الرئيسية / تقارير وحوارات / هل نجح صالح في إنقاذ باقي الزعماء العرب؟
هل نجح صالح في إنقاذ باقي الزعماء العرب؟

هل نجح صالح في إنقاذ باقي الزعماء العرب؟

15 ديسمبر 2011 10:40 مساء (يمن برس)
في تصريح له قال مدير 'معهد دراسات الشرق الأوسط' في جامعة جورج واشنطن (مارك لينش): إنَّ رياح الربيع العربي في طريقها إلى الخليج، مشيرًا إلى أنّ الشباب في الخليج مثل كل الشباب العربي يشعرون بالإحباط، ويريدون دورًا أكبر في الحياة السياسية وتحسين الحياة الاقتصادية.

تلك التصريحات لم تكن غائبة يوما عن قادة الدول العربية التي لم يصلها طوفان الثورات الشعبية، بل إن الجميع من قادة وصناع قرار في تلك الدول يراقبون عن كثب أحداث الثورات العربية في المنطقة، ويحاولون أن يستخلصوا من تجارب التعامل معها، أفضل السبل الناجعة لمواجهة هذا الطوفان الشعبي حين وصوله إلى بلادهم.

وتنبثق القناعة بحتمية وصول طوفان الثورة من تماثل أنظمة الحكم العربية الدكتاتورية، وهي إن اختلفت في المظهر إلا أنها تتفق في الجوهر، حيث تدور الأمور كلها حول محور واحد متمثل في شخص رئيس الدولة سواء كان ملكا أو أميرا أو حتى رئيسا للجمهورية.

هذا 'الرجل الأوحد' هو الذي ينفرد بكل شيء من إصدار القرارات وتحديد السياسات وترتيب الأولويات .. وهو الذي يحب هذا ويكره تلك، وهو الذي يصادق هذا ويعادي ذاك، وهو الذي يعطي ويمنع، ويصرف ويجمع. وكأن شعبه قطيع من الغنم ورثه كابرا عن كابر.

فلا عطاء إلا بمكرمة ملكية، ولا بناء إلا بوسم اسمه الشريف .. فهذا باب الملك فهد، وتلك توسعه خادم الحرمين، ووقف الملك عبد العزيز، وبرج خليفة، ومدينة زايد .. حتى الأعمال الخيرية تنسب لهم وحدهم، فمنذ وفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان والصحافة والإعلام السعودي لا يكف عن الحديث عن (سلطان الخير) وكأن كل الأعمال الخيرية التي قام بها من نفقة جيبه الخاص، رغم أنها أموال الشعب ومن خيرات أرضه النفطية.

حتى تعيين الوزراء وولاة العهد ترجع إلى الرجل الأوحد، فهو الوحيد البصير الذي يرى وغيره عميان، بل إن اختياره مكرمة غالية لا تدانيها مكارم .. ففي تصريح لولي العهد السعودي الأمير نايف، نشرته مجلة الحج والعمرة بعدد محرم 1433هـ قال نايف: أكيد أنني مع إحساسي وشعوري بالثقة التي منحني إياها سيدي خادم الحرمين الشريفين بولاية العهد، إضافة على لمقامه الكريم على اختياري وعلى ثقته، إلا أني اعتبرتها تكليفا وتشريفا، واعتبرتها وساما على صدري.

ثم يتابع فيقول: في هذه اللحظات لا أنسى ولا يمكن أن أنسى سلطان بن عبد العزيز، هذا الرجل الفذ الذي قدم لوطنه الكثير والكثير جدا منذ شبابه، منذ بدأ أميرا للرياض حتى انتهى وليا للعهد، ولو الأعمار تعطى لأعطيناه أعمارنا.

لكن في ظل هذا الخضم يبقى الأسلوب الأمثل للتعامل مع الطوفان الشعبي إبان حدوثه غير واضح حتى الآن، فتجربة تونس لا يمكن تطبيقها بأي حال من الأحوال، لأن الفرار من كرسي الحكم ذي الجاذبية العالية لا يقدر عليه إلا أولو العزم من الحكام، أما التجربة المصرية بالتنحي فقد أثبتت الأيام فشلها، وها هو مبارك في قفص المجرمين يحاكمه شعبه العظيم. وكادت التجربة الليبية بسحق المتظاهرين أن تنجح لولا تدخل حلف النيتو.

ولذلك تبقى 'العصا الأمنية الغليظة' التي تبناها صالح في اليمن هي -حتى الآن- الحل الأكثر قبولا رغم دمويته، وهذا ما اقتنع به بشار سورية، ولازال على كرسيه حتى هذه اللحظة برغم بحور الدماء التي أراقها، وفي البحرين نجحت العصا الغليظة -إلى حد ما- في إخماد الثورة، وكان لقوات درع الجزيرة أثرا واضحا في تثبيت ملك البحرين على كرسي الحكم، وهذا ما دفع بملك السعودية لرمي متظاهري القطيف بالرصاص الحي وأسقط منهم أربعة قتلى فضلا عن الجرحى.

لقد أجاد صالح باليمن استخدام سياسة العصا الغليظة، وأنهك الثورة اليمنية طيلة عام تقريبا، سقط خلاله آلاف الشهداء والمصابين، الأمر الذي وصفه أحد المحللين اليمنيين بقوله: أعتقد أن علي صالح ينتهج حاليًا مقولة: (إذا أردت السلام فاستعد للحرب)، فهو يدرك تمامًا بأن السلطة لن تكون له بعد 11 شباط/فبراير تاريخ انطلاق الثورة، وإنما يسعى حاليًا وبمظلة المبادرة الخليجية إلى الحفاظ على ماء الوجه والخروج المشرف من السلطة، إضافة إلى حصانة تجنبه هو وأعوانه المحاكمات وغيرها من تدويل الملفات اليمنية.

لقد نجح صالح وزعماء المبادرة الخليجية تساندهم قوى غربية في الالتفاف على الثورة، حيث تنص المبادرة الخليجية على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح خلال تسعين يوما من توقيع الاتفاق بعد التنازل عن صلاحياته لنائبه هادي منصور الذي سيشرف على عمل حكومة الوفاق الوطني التي ستعد لانتخابات رئاسية في شباط/فبراير المقبل .. هكذا وبكل بساطة، فصالح يرى أن تركه كرسي الحكم تضحية كبيرة كبيرة جدا تصغر أمامها كل الأرواح التي أزهقت، والأجساد التي تقطعت، والاقتصاد الذي انهار (يقدر خبراء التكلفة اللازمة لتجاوز آثار الأزمة بنحو ستة مليارات دولار).

وهذا نفس السيناريو الذي كان يريده مبارك، حيث عين عمر سليمان رئيس المخابرات نائب له، وأقال الوزارة وكلف اللواء أحمد شفيق وزير الطيران المدني بتكوين وزارة جديدة، أي عملية تغيير للوجوه لا أكثر ولا أقل كما يتم الآن باليمن.

لكن رجال ثورة مصر رفضوا أن يبتلعوا الطعم، واستمروا في نضالهم الثوري حتى أزيحت النخبة الفاسدة بكل تفاصيلها وحذافيرها، وباعتقادي أن ثوار اليمن لو قبلوا هذا السيناريو الهزلي الحالي فمعنى هذا أنهم أجهضوا ثورتهم وأضاعوا أشهر الكفاح السابقة المريرة، وباعوا دماء شهدائهم وحقوق مصابيهم بثمن بخس.

إن مجرد القبول بأنصاف الحلول معناه أن صالح قد نجح في خداع الثوار، وقدم نموذجا ناجحا لكافة الزعماء العرب يتعاملون به مع ما هو آت.. فنائب الرئيس لا يفترق كثيرا عن الرئيس، وأبناء صالح وأقاربه مازالوا مسيطرين على المؤسسة العسكرية وغيرها من الأماكن الحساسة بالدولة، ولم يتغير شيء في هذه المسرحية الساذجة.

إن المتفائلين بحكومة باسندوة يرون سرابا لا ماء فيه، فالثورة لا تؤتي أكلها إلا بإزاحة وتطـــهير كل فلول ورموز النظام السابق .. إنها تغيير جذري من الألف إلى الياء، تغيير يضمن عودة الحقوق لأصحابها، وأولهم الثوار أنفسهم الذين قدموا أرواحهم وأجسامهم من أجل الحرية، وبداية استرداد الحقوق لابد أن تبدأ من محاكمة صالح وأعوانه لا إعطائهم الحصانة.

ولو كان صالح يتفاوض من منطق قوة لأن المؤسسة العسكرية تحت إمرته، وحكام الخليج والمجتمع الدولي وراءه، فعلى الثوار أن يعلوا صوتهم فوق أي صوت يبرر هذا التواطؤ الغريب مع صالح ونظامه في اتفاق سخيف مثل هذا، والصبر ساعة وإن طالت، وطعمه مر علقم لكن ثمرته أحلى من العسل.

*د. خالد سعد النجار
طبيب وكاتب مصري
شارك الخبر