إن الإنجازات التي حققتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في مجال مكافحة الإرهاب تبرز جليا في الأشياء التي تمكنت من تفكيكها، بما في ذلك المعتقلات التابعة لوكالة المخابرات المركزية وصفوف ومستويات كاملة من قيادة تنظيم القاعدة، ولكن الأشياء التي نجحت إدارة أوباما في تجميعها، والتي تم حجبها عن الرأي العام، ربما تحظى بنفس الأهمية هي الأخرى، حيث نجحت الإدارة في غضون ثلاث سنوات في تكوين جهاز شامل لاستخدام الطائرات بلا طيار "درون" في استهداف الإرهابيين ومراقبة الخصوم الآخرين. ويضم هذا الجهاز عشرات من المنشآت السرية، بما في ذلك اثنتان من المحاور العملياتية على الساحل الشرقي، ومقران لقيادة القوات الجوية في الجنوب الغربي، بالإضافة إلى قواعد سرية في ما لا يقل عن ست دول في قارتين مختلفتين.
في الواقع، قاد العديد من الرؤساء الحروب وتكبدوا خسائر بشرية أعلى من ذلك بكثير، ولكن لم يعتمد أي منهم على العمليات السرية لقتل الأفراد بتلك الكثافة لإنجاز الأهداف الأمنية للبلاد.
إن التوسع السريع في برنامج الطائرات بلا طيار قد جعل الحدود القائمة منذ وقت طويل بين وكالة الاستخبارات المركزية والجيش غير واضحة، حيث يتم تجميع العمليات القاتلة معا، كما يتم تجميع الأفراد والمعدات بالشكل الذي يتيح للبيت الأبيض التبديل بين السلطات القانونية المنفصلة التي تحكم استخدام القوة المميتة.
وفي اليمن، على سبيل المثال، تقوم كل من وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة بملاحقة نفس العدو بطائرات متطابقة تقريبا، ولكنهما تتناوبان على أخذ زمام المبادرة في الهجمات بغية استغلال سلطاتهما المنفصلة، كما أن كلا منهما تحتفظ بقوائم منفصلة بالأهداف، وقد تتداخل هذه القوائم ولكنها لا تتطابق أبدا.
وقد أدت العمليات التي قامت بها وكالة المخابرات المركزية والجيش خلال خريف هذا العام إلى مقتل ثلاثة مواطنين أميركيين، يشتبه في تورط اثنين منهم في علاقات مع تنظيم القاعدة.
وقد أدى التقارب بين المصادر العسكرية والاستخباراتية إلى وجود نقاط ضبابية في مراقبة الكونغرس، حيث يتم إطلاع لجان الاستخبارات على العمليات التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية، كما تقوم قيادة العمليات الخاصة المشتركة بإرسال تقارير إلى لجان القوات المسلحة. ونتيجة لذلك، لا يوجد لدى أي لجنة رؤية كاملة بدون أية معوقات.
ومع الوضع في الاعتبار أنه يتبقى عام واحد على انتهاء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، فإنه يمكن لإدارته أن توضح النتائج التي لا يمكن إنكارها والتي تتلخص في رحيل أسامة بن لادن وقرب نهاية الشبكة الأساسية لتنظيم القاعدة، وعدم قدرة أعضاء فروعها الإقليمية على إيجاد مأوى لهم.
وقد تساعد تلك النتائج، التي تم تحقيقها بدقة لم يسبق لها مثيل من خلال الطائرات التي لا تعرض الطيارين الأميركيين للخطر، في تفسير السبب في أن هذه الحملة التي تقوم بها الطائرات بلا طيار لم يكن عليها نفس الرقابة التي كانت على برامج الاعتقال أو الاستجواب في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وعلى الرغم من أن المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم قد وجهوا انتقادات متزايدة لبرنامج الطائرات بلا طيار، فإن مستوى النقاش العام حوله لا يزال خافتا.
ونادرا ما يعترض كبار الديمقراطيين على فكرة أن الرئيس الذي ينتمي لحزبهم قد نجح في تكوين هذا الجهاز ذي الكفاءة العالية لاستهداف الإرهابيين، وهو ما يظهر أن هذا البرنامج لم يعد محاطا بالسرية المطلوبة في واشنطن لدرجة أن هؤلاء الذين يميلون إلى التعبير عن مخاوفهم يمكنهم فقط أن يلمحوا إلى البرنامج غير المسموح بمناقشته من الناحية الرسمية.
ووصفت السيناتور ديان فينشتاين (ديمقراطية من كاليفورنيا)، وهي رئيسة لجنة الاستخبارات، البرنامج بمزيج من الرهبة والقلق، وقالت إن توسع ذلك البرنامج في عهد أوباما كان شيئا لا مفر منه تقريبا، وذلك بسبب التطور التكنولوجي المتنامي، غير أن وتيرة نموه، كما قالت، تجعل من الصعب التكهن بوقت استخدامه.
وقالت فينشتاين في مقابلة كانت حريصة خلالها على تجنب الإدلاء بتصريحات مباشرة حول وجود البرنامج: "لقد نجح هذا في إبعاد الخطر عن كثير من الأميركيين، دون الاضطرار إلى إرسال فريق للعمليات الخاصة أو إسقاط قنبلة تزن 500 رطل، ولكني قلقة من كيفية تطوره. إنني أشعر بالقلق حيال ما يمكنه القيام به مع التقدم الرهيب في التكنولوجيا".
وثمة سبب آخر في عدم وجود مناقشات مستفيضة حول هذا البرنامج وهو السرية، حيث رفض البيت الأبيض الكشف عن تفاصيل تركيب برنامج الطائرة أو، مع وجود استثناءات نادرة، الأشخاص الذين تعرضوا للقتل، كما امتنع البيت الأبيض ومسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية عن الإدلاء بأية تصريحات لهذا المقال.
وداخل البيت الأبيض، وفقا للمسؤولين الذين سيناقشون برنامج الطائرات بلا طيار بشرط عدم الكشف عن هويتهم، يتم النظر إلى الطائرة بلا طيار على أنها أداة حاسمة كانت تتطور بشكل متسارع للغاية حتى قبل انتخاب أوباما. وقال مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية إن العدد المتصاعد للهجمات قد خلق انطباعا بأن الطائرات بلا طيار تقود سياسة مكافحة الإرهاب، على الرغم من أن العكس هو الصحيح.
وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية وأحد المشاركين في البرنامج: "يعتقد الناس أننا نبدأ بالطائرات بلا طيار، ثم ننتقل من هناك، ولكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق. إننا لا ندير حملة حول الطائرات بلا طيار، كما أننا لا نسعى إلى إنشاء شبكة عالمية حتى يكون لدينا طائرات بلا طيار في كل ركن من أركان المعمورة".
ومع ذلك، استغل أوباما، الذي شن حملة ضد التجاوزات المزعومة لسلفه بوش في مجال مكافحة الإرهاب، أداة مكافحة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بشكل قاطع. وعندما وصل أوباما للسلطة في عام 2009، كانت الطائرات بلا طيار السرية تقتصر على بلد واحد فقط وهو باكستان، والتي تعرضت لـ 44 هجمة على مدى خمس سنوات، مما أدى إلى مقتل نحو 400 شخص، وفقا لمؤسسة "نيو أميركا". وقد ارتفع عدد الهجمات منذ ذلك الحين إلى 240 تقريبا، كما ارتفع عدد القتلى بأكثر من أربعة أضعاف، وفقا لبعض التقديرات.
وقد انخفض عدد الهجمات في باكستان خلال العام الجاري، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بتعليق تلك الهجمات في بعض الأحيان بهدف تخفيف حدة التوترات في لحظات الأزمات، حيث توقفت تلك الهجمات عقب القبض على أميركي بتهمة قتل شابين باكستانيين، كما توقفت بعد الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقد كانت آخر فترة اتسمت فيها وكالة الاستخبارات المركزية بضبط النفس في أعقاب الضربات الجوية العسكرية الأميركية خلال الشهر الماضي والتي أدت إلى مقتل 24 جنديا باكستانيا دون قصد على طول الحدود الأفغانية. وفي الوقت نفسه، صرح مسؤولون أميركيون بأن عدد أهداف تنظيم القاعدة ذوي "القيمة العالية" في باكستان قد تضاءل إلى اثنين فقط.
وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية إن توسيع نطاق البرنامج في عهد أوباما كان مدفوعا إلى حد كبير بالجدول الزمني الموضوع لتطوير الطائرات بلا طيار. وقد تم استخدام طائرات بلا طيار خلال إدارتي كلينتون وبوش، ولكنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة متقدمة بصورة كافية تساعد على نشرها على نطاق واسع.
وقد ارتفع عدد الهجمات التي تشنها طائرات بلا طيار بصورة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث أكدت دراسة صادرة مؤخرا عن مكتب الميزانية في الكونغرس أن الولايات المتحدة تملك 775 طائرة من طراز "بريداتور" و"ريبر" وغيرها من الطائرات بلا طيار متوسطة وطويلة المدى، كما يتم تصنيع مئات من تلك الطائرات.
وقال مسؤولون إن 30 في المائة من هذه الطائرات قد تم تخصيصها لوكالة الاستخبارات المركزية، غير أن الوكالة لديها فئة منفصلة لا يتم الإشارة إليها في أي إحصاءات عامة، وهو عبارة عن أسطول من الطائرات بلا طيار تم تطويرها والحصول عليها في إطار برنامج مقسم إلى أجزاء مستقلة تبنته وكالة الاستخبارات المركزية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقد كشف تحطم الطائرة بلا طيار من طراز "أر كيو – 170" في إيران في الآونة الأخيرة عن استخدام الوكالة للطائرات بلا طيار للتجسس على البرنامج النووي الإيراني، كما يتم استخدام هذه الطائرات في بلدان أخرى.
إن تصعيد حملة الطائرات بلا طيار في عهد أوباما يعود إلى حد ما إلى قرارات كانت قد اتخذت سابقا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما أن إغلاق برنامج الاحتجاز الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية ووقف إحالة المشتبه بهم إلى خليج غوانتانامو قد جعل من الهجمات التي تقوم بها الطائرات بلا طيار أحد الخيارات القليلة أمام الإدارة الأميركية. وصرح مسؤولون سابقون وحاليون بأن أعضاء بارزين في فريق أوباما للأمن القومي كانوا أكثر ميلا لتأييد الضربات بلا طيار من نظرائهم في عهد بوش.
وصرح مسؤول سابق عمل في كلتا الإدارتين وكان أحد المؤيدين للبرنامج بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ومدير المخابرات السابق ووزير الدفاع الحالي ليون بانيتا، ومستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب جون برينان، كانوا دائما على استعداد لتوسيع نطاق البرنامج. ولم يشكك مسؤولون في الإدارة الحالية في تصريحات المسؤول السابق.
وكان دنيس بلير، الذي شغل منصب مدير المخابرات الوطنية، هو الوحيد في إدارة أوباما الذي اعترض رسميا على توسيع حملة استخدام الطائرات بلا طيار، حيث سعى بلير خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2009، لتجاوز جدول الأعمال والدخول في نقاش حول استخدام الطائرات بلا طيار، وفقا لاثنين من المشاركين في الاجتماع.
ومنذ ذلك الحين، أعرب بلير عن مخاوفه بصورة علنية، داعيا إلى وقف هجمات الطائرات بلا طيار في باكستان، لأن ذلك يضر بالعلاقات الأميركية الباكستانية ويقتل عسكريين معظمهم من المستوى المتوسط، ولكنه الآن يتحدث كمواطن عادي، حيث أدى هذا الرأي إلى عزلته عن دائرة أوباما الداخلية، وتم فصله في العام الماضي.
وقال المسؤول السابق: "كان أوباما نفسه سلبيا بشكل غريب في هذا العام"، وكان يذعن لرأي كبار مساعديه الذين غالبا ما يتوافقون مع جداول أعمال وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة.
وقد شكك مسؤول بارز بالإدارة الأميركية في هذه الرواية، قائلا إن أوباما لا يشعر بالقلق من أية عملية ولكنه يشارك في وضع معايير تلك الضربات والتأكيد على الحاجة إلى تقليل الأضرار الجانبية. وأضاف المسؤول: "كل شيء يتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب يدور حول تنفيذ التوجيهات التي يعطيها الرئيس. أنا لا أعتقد أنه يمكن للرئيس ألا يشارك في ذلك".
برز اليمن كنقطة التقاء محورية، فهي الدولة الوحيدة المعروفة التي تقود فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة هجمات بطائرات بلا طيار على أراضيها، تستهدف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، التابع لتنظيم القاعدة، والتي تحولت إلى أبرز التهديدات الأمنية إثارة للقلق.
ومن مراكز عمليات مستقلة في لانغلي وفورت براغ بولاية نورث كارولينا، تتقاسم الوكالة وقيادة العمليات الخاصة المعلومات الاستخبارية وتنسيق الهجمات، حتى تتكشف العمليات، وأوضح مسؤولون أميركيون أن وكالة الاستخبارات المركزية تدخلت مؤخرا في هجمة خططت لها قيادة العمليات في اليمن، وهو ما دفع نظيرها العسكري لوقف إطلاق النار، ذلك لأن الهدف المقصود لم يكن موجودا حيث كان الهدف من الصواريخ، وذكر مسؤولون أن المعلومات الاستخبارية التالية أكدت مخاوف الوكالة.
لكن بعض الارتباك في التعاون لا يزال يطل برأسه، فبعد تحديد مكان العولقي خريف العام الحالي، جمعت وكالة الاستخبارات على عجل سربا من الطائرات بلا طيار المسلحة لتعقب زعيم "القاعدة" المزعوم حتى تتمكن من اصطياده.
ونقلت الوكالة الطائرات المسلحة من باكستان إلى اليمن بشكل مؤقت، وتولت السيطرة على الآخرين ضمن ترسانة قيادة العمليات، لتوسيع نطاق مراقبة العولقي، رجل الدين المولود في الولايات المتحدة المدان في عدة مؤامرات بالإرهاب، بما في ذلك محاولة تفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت في يوم عيد الميلاد عام 2009.
تنفيذ الهجمة التي استخدمت خلالها أربع طائرات بلا طيار، كانت معقدة، فقد صوبت طائرتان أشعة الليزر على السيارة التي يستقلها العولقي، فيما حامت ثالثة بشكل دائري للتأكد من عدم وجود مدنيين في مرمى الطائرات. وقامت طائرات ريبر، الأكبر حجما من طائرات بريداتور، لقدرتها على حمل عدد أكبر من الصواريخ، بدور القناص الرئيسي في معظم الهجمات.
قتل العولقي في 30 سبتمبر (أيلول)، في هجوم صاروخي نفذته وكالة الاستخبارات المركزية بموجب البند 50 من القانون الأميركي - الذي يحكم العمليات الاستخباراتية السرية - على الرغم من تصريح مسؤولين بأنه لم يتضح بعد ما إذا كانت طائرات الوكالة أو طائرات قيادة العمليات هي التي سددت الضربة القاتلة، وكان مواطن أميركي ثان، وهو المسؤول عن الدعاية في تنظيم القاعدة وكان يقطن في ولاية كارولينا الشمالية، من بين القتلى في الغارة.
وقال مسؤولون إن الغارة لم يشبها أي نوع من القصور، بيد أنه عندما نفذت ضربة مماثلة بعد ذلك بأسبوعين فقط، تغير البروتوكول كليا، ونفذ الهجوم الثاني الذي قتل ابن العولقي البالغ من العمر 16 من قبل قيادة العمليات بموجب البند العاشر الذي يطبق استخدام القوة الجوية.
ولدى الضغط على المسؤولين لمعرفة السبب في عدم اضطلاع وكالة الاستخبارات المركزية بقيادة العملية، قال المسؤولون الأميركيون إن السبب في ذلك أن الهدف الرئيسي لهجوم الرابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) المصري الذي يدعى إبراهيم البنا لم يكن على قائمة الوكالة. وكان ابن العولقي المواطن الأميركي المراهق الذي لا يحمل سجلا في المشاركة في أنشطة "القاعدة" هدفا غير مقصود.
واعترف مسؤولون أميركيون بارزون خلال المقابلات بأن قائمتي القتل لا تتطابقان، لكنهم قدموا تبريرات متناقضة حول السبب في ذلك.
فقال ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار إن القوائم تختلف بسبب السلطات القانونية المتباينة، وقال المسؤولون إن قائمة قيادة العمليات المشتركة أطول، بسبب تفويض استخدام القوة العسكرية بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فضلا عن أمر تنفيذي مستقل، أعطى قيادة العمليات المشتركة مجالا للحركة في مطاردة مجموعات من مقاتلي "القاعدة" على نطاق واسع، حتى خارج مناطق الحرب التقليدية. أما سلطات أوامر القتل الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية فمرجعها الحقائق الرئاسية التي تم تعديلها منذ 11 سبتمبر، والتي وصفت بأنها أكثر تشددا.
لكن آخرين يرتبطون بشكل مباشر بحملة الطائرات بلا طيار قدموا تفسيرا أبسط، حيث أشاروا إلى أنه نتيجة لأن وكالة الاستخبارات المركزية لم تستأنف غاراتها الجوية للطائرات بلا طيار فوق اليمن إلا في الآونة الأخيرة، لذا لم يتسن لها الوقت بقدر قيادة العمليات المشتركة لإعداد القائمة. وأشار المسؤولون إلى أن الوكالة ستتمكن من اللحاق بالركب بمرور الوقت.
ورفض مسؤول في الإدارة الأميركية ناقش برنامج الطائرات بلا طيار الحديث عن التباينات في قوائم القتل، إلا بالقول "نحن نصوب ونجاهد كي نكون دقيقين، هذا هو الكمال الذي ننشده".
هذا التفاوت عادة ما يستعصي على الكونغرس، حيث فشل هيكل لجان المراقبة في مواكبة طريقة نقاط التقاء العمليات العسكرية والاستخباراتية.
في غضون 24 ساعة من كل هجمة لطائرة بلا طيار وكل ضربة من وكالة المخابرات المركزية، يضيء جهاز فاكس في أماكن آمنة من لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ليقدم تقريرا عن الهدف ومكانه والنتيجة.
تعكس الإجراءات القديمة جهود الوكالة للتوافق مع متطلبات العنوان 50 بضرورة إعلام الكونغرس في الوقت المناسب خطيا عن العمل السري في الخارج، في الوقت الذي لا توجد فيه متطلبات مماثلة في العنوان 10، وقد تمر أيام قبل إطلاع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على تفاصيل الضربات.
ولا تتمتع أي من اللجنتين بموقف يمكنها فيه المقارنة بين قائمتي وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات المشتركة أو حتى الوصول إلى فهم شامل للقواعد التي جمعت كل قائمة على أساسها.
وقال المسؤول البارز بالإدارة إن الفجوة "غير متعمدة" فبالتأكيد ليس هناك أمر يهدف إلى تفادي الإشراف. وقال مسؤول شارك في مراجعة هجمات الطائرات بلا طيار "إن النقطة العمياء تعكس فشلا من قبل الكونغرس في التكيف، لكننا سنتمكن في نهاية المطاف من القيام بذلك".
الكشف عن هذه العمليات عادة ما يكون مقصورا على اللجان المختصة في مجلسي النواب والشيوخ، وفي بعض الأحيان لقادة هذه اللجان فقط. ويجب أن يلتزم الأفراد الذين يتلقون هذه التقارير بقيود تمنعهم من مناقشة ما يعلمونه مع الأشخاص الذين يفتقرون إلى التصاريح الأمنية المطلوبة، وتتلقى الغالبية العظمى من النواب معلومات ضئيلة حول برنامج الإدارة بلا طيار.
ولم تشرع لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، التي تختتم تحقيقا استغرق سنوات طويلة في عهد بوش، في تحقيق عن الطائرات بلا طيار المسلحة، لكن مسؤولين قالوا إن إشرافهم على البرنامج تزايد بشكل كبير خلال العامين الماضيين، مع قيام كبار الموظفين في الوقت الراهن بزيارات متكررة ومفاجئة في بعض الأحيان إلى مراكز عمليات وكالة الاستخبارات المركزية، ومراجعة التقارير الاستخبارية المرتبطة بالهجمات الخاطئة، وزيارة مواقع عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج.
وقد اعترفت فينشتاين بالقلق إزاء النقاط العمياء الناشئة، وقالت "عندما تستخدم هذه، وخصوصا بطريقة قاتلة، يجب أن يكون هناك إشراف دقيق، وأن يضطلع بذلك مدنيون، فنحن نمتلك سلاح معركة فريدا جدا ولا يمكننا وقف هذه التكنولوجيا عن التطور، لذلك أفضل أن نبدأ بالتفكير في كيفية مراقبة ذلك".
عودة طائرات بريديتور المسلحة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية إلى اليمن - بعد تنفيذ ضربة واحدة هناك عام 2002 - كانت جزءا من توسع ملحوظ للمدى الجغرافي لطائرات بلا طيار.
وخلال العام الماضي أنشأت الوكالة قاعدة سرية لطائرات بلا طيار في شبه الجزيرة العربية، وقد بدأ الجيش الأميركي في إدارة طائرات بريديتور وريبرز بلا طيار من قواعد في سيشل وإثيوبيا، إضافة إلى قاعدة قيادة العمليات المشتركة للطائرات بلا طيار في جيبوتي.
وقال مسؤولون بارزون إن البرنامج المنتشر يتألف من حملات مختلفة كل منها يتم تقديره وفق مكان وماهية الشخص الذي ستستخدم ضده الطائرة وأسلحة مكافحة الإرهاب الأخرى.
ففي باكستان نفذت وكالة الاستخبارات المركزية 239 هجمة جوية منذ تولي أوباما سدة الرئاسة ولا تزال الوكالة تتمتع بسلطات واسعة في شن الهجمات.
وفي اليمن شنت الوكالة 15 ضربة جوية منذ تولي أوباما، على الرغم من أنه لم يتضح بعد عدد الغارات التي شنتها الطائرات بلا طيار بسبب استخدام الجيش طائرات تقليدية وصواريخ كروز.
جدير بالذكر أن الصومال، التي تتخذ مجموعة "الشباب" منها مقرا لها، محاطة بالطائرات الأميركية بلا طيار. وقد ذكر مسؤولون أن قيادة العمليات الخاصة المشتركة ضغطت على السلطات مرارا وتكرار للهجوم على معسكرات تدريب "الشباب" التي جذبت بعض الأميركيين ذوي الأصول الصومالية.
رغم ذلك لم تسمح الإدارة سوى بعدد من الهجمات، خشية أن تؤدي حملة موسعة إلى تحويل "الشباب" من خطر إقليمي إلى خصم يعتزم تنفيذ هجمات على الأراضي الأميركية.
وذكر مسؤولون أنه دائما ما يحدث تعديل في الخطط، في الوقت الذي يعقد فيه البيت الأبيض جلسات في باكستان واليمن والصومال مرتين أو ثلاثا في الشهر. وقد أشار مسؤولو الإدارة إلى هذا النهج المتنوع كدليل على اتباعها سياسة ضبط النفس.
وقال مسؤول بارز في الإدارة: "من الممكن أن تكون الصومال من أسهل الأماكن التي يسهل اقتحامها بصورة عشوائية وتنفيذ هجمات طائرات بلا طيار بها لأنه لن تكون هناك حكومة مضيفة تستشيط غضبا لذلك، إلا أن هذا ليس هو النهج الذي نفضله في التعامل مع هذه الأمور".
رغم ذلك، فمن الممكن أن نستأنف هجمات الطائرات بلا طيار إذا ما نجحت عناصر من زعماء "الشباب" في توسيع نطاق جدول أعمال المجموعة.
وذكر مسؤول بارز في الإدارة: "إنها عملية حسابية جارية لأن هناك جدلا قائما داخل قيادة (الشباب). ومن المؤكد أننا لن ننزعج إذا ما أشارت بعض العناصر الإرهابية المحتملة إلى حقيقة أننا نميل إلى تعقب الأشخاص الذين يقومون بتعقبنا".
* أسهم في إعداد هذا التقرير الباحثة جولي تيت
* خدمة "واشنطن بوست"
في الواقع، قاد العديد من الرؤساء الحروب وتكبدوا خسائر بشرية أعلى من ذلك بكثير، ولكن لم يعتمد أي منهم على العمليات السرية لقتل الأفراد بتلك الكثافة لإنجاز الأهداف الأمنية للبلاد.
إن التوسع السريع في برنامج الطائرات بلا طيار قد جعل الحدود القائمة منذ وقت طويل بين وكالة الاستخبارات المركزية والجيش غير واضحة، حيث يتم تجميع العمليات القاتلة معا، كما يتم تجميع الأفراد والمعدات بالشكل الذي يتيح للبيت الأبيض التبديل بين السلطات القانونية المنفصلة التي تحكم استخدام القوة المميتة.
وفي اليمن، على سبيل المثال، تقوم كل من وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة بملاحقة نفس العدو بطائرات متطابقة تقريبا، ولكنهما تتناوبان على أخذ زمام المبادرة في الهجمات بغية استغلال سلطاتهما المنفصلة، كما أن كلا منهما تحتفظ بقوائم منفصلة بالأهداف، وقد تتداخل هذه القوائم ولكنها لا تتطابق أبدا.
وقد أدت العمليات التي قامت بها وكالة المخابرات المركزية والجيش خلال خريف هذا العام إلى مقتل ثلاثة مواطنين أميركيين، يشتبه في تورط اثنين منهم في علاقات مع تنظيم القاعدة.
وقد أدى التقارب بين المصادر العسكرية والاستخباراتية إلى وجود نقاط ضبابية في مراقبة الكونغرس، حيث يتم إطلاع لجان الاستخبارات على العمليات التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية، كما تقوم قيادة العمليات الخاصة المشتركة بإرسال تقارير إلى لجان القوات المسلحة. ونتيجة لذلك، لا يوجد لدى أي لجنة رؤية كاملة بدون أية معوقات.
ومع الوضع في الاعتبار أنه يتبقى عام واحد على انتهاء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، فإنه يمكن لإدارته أن توضح النتائج التي لا يمكن إنكارها والتي تتلخص في رحيل أسامة بن لادن وقرب نهاية الشبكة الأساسية لتنظيم القاعدة، وعدم قدرة أعضاء فروعها الإقليمية على إيجاد مأوى لهم.
وقد تساعد تلك النتائج، التي تم تحقيقها بدقة لم يسبق لها مثيل من خلال الطائرات التي لا تعرض الطيارين الأميركيين للخطر، في تفسير السبب في أن هذه الحملة التي تقوم بها الطائرات بلا طيار لم يكن عليها نفس الرقابة التي كانت على برامج الاعتقال أو الاستجواب في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وعلى الرغم من أن المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم قد وجهوا انتقادات متزايدة لبرنامج الطائرات بلا طيار، فإن مستوى النقاش العام حوله لا يزال خافتا.
ونادرا ما يعترض كبار الديمقراطيين على فكرة أن الرئيس الذي ينتمي لحزبهم قد نجح في تكوين هذا الجهاز ذي الكفاءة العالية لاستهداف الإرهابيين، وهو ما يظهر أن هذا البرنامج لم يعد محاطا بالسرية المطلوبة في واشنطن لدرجة أن هؤلاء الذين يميلون إلى التعبير عن مخاوفهم يمكنهم فقط أن يلمحوا إلى البرنامج غير المسموح بمناقشته من الناحية الرسمية.
ووصفت السيناتور ديان فينشتاين (ديمقراطية من كاليفورنيا)، وهي رئيسة لجنة الاستخبارات، البرنامج بمزيج من الرهبة والقلق، وقالت إن توسع ذلك البرنامج في عهد أوباما كان شيئا لا مفر منه تقريبا، وذلك بسبب التطور التكنولوجي المتنامي، غير أن وتيرة نموه، كما قالت، تجعل من الصعب التكهن بوقت استخدامه.
وقالت فينشتاين في مقابلة كانت حريصة خلالها على تجنب الإدلاء بتصريحات مباشرة حول وجود البرنامج: "لقد نجح هذا في إبعاد الخطر عن كثير من الأميركيين، دون الاضطرار إلى إرسال فريق للعمليات الخاصة أو إسقاط قنبلة تزن 500 رطل، ولكني قلقة من كيفية تطوره. إنني أشعر بالقلق حيال ما يمكنه القيام به مع التقدم الرهيب في التكنولوجيا".
وثمة سبب آخر في عدم وجود مناقشات مستفيضة حول هذا البرنامج وهو السرية، حيث رفض البيت الأبيض الكشف عن تفاصيل تركيب برنامج الطائرة أو، مع وجود استثناءات نادرة، الأشخاص الذين تعرضوا للقتل، كما امتنع البيت الأبيض ومسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية عن الإدلاء بأية تصريحات لهذا المقال.
وداخل البيت الأبيض، وفقا للمسؤولين الذين سيناقشون برنامج الطائرات بلا طيار بشرط عدم الكشف عن هويتهم، يتم النظر إلى الطائرة بلا طيار على أنها أداة حاسمة كانت تتطور بشكل متسارع للغاية حتى قبل انتخاب أوباما. وقال مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية إن العدد المتصاعد للهجمات قد خلق انطباعا بأن الطائرات بلا طيار تقود سياسة مكافحة الإرهاب، على الرغم من أن العكس هو الصحيح.
وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية وأحد المشاركين في البرنامج: "يعتقد الناس أننا نبدأ بالطائرات بلا طيار، ثم ننتقل من هناك، ولكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق. إننا لا ندير حملة حول الطائرات بلا طيار، كما أننا لا نسعى إلى إنشاء شبكة عالمية حتى يكون لدينا طائرات بلا طيار في كل ركن من أركان المعمورة".
ومع ذلك، استغل أوباما، الذي شن حملة ضد التجاوزات المزعومة لسلفه بوش في مجال مكافحة الإرهاب، أداة مكافحة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بشكل قاطع. وعندما وصل أوباما للسلطة في عام 2009، كانت الطائرات بلا طيار السرية تقتصر على بلد واحد فقط وهو باكستان، والتي تعرضت لـ 44 هجمة على مدى خمس سنوات، مما أدى إلى مقتل نحو 400 شخص، وفقا لمؤسسة "نيو أميركا". وقد ارتفع عدد الهجمات منذ ذلك الحين إلى 240 تقريبا، كما ارتفع عدد القتلى بأكثر من أربعة أضعاف، وفقا لبعض التقديرات.
وقد انخفض عدد الهجمات في باكستان خلال العام الجاري، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بتعليق تلك الهجمات في بعض الأحيان بهدف تخفيف حدة التوترات في لحظات الأزمات، حيث توقفت تلك الهجمات عقب القبض على أميركي بتهمة قتل شابين باكستانيين، كما توقفت بعد الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقد كانت آخر فترة اتسمت فيها وكالة الاستخبارات المركزية بضبط النفس في أعقاب الضربات الجوية العسكرية الأميركية خلال الشهر الماضي والتي أدت إلى مقتل 24 جنديا باكستانيا دون قصد على طول الحدود الأفغانية. وفي الوقت نفسه، صرح مسؤولون أميركيون بأن عدد أهداف تنظيم القاعدة ذوي "القيمة العالية" في باكستان قد تضاءل إلى اثنين فقط.
وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية إن توسيع نطاق البرنامج في عهد أوباما كان مدفوعا إلى حد كبير بالجدول الزمني الموضوع لتطوير الطائرات بلا طيار. وقد تم استخدام طائرات بلا طيار خلال إدارتي كلينتون وبوش، ولكنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة متقدمة بصورة كافية تساعد على نشرها على نطاق واسع.
وقد ارتفع عدد الهجمات التي تشنها طائرات بلا طيار بصورة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث أكدت دراسة صادرة مؤخرا عن مكتب الميزانية في الكونغرس أن الولايات المتحدة تملك 775 طائرة من طراز "بريداتور" و"ريبر" وغيرها من الطائرات بلا طيار متوسطة وطويلة المدى، كما يتم تصنيع مئات من تلك الطائرات.
وقال مسؤولون إن 30 في المائة من هذه الطائرات قد تم تخصيصها لوكالة الاستخبارات المركزية، غير أن الوكالة لديها فئة منفصلة لا يتم الإشارة إليها في أي إحصاءات عامة، وهو عبارة عن أسطول من الطائرات بلا طيار تم تطويرها والحصول عليها في إطار برنامج مقسم إلى أجزاء مستقلة تبنته وكالة الاستخبارات المركزية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقد كشف تحطم الطائرة بلا طيار من طراز "أر كيو – 170" في إيران في الآونة الأخيرة عن استخدام الوكالة للطائرات بلا طيار للتجسس على البرنامج النووي الإيراني، كما يتم استخدام هذه الطائرات في بلدان أخرى.
إن تصعيد حملة الطائرات بلا طيار في عهد أوباما يعود إلى حد ما إلى قرارات كانت قد اتخذت سابقا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما أن إغلاق برنامج الاحتجاز الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية ووقف إحالة المشتبه بهم إلى خليج غوانتانامو قد جعل من الهجمات التي تقوم بها الطائرات بلا طيار أحد الخيارات القليلة أمام الإدارة الأميركية. وصرح مسؤولون سابقون وحاليون بأن أعضاء بارزين في فريق أوباما للأمن القومي كانوا أكثر ميلا لتأييد الضربات بلا طيار من نظرائهم في عهد بوش.
وصرح مسؤول سابق عمل في كلتا الإدارتين وكان أحد المؤيدين للبرنامج بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ومدير المخابرات السابق ووزير الدفاع الحالي ليون بانيتا، ومستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب جون برينان، كانوا دائما على استعداد لتوسيع نطاق البرنامج. ولم يشكك مسؤولون في الإدارة الحالية في تصريحات المسؤول السابق.
وكان دنيس بلير، الذي شغل منصب مدير المخابرات الوطنية، هو الوحيد في إدارة أوباما الذي اعترض رسميا على توسيع حملة استخدام الطائرات بلا طيار، حيث سعى بلير خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2009، لتجاوز جدول الأعمال والدخول في نقاش حول استخدام الطائرات بلا طيار، وفقا لاثنين من المشاركين في الاجتماع.
ومنذ ذلك الحين، أعرب بلير عن مخاوفه بصورة علنية، داعيا إلى وقف هجمات الطائرات بلا طيار في باكستان، لأن ذلك يضر بالعلاقات الأميركية الباكستانية ويقتل عسكريين معظمهم من المستوى المتوسط، ولكنه الآن يتحدث كمواطن عادي، حيث أدى هذا الرأي إلى عزلته عن دائرة أوباما الداخلية، وتم فصله في العام الماضي.
وقال المسؤول السابق: "كان أوباما نفسه سلبيا بشكل غريب في هذا العام"، وكان يذعن لرأي كبار مساعديه الذين غالبا ما يتوافقون مع جداول أعمال وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة.
وقد شكك مسؤول بارز بالإدارة الأميركية في هذه الرواية، قائلا إن أوباما لا يشعر بالقلق من أية عملية ولكنه يشارك في وضع معايير تلك الضربات والتأكيد على الحاجة إلى تقليل الأضرار الجانبية. وأضاف المسؤول: "كل شيء يتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب يدور حول تنفيذ التوجيهات التي يعطيها الرئيس. أنا لا أعتقد أنه يمكن للرئيس ألا يشارك في ذلك".
برز اليمن كنقطة التقاء محورية، فهي الدولة الوحيدة المعروفة التي تقود فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة هجمات بطائرات بلا طيار على أراضيها، تستهدف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، التابع لتنظيم القاعدة، والتي تحولت إلى أبرز التهديدات الأمنية إثارة للقلق.
ومن مراكز عمليات مستقلة في لانغلي وفورت براغ بولاية نورث كارولينا، تتقاسم الوكالة وقيادة العمليات الخاصة المعلومات الاستخبارية وتنسيق الهجمات، حتى تتكشف العمليات، وأوضح مسؤولون أميركيون أن وكالة الاستخبارات المركزية تدخلت مؤخرا في هجمة خططت لها قيادة العمليات في اليمن، وهو ما دفع نظيرها العسكري لوقف إطلاق النار، ذلك لأن الهدف المقصود لم يكن موجودا حيث كان الهدف من الصواريخ، وذكر مسؤولون أن المعلومات الاستخبارية التالية أكدت مخاوف الوكالة.
لكن بعض الارتباك في التعاون لا يزال يطل برأسه، فبعد تحديد مكان العولقي خريف العام الحالي، جمعت وكالة الاستخبارات على عجل سربا من الطائرات بلا طيار المسلحة لتعقب زعيم "القاعدة" المزعوم حتى تتمكن من اصطياده.
ونقلت الوكالة الطائرات المسلحة من باكستان إلى اليمن بشكل مؤقت، وتولت السيطرة على الآخرين ضمن ترسانة قيادة العمليات، لتوسيع نطاق مراقبة العولقي، رجل الدين المولود في الولايات المتحدة المدان في عدة مؤامرات بالإرهاب، بما في ذلك محاولة تفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت في يوم عيد الميلاد عام 2009.
تنفيذ الهجمة التي استخدمت خلالها أربع طائرات بلا طيار، كانت معقدة، فقد صوبت طائرتان أشعة الليزر على السيارة التي يستقلها العولقي، فيما حامت ثالثة بشكل دائري للتأكد من عدم وجود مدنيين في مرمى الطائرات. وقامت طائرات ريبر، الأكبر حجما من طائرات بريداتور، لقدرتها على حمل عدد أكبر من الصواريخ، بدور القناص الرئيسي في معظم الهجمات.
قتل العولقي في 30 سبتمبر (أيلول)، في هجوم صاروخي نفذته وكالة الاستخبارات المركزية بموجب البند 50 من القانون الأميركي - الذي يحكم العمليات الاستخباراتية السرية - على الرغم من تصريح مسؤولين بأنه لم يتضح بعد ما إذا كانت طائرات الوكالة أو طائرات قيادة العمليات هي التي سددت الضربة القاتلة، وكان مواطن أميركي ثان، وهو المسؤول عن الدعاية في تنظيم القاعدة وكان يقطن في ولاية كارولينا الشمالية، من بين القتلى في الغارة.
وقال مسؤولون إن الغارة لم يشبها أي نوع من القصور، بيد أنه عندما نفذت ضربة مماثلة بعد ذلك بأسبوعين فقط، تغير البروتوكول كليا، ونفذ الهجوم الثاني الذي قتل ابن العولقي البالغ من العمر 16 من قبل قيادة العمليات بموجب البند العاشر الذي يطبق استخدام القوة الجوية.
ولدى الضغط على المسؤولين لمعرفة السبب في عدم اضطلاع وكالة الاستخبارات المركزية بقيادة العملية، قال المسؤولون الأميركيون إن السبب في ذلك أن الهدف الرئيسي لهجوم الرابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) المصري الذي يدعى إبراهيم البنا لم يكن على قائمة الوكالة. وكان ابن العولقي المواطن الأميركي المراهق الذي لا يحمل سجلا في المشاركة في أنشطة "القاعدة" هدفا غير مقصود.
واعترف مسؤولون أميركيون بارزون خلال المقابلات بأن قائمتي القتل لا تتطابقان، لكنهم قدموا تبريرات متناقضة حول السبب في ذلك.
فقال ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار إن القوائم تختلف بسبب السلطات القانونية المتباينة، وقال المسؤولون إن قائمة قيادة العمليات المشتركة أطول، بسبب تفويض استخدام القوة العسكرية بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فضلا عن أمر تنفيذي مستقل، أعطى قيادة العمليات المشتركة مجالا للحركة في مطاردة مجموعات من مقاتلي "القاعدة" على نطاق واسع، حتى خارج مناطق الحرب التقليدية. أما سلطات أوامر القتل الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية فمرجعها الحقائق الرئاسية التي تم تعديلها منذ 11 سبتمبر، والتي وصفت بأنها أكثر تشددا.
لكن آخرين يرتبطون بشكل مباشر بحملة الطائرات بلا طيار قدموا تفسيرا أبسط، حيث أشاروا إلى أنه نتيجة لأن وكالة الاستخبارات المركزية لم تستأنف غاراتها الجوية للطائرات بلا طيار فوق اليمن إلا في الآونة الأخيرة، لذا لم يتسن لها الوقت بقدر قيادة العمليات المشتركة لإعداد القائمة. وأشار المسؤولون إلى أن الوكالة ستتمكن من اللحاق بالركب بمرور الوقت.
ورفض مسؤول في الإدارة الأميركية ناقش برنامج الطائرات بلا طيار الحديث عن التباينات في قوائم القتل، إلا بالقول "نحن نصوب ونجاهد كي نكون دقيقين، هذا هو الكمال الذي ننشده".
هذا التفاوت عادة ما يستعصي على الكونغرس، حيث فشل هيكل لجان المراقبة في مواكبة طريقة نقاط التقاء العمليات العسكرية والاستخباراتية.
في غضون 24 ساعة من كل هجمة لطائرة بلا طيار وكل ضربة من وكالة المخابرات المركزية، يضيء جهاز فاكس في أماكن آمنة من لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ليقدم تقريرا عن الهدف ومكانه والنتيجة.
تعكس الإجراءات القديمة جهود الوكالة للتوافق مع متطلبات العنوان 50 بضرورة إعلام الكونغرس في الوقت المناسب خطيا عن العمل السري في الخارج، في الوقت الذي لا توجد فيه متطلبات مماثلة في العنوان 10، وقد تمر أيام قبل إطلاع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على تفاصيل الضربات.
ولا تتمتع أي من اللجنتين بموقف يمكنها فيه المقارنة بين قائمتي وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات المشتركة أو حتى الوصول إلى فهم شامل للقواعد التي جمعت كل قائمة على أساسها.
وقال المسؤول البارز بالإدارة إن الفجوة "غير متعمدة" فبالتأكيد ليس هناك أمر يهدف إلى تفادي الإشراف. وقال مسؤول شارك في مراجعة هجمات الطائرات بلا طيار "إن النقطة العمياء تعكس فشلا من قبل الكونغرس في التكيف، لكننا سنتمكن في نهاية المطاف من القيام بذلك".
الكشف عن هذه العمليات عادة ما يكون مقصورا على اللجان المختصة في مجلسي النواب والشيوخ، وفي بعض الأحيان لقادة هذه اللجان فقط. ويجب أن يلتزم الأفراد الذين يتلقون هذه التقارير بقيود تمنعهم من مناقشة ما يعلمونه مع الأشخاص الذين يفتقرون إلى التصاريح الأمنية المطلوبة، وتتلقى الغالبية العظمى من النواب معلومات ضئيلة حول برنامج الإدارة بلا طيار.
ولم تشرع لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، التي تختتم تحقيقا استغرق سنوات طويلة في عهد بوش، في تحقيق عن الطائرات بلا طيار المسلحة، لكن مسؤولين قالوا إن إشرافهم على البرنامج تزايد بشكل كبير خلال العامين الماضيين، مع قيام كبار الموظفين في الوقت الراهن بزيارات متكررة ومفاجئة في بعض الأحيان إلى مراكز عمليات وكالة الاستخبارات المركزية، ومراجعة التقارير الاستخبارية المرتبطة بالهجمات الخاطئة، وزيارة مواقع عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج.
وقد اعترفت فينشتاين بالقلق إزاء النقاط العمياء الناشئة، وقالت "عندما تستخدم هذه، وخصوصا بطريقة قاتلة، يجب أن يكون هناك إشراف دقيق، وأن يضطلع بذلك مدنيون، فنحن نمتلك سلاح معركة فريدا جدا ولا يمكننا وقف هذه التكنولوجيا عن التطور، لذلك أفضل أن نبدأ بالتفكير في كيفية مراقبة ذلك".
عودة طائرات بريديتور المسلحة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية إلى اليمن - بعد تنفيذ ضربة واحدة هناك عام 2002 - كانت جزءا من توسع ملحوظ للمدى الجغرافي لطائرات بلا طيار.
وخلال العام الماضي أنشأت الوكالة قاعدة سرية لطائرات بلا طيار في شبه الجزيرة العربية، وقد بدأ الجيش الأميركي في إدارة طائرات بريديتور وريبرز بلا طيار من قواعد في سيشل وإثيوبيا، إضافة إلى قاعدة قيادة العمليات المشتركة للطائرات بلا طيار في جيبوتي.
وقال مسؤولون بارزون إن البرنامج المنتشر يتألف من حملات مختلفة كل منها يتم تقديره وفق مكان وماهية الشخص الذي ستستخدم ضده الطائرة وأسلحة مكافحة الإرهاب الأخرى.
ففي باكستان نفذت وكالة الاستخبارات المركزية 239 هجمة جوية منذ تولي أوباما سدة الرئاسة ولا تزال الوكالة تتمتع بسلطات واسعة في شن الهجمات.
وفي اليمن شنت الوكالة 15 ضربة جوية منذ تولي أوباما، على الرغم من أنه لم يتضح بعد عدد الغارات التي شنتها الطائرات بلا طيار بسبب استخدام الجيش طائرات تقليدية وصواريخ كروز.
جدير بالذكر أن الصومال، التي تتخذ مجموعة "الشباب" منها مقرا لها، محاطة بالطائرات الأميركية بلا طيار. وقد ذكر مسؤولون أن قيادة العمليات الخاصة المشتركة ضغطت على السلطات مرارا وتكرار للهجوم على معسكرات تدريب "الشباب" التي جذبت بعض الأميركيين ذوي الأصول الصومالية.
رغم ذلك لم تسمح الإدارة سوى بعدد من الهجمات، خشية أن تؤدي حملة موسعة إلى تحويل "الشباب" من خطر إقليمي إلى خصم يعتزم تنفيذ هجمات على الأراضي الأميركية.
وذكر مسؤولون أنه دائما ما يحدث تعديل في الخطط، في الوقت الذي يعقد فيه البيت الأبيض جلسات في باكستان واليمن والصومال مرتين أو ثلاثا في الشهر. وقد أشار مسؤولو الإدارة إلى هذا النهج المتنوع كدليل على اتباعها سياسة ضبط النفس.
وقال مسؤول بارز في الإدارة: "من الممكن أن تكون الصومال من أسهل الأماكن التي يسهل اقتحامها بصورة عشوائية وتنفيذ هجمات طائرات بلا طيار بها لأنه لن تكون هناك حكومة مضيفة تستشيط غضبا لذلك، إلا أن هذا ليس هو النهج الذي نفضله في التعامل مع هذه الأمور".
رغم ذلك، فمن الممكن أن نستأنف هجمات الطائرات بلا طيار إذا ما نجحت عناصر من زعماء "الشباب" في توسيع نطاق جدول أعمال المجموعة.
وذكر مسؤول بارز في الإدارة: "إنها عملية حسابية جارية لأن هناك جدلا قائما داخل قيادة (الشباب). ومن المؤكد أننا لن ننزعج إذا ما أشارت بعض العناصر الإرهابية المحتملة إلى حقيقة أننا نميل إلى تعقب الأشخاص الذين يقومون بتعقبنا".
* أسهم في إعداد هذا التقرير الباحثة جولي تيت
* خدمة "واشنطن بوست"