منذ بداية الأحداث في سوريا قبل نحو خمسة أعوام، وبالتوازي مع حرب الميدان، اندلعت مواجهات من نوع خاص في العالم الافتراضي. نشأت عشرات المجموعات الناشطة في مجال «التغطية الإعلامية» و«عمليات الدعم والتنسيق»، وغيرها. إلا أنّ مجموعة مختصة بالقرصنة اكتسبت مساحة كبيرة لها على الشبكة العنكبوتية، فتحولت مع مضي الوقت إلى ظاهرة الكترونية أطلقت على نفسها اسم «الجيش السوري الالكتروني».
اخترقت المجموعة عدداً كبيراً من المواقع العربية والعالمية وتركت على هذه المواقع رسائل موجهة، لتغدو هاجساً في عالم التقنية. طالت يد «الجيش» حديثاً، موقع الجيش الأميركي، أكبر جيوش العالم. فمن يقف خلف هذه المجموعة، وما هي حكايتها؟
يروي المتحدث الرسمي باسم «الجيش السوري الالكتروني» لـ«السفير» قصّة المجموعة التي تأسّست في العام 2011، بعد أسابيع قليلة من بداية الأحداث في سوريا، على يد عشرة سوريين، من الخبراء في عالم التقنية. بدأ هؤلاء عملهم باختراق «المواقع المعادية لسوريا، بهدف إيصال الصوت السوري، وتوضيح الصورة التي كانت تلك المواقع تحاول تعتيمها»، بحسب تعبيره. نجحت المجموعة منذ انطلاق نشاطها وحتى الآن، في «تنفيذ 334 هجوماً معلناً، أهمّها كان على مواقع إلكترونيّة تابعة لجهات عسكرية، منها الموقع الرسمي للجيش الأميركي، الذي اخترقناه يوم الاثنين الماضي، والموقع الرسمي للمارينز، ووكالة «أسوشيتد برس» وغيرها».
وعن طريقة انتقاء الهدف، يشرح المتحدث باسم «الجيش السوري الالكتروني» إنّ ذلك «ليس بالأمر السهل لأنّه مرتبط بالمتغيّرات السريعة والمتقلّبة على الأرض، ممّا يتطلَّب متابعة دقيقة لاختيار الهدف ودراسته وتحديد النتائج المتوقعة والرسالة المناسبة، ويتمّ ذلك بقرار جماعي من القائمين على المجموعة، تحت مسمى قيادة الجيش السوري الإلكتروني». ويضيف: «نختار الهدف بدقّة، سواء لاستخدامه في إيصال الحقيقة وهي الضحيّة الأولى في كلّ حرب، أو جمع معلومات تفيد الجيش العربي السوري».
يؤكّد في المقابل أن لا جهات حكومية أو غير حكومية خلف عمليّاتهم. «بادر «الجيش السوري الالكتروني» في إرسال ملفات حسّاسة إلى الدولة السوريّة، بعد تسريبها من أنظمة البريد الإلكتروني لقطر وتركيا والسعودية، ولكن ليس بشكل مباشر، بل عن طريق قناة ربط، وكلّها ملفّات ذات أهميّة كبيرة، واستخدمت بشكل فعّال من قبل قيادة الجيش».
الاثنين الماضي، اخترق «الجيش السوري الالكتروني» موقع الجيش الأميركي، تاركاً عبره رسالة للجنود الأميركيين مفادها: «قادتكم يقرّون بأنّهم يدّربون الأشخاص الذين أرسلوكم لكي تموتوا في قتالهم». يقول المتحدّث باسم المجموعة لـ «السفير» إنّ «الجيش الأميركي وإدارته مسؤولان بشكل مباشر عمّا يحصل في سوريا والعراق وغيرها من الدول العربية التي تعاني من القتل وتدمير البنى التحتية، بالإضافة إلى تمويل تنظيم «داعش» الإرهابي، وتلك أسباب كافية لجعله هدفاً لنا، وقد حققناه».
عقب الهجوم أكّد الجيش الأميركي أنَّه «حجب موقعه الالكتروني بصورة مؤقّتة جراء تعرضه لقرصنة من قبل الجيش السوري الالكتروني، ما أدّى إلى إتلاف قسم منه». من جهته، يرفض المتحدث باسم «الجيش الالكتروني» تأكيد أو نفي ما إذا كان الاختراق أدّى إلى تسريب وثائق مهمّة. «حقّق الاختراق الأهداف كما كان مخططاً له، ونمتلك عدداً كبيراً من الوثائق من عدّة عمليات، بعضها لعمليّات غير معلنة، وهناك موقع مخصَّص لتسريب هذه الوثائق في الوقت المناسب الذي نحدِّده». يضيف: «قمنا منذ أيام قليلة بنشر بعض من مراسلات دايفيد بترايوس الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) وقد حصلنا عليها منذ نحو عام في عملية لم يكشف عنها، كما هو الحال مع التسريبات القطرية والسعودية والتركية».
الجيش السوري الالكترونيبموازاة عمله على اختراق المواقع الالكترونية، يدير «الجيش الالكتروني» موقعاً ينشر أخبار عملياته، إضافة إلى بعض «الوثائق». كما يضمّ الموقع قسماً متخصّصاً بدعم وتصميم برامج الحماية. حورب «الجيش السوري الالكتروني» بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تعرَّض لإغلاق حساباته الرسميّة مرات عدّة على «فايسبوك» و «تويتر»، كما انتحل عدة قراصنة اسمه. إلا أنه ومع مرور الوقت تبلورت صورته وأصبح ذائع الصيت، وصاحب «بصمة واضحة».
يختم المتحدث الرسمي باسم «الجيش» حديثه بالربط بين «الجيش الالكتروني والجيش السوري الذي يقاتل على الأرض»، خصوصاً أنّه يرفع الشعار ذاته «وطن ــ شرف ــ إخلاص». ويضيف: «نطمح لأن تصير تجربة «الجيش السوري الإلكتروني» تجربةً تدرّس للشعوب التي ترفض أن يُحدّد مستقبلها من قبل الغرب أو ضعاف النفوس والخونة»، بحسب تعبيره.
أبرز الأهداف
بدأ «الجيش السوري الالكتروني» نشاطه في العام 2011، بقرصنة موقع جامعة كاليفورنيا، لكنّ أبرز عمليّاته جاءت في نيسان من العام 2013، حين قرصن حساب وكالة «أسوشييتد برس» على «تويتر».أرسل الحساب المقرصن تغريدة كاذبة عن تفجير في البيت الأبيض، وجرح أوباما، ما تسبّب بانخفاض أكبر مؤشّر أسهم في البورصة الأميركيّة، وإلى تعديل شركة «تويتر» لخاصيّات الأمان في موقعها.
استهدف «الجيش» وسائل إعلام عدّة، منها «سكاي نيوز»، والموقع الساخر «ذا أونيون»، ومجلّة «فوربس»، وصحيفة «لو موند» الفرنسيّة، و«نيويورك تايمز»، وغيرها... كما طالت يده أيضاً «فايسبوك» و«سكايب» و«ترو كولر».