عقب نشر الحلقة الأولى من هذا المقال تلقيت تعليقات عديدة بعضها مكتوب وبعضها شفوي يرى أصحابها بأني بالغت في وصف الخطر المحدق بالرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، وكان أهم تعليق في هذا السياق هو ما سمعته من سياسي يمني عايش الرئيس المنتهية صلاحيته على عبدالله صالح سنينا طويلة، حيث قال: " أنت مخطئ في تحليلك أن اغتيال هادي هو انقاذ لصالح، فالواقع أن صالح يحاول اغتيال ثورتكم الشبابية عن طريق عبد ربه منصور هادي، ولهذا فإنه لن يفرط فيه مطلقاً، علاوة على أن هادي يتمتع بحماية ورعاية دولية واقليمية ومحلية كافية للحفاظ على حياته ولن يجرؤ صالح أو غيره على المساس به إلا إذا أراد تحدي أهم اللاعبين اقليميا ودوليا وهو ما يعمل صالح على تجنبه حتى الآن ولا يقوى عليه".
ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أني مازلت مقتنعاً بأن اليمن برمتها في خطر وليس الرئيس الانتقالي فقط، ولا يجب أن ننسى أن منزل عبد ربه منصور هادي يقع جغرافيا وسياسيا بين مطرقة الحرس العائلي وسندان الفرقة الأولى المساندة للثورة.
ويجب التذكير هنا بأهم التطورات ذات الدلالة في الفترة ما بين نشر الحلقة الأولى من هذا المقال وكتابة هذه الحلقة للاستفادة من المؤشرات المبكرة في توقع الأحداث القادمة.
أولا: لم ينجح الرئيس اليمني المنتهية صلاحيته في إعاقة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية رغم محاولته التدخل غير أن اللجنة المشكلة برئاسة عبدربه منصور هادي وعضوية الأمناء المساعدين في الحزب الحاكم تولت اختيار مرشحي الحزب لشغل المناصب الوزارية في حكومة الوفاق الوطني بالتقاسم مع أحزاب المعارضة الرئيسية. وحسبما ذكرته صحيفة "الخليج" الإماراتية، فإن وزير الدفاع الذي ينتمي هو ونائب الرئيس إلى محافظة واحدة هي محافظة "أبين" في جنوب اليمن تسبب اختياره في وقوع خلاف حاد بين صالح وهادي، حيث أبدى الأخير تصميمه على ترشيح وزير الدفاع في الحكومة المنتهية ولايتها اللواء الركن محمد ناصر أحمد لشغل المنصب، وهو ما كان يعارضه صالح. وأوضحت مصادر أخرى أن نائب الرئيس عبد ربه هادي وجه تهديد شديد اللهجه للرئيس علي عبدالله صالح عندما حاول الاخير فتح نقاش مع هادي حول تسمية شاغلي الحقائب الوزارية عن جانب المؤتمر وذلك في اجتماع مصغر في دار الرئاسة قبل اتعقاد الدوره الاستثنائية للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، حيث كان النقاش يدور حول حقيبة وزارة الدفاع مما تطور الى بقية الحقائب حيث حاول صالح تعديل واعادة بعض الاسماء مما دفع الامر بنائب الرئيس الى توجيه تهديد صريح ومباشر للرئيس علي عبدالله صالح بانه اذا استمر بالتدخل بتشكيل الحكومة فانه سياخذ ملابسه ويغادر الى عدن! وهو الامر الذي جعل الرئيس صالح يسحب اعتراضاته وملاحظاته عن التشكيل الحكومي بعد شعوره بالامتعاض من الاسلوب الذي تعامل به نائبه معه. ولكن النائب على ما يبدوا كان مسلحا بدعم من سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإنجاز المهمة في أقصى سرعة، فلم يكن أمام الرئيس صالح من خيار سوى الرضوخ لرغبة هادي.
ثانيا: لم تنجح المعارضة في فرض أسماء الأعضاء الذين ينتمون إليها في اللجنة العسكرية التي نصت على تشكيلها آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، واستخدم هادي صلاحياته في إصدار قرار تشكيل لجنة عسكرية برئاسته تضمنت ضباطا لم ترد أسماؤهم في القائمة المقترحة من المعارضة. لكن اللجنة حتى الآن لم تتمكن من وقف الاشتباكات الدائرة في صنعاء وتعز، وما زال القرار العسكري بأيدي قادة ينتمون للأسرة الحاكمة المتشبثة عبثا بالسلطة. ورغم أن شباب الساحات وبعض ناشطي المعارضة يعيبون على هادي عدم مزاولته لعمله من داخل دار الرئاسة، إلا أني شخصيا أعذره على ذلك لأنه لا يأمن على نفسه هناك! فدار الرئاسة أصبحت ملكاً لنجل الرئيس وأنجال أخيه، ويحرس الدار ضباط محبطون يتحينون الفرصة في اي لحظة للثأر لمقتل زملاء أبرياء لهم من حراس الرئيس لمجرد الشك في تورطهم بحادث المسجد.
ثالثا: اعترف عبدربه منصور هادي ضمنيا في خطاب رسمي امام قيادات الحزب الحاكم بأن المبادرة الخليجية التي لم يُنشر نصها النهائي حتى الآن الغي فيها البند المتعلق باستقالة الرئيس علي عبدالله صالح بعد ثلاثين يوما من التوقيع وجرى تلبية شرطه المتثل في الاستعاضة عن الاستقالة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد تسعين يوما. لكن هادي لم يوضح اسباب عدم نشر النص النهائي للاتفاق، رغم أنه جرى نشر النص الكامل للآلية التنفيذية ولوحظ عدم توافق بنود الآلية مع بنود النسخة الموقع عليها قبل أشهر في صنعاء من قبل المعارضة التي تنص على وجوب تقديم الرئيس استقالته بعد ثلاثين يوما من التوقيع على المبادرة. وفي الوقت الذي اعتبر فيه بعض السياسيين الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بمثابة اتفاق منفصل، فإن العرف القانوني يفترض أن اللوائح التنفيذية لا يجب أن تخالف الاتفاق الأصلي الأمر الذي أثار شكوكا في اليمن بأن المعارضة وافقت على تعديل الاتفاق الرئيسي وتحفظت على نشره. وفي ظل الغموض السائد بشأن مضمون الاتفاق النهائي بين السلطة والمعارضة والجدل الدائر حول الصلاحيات المتبقية للرئيس المنتهية ولايته، فاجأ صالح الجميع بإصدار قرار جمهوري عين فيه الدكتور عبدالهادي الهمداني أمينا عاما لرئاسة الجمهورية رغم معرفته بخلافات الهمداني مع مدير مكتب الرئاسة علي محمد الآنسي! وكان من المفترض أن يترك التعيين لهادي لأن هادي هو المعني بأنشطة الرئاسة، ولكنه على ما يبدو أراد توجيه رسالة غير مباشرة لهادي بأنه حتى وإن خرج من اليمن للعلاج فإنه سيظل محتفظا بحصانته كرئيس دولة وسيظل محتفظا بطاقمه.
رابعا: إلى جانب إعلان حكومة الوفاق الوطني، واعلان تشكيل اللجنة العسكرية المناط بها إعادة هيكلة الجيش اليمني، كان هناك خطوة أخرى ذات دلالة لموضوعنا وهي اختيار "علي محمد مجور" أمينا عاما للحزب بدلا عن عبد ربه منصور هادي الذي سيكتفي من الآن وصاعدا بلقب نائب رئيس الحزب. وحسب المعلومات المتوفرة في شبكة الانترنت، فإن الرئيس المنتهية صلاحيته علي عبدالله صالح هو الذي أصر على اختيار "مجور" لمنصب الأمين العام للمؤتمر الشعبي وهو المنصب الذي شغله صالح سنين طويلة قبل أن يتم استحداث منصب شرفي تحت مسمى رئيس المؤتمر ومناصب شكلية أخرى لنواب رئيس المؤتمر. ويبدو أن إصرار صالح على اختيار "مجور" أمينا عاما بديلا لهادي نابع من رغبة لدى صالح أن يظل الرئيس القادم لليمن نائبا له في الحزب الحاكم، ويريد أن تكون الصفة واضحة لا لبس فيها! ولهذا عمل على تجريد هادي من صفة أمين عام الحزب قبل حول موعد الانتخابات الرئاسية المقرّراجراؤها في فبراير القادم. وإذا افترضنا حسن النية فإن الأمر قد يكون مرتبطاً بالشكليات المشار إليها التي تؤثر كثيرا على نفسية الرئيس المنتهية صلاحيته، ولكن الاحتمال الأخطر هو أن يكون الغرض من هذا التعديل اعداد "مجور" ليكون بديلا عن هادي لخوض الانتخابات، ومعنى ذلك أن قرار تصفية هادي قد اتخذ.
ويعزز هذا الخوف أن صالح معروف بتفضيله الدائم لـ"مجور" على جميع المسؤولين الجنوبيين في نظامه بمن فيهم "هادي" نفسه، وذلك لأن "مجور" هو الوحيد الذي لم يتبناه اللواء علي محسن وإنما اختاره نجل صالح، بينما يعترف معظم المسؤولين الجنوبيين من مجموعة "هادي" الذين يطلق عليهم اليمنيون "أنصار علي ناصر محمد"، يعترفون بالفضل لعلي محسن في اختيارهم لأعلى المناصب المدنية والعسكرية مكافأة لهم على مشاركتهم في حرب ١٩٩٤ ضد قوات "الضالع" و"لحج". ويقال أنه لولا حادث تفجير المسجد الذي فقد فيه "مجور" كثيرا من ملامح وجهه، لكان صالح قد عين "مجور" نائبا له بدلا من "هادي" ليضمن عدم وجود تواصل مع علي محسن الأحمر من أي نوع.
ولكن الأهم من كل هذا أن هادي أصبح الآن الحصان الذي يتجاذبه ويراهن عليه الجميع ليس على المستوى الدولي والإقليمي فحسب، وإنما حتى على مستوى الطرفين المتصارعين محليا.
فالطرف الأول، قادة الأحزاب المؤيدة للثورة الشبابية، ينتظرون منه أن يقوم بما لم يستطيعوا هم القيام به بالفعل الثوري، وهو إزاحة نجل الرئيس وأنجال أخيه من مناصبهم العسكرية. ويتوقع قادة المعارضة أن يتخذ هادي قرارات الإزاحة تحت مسمى "اعادة هيكلة الجيش"، معتقدين خطأ أن أحمد ويحي وطارق وعمار سيأتون مطيعين لتنفيذ قرارات الإقالة بكل بساطة، وكأنهم في مستوى رجاحة عقل محمد وعلي ودرهم أبو لحوم عندما قبلوا بقرارات عزلهم من مناصبهم العسكرية في عهد الرئيس ابراهيم الحمدي حفاظا على أمن البلاد والعباد على حساب مصالحهم الشخصية في تلك المناصب الزائلة. على العكس من ذلك، يبدو أن أبناء صالح ما زالوا متشبثين بالسلطة أكثر من أبيهم، حيث أن قطار التوريث قد قطع شوطا كبيرا وصنع طابوراً طويلا من المنتظرين لركوب هذا القطار الذين يصعب عليهم نفسيا تقبل فقدان قطار الأمل. وهو ما يفسر تشفي الرئيس المنتهية صلاحيته بأولئك الذين "فاتهم القطار" على حد تعبيره. ويفسر أيضا هذا الإصرار العجيب والعنف المفرط في مقاومة الإرادة الشعبية الساعية للتغيير السلمي. فمن يظن أن قطار التوريث قد انتهى إلى غير رجعة، عليه أن يراقب تحركات أحمد علي داخل صنعاء، وسيجد أنه يتنقل في موكب أكبر من موكب أبيه، وما زال حتى الآن يتدخل في شؤون الدولة بعقلية ولي عهد، ولا يبدو أن طموحه في الوصول إلى الرئاسة قد خمد بفعل الثورة. ولذلك، فإنه شخصيا يمثل الطرف الثاني في الصراع الذي يراهن على عبد ربه منصور هادي وينتظر الركوب على حصانه لجر قطار التوريث المتعثر. لكنه لا ينظر إلى عبدربه منصور إلا كـ"محلل شرعي" لفترة سنتين وتسعين يوما، يأتي بعدها أحمد لترشيح نفسه للرئاسة مسنوداً بالمال والعسكر، بعد أن يكون أتباعه قد أعدوا خطة محكمة للانقضاض المفاجئ على فرقة اللواء على محسن، أو استهدافه شخصيا بالاغتيال لتجريد منافسيهم أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من سندهم العسكري القوي. أما عبد ربه منصور فلن يكون أمامه بعد ذلك سوى التنفيذ الحرفي لآجندة اقليمية أسرية تتلخص في اجهاض الثورة عن طريق القتل الرحيم المزمن بآلية تنفيذية مفصلة. وإذا تقاعس عبد ربه عن تنفيذ المهمة الموكلة إليه من هذا الطرف بالذات، فإن الأسرة المتشبثة بالسلطة لن تتردد مطلقا في إيقاف البطارية التي تساعد قلبه الهادئ على النبض. [1]
في تقديري الشخصي الذي استنتجته من خلال تواصلي طوال أكثر من شهرين مع شخصيات عرفت عبد ربه منصور هادي عن قرب، فإن الرجل لن يكون يدا طيعة لهذا الطرف أو ذاك. فلا أظن أن بمقدوره أن يتولى اعادة هيكلة الجيش بالطريقة التي ترغب بها المعارضة، ولا أظنه من الغباء بحيث يقبل أن يتحول إلى أداة طيعة بيد أحمد علي.
يخالفني في هذا الرأي، السياسي المخضرم الدكتور ناصر محمد ناصر الذي كتب في صحيفة "الوسط" قائلا إن عبد ربه منصور "بحكم تنشئته وسجله التاريخي لا يمكن أن يخرج عن طبيعته الأداتية"! فهو، في رأي ناصر، "أداة مثالية قابلة للاستخدام والتوظيف من قبل كل من يقوى على امتلاك زمام القوة، وهذا يعني عملياً أن الرجل سيظل أداة طيعة في يد أقطاب الأسرة الحاكمة طالما ظلت الأسرة ممسكة بزمام القوة، والأيام والأسابيع القادمة ستبرهن بجلاء بأن الرجل جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل." [2]
ويعزز الدكتور ناصر رأيه بالقول إنه "من الثابت وغير المختلف عليه أن علي عبد الله صالح لم يتمكن من حكم اليمن خلال ثلاثة وثلاثين عاماً إلا بسيطرته على المؤسسة العسكرية والأمنية، ولولا هذه السيطرة لما استمر في حكم اليمن طوال هذه المدة. وبما أن توقيع علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية لم يغير واقع سيطرة أبنائه وأسرته على المؤسسة العسكرية والأمنية، فإن علي عبد الله صالح سيظل هو الرئيس والحاكم الفعلي لليمن إلى أن يتم فك الارتباط بين الأسرة والمؤسسة العسكرية والأمنية. وهذه الحقيقة ستتكشف خلال الأيام والأسابيع القادمة، وسيرى الجميع أن من يحكم اليمن هو علي عبد الله صالح وليس شخصاً آخر غيره".
الشئ الذي تجاهله الدكتور ناصر في استنتاجه هو أن أسرة صالح لم تعد تسيطر على كامل القوة العسكرية، حيث أن المؤسسة العسكرية التي استعان بها صالح للعبث بمقدرات الشعب طوال ثلاثة عقود قد انقسمت وأصبح الجزء المؤيد للثورة منها على رأس أهم اللاعبين الضامنين لنجاح الثورة. وأقول هذا على الرغم من أن مجاميع كبيرة من المراهقين السياسيين في الساحات يحاولون بكل غباء المساواة بين المؤسسة العسكرية التي انحازت لثورتهم والمؤسسة العائلية التي تفتك بشعبهم كل يوم، وهذا موضوع آخر سأخصص له مقالا مستقلا. ولكن الغرض هنا هو الإشارة إلى أن موقف "هادي" سيظل صعبا ولن يتمكن من الشعور بمتعة الرئاسة ما لم يتم توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة واحدة. هذا الأمر، إن تم سريعا بعيدا عن المصالح الأسرية والأجندات الخارجية الراغبة في إجهاض الثورة وإنجاح التوريث، فإنه سيكون أصدق مؤشر على أن عبد ربه لن يكون خنجرا في خصر الثورة. أما إذا بدأت المماطلة في إعادة هيكلة الجيش واستمر التربص بقادة الجيش المؤيد للثورة، فإن على قادة "المُشتَرك" أن يعيدوا التمعن في الأحداث منذ مشاركة دول الجوار في بطولة خليجي عشرين حتى اليوم. وعلى القادة العسكريين المناصرين للثورة أن يتمعنوا من جانبهم في ما كتبه الدكتور ناصر محمد ناصر وفي ما يقوله الشباب من أن المبادرة الخليجية لم تكن إلا خطة جهنمية لإجهاض الثورة بالموت البطيء.
وفي هذا السياق بلغني من مصدر في واشنطن أن قضية إعادة هيكلة الجيش اليمني أصبحت هما دوليا وسوف تتمخض في النهاية عن توحيد الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع تحت قيادة واحدة، وسوف تتضمن الهيكلة إلغاء التسميات التي اعتدنا عليها من قبيل قولنا الحرس الجمهوري والفرقة الأولى، بالتزامن مع تحقيق أهداف أخرى من بينها إلغاء التمايز في الرواتب والسلاح بين وحدات الحرس الجمهوري ووحدات الجيش التقليدي، وتوحيد كافة الأنظمة داخل القوات المسلحة اليمنية. إلى جانب تقليص عدد أفراد الجيش عن طريق اعتماد الموجودين فعلا تحت الخدمة في معسكراتهم وإلغاء مخصصات الأسماء الوهمية أو الجنود الفارين من الخدمة. ولا أريد التوغل في تفاصيل الخطة، فأنا للأسف غير مطمئن إليها رغم جاذبيتها، وأهميتها لكبح جماح الفساد داخل المؤسسة العسكرية. ولكن عدم إطمئناني لها عائد إلى الوقت الطويل الذي يمكن أن تستغرقه قبل تحرير الحرس الجمهوري من الهيمنة العائلية. فمن عيوب هذه الخطة أنها أنها تبدأ بالأفراد وصغار الضباط وليس بالقادة، وبالتالي فإنها قد تكون جزء لا يتجزأ من خطة إجهاض الثورة عن طريق احتواء الجيش المؤيد لها والإبقاء على أنجال الرئيس تحت شعار تشبيب الجيش أو ما شابه ذلك.
وفي كل الأحوال فإن الرئيس الانتقالي عبدربه منصور يجب أن يعطى الفرصة كاملة إلى أن يتم انتخابه رئيسا ولا يجب أن نحكم عليه بناء على خطابه الأخير أمام قيادة المؤتمر الشعبي العام الذي جامل فيه كثيرا علي عبدالله صالح، وأعاد تذكيرنا بوضع الخنوع والتذلل [3] الذي كان يبديه المرحوم أنور السادات لرئيسه جمال عبد الناصر. وما أن غاب عبد الناصر حتى بادر السادات إلى توجيه خبطة أطاحت بجميع رجال عبدالناصر فيما سمي وقتها بـ"حركة مايو التصحيحية" في ١٩٧١. كما أطاح في الوقت ذاته بجميع الأفكار التي كانت تراود الشارع المصري من أنه صاحب شخصية ضعيفة وغير قادر على الحكم. وأنا، إذ استجلب هذا المثال، أشعر بالخجل من قرائي لأني أدرك أن المقارنة ليست في محلها كون علي عبدالله صالح لم يصل إلى مكانة جمال عبدالناصر في قلوب محبيه مثلما أن عبد ربه منصور هادي لا نتوقع منه أن يكون في مثل ذكاء السادات. ولكن إيراد هذا المثال يأتي عوضا عن مقارنة الرجلين بالرئيسين الأميركيين روزفلت وترومان مثلما فعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، حيث أشار في أحد كتبه إلى أن ترومان وهو نائب الرئيس روزفلت كان شخصية باهتة لكنه تحت وقر المسؤولية تحوّل فيما بعد ليصبح واحدا من أعظم الرؤساء الأمريكيين.
ولكي يصبح عبد ربه منصور هادي من أعظم رؤساء اليمن، عليه فإن عليه أن يوقف قطار التوريث عن طريق عزل أحمد علي من قيادة الحرس الجمهوري. ولكن قبل أن يبادر بمثل هذه الخطوة، فإني أقترح عليه أن يجرب أولا تغيير مدير مكتب الرئاسة، "علي محمد الآنسي"، واستبداله بشخص آخر من محافظة "أبين" أو من غيرها. فإن مر القرار بسلام، فإنه قد يكون الخطوة الأولى للتحرر من أعتى صقور النظام السابق، وأنا أضمن عدم معارضة "أحمد علي" لهذه الخطوة لأنه هو نفسه يريد التحرر من طاقم أبيه. أما إذا فشل هادي في تغيير مدير مكتبه، فإني لا أنصحه بأخذ ملابسه والتوجه إلى عدن لا إلى أبين! فعدن يحكمها مهدي مقولة، وأبين يهيمن عليها أنصار "القاعدة". ولهذا فأمامه بديلان آخران: فإما أن يتوجه إلى مقر الفرقة الأولى مدرع للمرابطة مع اللواء علي محسن هناك، أو المجئ للإقامة معي في أمريكا، على أن يبادر فور الوصول إلى أحد المكانين الآمنين بإصدار قرارات إقالة تاريخية تحرر الحرس الجمهوري من الهيمنة العائلية وتدخله التاريخ من أشهر أبوابه وهو باب الوطنية.
وبغض النظر عما يمكن أن يفعله "هادي"، أو ما ينوي أنصار الثورة المضادة فعله، فإنه يتحتم على كافة القوى الوطنية اليمنية ومكونات الثورة الشعبية الشبابية أن تتكاتف لتحقيق أهداف الثورة وألا تركن لأكذوبة أن مشروع التوريث قد انتهى إلى غير رجعة أو أن المبادرة الخليجية ستضمن إزاحة رموز العائلة من المناصب القيادية في المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وعلى قوى الثورة بمختلف مكوناتها أن تدرك أن الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي لن يتمكن من ممارسة صلاحياته ما دام أن الحرس الجمهوري ما زال بيد صالح وأولاده. فكما أكدنا في الحلقة السابقة فإن علي عبدالله صالح قد يجبر على التخلي عن الرئاسة ولكنه لن يتخلى عن السلطة، والسلطة في نظره هي الحرس الجمهوري، وليست رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الوزراء. ويمكن احباط الخطط الرامية لإجهاض الثورة عن طريق تبني استراتيجيات واضحة مع عدم اهمال التكتيك المرحلي لتحقيق أهداف محددة. ولكن الهدف الرئيسي يجب أن يظل أمام أعيننا وهو انجاح الثورة بقطع الطريق نهائيا على مشروع التوريث وإقامة الدولة المدنية المنشودة التي تضمن حق الحياة الكريمة لكل يمني وتضمن الحرية والتعايش بسلام لجميع فئات المجتمع بمختلف مشاربه.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يمكن تبني الاستراتيجيات التالية:
* العمل بكل الوسائل الممكنة لفك ارتباط ""المؤتمر الشعبي العام" بأفراد الأسرة الحاكمة المهيمنين على "المؤتمر" من خارجه دون أن يكونوا أعضاء فيه
* العمل بكل الوسائل الممكنة على فك الارتباط بين الحرس الجمهوري ورمز التوريث أحمد علي عبدالله صالح وكذلك أخوته وأبناء عمه ممن يتولون مناصب عسكرية في الحرس أو خارجه.
وفي هذا السياق:
- يجب الشروع فورا بحملة اعلامية لإقناع أعضاء مجلس النواب من كافة الانتماءات السياسية أن يربطوا الحصانات المفترض تقديمها للرئيس صالح وأقاربه ومساعديه بشرط لا حياد عنه وهو تخليهم عن العمل العام واعتزالهم العمل السياسي، أما من يصر على الاستمرار في العمل العام فلا حصانة له. لأن الحصانة والضمانات يجب أن تكون لمن يرتضي الرحيل ويكف عنا شره. أما أن نسامحهم فيما سرقوه من أموالنا ونعفو عنهم لما سفكوه من دماء أبنائنا، ونتركهم في الوقت ذاته يحتفظون بالمناصب العسكرية والسلطة السياسية فهذا هو الهبل بعينه. ويجب أن تشمل الحصانات كافة الأطراف المتورطة في الصراع التي ترتضي مغادرة السلطة واعتزال العمل السياسي بمن في ذلك الذين انضموا للثورة من جنود وأنصار النظام.
- يجب مناشدة القبائل المنحازة للثورة بالتوقف الفوري عن استهداف أفراد وضباط ومعسكرات الحرس الجمهوري والاستعاضة عن ذلك بمحاولة كسبهم واستمالتهم إلى صفوف الشعب.
- في حال إستمرار العائلة الحاكمة في شن الحرب على المواطنين والقبائل يمكن إجراء محاكمات علنية غيابية وإصدار أحكام شرعية ضد كبار القادة من الأسرة الحاكمة والتغاضي عن منفذي الأوامر
* على أعضاء مجلس النواب أن يعيدوا التصويت على موضوع مصادقة اليمن على معاهدة جرائم الحرب الدولية وأن يطلبوا من الرئيس الانتقالي إقرار عضوية اليمن، وذلك ليتسنى مستقبلا ملاحقة أي فار من وجه العدالة يحاول استغلال ما لديه من أموال حرام لزعزعة استقرار البلاد أو تنشيط الفتن بين فئات المجتمع المختلفة.
* "إقامة قناة تواصل بين معارضة الخارج وأسر الشهداء والمصابين خصوصا أولئك الذين سقطوا في "جمعة الكرامة وذلك لرفع دعاوي قضائية على قائد الحرس الجمهوري والحرس الخاص وأركان حرب الأمن المركزي ووكيل جهاز الأمن القومي بصفتهم مسؤولين أساسيين عن اصدار الأوامر لسفك الدماء.
* التنسيق مع وزير الإعلام المؤيد للثورة بتبني استراتيجية اعلامية مهنية لإيقاف الوسائل الاعلامية الحكومية عن التحريض على أي شريك من شركاء الوطن أو نشر الأكاذيب المخلة بأخلاقيات المهنة.
* إقامة تحالف مصيري مع الجيش الموالي للثورة لأن هذا الجيش هو الضامن بعد الله سبحانه وتعالى لعدم اجهاض الثورة. ويجب على شباب الثورة أن يدركوا أن الجيش الداعم للثورة يملك سلاحا أكثر فتكا من سلاح القوى المناصرة للأسرة الحاكمة، وهو قضية شعب، في حين أن صالح اختزل قضيته في ١٦ فردا من أسرته حصل لهم على حصانة مسبقة بموجب المبادرة الخليجية تحسبا ليوم قد يخسروا فيه الصراع.
* التعامل مع الحركة الحوثية: ما زالت الحركة الحوثية قوة ميدانية لا يستهان بها، ويمكن توظيفها لصالح الثورة أو ضد الثورة وفقا لمدى استعداد "حزب الإصلاح" القبول بالحوثيين كشركاء في الوطن لا أجراء فيه، وحسب استعداد قادة الحوثيين لمقاومة ضغوط واغراءات السلطة الظالمة التي تسعى للزج بهم في حرب طائفية تؤجج الشارع اليمني ضدهم وتحرف مسار الثورة نحو صراعات جانبية لا يستفيد منها سوى نظام أحمد علي.
* استراتيجية التعامل مع قادة الجنوب اليمني: السبيل الوحيد لكسب قادة الجنوب اليمني هو اشراكهم في تقرير مستقبل اليمن بدلا من دفعهم دفعا إلى تقرير مصير جنوبهم المحتل.
* الشباب أنفسهم ما زالوا من اللاعبين الأساسيين في الساحة. فرغم الخلافات والتباينات العميقة في الرؤى إلا أن الجميع يتفق مع الجميع على حتمية التغيير وأن الثورة لا تراجع عنها. ومع تقديري للمخاوف من عودة الشباب إلى منازلهم قبل نجاح الثورة في تحقيق كامل أهدافها، إلا أن الشباب قد عرفوا طريقهم للساحة، وكما ثاروا ضد علي عبد الله صالح فبإمكانهم أن يثوروا ضد عبد ربه منصور أو حتى محمد سالم باسندوة.
هوامش:
١ - تجدر الإشارة هنا إلى أن صالح لم يتردد في تدبير اغتيالات سجل بعضها قضاء وقدرا والبعض الآخر سجلته السلطات ضد مجهول. واكبر دليل على أن قطار التوريث بدأ منذ سنين هو شعورنا هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى بالفراغ الهائل الذي خلفه اغتيال "جارلله عمر" و"يحي المتوكل" عام ٢٠٠٢. فقد كان جارالله عمر صاحب عقل استراتيجي وتكتيكي كبير قادر على ترجمة الزخم الثوري إلى مكاسب سياسية لصالح بسطاء الناس، مثلما أن الحوثيين من جانبهم كانوا قادرين على ترجمة انتصاراتهم الميدانية ضد أسرة نظام صالح إلى مكاسب سياسية ملموسة لو أن نصيرهم السياسي في السلطة يحي المتوكل مازال على قيد الحياة. كما أن القبيلة اليمنية هي الأخرى تشعر بالفراغ الكبير الذي خلفه الراحل "مجاهد أبو شوارب" الذي اغتيل في ٢٠٠٤ في حادث سير مماثل للحادث المدبر الذي أودى بحياة يحي المتوكل. وتخيلوا معي لو أن مجاهد أبو شوارب ما زال حيا بيننا. هل يمكن أن يسمح لأولاده المنتمين لقبيلة "خارف" بالوقوف مع طاغية يضرب أبناء "العصيمات" ومن جاورهم من أبناء اليمن في "الحصبة" و"صوفان" بمختلف أنواع الأسلحة؟ هذا مستحيل. بل إنه خلال حياته رفض مصاهرة علي عبدالله صالح لأنه كان يرى فيه شخصاً غير مستقيم فانتقم منه علي صالح بعد وفاته بمصاهرة أبنائه الذين لم يدركوا حكمة أبيهم الراحل واعتزازه بنفسه.
٢-يرى الدكتور ناصر محمد ناصر في مقاله المنشور في صحيفة "الوسط" بتاريخ ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ ، تحت عنوان "اليمن والحلقة المفقودة وإمكانية إجهاض الثورة.. قراءة في معطيات ومفاعيل المرحلة القادمة"، أن المرحلة القادمة ستشهد احتدام الصراع بين قوى الثورة وبقايا النظام المسنود من الخارج، إذ أن الأسرة وحلفائها وقوى الخارج المساندة لها لا يمكن أن يقبلا بحل الأزمة إلا على قاعدة إجهاض الثورة. وتشكيل حكومة ائتلافية من قبل تكتل أحزاب اللقاء المشترك مع بقايا النظام ما هي إلا خطوة أولى في طريق إجهاض الثورة، مضيفا أن "الأسرة وحلفاءها في الداخل والمحيط الإقليمي قد رسموا مساراً طويلاً لحل الأزمة على قاعدة إجهاض الثورة قد يستغرق عامين كاملين على أقل تقدير. وهم بذلك يراهنون على أن شباب الساحات لن يصمدوا في الساحات طوال عامين كاملين، كون الساحات هي الضامن الوحيد لبقاء جذوة الثورة مشتعلة. وبغيابها سيتم التوصل إلى صيغة سياسية بين جميع فرقاء العمل السياسي تنتهي بحل الأزمة على قاعدة إجهاض الثورة، فلا تسفر الثورة في نهاية المطاف سوى عن إحلال أشخاص على رأس ومفاصل النظام محل آخرين مع بقاء النظام نفسه بكل آلياته".
٣- قال هادي في خطابه المشار إليه "أنا لا ارغب أن أكون في هذا الوضع اليوم الذي أنا فيه. فاذا كنت بالأمس في هذا الكرسي الذي أنا جالس عليه ارفض إن امسك بدلا عن علي عبدالله صالح لكن القدر واصرار الرئيس على هذا وضعني في هذا الوضع وإنا لا استطيع أن أغطي خبرة وشعبية علي عبدالله صالح في هذا الكرسي ولا اكذب على نفسي وأنا كنت اعمل طوال ستة عشر عاما مع فخامة الأخ الرئيس ولكن كنت عامل مساعد معه لكن لا استطيع أن اكتسب خبرته وشعبيته وذكاءه في التعامل مع كل شرائح المجتمع في اليمن". واستطرد: "انا لا استطيع العمل في هذا الوضع الا بدعم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام ولا أحب أن أضع نفسي في هذا الوضع ولكن بتكليف فخامة الأخ الرئيس وبتكليف المؤتمر الشعبي العام سأعمل بكل قواي لخروج اليمن من هذه الازمة".
- فيديو:
كلمة نائب الرئيس الى الدورة الاستثنائية للجنة الدائمة
*كتبه: منير الماوري
نقلاً عن شفاف
ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أني مازلت مقتنعاً بأن اليمن برمتها في خطر وليس الرئيس الانتقالي فقط، ولا يجب أن ننسى أن منزل عبد ربه منصور هادي يقع جغرافيا وسياسيا بين مطرقة الحرس العائلي وسندان الفرقة الأولى المساندة للثورة.
ويجب التذكير هنا بأهم التطورات ذات الدلالة في الفترة ما بين نشر الحلقة الأولى من هذا المقال وكتابة هذه الحلقة للاستفادة من المؤشرات المبكرة في توقع الأحداث القادمة.
أولا: لم ينجح الرئيس اليمني المنتهية صلاحيته في إعاقة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية رغم محاولته التدخل غير أن اللجنة المشكلة برئاسة عبدربه منصور هادي وعضوية الأمناء المساعدين في الحزب الحاكم تولت اختيار مرشحي الحزب لشغل المناصب الوزارية في حكومة الوفاق الوطني بالتقاسم مع أحزاب المعارضة الرئيسية. وحسبما ذكرته صحيفة "الخليج" الإماراتية، فإن وزير الدفاع الذي ينتمي هو ونائب الرئيس إلى محافظة واحدة هي محافظة "أبين" في جنوب اليمن تسبب اختياره في وقوع خلاف حاد بين صالح وهادي، حيث أبدى الأخير تصميمه على ترشيح وزير الدفاع في الحكومة المنتهية ولايتها اللواء الركن محمد ناصر أحمد لشغل المنصب، وهو ما كان يعارضه صالح. وأوضحت مصادر أخرى أن نائب الرئيس عبد ربه هادي وجه تهديد شديد اللهجه للرئيس علي عبدالله صالح عندما حاول الاخير فتح نقاش مع هادي حول تسمية شاغلي الحقائب الوزارية عن جانب المؤتمر وذلك في اجتماع مصغر في دار الرئاسة قبل اتعقاد الدوره الاستثنائية للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، حيث كان النقاش يدور حول حقيبة وزارة الدفاع مما تطور الى بقية الحقائب حيث حاول صالح تعديل واعادة بعض الاسماء مما دفع الامر بنائب الرئيس الى توجيه تهديد صريح ومباشر للرئيس علي عبدالله صالح بانه اذا استمر بالتدخل بتشكيل الحكومة فانه سياخذ ملابسه ويغادر الى عدن! وهو الامر الذي جعل الرئيس صالح يسحب اعتراضاته وملاحظاته عن التشكيل الحكومي بعد شعوره بالامتعاض من الاسلوب الذي تعامل به نائبه معه. ولكن النائب على ما يبدوا كان مسلحا بدعم من سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإنجاز المهمة في أقصى سرعة، فلم يكن أمام الرئيس صالح من خيار سوى الرضوخ لرغبة هادي.
ثانيا: لم تنجح المعارضة في فرض أسماء الأعضاء الذين ينتمون إليها في اللجنة العسكرية التي نصت على تشكيلها آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، واستخدم هادي صلاحياته في إصدار قرار تشكيل لجنة عسكرية برئاسته تضمنت ضباطا لم ترد أسماؤهم في القائمة المقترحة من المعارضة. لكن اللجنة حتى الآن لم تتمكن من وقف الاشتباكات الدائرة في صنعاء وتعز، وما زال القرار العسكري بأيدي قادة ينتمون للأسرة الحاكمة المتشبثة عبثا بالسلطة. ورغم أن شباب الساحات وبعض ناشطي المعارضة يعيبون على هادي عدم مزاولته لعمله من داخل دار الرئاسة، إلا أني شخصيا أعذره على ذلك لأنه لا يأمن على نفسه هناك! فدار الرئاسة أصبحت ملكاً لنجل الرئيس وأنجال أخيه، ويحرس الدار ضباط محبطون يتحينون الفرصة في اي لحظة للثأر لمقتل زملاء أبرياء لهم من حراس الرئيس لمجرد الشك في تورطهم بحادث المسجد.
ثالثا: اعترف عبدربه منصور هادي ضمنيا في خطاب رسمي امام قيادات الحزب الحاكم بأن المبادرة الخليجية التي لم يُنشر نصها النهائي حتى الآن الغي فيها البند المتعلق باستقالة الرئيس علي عبدالله صالح بعد ثلاثين يوما من التوقيع وجرى تلبية شرطه المتثل في الاستعاضة عن الاستقالة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد تسعين يوما. لكن هادي لم يوضح اسباب عدم نشر النص النهائي للاتفاق، رغم أنه جرى نشر النص الكامل للآلية التنفيذية ولوحظ عدم توافق بنود الآلية مع بنود النسخة الموقع عليها قبل أشهر في صنعاء من قبل المعارضة التي تنص على وجوب تقديم الرئيس استقالته بعد ثلاثين يوما من التوقيع على المبادرة. وفي الوقت الذي اعتبر فيه بعض السياسيين الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بمثابة اتفاق منفصل، فإن العرف القانوني يفترض أن اللوائح التنفيذية لا يجب أن تخالف الاتفاق الأصلي الأمر الذي أثار شكوكا في اليمن بأن المعارضة وافقت على تعديل الاتفاق الرئيسي وتحفظت على نشره. وفي ظل الغموض السائد بشأن مضمون الاتفاق النهائي بين السلطة والمعارضة والجدل الدائر حول الصلاحيات المتبقية للرئيس المنتهية ولايته، فاجأ صالح الجميع بإصدار قرار جمهوري عين فيه الدكتور عبدالهادي الهمداني أمينا عاما لرئاسة الجمهورية رغم معرفته بخلافات الهمداني مع مدير مكتب الرئاسة علي محمد الآنسي! وكان من المفترض أن يترك التعيين لهادي لأن هادي هو المعني بأنشطة الرئاسة، ولكنه على ما يبدو أراد توجيه رسالة غير مباشرة لهادي بأنه حتى وإن خرج من اليمن للعلاج فإنه سيظل محتفظا بحصانته كرئيس دولة وسيظل محتفظا بطاقمه.
رابعا: إلى جانب إعلان حكومة الوفاق الوطني، واعلان تشكيل اللجنة العسكرية المناط بها إعادة هيكلة الجيش اليمني، كان هناك خطوة أخرى ذات دلالة لموضوعنا وهي اختيار "علي محمد مجور" أمينا عاما للحزب بدلا عن عبد ربه منصور هادي الذي سيكتفي من الآن وصاعدا بلقب نائب رئيس الحزب. وحسب المعلومات المتوفرة في شبكة الانترنت، فإن الرئيس المنتهية صلاحيته علي عبدالله صالح هو الذي أصر على اختيار "مجور" لمنصب الأمين العام للمؤتمر الشعبي وهو المنصب الذي شغله صالح سنين طويلة قبل أن يتم استحداث منصب شرفي تحت مسمى رئيس المؤتمر ومناصب شكلية أخرى لنواب رئيس المؤتمر. ويبدو أن إصرار صالح على اختيار "مجور" أمينا عاما بديلا لهادي نابع من رغبة لدى صالح أن يظل الرئيس القادم لليمن نائبا له في الحزب الحاكم، ويريد أن تكون الصفة واضحة لا لبس فيها! ولهذا عمل على تجريد هادي من صفة أمين عام الحزب قبل حول موعد الانتخابات الرئاسية المقرّراجراؤها في فبراير القادم. وإذا افترضنا حسن النية فإن الأمر قد يكون مرتبطاً بالشكليات المشار إليها التي تؤثر كثيرا على نفسية الرئيس المنتهية صلاحيته، ولكن الاحتمال الأخطر هو أن يكون الغرض من هذا التعديل اعداد "مجور" ليكون بديلا عن هادي لخوض الانتخابات، ومعنى ذلك أن قرار تصفية هادي قد اتخذ.
ويعزز هذا الخوف أن صالح معروف بتفضيله الدائم لـ"مجور" على جميع المسؤولين الجنوبيين في نظامه بمن فيهم "هادي" نفسه، وذلك لأن "مجور" هو الوحيد الذي لم يتبناه اللواء علي محسن وإنما اختاره نجل صالح، بينما يعترف معظم المسؤولين الجنوبيين من مجموعة "هادي" الذين يطلق عليهم اليمنيون "أنصار علي ناصر محمد"، يعترفون بالفضل لعلي محسن في اختيارهم لأعلى المناصب المدنية والعسكرية مكافأة لهم على مشاركتهم في حرب ١٩٩٤ ضد قوات "الضالع" و"لحج". ويقال أنه لولا حادث تفجير المسجد الذي فقد فيه "مجور" كثيرا من ملامح وجهه، لكان صالح قد عين "مجور" نائبا له بدلا من "هادي" ليضمن عدم وجود تواصل مع علي محسن الأحمر من أي نوع.
ولكن الأهم من كل هذا أن هادي أصبح الآن الحصان الذي يتجاذبه ويراهن عليه الجميع ليس على المستوى الدولي والإقليمي فحسب، وإنما حتى على مستوى الطرفين المتصارعين محليا.
فالطرف الأول، قادة الأحزاب المؤيدة للثورة الشبابية، ينتظرون منه أن يقوم بما لم يستطيعوا هم القيام به بالفعل الثوري، وهو إزاحة نجل الرئيس وأنجال أخيه من مناصبهم العسكرية. ويتوقع قادة المعارضة أن يتخذ هادي قرارات الإزاحة تحت مسمى "اعادة هيكلة الجيش"، معتقدين خطأ أن أحمد ويحي وطارق وعمار سيأتون مطيعين لتنفيذ قرارات الإقالة بكل بساطة، وكأنهم في مستوى رجاحة عقل محمد وعلي ودرهم أبو لحوم عندما قبلوا بقرارات عزلهم من مناصبهم العسكرية في عهد الرئيس ابراهيم الحمدي حفاظا على أمن البلاد والعباد على حساب مصالحهم الشخصية في تلك المناصب الزائلة. على العكس من ذلك، يبدو أن أبناء صالح ما زالوا متشبثين بالسلطة أكثر من أبيهم، حيث أن قطار التوريث قد قطع شوطا كبيرا وصنع طابوراً طويلا من المنتظرين لركوب هذا القطار الذين يصعب عليهم نفسيا تقبل فقدان قطار الأمل. وهو ما يفسر تشفي الرئيس المنتهية صلاحيته بأولئك الذين "فاتهم القطار" على حد تعبيره. ويفسر أيضا هذا الإصرار العجيب والعنف المفرط في مقاومة الإرادة الشعبية الساعية للتغيير السلمي. فمن يظن أن قطار التوريث قد انتهى إلى غير رجعة، عليه أن يراقب تحركات أحمد علي داخل صنعاء، وسيجد أنه يتنقل في موكب أكبر من موكب أبيه، وما زال حتى الآن يتدخل في شؤون الدولة بعقلية ولي عهد، ولا يبدو أن طموحه في الوصول إلى الرئاسة قد خمد بفعل الثورة. ولذلك، فإنه شخصيا يمثل الطرف الثاني في الصراع الذي يراهن على عبد ربه منصور هادي وينتظر الركوب على حصانه لجر قطار التوريث المتعثر. لكنه لا ينظر إلى عبدربه منصور إلا كـ"محلل شرعي" لفترة سنتين وتسعين يوما، يأتي بعدها أحمد لترشيح نفسه للرئاسة مسنوداً بالمال والعسكر، بعد أن يكون أتباعه قد أعدوا خطة محكمة للانقضاض المفاجئ على فرقة اللواء على محسن، أو استهدافه شخصيا بالاغتيال لتجريد منافسيهم أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من سندهم العسكري القوي. أما عبد ربه منصور فلن يكون أمامه بعد ذلك سوى التنفيذ الحرفي لآجندة اقليمية أسرية تتلخص في اجهاض الثورة عن طريق القتل الرحيم المزمن بآلية تنفيذية مفصلة. وإذا تقاعس عبد ربه عن تنفيذ المهمة الموكلة إليه من هذا الطرف بالذات، فإن الأسرة المتشبثة بالسلطة لن تتردد مطلقا في إيقاف البطارية التي تساعد قلبه الهادئ على النبض. [1]
في تقديري الشخصي الذي استنتجته من خلال تواصلي طوال أكثر من شهرين مع شخصيات عرفت عبد ربه منصور هادي عن قرب، فإن الرجل لن يكون يدا طيعة لهذا الطرف أو ذاك. فلا أظن أن بمقدوره أن يتولى اعادة هيكلة الجيش بالطريقة التي ترغب بها المعارضة، ولا أظنه من الغباء بحيث يقبل أن يتحول إلى أداة طيعة بيد أحمد علي.
يخالفني في هذا الرأي، السياسي المخضرم الدكتور ناصر محمد ناصر الذي كتب في صحيفة "الوسط" قائلا إن عبد ربه منصور "بحكم تنشئته وسجله التاريخي لا يمكن أن يخرج عن طبيعته الأداتية"! فهو، في رأي ناصر، "أداة مثالية قابلة للاستخدام والتوظيف من قبل كل من يقوى على امتلاك زمام القوة، وهذا يعني عملياً أن الرجل سيظل أداة طيعة في يد أقطاب الأسرة الحاكمة طالما ظلت الأسرة ممسكة بزمام القوة، والأيام والأسابيع القادمة ستبرهن بجلاء بأن الرجل جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل." [2]
ويعزز الدكتور ناصر رأيه بالقول إنه "من الثابت وغير المختلف عليه أن علي عبد الله صالح لم يتمكن من حكم اليمن خلال ثلاثة وثلاثين عاماً إلا بسيطرته على المؤسسة العسكرية والأمنية، ولولا هذه السيطرة لما استمر في حكم اليمن طوال هذه المدة. وبما أن توقيع علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية لم يغير واقع سيطرة أبنائه وأسرته على المؤسسة العسكرية والأمنية، فإن علي عبد الله صالح سيظل هو الرئيس والحاكم الفعلي لليمن إلى أن يتم فك الارتباط بين الأسرة والمؤسسة العسكرية والأمنية. وهذه الحقيقة ستتكشف خلال الأيام والأسابيع القادمة، وسيرى الجميع أن من يحكم اليمن هو علي عبد الله صالح وليس شخصاً آخر غيره".
الشئ الذي تجاهله الدكتور ناصر في استنتاجه هو أن أسرة صالح لم تعد تسيطر على كامل القوة العسكرية، حيث أن المؤسسة العسكرية التي استعان بها صالح للعبث بمقدرات الشعب طوال ثلاثة عقود قد انقسمت وأصبح الجزء المؤيد للثورة منها على رأس أهم اللاعبين الضامنين لنجاح الثورة. وأقول هذا على الرغم من أن مجاميع كبيرة من المراهقين السياسيين في الساحات يحاولون بكل غباء المساواة بين المؤسسة العسكرية التي انحازت لثورتهم والمؤسسة العائلية التي تفتك بشعبهم كل يوم، وهذا موضوع آخر سأخصص له مقالا مستقلا. ولكن الغرض هنا هو الإشارة إلى أن موقف "هادي" سيظل صعبا ولن يتمكن من الشعور بمتعة الرئاسة ما لم يتم توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة واحدة. هذا الأمر، إن تم سريعا بعيدا عن المصالح الأسرية والأجندات الخارجية الراغبة في إجهاض الثورة وإنجاح التوريث، فإنه سيكون أصدق مؤشر على أن عبد ربه لن يكون خنجرا في خصر الثورة. أما إذا بدأت المماطلة في إعادة هيكلة الجيش واستمر التربص بقادة الجيش المؤيد للثورة، فإن على قادة "المُشتَرك" أن يعيدوا التمعن في الأحداث منذ مشاركة دول الجوار في بطولة خليجي عشرين حتى اليوم. وعلى القادة العسكريين المناصرين للثورة أن يتمعنوا من جانبهم في ما كتبه الدكتور ناصر محمد ناصر وفي ما يقوله الشباب من أن المبادرة الخليجية لم تكن إلا خطة جهنمية لإجهاض الثورة بالموت البطيء.
وفي هذا السياق بلغني من مصدر في واشنطن أن قضية إعادة هيكلة الجيش اليمني أصبحت هما دوليا وسوف تتمخض في النهاية عن توحيد الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع تحت قيادة واحدة، وسوف تتضمن الهيكلة إلغاء التسميات التي اعتدنا عليها من قبيل قولنا الحرس الجمهوري والفرقة الأولى، بالتزامن مع تحقيق أهداف أخرى من بينها إلغاء التمايز في الرواتب والسلاح بين وحدات الحرس الجمهوري ووحدات الجيش التقليدي، وتوحيد كافة الأنظمة داخل القوات المسلحة اليمنية. إلى جانب تقليص عدد أفراد الجيش عن طريق اعتماد الموجودين فعلا تحت الخدمة في معسكراتهم وإلغاء مخصصات الأسماء الوهمية أو الجنود الفارين من الخدمة. ولا أريد التوغل في تفاصيل الخطة، فأنا للأسف غير مطمئن إليها رغم جاذبيتها، وأهميتها لكبح جماح الفساد داخل المؤسسة العسكرية. ولكن عدم إطمئناني لها عائد إلى الوقت الطويل الذي يمكن أن تستغرقه قبل تحرير الحرس الجمهوري من الهيمنة العائلية. فمن عيوب هذه الخطة أنها أنها تبدأ بالأفراد وصغار الضباط وليس بالقادة، وبالتالي فإنها قد تكون جزء لا يتجزأ من خطة إجهاض الثورة عن طريق احتواء الجيش المؤيد لها والإبقاء على أنجال الرئيس تحت شعار تشبيب الجيش أو ما شابه ذلك.
وفي كل الأحوال فإن الرئيس الانتقالي عبدربه منصور يجب أن يعطى الفرصة كاملة إلى أن يتم انتخابه رئيسا ولا يجب أن نحكم عليه بناء على خطابه الأخير أمام قيادة المؤتمر الشعبي العام الذي جامل فيه كثيرا علي عبدالله صالح، وأعاد تذكيرنا بوضع الخنوع والتذلل [3] الذي كان يبديه المرحوم أنور السادات لرئيسه جمال عبد الناصر. وما أن غاب عبد الناصر حتى بادر السادات إلى توجيه خبطة أطاحت بجميع رجال عبدالناصر فيما سمي وقتها بـ"حركة مايو التصحيحية" في ١٩٧١. كما أطاح في الوقت ذاته بجميع الأفكار التي كانت تراود الشارع المصري من أنه صاحب شخصية ضعيفة وغير قادر على الحكم. وأنا، إذ استجلب هذا المثال، أشعر بالخجل من قرائي لأني أدرك أن المقارنة ليست في محلها كون علي عبدالله صالح لم يصل إلى مكانة جمال عبدالناصر في قلوب محبيه مثلما أن عبد ربه منصور هادي لا نتوقع منه أن يكون في مثل ذكاء السادات. ولكن إيراد هذا المثال يأتي عوضا عن مقارنة الرجلين بالرئيسين الأميركيين روزفلت وترومان مثلما فعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، حيث أشار في أحد كتبه إلى أن ترومان وهو نائب الرئيس روزفلت كان شخصية باهتة لكنه تحت وقر المسؤولية تحوّل فيما بعد ليصبح واحدا من أعظم الرؤساء الأمريكيين.
ولكي يصبح عبد ربه منصور هادي من أعظم رؤساء اليمن، عليه فإن عليه أن يوقف قطار التوريث عن طريق عزل أحمد علي من قيادة الحرس الجمهوري. ولكن قبل أن يبادر بمثل هذه الخطوة، فإني أقترح عليه أن يجرب أولا تغيير مدير مكتب الرئاسة، "علي محمد الآنسي"، واستبداله بشخص آخر من محافظة "أبين" أو من غيرها. فإن مر القرار بسلام، فإنه قد يكون الخطوة الأولى للتحرر من أعتى صقور النظام السابق، وأنا أضمن عدم معارضة "أحمد علي" لهذه الخطوة لأنه هو نفسه يريد التحرر من طاقم أبيه. أما إذا فشل هادي في تغيير مدير مكتبه، فإني لا أنصحه بأخذ ملابسه والتوجه إلى عدن لا إلى أبين! فعدن يحكمها مهدي مقولة، وأبين يهيمن عليها أنصار "القاعدة". ولهذا فأمامه بديلان آخران: فإما أن يتوجه إلى مقر الفرقة الأولى مدرع للمرابطة مع اللواء علي محسن هناك، أو المجئ للإقامة معي في أمريكا، على أن يبادر فور الوصول إلى أحد المكانين الآمنين بإصدار قرارات إقالة تاريخية تحرر الحرس الجمهوري من الهيمنة العائلية وتدخله التاريخ من أشهر أبوابه وهو باب الوطنية.
وبغض النظر عما يمكن أن يفعله "هادي"، أو ما ينوي أنصار الثورة المضادة فعله، فإنه يتحتم على كافة القوى الوطنية اليمنية ومكونات الثورة الشعبية الشبابية أن تتكاتف لتحقيق أهداف الثورة وألا تركن لأكذوبة أن مشروع التوريث قد انتهى إلى غير رجعة أو أن المبادرة الخليجية ستضمن إزاحة رموز العائلة من المناصب القيادية في المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وعلى قوى الثورة بمختلف مكوناتها أن تدرك أن الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي لن يتمكن من ممارسة صلاحياته ما دام أن الحرس الجمهوري ما زال بيد صالح وأولاده. فكما أكدنا في الحلقة السابقة فإن علي عبدالله صالح قد يجبر على التخلي عن الرئاسة ولكنه لن يتخلى عن السلطة، والسلطة في نظره هي الحرس الجمهوري، وليست رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الوزراء. ويمكن احباط الخطط الرامية لإجهاض الثورة عن طريق تبني استراتيجيات واضحة مع عدم اهمال التكتيك المرحلي لتحقيق أهداف محددة. ولكن الهدف الرئيسي يجب أن يظل أمام أعيننا وهو انجاح الثورة بقطع الطريق نهائيا على مشروع التوريث وإقامة الدولة المدنية المنشودة التي تضمن حق الحياة الكريمة لكل يمني وتضمن الحرية والتعايش بسلام لجميع فئات المجتمع بمختلف مشاربه.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يمكن تبني الاستراتيجيات التالية:
* العمل بكل الوسائل الممكنة لفك ارتباط ""المؤتمر الشعبي العام" بأفراد الأسرة الحاكمة المهيمنين على "المؤتمر" من خارجه دون أن يكونوا أعضاء فيه
* العمل بكل الوسائل الممكنة على فك الارتباط بين الحرس الجمهوري ورمز التوريث أحمد علي عبدالله صالح وكذلك أخوته وأبناء عمه ممن يتولون مناصب عسكرية في الحرس أو خارجه.
وفي هذا السياق:
- يجب الشروع فورا بحملة اعلامية لإقناع أعضاء مجلس النواب من كافة الانتماءات السياسية أن يربطوا الحصانات المفترض تقديمها للرئيس صالح وأقاربه ومساعديه بشرط لا حياد عنه وهو تخليهم عن العمل العام واعتزالهم العمل السياسي، أما من يصر على الاستمرار في العمل العام فلا حصانة له. لأن الحصانة والضمانات يجب أن تكون لمن يرتضي الرحيل ويكف عنا شره. أما أن نسامحهم فيما سرقوه من أموالنا ونعفو عنهم لما سفكوه من دماء أبنائنا، ونتركهم في الوقت ذاته يحتفظون بالمناصب العسكرية والسلطة السياسية فهذا هو الهبل بعينه. ويجب أن تشمل الحصانات كافة الأطراف المتورطة في الصراع التي ترتضي مغادرة السلطة واعتزال العمل السياسي بمن في ذلك الذين انضموا للثورة من جنود وأنصار النظام.
- يجب مناشدة القبائل المنحازة للثورة بالتوقف الفوري عن استهداف أفراد وضباط ومعسكرات الحرس الجمهوري والاستعاضة عن ذلك بمحاولة كسبهم واستمالتهم إلى صفوف الشعب.
- في حال إستمرار العائلة الحاكمة في شن الحرب على المواطنين والقبائل يمكن إجراء محاكمات علنية غيابية وإصدار أحكام شرعية ضد كبار القادة من الأسرة الحاكمة والتغاضي عن منفذي الأوامر
* على أعضاء مجلس النواب أن يعيدوا التصويت على موضوع مصادقة اليمن على معاهدة جرائم الحرب الدولية وأن يطلبوا من الرئيس الانتقالي إقرار عضوية اليمن، وذلك ليتسنى مستقبلا ملاحقة أي فار من وجه العدالة يحاول استغلال ما لديه من أموال حرام لزعزعة استقرار البلاد أو تنشيط الفتن بين فئات المجتمع المختلفة.
* "إقامة قناة تواصل بين معارضة الخارج وأسر الشهداء والمصابين خصوصا أولئك الذين سقطوا في "جمعة الكرامة وذلك لرفع دعاوي قضائية على قائد الحرس الجمهوري والحرس الخاص وأركان حرب الأمن المركزي ووكيل جهاز الأمن القومي بصفتهم مسؤولين أساسيين عن اصدار الأوامر لسفك الدماء.
* التنسيق مع وزير الإعلام المؤيد للثورة بتبني استراتيجية اعلامية مهنية لإيقاف الوسائل الاعلامية الحكومية عن التحريض على أي شريك من شركاء الوطن أو نشر الأكاذيب المخلة بأخلاقيات المهنة.
* إقامة تحالف مصيري مع الجيش الموالي للثورة لأن هذا الجيش هو الضامن بعد الله سبحانه وتعالى لعدم اجهاض الثورة. ويجب على شباب الثورة أن يدركوا أن الجيش الداعم للثورة يملك سلاحا أكثر فتكا من سلاح القوى المناصرة للأسرة الحاكمة، وهو قضية شعب، في حين أن صالح اختزل قضيته في ١٦ فردا من أسرته حصل لهم على حصانة مسبقة بموجب المبادرة الخليجية تحسبا ليوم قد يخسروا فيه الصراع.
* التعامل مع الحركة الحوثية: ما زالت الحركة الحوثية قوة ميدانية لا يستهان بها، ويمكن توظيفها لصالح الثورة أو ضد الثورة وفقا لمدى استعداد "حزب الإصلاح" القبول بالحوثيين كشركاء في الوطن لا أجراء فيه، وحسب استعداد قادة الحوثيين لمقاومة ضغوط واغراءات السلطة الظالمة التي تسعى للزج بهم في حرب طائفية تؤجج الشارع اليمني ضدهم وتحرف مسار الثورة نحو صراعات جانبية لا يستفيد منها سوى نظام أحمد علي.
* استراتيجية التعامل مع قادة الجنوب اليمني: السبيل الوحيد لكسب قادة الجنوب اليمني هو اشراكهم في تقرير مستقبل اليمن بدلا من دفعهم دفعا إلى تقرير مصير جنوبهم المحتل.
* الشباب أنفسهم ما زالوا من اللاعبين الأساسيين في الساحة. فرغم الخلافات والتباينات العميقة في الرؤى إلا أن الجميع يتفق مع الجميع على حتمية التغيير وأن الثورة لا تراجع عنها. ومع تقديري للمخاوف من عودة الشباب إلى منازلهم قبل نجاح الثورة في تحقيق كامل أهدافها، إلا أن الشباب قد عرفوا طريقهم للساحة، وكما ثاروا ضد علي عبد الله صالح فبإمكانهم أن يثوروا ضد عبد ربه منصور أو حتى محمد سالم باسندوة.
هوامش:
١ - تجدر الإشارة هنا إلى أن صالح لم يتردد في تدبير اغتيالات سجل بعضها قضاء وقدرا والبعض الآخر سجلته السلطات ضد مجهول. واكبر دليل على أن قطار التوريث بدأ منذ سنين هو شعورنا هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى بالفراغ الهائل الذي خلفه اغتيال "جارلله عمر" و"يحي المتوكل" عام ٢٠٠٢. فقد كان جارالله عمر صاحب عقل استراتيجي وتكتيكي كبير قادر على ترجمة الزخم الثوري إلى مكاسب سياسية لصالح بسطاء الناس، مثلما أن الحوثيين من جانبهم كانوا قادرين على ترجمة انتصاراتهم الميدانية ضد أسرة نظام صالح إلى مكاسب سياسية ملموسة لو أن نصيرهم السياسي في السلطة يحي المتوكل مازال على قيد الحياة. كما أن القبيلة اليمنية هي الأخرى تشعر بالفراغ الكبير الذي خلفه الراحل "مجاهد أبو شوارب" الذي اغتيل في ٢٠٠٤ في حادث سير مماثل للحادث المدبر الذي أودى بحياة يحي المتوكل. وتخيلوا معي لو أن مجاهد أبو شوارب ما زال حيا بيننا. هل يمكن أن يسمح لأولاده المنتمين لقبيلة "خارف" بالوقوف مع طاغية يضرب أبناء "العصيمات" ومن جاورهم من أبناء اليمن في "الحصبة" و"صوفان" بمختلف أنواع الأسلحة؟ هذا مستحيل. بل إنه خلال حياته رفض مصاهرة علي عبدالله صالح لأنه كان يرى فيه شخصاً غير مستقيم فانتقم منه علي صالح بعد وفاته بمصاهرة أبنائه الذين لم يدركوا حكمة أبيهم الراحل واعتزازه بنفسه.
٢-يرى الدكتور ناصر محمد ناصر في مقاله المنشور في صحيفة "الوسط" بتاريخ ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ ، تحت عنوان "اليمن والحلقة المفقودة وإمكانية إجهاض الثورة.. قراءة في معطيات ومفاعيل المرحلة القادمة"، أن المرحلة القادمة ستشهد احتدام الصراع بين قوى الثورة وبقايا النظام المسنود من الخارج، إذ أن الأسرة وحلفائها وقوى الخارج المساندة لها لا يمكن أن يقبلا بحل الأزمة إلا على قاعدة إجهاض الثورة. وتشكيل حكومة ائتلافية من قبل تكتل أحزاب اللقاء المشترك مع بقايا النظام ما هي إلا خطوة أولى في طريق إجهاض الثورة، مضيفا أن "الأسرة وحلفاءها في الداخل والمحيط الإقليمي قد رسموا مساراً طويلاً لحل الأزمة على قاعدة إجهاض الثورة قد يستغرق عامين كاملين على أقل تقدير. وهم بذلك يراهنون على أن شباب الساحات لن يصمدوا في الساحات طوال عامين كاملين، كون الساحات هي الضامن الوحيد لبقاء جذوة الثورة مشتعلة. وبغيابها سيتم التوصل إلى صيغة سياسية بين جميع فرقاء العمل السياسي تنتهي بحل الأزمة على قاعدة إجهاض الثورة، فلا تسفر الثورة في نهاية المطاف سوى عن إحلال أشخاص على رأس ومفاصل النظام محل آخرين مع بقاء النظام نفسه بكل آلياته".
٣- قال هادي في خطابه المشار إليه "أنا لا ارغب أن أكون في هذا الوضع اليوم الذي أنا فيه. فاذا كنت بالأمس في هذا الكرسي الذي أنا جالس عليه ارفض إن امسك بدلا عن علي عبدالله صالح لكن القدر واصرار الرئيس على هذا وضعني في هذا الوضع وإنا لا استطيع أن أغطي خبرة وشعبية علي عبدالله صالح في هذا الكرسي ولا اكذب على نفسي وأنا كنت اعمل طوال ستة عشر عاما مع فخامة الأخ الرئيس ولكن كنت عامل مساعد معه لكن لا استطيع أن اكتسب خبرته وشعبيته وذكاءه في التعامل مع كل شرائح المجتمع في اليمن". واستطرد: "انا لا استطيع العمل في هذا الوضع الا بدعم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام ولا أحب أن أضع نفسي في هذا الوضع ولكن بتكليف فخامة الأخ الرئيس وبتكليف المؤتمر الشعبي العام سأعمل بكل قواي لخروج اليمن من هذه الازمة".
- فيديو:
كلمة نائب الرئيس الى الدورة الاستثنائية للجنة الدائمة
*كتبه: منير الماوري
نقلاً عن شفاف