع يدرك أن الرئيس صالح لا يريد أن يأتي هذا اليوم، لأنه سيكون يوماً فاصلاً في تاريخ اليمن وتاريخه هو أيضاً، فلأول مرة سيكون الرجل بعيداً عن السلطة، وهو الذي اعتاد أن يكون رجلها الأول والأخير، ومن الصعب على الرئيس صالح أن يتخيل نفسه لا يحكم، وهو فوق ذلك لن يكون قادراً على الحركة كما كان في السابق، وربما يجد نفسه ملاحقاً بتهم جنائية عديدة، بخاصة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي لن تلتزم بالحماية القانونية التي يوفرها له قانون الحصانة، وهو يدرك أن ملفات عديدة ستفتح بعد رحيله، ولن يكون قادراً على الاحتماء إلا في إحدى الدول العربية التي ستلتزم بما جاء به قانون الحصانة .
الوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل سيكون مكلفاً جداً لليمنيين وحياتهم ومستقبلهم، لكن إن تم الوصول إليه بأقل الخسائر؛ فإن الطريق إلى المستقبل سيكون سالكاً، رغم المنغصات التي ستواجهها أية سلطة قادمة .
لذلك يحرص أشقاء وأصدقاء اليمن على أن يسهم الجميع في الداخل والخارج في إيجاد ثقة بين الأطراف السياسية حتى يتم تجاوز هذه الأزمة الكبيرة في حياة البلد وأن يتم تأمين البلد من أية خضات عنيفة في المستقبل، فاليمنيون دفعوا ثمناً كبيراً للأزمات التي نشبت بينهم، سواء قبل الوحدة أو بعد الوحدة، والرئيس صالح، رغم ما يقال عن دهائه السياسي، إلا أنه كان أحد عوامل الوصول إلى هذا الوضع الكارثي، فقد استخدم كل ألاعيبه وحيله من أجل تأمين كرسيه فقط، وكان اليمن في آخر حساباته، والدليل على ذلك ما يفعل اليوم من تبطيئ للحل السياسي ومن تعقيد للحلول السياسية المطروحة داخلياً، وهو يدرك أن كل تأخير يدخل البلد في أزمات جديدة ويقودها إلى هاوية سحيقة لا قرار لها .
مع ذلك فإن اليمنيين متفائلون في أن يكون الوصول إلى الحادي والعشرين من فبراير/شباط المقبل أقل كلفة، وأن يكونوا قادرين على خلق آلية جدية لمواجهة المستقبل الغامض والبحث في طريق يبعد اليمن من شبح الانزلاق إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فالكل يدرك أن الحروب لا تولد إلا حروباً، وقد تعلموا خلال السنوات التي انقضت من عمر الثورة ضد نظام الرئيس صالح، ألا مستقبل لليمنيين إلا بتعايشهم الكامل وقبولهم ببعضهم بعضاً، وأن الوسائل التي اتبعها صالح للبقاء في الحكم لم تعد تنفع في المستقبل .
أمام اليمنيين اختبار حقيقي في أن يبنوا بلداً أفضل يتعايش فيه الجميع وأن يكون هذا الوطن قادراً على منحهم أملاً في الأمان والاستقرار فهذا هو حلم اليمنيين منذ أن نجحت ثورتهم قبل خمسين عاماً، ولم يتمكنوا من الإمساك به حتى اليوم .
حتى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل سيضع اليمنيون ومن يحبهم من أشقاء وأصدقاء، قلوبهم على أيديهم، فإذا تمكنوا من تخطي هذه المرحلة المهمة من ثورتهم ضد نظام سيئ أدمن زرع الكراهية في صفوفهم وتمكنوا من إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتغييب شمس صالح الآفلة، سيكونون قادرين على صناعة مستقبل أفضل لهم ولبلدهم .
صادق ناشر - " الخليج " الإماراتية
يشكل "قانون الحصانة" واحدة من التحديات الحقيقية لإنجاح الحل المطروح دولياً، فإقرار القانون في مجلس النواب لقي اعتراض أطراف في جناح المعارضة السابقة، المؤتلفة حالياً في حكومة الوفاق الوطني، فيما لا تزال قضية الانتخابات الرئاسية وترشيح عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي، عقبة يحاول حزب المؤتمر الشعبي العام عدم التعاطي معها قبل إقرار قانون الحصانة، وهو بذلك يلقى تأييد أطراف إقليمية ودولية ترى أهمية أن يتم السير في الطريقين معاً للوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل بحسب جدول زمني اتفق عليه بالتوقيع على المبادرة الخليجية .
يسير طرفا حكومة الوفاق الوطني، المشكلة بموجب المبادرة الخليجية في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في خطين متوازيين، فحزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم سابقاً"، يعتقد أن الحكومة تتعامل مع القضايا الحالية بنوع من الانتقائية، ويرى أن المعارضة تتجه تدريجياً إلى إبطاء إقرار الحصانة للرئيس صالح .
وفي اعتقاد المؤتمر فإن السياسة التي يتبعها شريكه في الحكومة، المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك وشركائه أنه يرغب في اتباع سياسة تؤدي في نهاية المطاف إلى اجتثاث الحزب بشكل كامل على طريقة اجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وقد أشار إلى ذلك الرئيس علي عبدالله صالح في إحدى لقاءاته مع قادة حزبه عندما أوضح أن معارضي المؤتمر يريدون اجتثاثه بعد رحيله عن السلطة .
من هذا المنطلق يحاول الرئيس صالح إبقاء الخيوط في يده حتى مغادرته اليمن، على الرغم من شعوره بأن الأمور قد تتدهور بشكل أسرع مما يتوقع الكثيرون، بخاصة إذا ما تمت عملية الانتخابات الرئاسية بسلام .
ويجد حزب المؤتمر الشعبي نفسه واقعاً بين أزمة البقاء كمعادل سياسي مهم في الساحة والتحول إلى المعارضة بعدما قبل بأصول اللعبة السياسية، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن الحزب قد ينهار عندما يغادر الرئيس صالح اليمن
للعلاج في الخارج، لأن المؤتمر يدرك أن صالح لن يعود مجدداً إلى الحياة السياسية بعد خروجه من السلطة، ويرسخ هذه القناعة ما كان صرح به الرئيس صالح نفسه بعد شهر من اندلاع الثورة في البلاد عندما قال معلقاً على خروج خصومه أثناء حرب العام 1994 عندما قال "من يخرج من الباب لا يمكنه أن يعود من النافذة"، وهو وقادة حزب المؤتمر يدركون أنه في حالة خروجه من السلطة وبالتالي من اليمن، فإن مسألة عودته ستكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة .
كما يدرك الرئيس وحزب المؤتمر أن حصول صالح على الحصانة سيكون سبباً جوهرياً ومنطقياً ألا يعود إلى الحياة السياسية من جديد، وإن صرحوا بخلاف ذلك، لأن جزئية العفو في قانون الحصانة تعني في جانبها الجوهري التخلي عن العمل السياسي، وصالح الذي سيحصل على العفو بإقرار قانون الحصانة له ولنظام حكمه لن يكون قادراً على العودة إلى الحياة السياسية من جديد، والأمر لا يتعلق به، بل بصف طويل من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين، الذين خدموا النظام طوال أكثر من ثلاثة عقود .
من هنا يدرك حزب المؤتمر أنه بحاجة إلى غطاء سياسي حقيقي حتى يستطيع التكيف مع الواقع الجديد، كحزب معارض، وهو ما ألمح إليه الرئيس صالح عندما قال إنه سيعود للعمل السياسي من موقع المعارض، مسلماً بذلك بخسارة حزبه في أية انتخابات مقبلة .
أما الطرف الثاني في المعادلة، المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك المعارض وشركائه، فإن إقرار قانون الحصانة سيكون بالنسبة له كارثياً قياساً بالوعود التي ظل يؤكدها بعدم منح الحصانة للرئيس صالح ومن عمل معه، إلا أن قبوله بالتوقيع على المبادرة الخليجية، والتي تشتمل على إقرار قانون الحصانة يجعله في وجه العاصفة، وبالتالي عليه أن ينفذ التزاماته كاملة، لا أن ينتقي منها ما يشاء ويرفض ما يشاء .
وقد أثيرت قضية غياب وزيري العدل والشؤون القانونية عن جلسات مجلس النواب لإقرار قانون الحصانة، استياء الكثير من الأطراف المؤيدة للمبادرة والراعية لها، بما فيها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وكلها ترى ضرورة أن يسير الجميع باتجاه إقرار القانون ومنح الرئيس صالح حصانة قضائية تجعله مطمئناً لمغادرة البلاد ويترك لحكومة الوفاق الوطني العمل في أوضاع طبيعية .
ويرى مراقبون أن التلكؤ في إقرار قانون الحصانة يمنح الرئيس صالح ومؤيديه مبررات جديدة لإعادة خلط الأوراق من جديد والتسبب في إعاقة التزامات كل طرف في الوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل، وهو موعد الاستحقاقات المهمة، المتمثلة في انتخاب عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي .
وكان هادي قد طالب بضرورة تنفيذ المبادرة الخليجية وترجمتها على الواقع بحسب بنودها المحددة زمنياً، والتي جرى التوقيع عليها من قبل الأطراف كافة، معتبراً أن "الأصل في الموضوع يتمثل في إخلاص النوايا وصدق التوجه لإخراج اليمن من هذه الدوامة التي باتت أضرارها تطال كل جوانب حياة المجتمع اليمني" .
ويؤكد هادي، الذي يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل طرفي الأزمة، المؤتمر الشعبي العام من جهة واللقاء المشترك من جهة أخرى "ضرورة الاصطفاف والتكاتف من أجل إنجاح التسوية السياسية التاريخية وإخراج اليمن من هذه الظروف والأزمة الراهنة على أساس أن المسؤولية الوطنية جماعية، ويتحمل الجميع أمانة تنفيذ وترجمة المبادرة إلى الواقع باعتبارها تمثل المخرج الآمن للجميع" .
ويستشعر المجتمع الدولي خطورة الوضع في البلد، لذلك كثفت الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، التي تقف وراء المبادرة الأساسية لحل الأزمة القائمة في البلاد من اتصالاتها، فعقد سفراء هذه الدول سلسلة من اللقاءات من أجل تقريب وجهات النظر حيال الوضع القائم، ساعد في ذلك عودة الوفد الحكومي برئاسة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة من جولة خليجية قام بها لتحريك وتنشيط الجهود بهدف الوصول إلى إقرار قانون الحصانة وتسليم عبدربه منصور هادي أوراق ترشيح إلى مجلس النواب للبدء بالإجراءات القانونية لذلك، بخاصة أن اللجنة العليا للانتخابات تسير بوتيرة عالية للتحضير لهذه الانتخابات .
ويخشى مسؤولون أن يعرقل قانون الحصانة المطروح في البرلمان إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما أفصح عنه وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي، الذي أشار إلى أنه يعتقد أن عملية إجراء الانتخابات ستكون مستحيلة في مثل هذه الظروف، بخاصة ما يتعلق بعدم التوصل إلى إقرار قانون الحصانة .
تحديات القاعدة
من تداعيات هذه الأزمات داخل الحكومة ومجلس النواب، ظهور تنظيم القاعدة كلاعب رئيس جديد في الساحة، حيث جاء احتلال تنظيم القاعدة لمدينة رداع بمحافظة البيضاء، وسط البلاد، ليترجم حقيقة المخاوف من تأخر الحلول الملزمة لطرفي الأزمة لتصبح مخاوف جدية .
وتؤكد الشواهد أن الوضع في البلد قابل للتفكك إذا لم يتم حسم الخلافات السياسية بشكل سريع،، فبعد تمدد القاعدة إلى منطقة البيضاء، المجاورة لمحافظة البيضاء، إضافة إلى نشاط القاعدة في شبوة، والأزمة المستعرة في الشمال والمساعي النشطة من أجل انفصال الجنوب، يكون المشهد في غاية الخطورة .
وما لم يبدأ الجميع بحل القضايا المجمدة بسبب الخلافات السياسية فإن محاصرة الأزمات والكوارث بعد أن تقع في أكثر من مكان، ستكون صعبة للغاية، فالجوانب الأمنية لا تزال هشة في كل مناطق البلاد، كما أن الصراع في الشمال لا يزال محتدماً بين الحوثيين والجماعات السلفية منذ أسابيع عدة، ولم تفلح الوساطات التي أجريت لإنهائها .
والأوضاع في الجنوب زادت وتيرتها أكثر من اللازم، وشكلت الصدامات التي وقعت الأسبوع الماضي في مدينة عدن وحضرموت ولحج بعد مسيرات خرجت للمطالبة بالانفصال عن دولة الوحدة تحت لافتة مهرجانات التصالح والتسامح، تشكل تحدياً جدياً للحكومة المقبلة،إذا ما جرت الانتخابات الرئاسية .
اليمن سيواجه بشكل جدي خطورة تنظيم القاعدة، على الرغم من أن كثيرين يرون أن التخلص من كابوس القاعدة مرتبط بخروج الرئيس صالح من السلطة، لأن جزءاً كبيراً من التنظيم يُحرك بأدوات الرئيس نفسه، وهو ما أفصح عنه مؤخراً شقيق قائد عملية احتلال منطقة رداع عندما أكد أن شقيقه اعترف لهم بأنه يعمل مع النظام وأنه محصن من أية ملاحقة .
مع ذلك فإن خطورة تنظيم القاعدة تشكل حلقة مهمة من حلقات أزمة اليمن، ولا يمكن التخلص من هذه الخطورة بسهولة، فهي حاضرة بشكل قوي في المناطق الجنوبية من البلاد، بخاصة في منطقة زنجبار بمحافظة أبين، التي تعد الأرضية القوية التي تقف عليها نشاطات تنظيم القاعدة في اليمن ككل، وقد أعلنتها الجماعة "إمارة إسلامية" في شهر مايو/أيار من العام الماضي، ولم تتمكن قوات الجيش من تطهير المدينة من تواجدها، رغم الضربات التي وجهت إليها بمساعدة الطيران الأمريكي .
حبس أنفاس
يمكن القول إن اليمن يحبس أنفاسه للوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل، وفي أيدي الجميع، بخاصة ممن هم في موقع اتخاذ القرار أن يجعلوا هذا الموعد ممكناً .
الجميع يدرك أن الرئيس صالح لا يريد أن يأتي هذا اليوم، لأنه سيكون يوماً فاصلاً في تاريخ اليمن وتاريخه هو أيضاً، فلأول مرة سيكون الرجل بعيداً عن السلطة، وهو الذي اعتاد أن يكون رجلها الأول والأخير، ومن الصعب على الرئيس صالح أن يتخيل نفسه لا يحكم، وهو فوق ذلك لن يكون قادراً على الحركة كما كان في السابق، وربما يجد نفسه ملاحقاً بتهم جنائية عديدة، بخاصة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي لن تلتزم بالحماية القانونية التي يوفرها له قانون الحصانة، وهو يدرك أن ملفات عديدة ستفتح بعد رحيله، ولن يكون قادراً على الاحتماء إلا في إحدى الدول العربية التي ستلتزم بما جاء به قانون الحصانة .
الوصول إلى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل سيكون مكلفاً جداً لليمنيين وحياتهم ومستقبلهم، لكن إن تم الوصول إليه بأقل الخسائر؛ فإن الطريق إلى المستقبل سيكون سالكاً، رغم المنغصات التي ستواجهها أية سلطة قادمة .
لذلك يحرص أشقاء وأصدقاء اليمن على أن يسهم الجميع في الداخل والخارج في إيجاد ثقة بين الأطراف السياسية حتى يتم تجاوز هذه الأزمة الكبيرة في حياة البلد وأن يتم تأمين البلد من أية خضات عنيفة في المستقبل، فاليمنيون دفعوا ثمناً كبيراً للأزمات التي نشبت بينهم، سواء قبل الوحدة أو بعد الوحدة، والرئيس صالح، رغم ما يقال عن دهائه السياسي، إلا أنه كان أحد عوامل الوصول إلى هذا الوضع الكارثي، فقد استخدم كل ألاعيبه وحيله من أجل تأمين كرسيه فقط، وكان اليمن في آخر حساباته، والدليل على ذلك ما يفعل اليوم من تبطيئ للحل السياسي ومن تعقيد للحلول السياسية المطروحة داخلياً، وهو يدرك أن كل تأخير يدخل البلد في أزمات جديدة ويقودها إلى هاوية سحيقة لا قرار لها .
مع ذلك فإن اليمنيين متفائلون في أن يكون الوصول إلى الحادي والعشرين من فبراير/شباط المقبل أقل كلفة، وأن يكونوا قادرين على خلق آلية جدية لمواجهة المستقبل الغامض والبحث في طريق يبعد اليمن من شبح الانزلاق إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فالكل يدرك أن الحروب لا تولد إلا حروباً، وقد تعلموا خلال السنوات التي انقضت من عمر الثورة ضد نظام الرئيس صالح، ألا مستقبل لليمنيين إلا بتعايشهم الكامل وقبولهم ببعضهم بعضاً، وأن الوسائل التي اتبعها صالح للبقاء في الحكم لم تعد تنفع في المستقبل .
أمام اليمنيين اختبار حقيقي في أن يبنوا بلداً أفضل يتعايش فيه الجميع وأن يكون هذا الوطن قادراً على منحهم أملاً في الأمان والاستقرار فهذا هو حلم اليمنيين منذ أن نجحت ثورتهم قبل خمسين عاماً، ولم يتمكنوا من الإمساك به حتى اليوم .
حتى الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط المقبل سيضع اليمنيون ومن يحبهم من أشقاء وأصدقاء، قلوبهم على أيديهم، فإذا تمكنوا من تخطي هذه المرحلة المهمة من ثورتهم ضد نظام سيئ أدمن زرع الكراهية في صفوفهم وتمكنوا من إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتغييب شمس صالح الآفلة، سيكونون قادرين على صناعة مستقبل أفضل لهم ولبلدهم .
صادق ناشر - " الخليج " الإماراتية