شكل مطلع عام 2013 ذروة التعاون الخليجي المشترك، كما أعلنه مجلس التعاون وأكّده مسؤولون خليجيون ومراقبون، لكن خلافات بالرأي حول قضايا محلية وإقليمية، كادت تعصف بثمار هذا الإنجاز لولا الرغبة الجادة بتحقيق المصالحة الخليجية، والسعي الدؤوب العام الماضي؛ لإضافة بعد ثالث مهم إلى منظومة التعاون (بعد الاقتصاد والسياسة)، تمثّل بالتعاون العسكري والاستخباري.
وأشرق عام 2015 خليجياً على ثلاثة تكتلات عسكرية واستخبارية، اعتمدت فقط العام الماضي، تضاف إلى درع الجزيرة الذي بقي الكيان الدفاعي الوحيد للخليج منذ عام 1982 وحتى 2012، وهو العام الذي شهد تشييد مشروع الدرع الصاروخي، الهادف إلى حماية المنشآت الحيوية والمصالح النفطية والأجنبية بالخليج.
وترأس جدول أعمال قمة الدوحة في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، بحث احتياجات وآليات عمل القوة البحرية الخليجية الموحدة (مقرها البحرين)، والشرطة المشتركة (مقرها الإمارات)، والقيادة العسكرية الموحدة (ومقرها السعودية)، فيما حلّ إجماع على أن مخاطر التغول الإيراني، وعلو أمواج التطرف، تقود دول الخليج اليوم نحو مزيد من التماسك والتعاون.
4 تكتلات بعد "الربيع العربي"
يرى الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية بالبحرين، أشرف كشك، أن دول الخليج "انتقلت من مرحلة إدراك المخاطر، إلى إيجاد آليات مواجهتها"، ولعل هذا هو العنوان الأبرز للجهود الدفاعية والعسكرية المشتركة خليجياً؛ ففي حين دعمت الولايات المتحدة إنشاء مجلس التعاون للدرع الصاروخي عام 2012، إثر اندلاع الاحتجاجات في البحرين، والزيارة التي وصفت بالاستفزازية من قبل الرئيس السابق أحمدي نجاد، لجزيرة أبو موسى المحتلة إيرانياً، اعتبر المشروع بمنزلة جهاز إنذار مبكر في حال فكرت إيران باستهداف أي من دول الخليج بصواريخها.
لكنّ التوسع الإيراني غير المسبوق عام 2014، لا سيما تعزيز وجودها العسكري في الخليج لأول مرة عبر ذراعها باليمن (الحوثيون)، ومخاطر تنظيم "الدولة" الذي ذهب نحو إعلانه استهداف مصالح بالخليج، بعد أن استقطب أبناءه للقتال في سوريا، باتا يشكلان أكبر تهديدين يواجهان دول مجلس التعاون الخليجي اليوم، ويستحثان تضافر جهودها العسكرية.
وتبدو إيران خلف سعي محموم لإيجاد موطئ قدم لها على الضفة العربية من الخليج العربي، إذ تقوم استراتيجتها هناك على الوجود في نقاط موزّعة، مستغلة الأقلية الشيعية التي تقوم بدعمها اقتصادياً وعسكرياً، لإثارة قلاقل داخلية ومحدودة، مؤجلة تحركها الواسع والمتزامن ربما، إلى لحظة مواجهة شاملة قد تجلب معها حرباً مستقبلية.
من التكديس إلى التنظيم
هذه الحرب المفترضة، لا يظهر بحال، أنّ الخليج قد تجاهل احتمالات اندلاعها؛ إذ لا يبدو التفطن العسكري لتهديد إيران وليداً، خصوصاً مع حفاظ سباق التسلح الخليجي على وتيرة عالية خلال السنوات الأخيرة، في حين ازداد الإنفاق العسكري السعودي بنسبة 8.6% بين عامي 2012 و2013، وفقاً لأرقام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
ويشير المعهد إلى أن دول الخليج تُبرم صفقات تسلح قياسية مع الولايات المتحدة، إذ بلغ إجمالي ما تم استيراده من سلاح تقليدي ونوعي، بين عامي 2002 و2012 ما قيمته 500 مليار دولار؛ أي بمتوسط 70 مليار دولار سنوياً.
وتحتل السعودية، المرتبة الرابعة عالمياً من حيث الإنفاق العسكري، متفوقة على كثير من الدول الكبرى كبريطانيا التي أنفقت على التسلح 57 مليار دولار عام 2013، وفرنسا (52 ملياراً)، في حين أنفقت السعودية 59.6 مليار دولار في العام ذاته.
وأشار مراقبون أن الأرقام في العام 2014، شهدت زيادة أخرى بالإنفاق الخليجي على التسلح، مع ارتفاع حدة التوترات في المنطقة على خلفية استمرار النزاع في سوريا، وتعالي موجة التطرف التي يقودها تنظيم "الدولة"، وتعاظم نهم إيران التوسعي، خاصة دعمها للحوثيين الذين تصدى لهم التحالف العربي بقيادة السعودية، لايقاف تجاوزاتهم وانتهاكاتهم للشرعية والقانون في اليمن.
لكن اللافت في الاستراتيجية الخليجية، أنها انتقلت من سياسة البُعد الواحد في مواجهة الأخطار عسكرياً، والمتمثل بالإنفاق الضخم على شراء السلاح وتكديسه، إلى سياسة متعددة الأبعاد، تقوم على مرتكزين نوعيين؛ أولهما أنها بدأت بالتحرك المشترك لتنسيق السياسات الدفاعية والعسكرية، والاستفادة من الخبرات المتنوعة لدول المجلس، الأمر الذي بدا ملحوظاً من تشكيل 3 تكتلات عسكرية جديدة مشتركة، تولت الدول الكبيرة في المجلس مسؤولية استضافتها وقيادتها، بصورة توحي بتوزيع الأدوار والجهود والارتكاز على المؤسسية بالعمل.
وثانيهما أنها أردفت عملها الدفاعي والعسكري باستحداث جانب استخباري خصّصته للرصد وتبادل المعلومات، على صعيد دول مجلس التعاون فيما بينها من جهة، وعلى صعيد التبادل الخليجي مع مراكز إقليمية ودولية حليفة وصديقة من جهة أخرى. ويندرج هذا المسعى تحت مظلة الشرطة الخليجية الموحدة "الإنتربول" الذي أعلن عن استضافته إماراتياً.