الرئيسية / تقارير وحوارات / فرصٌ وتحديّات تواجه القوى السياسية ذات التوجه الديني في اليمن
فرصٌ وتحديّات تواجه القوى السياسية ذات التوجه الديني في اليمن

فرصٌ وتحديّات تواجه القوى السياسية ذات التوجه الديني في اليمن

03 يناير 2012 03:59 مساء (يمن برس)
كشف الربيع العربي والديمقراطية الناشئة عنه الوزن الحقيقي للقوى السياسية المتواجدة على الساحة، وتصدرت التيارات الدينية واجهة المشهد السياسي كما بدا الحال في تونس ومصر وتراجعت الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية.

ويبدو لبعض المراقبين أن المشهد ذاته ربما سيتكرر في اليمن، حيث تلوح حظوظ تلك القوى السياسية محدودة مقارنة بحظوظ الأحزاب والجماعات ذات التوجه الديني، إلا أن مراقبين آخرين يميلون إلى استحضار السياق السياسي اليمني والغوص في تفاصيله الدقيقة يقللون من أن تحصد الأحزاب الإسلامية نتائج أقرانهم في انتخابات تونس والمغرب ومصر.

التجمع اليمني للإصلاح
ومع أن موعد أول انتخابات تنافسية حقيقية في اليمن ستأتي متأخرة بعد انتهاء الفترة الإنتقالية المحددة بسنتين وثلاثة أشهر كما قررتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إلا أن الصعود المفاجئ للتيارات الإسلامية في الإنتخابات التي شهدتها مؤخرا بعض البلدان العربية من جهة والبروز الواضح للتيارات الدينية منذ انطلاق الثورة الشبابية اليمنية من جهة أخرى، أثارا نقاشاً واسعاً مبكراً في مختلف الأوساط النخبوية والإعلامية والشعبية تدور معظمها حول فرص وتحديات القوى السياسية ذات التوجه الديني في اليمن.

ويبرز المتابع للتقييمات والتقديرات المعطاة لوزن التيارات الدينية حزب التجمّع اليمني للإصلاح الأوفر حظاً ليس بالنسبة إلى التيارات الدينية الأخرى، وإنما بالنسبة لبقية القوى السياسية الأخرى، إذ تلتقي كثير من الآراء على أنه ظهر منذ اندلاع الإحتجاجات الشعبية باعتباره الحزب الأكثر تنظيماً وتحشيداً وإدارة لساحات وميادين المظاهرات الشعبية.

وتعود مكامن قوة حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى أنه ظهر مبكراً كحزب سياسي ضم في صفوفه خليطاً من "الإخوان المسلمون" والتيار السلفي ورموز قبلية وسُمح له بممارسة نشاطه الحزبي بُعيْد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990. ومنذ ذلك الحين احتل المرتبة الثانية في الدورات الإنتخابية الثلاث التي شهدها اليمن. وإلى جانب نشاطاته السياسية استطاع الحزب أن يؤسس له استثمارات واسعة في قطاعي التعليم والصحة والخدمات، وعمّق جذوره الإجتماعية من خلال العمل الخيري ما أكسبه شعبية واسعة جعلته الحزب الأكثر تنظيماً وامتدادا في شتى مناطق البلاد.

إضافة إلى ذلك، أكسبت تجربة تكتل الإصلاح مع أحزاب المعارضة في إطار "اللقاء المشترك " منذ العام 2003 الذي ضم إلى جانبه خصومه التقليدين (الحزب الاشتراكي اليمني والحزب الناصري والبعث واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق)، صورة الحزب السياسي البراغماتي القادر على نسج تحالفات من أهداف سياسية وليس أيديولوجية عقائدية، كما أن تشديد أدبيات الحزب على الحقوق والحريات والديمقراطية وبروز كثير من أعضائه في ميدان المدافعين عن المطالب الحقوقية والمدنية قربته كثيراً من الحزب المنفتح على قضايا الديموقراطية والتعددية، غير أنها أبعدته بالمقابل وإلى حد ما عن أحد جذوره وهم "السلفيون" المرشحون للظهور كقوى سياسية فاعلة إذا ما قرروا دخول ملعب السياسية خاصة بعد تباين مواقفهم من الثورة الشعبية والنظام وانقسامهم بين مؤيد ومعارض.

التيارات السلفية والحوثيون
واقعيا، تعد السلفية التيار الثاني من حيث الحجم والإنتشار في اليمن ويعود ظهورها فيه إلى بداية السبعينات، وقد استطاعت أن تتمدد في المجتمع بشكل لافت مستفيدة من رعاية النظام لها من أجل تحجيم الزيدية منذ ذلك الحين، ثم تالياً من أجل ضرب خصومه السياسيين (الإصلاح  والحوثيين) ووفر لها ذلك بيئة انتعاش ملائمة إلى جانب ما لديها من مرجعية مذهبية فكرية عملت على إقناع الكثير من فئات المجتمع وحشد الأتباع والأنصار مستغلة حمى التنافس المذهبي الآخذ في التزايد في دول المنطقة في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن المرجعيات التقليدية لهذه الجماعة تلفظ الديموقراطية وتعتبرها علمانية كافرة وفق ما يطرحه شيوخها أمثال الحجوري ومحمد الإمام والمأربي والريمي والمصري الذين كانت لهم مواقف رافضة للثورة الشبابية وللخروج عما يسمونه بولي الأمر، بيد أن شيوخا آخرين من السلفيين من أمثال محمد العامري ومراد القدسي وعقيل المقطري والحميقاني أبدوا تفاعلاً ملحوظاً مع الثورة الشعبية وأوجدوا تأصيلاً فقهياً لمفهوم طاعة ولي الأمر ذهب إلى اعتباره "علاقة تقوم على عقد إذا أخل به الحاكم فقد شرعيته"، كما أطلقت لأول مرة دعوات لتشكيل حزب خاص بالسلفيين، وقام بعض شباب من جماعات السلفيين المعروفين بجماعة "الحكمة " بتشكيل عدد من الإئتلافات في ساحات الاحتجاجات، وكلها تمثل مقدمات تشير إلى أن تياراً واسعاً من هذه الجماعة في طريقه إلى أن يخوض غمار السياسة ويتحول إلى حزب سياسي على غرار أقرانهم في مصر.

من جهة أخرى، يبرز الحوثيون أيضا ضمن الخارطة السياسية المنتظرة للقوى ذات التوجه الديني كطرف له امتداداته خاصة في المناطق الشمالية حيث يتركز اتباع المذهب الزيدي. وقد بدا في الآونة الأخيرة ميالاً للعب على الساحة السياسية من خلال سعيه لنسج تحالفات حتى مع أطراف وقوى سياسية غير دينية، وهذا قد يعزز فرص حضوره ليس في مناطق نفوذه التاريخي فحسب وإنما قد يمتد إلى مناطق أخرى لاسيما إذا ما كتب لتحالفاته النجاح وأبدى تعاطياً سياسياً براغماتياً مع القضايا ذات العلاقة بالمطالب الحقوقية والديمقراطية الآخذة في التصاعد في المنطقة.

وبشكل عام، يستند النشاط السياسي للجماعات الأصولية في اليمن إلى خطاب ديني قادر على إثارة المشاعر واستقطاب الأنصار، ولذلك تمكنت - على خلاف الأحزاب السياسية التقليدية - من إيجاد موطئ قدم اجتماعي لها في الأوساط القبلية، ولم تحصر علاقتها بالزعماء القبليين كما فعلت تلك الأحزاب، وإنما توجهت (إلى جانب تعميق علاقاتها بالزعماء القبليين) إلى أفراد القبائل مخترقة هذا الوسط الإجتماعي شديد الإنغلاق على نفسه بخطاب ديني مكنها من استقطاب وتأطير الكثير على أساس عقائدي ومذهبي.

ولعل تركز نشاط حركة السلفيين في مناطق دماج في صعدة ومعبر ومارب والحوثيين والإصلاحيين في المناطق القبلية كعمران وصعدة وحجة مقارنة بتركيز حضور الأحزاب السياسية في المدن الحضرية الملمح البارز لقياس حدود تأثير الأخيرة، مقارنة بالجماعات الدينية.

نحو هيمنة للتيارات الدينية؟
الخبراء الميّالون إلى ترجيح هيمنة التيارات الدينية على الحياة السياسية في اليمن يؤكدون أن توقعاتهم ليست مبنية على ما تتمتع بها تلك الجماعات من مقومات الإنتشار والتوسع وإنما أيضاً على الأوضاع الحرجة التي تمر بها الأحزاب السياسية التقليدية، إذ تعاني من هدر تنظيمي نتيجة السياسة الحكومية التي عملت على استقطاب أطرها العليا والوسطى، مستخدمة طوال الثلاثة العقود الماضية سياسة الترغيب تجاه الأطر الحزبية المنتمية للناصريين والحزب الإشتراكي والبعث بهدف استمالتهم وضمهم إلى صفوفها.

هذه السياسة أدت إلى نزيف هذه الأحزاب وتسرب الكثير من أعضائها لاسيما المبرزين منهم وكانت لها تأثيرات سلبية عليها كما رفعت وتيرة الهاجس الأمني لديها خشية من اختراق أعضائها مما زاد من انغلاقها على نفسها وفاقم من ترددها في حسم إشكالية غياب الديمقراطية الداخلية لديها، واتسعت مخاوفها الأمنية وجعلتها أكثر حذرا في استقطاب أعضاء جدد ما حـدّ من توسع قاعدتها الاجتماعية، ولم تقم بمراجعة نقدية لخياراتها المذهبية والأيديولوجية، حيث ظلت متمسكة بالتصورات السياسية التي حددتها مرجعيتها الأولى والتي تظهر جلية في أن الخلافات بين تلك الأحزاب ما زالت تستدعي المقولات والمفاهيم القديمة في تلك المرجعيات التي تغذت عليها في الماضي مثل: مفهوم الأمة والإشتراكية والوحدة واليسار مع أنها تلتقي في دعواتها على مدنية الدولة والمواطنة والعدالة والحقوق والحريات.

في مقابل ذلك، يقلل مراقبون آخرون من فرص هيمنة التيارات الدينية على المشهد السياسي اليمني لما بعد الربيع العربي لعدة اعتبارات أهمها أن الجماعات الدينية في اليمن لم تطارد أو تلاحق، وإنما سمح لها بممارسة النشاط الحزبي بحرية "كإخوان مسلمون وسلفيون" تحت مسمى حزب الإصلاح، أو كأفراد ضمن الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، وكذلك الحال بالنسبة للحوثيين الذي نشطوا منذ السماح بالتعددية السياسية في إطار حزب الحق، أو ضمن الحزب الحاكم، أما تيار السلفية التقليدية فقد قايضوا دعمهم للنظام بالسماح لهم بنشر دعوتهم، وبالتالي فجميع التيارات الدينية السياسية  هم في نظر الشارع اليمن شركاء في مفاسد النظام أو سكتوا عن ممارساته السلبية التي قادت إلى الثورة الشعبية.

لهذه العوامل مجتمعة، يمكن القول أن حال هذه المجموعات والتيارات في اليمن على خلاف وضع أقرانهم في كل من تونس ومصر الذين لم يُجرّبوا في تسيير الشأن العام ولم يكونوا جزءاً من النظام السابق، ما قد يحد من حماس اليمنيين لتلك الجماعات لأنهم خبروهم من خلال تجربتهم الطويلة مع الممارسة العملية.

" سويس انفو" السويسرية
شارك الخبر