الشمس ساطعة جدا في صنعاء في هذا اليوم، الخميس الثامن من ديسمبر، مازال يتعافى من آثار الهجوم الذي كاد يكلفه حياته في الثالث من يونيو، الرئيس علي عبدالله صالح يسير بخطوات منتظمة في الممرات المزينة بالزهور في قصره الرئاسي، محاطاً بحراسة شخصية، بمظلة في يده ومسدس في حزامه، تبادل الرئيس اليمني مع بعض كبار الضيوف والضباط التحايا، طارق ابن أخيه وهو قائد القوات الخاصة يتحرك حول المجموعة ويحيط به خمسة من الرجال المسلحين، تلك حماية جيدة وهو يستعد لترك منصبه خلال أقل من ثلاثة أشهر.
منذ توقيع الاتفاق الانتقالي في 23 نوفمبر في الرياض، بناء على مبادرة من دول الخليج، الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، 69 عاما، لم يعد أكثر من رئيس فخري. فقد بدأ العد التنازلي. في 21 فبراير سيتوجب عليه أن يغادر قصره. ظهوره العلني أصبح نادرا، ولكن الجميع يريد أن يراه، ويستمع إليه وخاصة سماعه يقول: نعم، أنه وقع اتفاق الرياض، وهو المرادف لتخليه القسري عن السلطة بعد 33 سنة من الحكم.
تم تحديد الموعد مع صحيفة لوموند خلال فترة انتظار دامت لدقائق، كان يرتدي بدلة صوفية رمادية وربطة عنق مناسبة لها، جلس في كرسي قماشي في خيمة تستخدم للاستقبال في المعتاد، يرتدي قفازات مثيرة للتساؤل على يديه. الرقبة وجانبي الوجه تحمل علامات جروح حادث 3 يونيو. المستشارون يجلسون في صف واحد، للاستماع والتركيز على الكلام الرسمي، نظرات الرئيس تتحرك في كل الاتجاهات ليقوم بتحليل محادثه بشكل أوضح وباسترخاء وابتسام، وجّه علي عبد الله صالح نظرات إلى مستشاريه، وهؤلاء اثبتوا تقبلهم لكلامه بهز رؤوسهم.
"نعم – يعترف الرجل – أنصاري كثر، ولكن المعارضين كثر أيضا" لاحظ الرجل الوضع، حيث أن "أرحل يا علي" تستطيع أن تنافس في نهاية المطاف "نحبك يا علي".
- السيد الرئيس.. هل كنت تتوقع هذه الأحداث الجارية منذ عدة أشهر؟
نعم، لأننا نعرف سلوك المعارضة.
- هل كنت تتوقع هذه الأحداث وهذه التجمعات؟
الاستبداد وغياب الديمقراطية بالتأكيد سيحدث مثل هذا الزلزال.
صمت محرج..
* (يسأل احد المستشارين مراسل لوموند) أنت تريد الحديث عن اليمن بدون شك..
- بالفعل..
* الرئيس يتحدث عن الأحداث التي وقعت في العالم العربي وليس في اليمن.
يجيب الرئيس: اعتبر أن ما حدث في العالم العربي هو زلزال وليس ثورة ولكن المعارضة أرادت الاستفادة من الظروف وتقليد تونس ومصر وليبيا أو حتى سوريا اليوم، ولكن الديمقراطية وحرية الصحافة موجودة في اليمن والدستور اليمني يكفل الحق في التظاهر، لم يكن هناك أي سبب يجعل البلد تعاني من مثل هذه الأعمال التخريبية.
القلعة الرئاسية منطقة معزولة عن العاصمة وتحظر حركة المرور فيها على نطاق واسع ولكن أهالي صنعاء تعودوا على الطرق الملتوية للالتفاف على هذه الأرضة المحرمة عسكرياً، قبل الثورة كانوا يقودون (سياراتهم) كما يريدون، والآن يقودون وفق هو ممكن، قوات الأمن المركزي والمدرعات اتخذت مواقع لها في تقاطعات السبعين، كما انقسمت صنعاء من الشمال إلى الجنوب، منذ بداية "الثورة الشعبية السلمية" أصبحت منطقة السبعين مكانا لتجمع أنصار "الرئيس"، وكجزء من مبادرة الخليج اتفقت المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي على إزالة التجمعات. غادر الحشد أماكنه وعلي عبدالله صالح لم يعد يظهر.
في السابق، كان عشرات الآلاف من الأتباع من عمران وإب وحجة يأتون لاستثمار كل يوم جمعة فهو يومهم للتجمع، وشكلوا مجموعة ضغط أمام جامع الصالح ويحتفلون بصخب بـ"علي" الغالي لديهم، ينتزع علي المايكروفون في منصة رسمية عالية أمام المجتمعين في المربع الأخير للأنصار، ليهاجم "المخربين للوحدة اليمنية" وأيضاً "المتآمرين" بكافة أنواعهم.
وبدعم من جمع صاخب، علي عبد الله صالح لم يكن يتمكن من الالتزام بالنص في خطاباته، ارتجاله في الخطابات كان غالبا ما يلمس وتراً حساساً لدى الغرب، كان يتنبأ بـ"التهديد الإسلامي" أو "موجة الإرهاب" في حالة ما حدث انهيار مفاجئ لنظامه.
في الرؤية الرئاسية للمتظاهرين المطالبين برحيله، يرى أنهم لا يشكلون سوى أقلية من "المرتزقة" تقودهم المعارضة، هؤلاء "المرتزقة" بالرغم من الاتفاق السياسي لنقل السلطة لا يزالون اليوم على بعد بضعة مئات من الأمتار منه في "ساحة التغيير" التي تعد بؤرة الاحتجاج، إنهم طلاب وفلاحون وأبناء قبائل وتجار، إنهم إسلاميون واشتراكيون، مستقلون وناصريون، وانفصاليون ومطالبون بالحكم الذاتي، في خيمتهم القماشية يشكلون يمناً صغيراً، فهم قادمون من السهول القاحلة في تهامة وجبال عمران والوديان المنخفضة في حضرموت، ومنذ إحدى عشر شهراً يهتف هذا اليمن الصغير بجملة واحدة: ارحل يا علي.
علي عبد الله صالح هو أحد الناجين، نجا من هجوم على مسجد القصر في يوم جمعة, وهو يوم الصلاة العظيمة، حيث قتل 11 شخصاً وجرح 160 آخرين، لم يعد المسجد إلا كومة من الركام والزجاج المحطم، قبعات عسكرية حمراء وسترات ممزقة مازالت على الأرض، لم يتم جمع أحذية المصلين، كما لم يتم إكمال الصلاة، وحيث أنه أصيب بجروح خطيرة وحروق في أجزاء مختلفة من الجسم، خضع صالح لعمليات جراحية في المملكة العربية السعودية.
كيف يشعر الآن بعد ستة أشهر من هذا الهجوم؟ "أشعر بالألم، - يضيف - أشعر بألم عميق لما حدث خلال العشرة الأشهر الماضية، تسببت أحزاب المعارضة وأنصارها في الكثير من الفوضى في الاقتصاد والأمن وإراقة الدماء وانقطاع الكهرباء، ومع ذلك كان من الممكن الوصول إلى الوضع الحالي (نقل السلطة) دون التسبب في أضرار جسيمة للوطن".. هو لا يتردد في الحديث عن الظلم: "مع وجود الديمقراطية في بلدنا، كل هذه الأحداث لم يكن يجب أن تحدث في اليمن".
لا يبدو من الواضح أن علي عبدالله صالح يرغب في التهجم لمرات متكررة على حزب الإصلاح، فالآن زمن التهدئة والوقت الذي لا يتجاوز الأربعين دقيقة (المقابلة) كان الرئيس صالح يركز على تعداد الآثار التي تركها "الثوار" والتي لا يجب أن تبتلع تركته و"اللحظات الرائعة" في حياته السياسية.
هذه "اللحظات الرائعة" كما يقول هي "يوم إعلان الوحدة اليمنية وإنهاء الانفصال مع الجنوب وتسوية قضايا الحدود مع المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط والغاز في مأرب وحضرموت" سرد سريع وجاف وبلا تقييم، سرد يعظّم الانجازات الحقيقية دون الخوض في تفاصيل الانجازات وما آلت إليه ولا يسمح كذلك في الدخول في كواليس أحداث معقدة وأحيانا عنيفة، ناهيك عن اتخاذ كافة التدابير لشخصية عُرفت بانتهاز الفرص.
وكفرصة لا تتكرر، فقد أعطى السابع عشر من يوليو 1978 الكثير بالنسبة للحياة السياسية للضابط الشاب ليصبح رئيساً للجمهورية، حتى المتشككين رأوه يحقق الوحدة بين الشقيقتين الجغرافيتين، الشمال الموالي للغرب والجنوب الذي يعتبر جزءاً من الكتلة السوفيتية، وفي 22 مايو 1990 أصبح رئيسا لبلد لأول مرة موحداً يرفع علمه الوطني الملون في قلب مدينة عدن. حينها هتفت الحشود "الوحدة.. الوحدة"، أصاب الجنوبيون بعد ذلك الإحباط لأقصى حد بسبب الوعود التي لم تنفذ.
وبالرغم من النشيد والعلم والدستور (الموحد)، تبدو هذه الأشياء دون جدوى، فالشماليون الذين يشغلون الوظائف العامة كثر، وهناك أيضاً من يقوم بمصادرة الأراضي، اليوم في المنصورة، أحد أحياء عدن، عادت راية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للظهور، حول هذا الشعار ذي الثلاث خطوط أفقية أحمر وأبيض وأسود ومثلث أزرق ونجمة حمراء، تستمر الحمى الانفصالية، "حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين" يحب علي عبد الله صالح تكرار هذه العبارة.
مراراً وتكراراً، عرف هذا الجندي القادم من أرض ريفية وهي قرية صغيرة تدعى بيت الأحمر، (صالح)، عرف الخطوة التالية التي تجنبه السقوط، تعلم هذا الرجل تحويل عدو الأمس إلى حليف في الظرف الراهن، وتعلم كذلك التلاعب بوعوده وإقناع الآخر بحسن نيته، هو صاغ الوحدة لكن أساس التعامل مع القبائل المختلفة، باعتباره على علم باللعبة القبلية، وباختصار فالرئيس يجيد التلاعب وفي الغالب عن طريق دفع المبالغ المالية.
المبادرة الخليجية تعد حالة للدراسة، فقد رفضها صالح لثلاث مرات، وبالكثير من الصبر، تمكن المبعوثون الخليجيون ومبعوثو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحاد الأوربي من إقناعه بالآلية التنفيذية لخطة الخروج من الأزمة، لكن في النهاية، من الذي أقنع الآخر؟ تركت المعارضة "الثوار" غاضبين يتحركون في الشوارع ورضخت أخيرا لمطالب رئيس الدولة: هو وأقاربه يحصلون على حصانة ويبقى هو كرئيس فخري خلال الفترة الانتقالية. في الواقع كان هو مربط الفرس بخروجه الذي يحدد الإجراءات والجدول الزمني.
اليوم أكد علي عبدالله صالح أنه "لا يندم على تسليم السلطة (سلطته) إلى نائب الرئيس وأن التوقيع على المبادرة الخليجية أيضاً هو جزء من اللحظات الإيجابية" من حياته السياسية. هذا تحول مفاجئ في الوضع!
في أروقة السياسة في صنعاء، الأشخاص الذين عايشوا التعاملات مع الرياض، يعترفون بأنهم تنفسوا الصعداء عندما أمسك الرئيس اليمني بالقلم للتوقيع على اتفاق نقل السلطة. اليوم علي عبدالله صالح يجعل من نفسه مدافعاً عن الطريق الديمقراطي لضمان الاستقرار والأمن لتجنب إدخال البلد في فترة دموية.
الحرب الأهلية أٌعلنت مرات عديدة, ولكنها لم تنفجر، في بلد تعداد الأسلحة فيه أكثر من تعداد السكان ومع ذلك فالسيناريو يبدو مهدِّداً. الميزانية العمومية أقل من أي بلد آخر، لكن المتظاهرون في صنعاء وعدن وتعز يعانون من القمع العنيف لأجهزة الأمن والقنص العشوائي للقناصة المنتشرين على أسطح المنازل، بالنسبة لعلي عبدالله صالح فالمسئولية عن هذا العنف تتحملها المعارضة في المقام الأول: "نحن نعيش في بلد قبلي تتجاوز فيه التقاليد المصالح الحزبية، والاستمرار في العنف وفي الأخطاء غير مقبول".
منذ البدء في عملية نقل السلطة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني أصبحت الليالي الصنعانية أكثر هدوءاً، الأسلحة الرشاشة والصواريخ لم يعد يسمع دويها في منطقة الحصبة شمال صنعاء أو في شارع هائل في وسط المدينة، البنزين أصبح متوفراً أكثر من ذي قبل، والغاز أقل سعراً، لكن الكهرباء سيئة للغاية.
تسير الحياة بهدوء في الأحياء التي هجرها السكان، وائتلافات الشباب المعارضين لمنح الحصانة للرئيس لم ترفع تجمعاتها، مازال النبض الثوري مستمرا في "ساحة التغيير" بصنعاء أو في "ساحة الحرية" بتعز.
لكن علي عبد الله صالح يبين ثقته: "لقد تعلمنا من هذه الأحداث الاستقرار، كل القوى السياسية الفاعلة في المعارضة أو النظام يريدون الاستقرار، الكل يرغب في تطوير اليمن في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، هذه رغبة الشعب اليمني، برغم الاختلاف في الرؤية وطريقة التنفيذ، نعم، الاتجاه العام يتجه نحو الاستقرار".
ينظر إلى ساعته ويلتفت إلى مستشاريه: "انتهينا..؟". سؤال أخير: هل ستكون طرفاً فاعلاً أو مراقباً في يمن الغد؟.. " فاعلٌ.. مثل أي مواطن في هذا البلد" يستنتج علي عبد الله صالح وهو يحيينا.
هذا الرئيس لم يعد بالتأكيد رئيساً بالفعل، لكن مازال يجب أن تعتبره كذلك إذا كنت معه.
*ترجمة خاصة بالمصدر اونلاين - عفيف الشيباني
كتب هذا التقرير فرانسوا اكزافييه تريجان. ونشر في صحيفة لوموند الفرنسية.
منذ توقيع الاتفاق الانتقالي في 23 نوفمبر في الرياض، بناء على مبادرة من دول الخليج، الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، 69 عاما، لم يعد أكثر من رئيس فخري. فقد بدأ العد التنازلي. في 21 فبراير سيتوجب عليه أن يغادر قصره. ظهوره العلني أصبح نادرا، ولكن الجميع يريد أن يراه، ويستمع إليه وخاصة سماعه يقول: نعم، أنه وقع اتفاق الرياض، وهو المرادف لتخليه القسري عن السلطة بعد 33 سنة من الحكم.
تم تحديد الموعد مع صحيفة لوموند خلال فترة انتظار دامت لدقائق، كان يرتدي بدلة صوفية رمادية وربطة عنق مناسبة لها، جلس في كرسي قماشي في خيمة تستخدم للاستقبال في المعتاد، يرتدي قفازات مثيرة للتساؤل على يديه. الرقبة وجانبي الوجه تحمل علامات جروح حادث 3 يونيو. المستشارون يجلسون في صف واحد، للاستماع والتركيز على الكلام الرسمي، نظرات الرئيس تتحرك في كل الاتجاهات ليقوم بتحليل محادثه بشكل أوضح وباسترخاء وابتسام، وجّه علي عبد الله صالح نظرات إلى مستشاريه، وهؤلاء اثبتوا تقبلهم لكلامه بهز رؤوسهم.
"نعم – يعترف الرجل – أنصاري كثر، ولكن المعارضين كثر أيضا" لاحظ الرجل الوضع، حيث أن "أرحل يا علي" تستطيع أن تنافس في نهاية المطاف "نحبك يا علي".
- السيد الرئيس.. هل كنت تتوقع هذه الأحداث الجارية منذ عدة أشهر؟
نعم، لأننا نعرف سلوك المعارضة.
- هل كنت تتوقع هذه الأحداث وهذه التجمعات؟
الاستبداد وغياب الديمقراطية بالتأكيد سيحدث مثل هذا الزلزال.
صمت محرج..
* (يسأل احد المستشارين مراسل لوموند) أنت تريد الحديث عن اليمن بدون شك..
- بالفعل..
* الرئيس يتحدث عن الأحداث التي وقعت في العالم العربي وليس في اليمن.
يجيب الرئيس: اعتبر أن ما حدث في العالم العربي هو زلزال وليس ثورة ولكن المعارضة أرادت الاستفادة من الظروف وتقليد تونس ومصر وليبيا أو حتى سوريا اليوم، ولكن الديمقراطية وحرية الصحافة موجودة في اليمن والدستور اليمني يكفل الحق في التظاهر، لم يكن هناك أي سبب يجعل البلد تعاني من مثل هذه الأعمال التخريبية.
القلعة الرئاسية منطقة معزولة عن العاصمة وتحظر حركة المرور فيها على نطاق واسع ولكن أهالي صنعاء تعودوا على الطرق الملتوية للالتفاف على هذه الأرضة المحرمة عسكرياً، قبل الثورة كانوا يقودون (سياراتهم) كما يريدون، والآن يقودون وفق هو ممكن، قوات الأمن المركزي والمدرعات اتخذت مواقع لها في تقاطعات السبعين، كما انقسمت صنعاء من الشمال إلى الجنوب، منذ بداية "الثورة الشعبية السلمية" أصبحت منطقة السبعين مكانا لتجمع أنصار "الرئيس"، وكجزء من مبادرة الخليج اتفقت المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي على إزالة التجمعات. غادر الحشد أماكنه وعلي عبدالله صالح لم يعد يظهر.
في السابق، كان عشرات الآلاف من الأتباع من عمران وإب وحجة يأتون لاستثمار كل يوم جمعة فهو يومهم للتجمع، وشكلوا مجموعة ضغط أمام جامع الصالح ويحتفلون بصخب بـ"علي" الغالي لديهم، ينتزع علي المايكروفون في منصة رسمية عالية أمام المجتمعين في المربع الأخير للأنصار، ليهاجم "المخربين للوحدة اليمنية" وأيضاً "المتآمرين" بكافة أنواعهم.
وبدعم من جمع صاخب، علي عبد الله صالح لم يكن يتمكن من الالتزام بالنص في خطاباته، ارتجاله في الخطابات كان غالبا ما يلمس وتراً حساساً لدى الغرب، كان يتنبأ بـ"التهديد الإسلامي" أو "موجة الإرهاب" في حالة ما حدث انهيار مفاجئ لنظامه.
في الرؤية الرئاسية للمتظاهرين المطالبين برحيله، يرى أنهم لا يشكلون سوى أقلية من "المرتزقة" تقودهم المعارضة، هؤلاء "المرتزقة" بالرغم من الاتفاق السياسي لنقل السلطة لا يزالون اليوم على بعد بضعة مئات من الأمتار منه في "ساحة التغيير" التي تعد بؤرة الاحتجاج، إنهم طلاب وفلاحون وأبناء قبائل وتجار، إنهم إسلاميون واشتراكيون، مستقلون وناصريون، وانفصاليون ومطالبون بالحكم الذاتي، في خيمتهم القماشية يشكلون يمناً صغيراً، فهم قادمون من السهول القاحلة في تهامة وجبال عمران والوديان المنخفضة في حضرموت، ومنذ إحدى عشر شهراً يهتف هذا اليمن الصغير بجملة واحدة: ارحل يا علي.
علي عبد الله صالح هو أحد الناجين، نجا من هجوم على مسجد القصر في يوم جمعة, وهو يوم الصلاة العظيمة، حيث قتل 11 شخصاً وجرح 160 آخرين، لم يعد المسجد إلا كومة من الركام والزجاج المحطم، قبعات عسكرية حمراء وسترات ممزقة مازالت على الأرض، لم يتم جمع أحذية المصلين، كما لم يتم إكمال الصلاة، وحيث أنه أصيب بجروح خطيرة وحروق في أجزاء مختلفة من الجسم، خضع صالح لعمليات جراحية في المملكة العربية السعودية.
كيف يشعر الآن بعد ستة أشهر من هذا الهجوم؟ "أشعر بالألم، - يضيف - أشعر بألم عميق لما حدث خلال العشرة الأشهر الماضية، تسببت أحزاب المعارضة وأنصارها في الكثير من الفوضى في الاقتصاد والأمن وإراقة الدماء وانقطاع الكهرباء، ومع ذلك كان من الممكن الوصول إلى الوضع الحالي (نقل السلطة) دون التسبب في أضرار جسيمة للوطن".. هو لا يتردد في الحديث عن الظلم: "مع وجود الديمقراطية في بلدنا، كل هذه الأحداث لم يكن يجب أن تحدث في اليمن".
لا يبدو من الواضح أن علي عبدالله صالح يرغب في التهجم لمرات متكررة على حزب الإصلاح، فالآن زمن التهدئة والوقت الذي لا يتجاوز الأربعين دقيقة (المقابلة) كان الرئيس صالح يركز على تعداد الآثار التي تركها "الثوار" والتي لا يجب أن تبتلع تركته و"اللحظات الرائعة" في حياته السياسية.
هذه "اللحظات الرائعة" كما يقول هي "يوم إعلان الوحدة اليمنية وإنهاء الانفصال مع الجنوب وتسوية قضايا الحدود مع المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط والغاز في مأرب وحضرموت" سرد سريع وجاف وبلا تقييم، سرد يعظّم الانجازات الحقيقية دون الخوض في تفاصيل الانجازات وما آلت إليه ولا يسمح كذلك في الدخول في كواليس أحداث معقدة وأحيانا عنيفة، ناهيك عن اتخاذ كافة التدابير لشخصية عُرفت بانتهاز الفرص.
وكفرصة لا تتكرر، فقد أعطى السابع عشر من يوليو 1978 الكثير بالنسبة للحياة السياسية للضابط الشاب ليصبح رئيساً للجمهورية، حتى المتشككين رأوه يحقق الوحدة بين الشقيقتين الجغرافيتين، الشمال الموالي للغرب والجنوب الذي يعتبر جزءاً من الكتلة السوفيتية، وفي 22 مايو 1990 أصبح رئيسا لبلد لأول مرة موحداً يرفع علمه الوطني الملون في قلب مدينة عدن. حينها هتفت الحشود "الوحدة.. الوحدة"، أصاب الجنوبيون بعد ذلك الإحباط لأقصى حد بسبب الوعود التي لم تنفذ.
وبالرغم من النشيد والعلم والدستور (الموحد)، تبدو هذه الأشياء دون جدوى، فالشماليون الذين يشغلون الوظائف العامة كثر، وهناك أيضاً من يقوم بمصادرة الأراضي، اليوم في المنصورة، أحد أحياء عدن، عادت راية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للظهور، حول هذا الشعار ذي الثلاث خطوط أفقية أحمر وأبيض وأسود ومثلث أزرق ونجمة حمراء، تستمر الحمى الانفصالية، "حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين" يحب علي عبد الله صالح تكرار هذه العبارة.
مراراً وتكراراً، عرف هذا الجندي القادم من أرض ريفية وهي قرية صغيرة تدعى بيت الأحمر، (صالح)، عرف الخطوة التالية التي تجنبه السقوط، تعلم هذا الرجل تحويل عدو الأمس إلى حليف في الظرف الراهن، وتعلم كذلك التلاعب بوعوده وإقناع الآخر بحسن نيته، هو صاغ الوحدة لكن أساس التعامل مع القبائل المختلفة، باعتباره على علم باللعبة القبلية، وباختصار فالرئيس يجيد التلاعب وفي الغالب عن طريق دفع المبالغ المالية.
المبادرة الخليجية تعد حالة للدراسة، فقد رفضها صالح لثلاث مرات، وبالكثير من الصبر، تمكن المبعوثون الخليجيون ومبعوثو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحاد الأوربي من إقناعه بالآلية التنفيذية لخطة الخروج من الأزمة، لكن في النهاية، من الذي أقنع الآخر؟ تركت المعارضة "الثوار" غاضبين يتحركون في الشوارع ورضخت أخيرا لمطالب رئيس الدولة: هو وأقاربه يحصلون على حصانة ويبقى هو كرئيس فخري خلال الفترة الانتقالية. في الواقع كان هو مربط الفرس بخروجه الذي يحدد الإجراءات والجدول الزمني.
اليوم أكد علي عبدالله صالح أنه "لا يندم على تسليم السلطة (سلطته) إلى نائب الرئيس وأن التوقيع على المبادرة الخليجية أيضاً هو جزء من اللحظات الإيجابية" من حياته السياسية. هذا تحول مفاجئ في الوضع!
في أروقة السياسة في صنعاء، الأشخاص الذين عايشوا التعاملات مع الرياض، يعترفون بأنهم تنفسوا الصعداء عندما أمسك الرئيس اليمني بالقلم للتوقيع على اتفاق نقل السلطة. اليوم علي عبدالله صالح يجعل من نفسه مدافعاً عن الطريق الديمقراطي لضمان الاستقرار والأمن لتجنب إدخال البلد في فترة دموية.
الحرب الأهلية أٌعلنت مرات عديدة, ولكنها لم تنفجر، في بلد تعداد الأسلحة فيه أكثر من تعداد السكان ومع ذلك فالسيناريو يبدو مهدِّداً. الميزانية العمومية أقل من أي بلد آخر، لكن المتظاهرون في صنعاء وعدن وتعز يعانون من القمع العنيف لأجهزة الأمن والقنص العشوائي للقناصة المنتشرين على أسطح المنازل، بالنسبة لعلي عبدالله صالح فالمسئولية عن هذا العنف تتحملها المعارضة في المقام الأول: "نحن نعيش في بلد قبلي تتجاوز فيه التقاليد المصالح الحزبية، والاستمرار في العنف وفي الأخطاء غير مقبول".
منذ البدء في عملية نقل السلطة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني أصبحت الليالي الصنعانية أكثر هدوءاً، الأسلحة الرشاشة والصواريخ لم يعد يسمع دويها في منطقة الحصبة شمال صنعاء أو في شارع هائل في وسط المدينة، البنزين أصبح متوفراً أكثر من ذي قبل، والغاز أقل سعراً، لكن الكهرباء سيئة للغاية.
تسير الحياة بهدوء في الأحياء التي هجرها السكان، وائتلافات الشباب المعارضين لمنح الحصانة للرئيس لم ترفع تجمعاتها، مازال النبض الثوري مستمرا في "ساحة التغيير" بصنعاء أو في "ساحة الحرية" بتعز.
لكن علي عبد الله صالح يبين ثقته: "لقد تعلمنا من هذه الأحداث الاستقرار، كل القوى السياسية الفاعلة في المعارضة أو النظام يريدون الاستقرار، الكل يرغب في تطوير اليمن في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، هذه رغبة الشعب اليمني، برغم الاختلاف في الرؤية وطريقة التنفيذ، نعم، الاتجاه العام يتجه نحو الاستقرار".
ينظر إلى ساعته ويلتفت إلى مستشاريه: "انتهينا..؟". سؤال أخير: هل ستكون طرفاً فاعلاً أو مراقباً في يمن الغد؟.. " فاعلٌ.. مثل أي مواطن في هذا البلد" يستنتج علي عبد الله صالح وهو يحيينا.
هذا الرئيس لم يعد بالتأكيد رئيساً بالفعل، لكن مازال يجب أن تعتبره كذلك إذا كنت معه.
*ترجمة خاصة بالمصدر اونلاين - عفيف الشيباني
كتب هذا التقرير فرانسوا اكزافييه تريجان. ونشر في صحيفة لوموند الفرنسية.