صرح عامل إغاثة رفيع المستوى في منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) بأن الاضطرابات التي تفجرت في اليمن منذ عام تقريباً أثرت على قدرة الحكومة على أداء مهامها، مما اضطر منظمات الإغاثة إلى العمل بشكل وثيق مع، ومن خلال، شركاء ومتطوعين على مستوى المجتمع المحلي.
وفي هذا السياق، قال غيرت كابيليري، ممثل منظمة اليونيسيف في اليمن: "إن قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها على المستوى المركزي ]الوزارات[ من أجل توفير الموارد وتنفيذ ورصد الأنشطة الروتينية غير كافية؛ كما أن قدرة المؤسسات الحكومية اللامركزية على الوفاء بالتزاماتها ضعيفة جداً".
ويشكو عمال الإغاثة في جميع أنحاء الشرق الأوسط من التحديات التي يواجهونها عند تصميم وتنفيذ برامج فعالة، بينما يحيط عدم الاستقرار السياسي بنظرائهم الوطنيين، وذلك بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت المنطقة منذ بداية العام الماضي. ففي مصر، يتم تغيير الوزراء كل بضعة أسابيع، وفي ليبيا، تتردد الحكومة المؤقتة في اتخاذ إجراءات بشأن قضايا معينة، حيث تفضل أن تؤجل البت في القرارات طويلة الأجل لحين تشكيل حكومة منتخبة.
وكمثال على ذلك، أشار كابيليري إلى أن "هناك عدداً قليلاً جداً من الشركاء المنفذين ]في اليمن[ الذين يملكون قدرة محدودة للغاية على تشغيل وإدارة المراكز العلاجية الخارجية". حيث أفادت منظمة اليونيسيف في تقرير صادر عنها في 7 يناير أن 50% فقط من المراكز العلاجية الخارجية في 14 محافظة من أصل21 محافظة استمرت في تقديم خدماتها في نهاية سبتمبر 2011، وذلك بسبب انعدام الأمن ونقص الوقود والاضطرابات المدنية.
كما ذكرت صحيفة يمن تايمز الأسبوعية المحلية أن الاحتجاجات التي اندلعت ضد عشرات القادة من المؤسسات الوطنية منذ منتصف ديسمبر قد زادت الوضع سوءاً.
من جهته، أفاد عبد الرحمن عبد الحميد، مستشار وزير التخطيط والتعاون الدولي، أن "دور هذه المؤسسات تقلص بسبب نقص التمويل نتيجة للاضطرابات التي اندلعت على مدار السنة... وهذه المؤسسات تعجز حالياً عن القيام بمهامها بسبب إضرابات الموظفين والاحتجاجات".
معالجة سوء التغذية
في غياب دعم قوي من حكومة مركزية قادرة على القضاء على المستويات العالية من سوء التغذية، يعمل مسؤولو الإغاثة عن كثب مع قادة المجتمع المحلي في مجال الصحة.
وفي هذا السياق، ذكرت الدكتورة سجى عبد الله، منسقة المجموعة القطاعية الخاصة بالتغذية في اليونيسيف، أن معالجة سوء التغذية الحاد والشديد على مستوى المجتمع المحلي، والتي يجرى الترويج لها بنجاج من قِبل المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، تمكن المجتمعات المحلية والمرافق الصحية الصغرى من علاج الغالبية العظمى من الحالات، وذلك حتى يقتصر العلاج في المستشفيات على حالات المضاعفات الحرجة.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية ( إيرين)، أفاد وسام التميمي، أخصائي تغذية الطفل في منظمة اليونيسيف في اليمن، أنه "من خلال معالجة سوء التغذية الحاد والشديد على مستوى المجتمع المحلي، تستطيع أي أُم أن تأخذ طفلها الذي يعاني من سوء تغذية حاد إلى أقرب مرفق صحي لتقييمه والتدخل لإنقاذ حياته عن طريق إعطائه الدواء والغذاء العلاجي".
ومن الجدير بالذكر أن تنفيذ برنامج معالجة سوء التغذية الحاد والشديد على مستوى المجتمع المحلي بدأ في اليمن في عام 2008، وذلك من خلال ثلاثة مرافق صحية فقط، ولكن يجري تنفيذه الآن في 374 مركزاً صحياً في 17 من أصل 21 محافظة يمنية.
وفي هذا السياق، أوضح التميمي أن "هذه المرافق توفر للأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء تغذية حاد وشديد مضادات حيوية وطعام بلامبي نات والفيتامينات المختلفة ومغذيات تكميلية بالإضافة إلى أقراص التخلص من الديدان. كما أنها تتحقق من حالة تطعيم الأطفال المحالين إليها وتتأكد من تطعيمه إذا تبث أنه لم يحصل على تطعيم معين".
ووفقاً للتقرير الصادر عن اليونيسيف في منتصف شهر ديسمبر الماضي، تم علاج ما يقرب من 58,338 طفلاً دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد وشديد في 374 مرفقاً من مرافق معالجة سوء التغذية الحاد والشديد على مستوى المجتمع المحلي خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر من عام 2008.
كما ذكر التميمي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "خطتنا الآن تشمل علاج 105,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد وشديد بحلول عام 2012، وذلك من خلال تفعيل ما لا يقل عن660 مرفقاً صحياً لتقديم خدمات معالجة سوء التغذية الحاد والشديد على مستوى المجتمع المحلي في جميع أنحاء اليمن".
المعرفة المحلية
أخبر محمد عودة، وهو موظف عمليات في مؤسسة الصالح للتنمية الاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية، شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه نظراً للدور المحدود الذي تقوم به السلطات، فإن المعرفة المحلية حول الوضع الأمني تكتسي أهمية قصوى في مسألة تقييم الاحتياجات الفعلية وتقديم المساعدات.
وجاء في قوله: "قمنا في الشهر الماضي بإلغاء قافلة إغاثة كانت متجهة إلى محافظة الجوف بعد أن غادرت صنعاء لأن المنسقين المحليين نصحونا عبر الهاتف بعدم التوجه إلى المحافظة بسبب الاشتباكات بين الحوثيين ورجال القبائل المسلحين من حزب الإصلاح الإسلامي. وتمت إعادة المساعدات إلى مخازننا في صنعاء".
من جهته، قال عصام عوض، موظف الاستجابة لحالات الطواريء في الجمعية الخيرية للرعاية الاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية محلية، لإيرين أن "المتطوعين من المجتمع المحلي أكثر دراية بالحالات المعرضة للمخاطر... ويعرفون أيضاً الطرق الآمنة وأنسب وقت لتقديم المساعدة... كما يعرفون كيفية تجنب المخاطر التي يشكلها المسلحون".
كما يمكن أن للمتطوعين المحليين أن يلعبوا دورا مهماً في نقاط التفتيش غير القانونية المنتشرة على الطرق السريعة، وخاصة في المناطق النائية. حيث أفادت فتحية عبد الله، وهي إحدى عمال الإغاثة في جمعية رعاية الأسرة اليمنية، وهي منظمة غير حكومية محلية، أنه "إذا كنت مصحوباً بمرافقين من المجتمع المحلي، فإنك تصبح أقل عرضة للمخاطر التي يشكلها المسلحون في نقاط التفتيش غير القانونية...فالسكان المحليون يعرفون أماكن تواجد هؤلاء المسلحين، لذلك فهم لا يجرؤون على التصدي لهم أو نهب المساعدات التي يقومون بتسليمها".
من جهتها، قالت رباب الرفاعي، منسقة الاتصالات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، أن السكان المحليين هم أفضل من يعرف احتياجات مجتمعاتهم وطرق تحقيقها. كما يمكنهم في كثير من الأحيان المساعدة في تنظيم عمليات التوزيع واختيار قوائم المستفيدين والسيطرة على الحشود والتعجيل بتقديم المساعدة للمحتاجين. وأضافت أن "الأشخاص الذين ينتمون إلى مجتمع محلي معين يقومون بتنبيهنا إلى الجوانب الثقافية الهامة؛ وهذا يتيح لنا تكوين فهم أفضل عن المساعدات المطلوبة، وتكييف استجابتنا الإنسانية لتلبية الاحتياجات، بالإضافة إلى الاستجابة للاحتياجات بطريقة تحترم الثقافة المحلية".