الرئيسية / تقارير وحوارات / باب اليمن في صنعاء القديمة: السياح اختفوا... والقات وسيلة للنسيان
باب اليمن في صنعاء القديمة: السياح اختفوا... والقات وسيلة للنسيان

باب اليمن في صنعاء القديمة: السياح اختفوا... والقات وسيلة للنسيان

07 ديسمبر 2011 11:01 صباحا (يمن برس)
بين الأزقة المتداخلة وفي ظل عمارات الطين التقليدية المزركشة بالحجارة الكلسية البيضاء والشبابيك الخشبية، ينتظر بائعو الحلى الفضية والعسل والعطور في صنعاء القديمة بلا أمل مجيء السياح مجدداً بعدما ارهقت مداخيلهم عشرة اشهر من الاضطرابات.

وقال ابراهيم بن عبيد الذي يملك ثلاثة محلات في منطقة باب اليمن المدرجة على قائمة منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) للمواقع المحمية ان "دخلي انخفض بنسبة 90 في المئة منذ بدأت الاحداث في شباط (فبراير) الماضي".

ولا تخلو الازقة التي تفوح منها روائح الصعتر والعود والعنبر من المتسوقين: نساء منقبات يشترين البهارات او الثوم او الأواني الفخارية لطبخ السلتة الصنعانية التي تؤكل كل يوم في بيوت اهل المدينة، ورجال يشحذون خناجرهم التقليدية او يصلون في الجامع الكبير.

"الدخول الى هذه المنطقة يشبه الدخول الى كتاب تاريخ". بهذه الكلمات يلخص السعودي محمد الدوسري شعوره عند الدخول الى هذا المربع المحمي والخاطف للأنفاس من صنعاء. وبحسب الدوسري فإن "اوروبا مليئة بالاماكن الرائعة من القرون الوسطى، لكن الناس يعيشون فيها حياة عصرية. في صنعاء المكان تاريخي والحياة تاريخية".

لكن الدوسري ليس سائحا، فهو غالبا ما يأتي لزيارة خاله اليمني الذي يملك محلاً لبيع الفخاريات. ويقول خاله زبين العلي "كنت ابيع يومياً الاواني للاميركيين والفرنسيين والالمان. اختفوا الآن. بالطبع سيختفون، جل ما يسمعونه عن اليمن هو الخطف والقصف والقتل".

واشار الى انه كان يربح حوالى مئتي الف ريال شهريا (840 دولارا)، واليوم بالكاد "اجني ربع هذا الرقم، وذلك يكفيني للأكل فقط (...) لحسن الحظ اني املك منزلي ومتجري".

وزار اليمن في 2009 مليون و28 ألف سائح بحسب ارقام وزراة السياحة، نصفهم تقريبا من الاجانب ونصفهم الاخر من اليمنيين المغتربين.

ويشمل هذا الرقم يشمل 44 الف سائح اوروبي وحوالى عشرين الف سائح اميركي وخمسين الف سائح آسيوي وحوالى 297 الف سائح من الشرق الاوسط هم بشكل اساسي من دول الخليج الغنية المجاورة.

وانفق السياح في 2009 اكثر من 900 مليون دولار، وهو رقم لا يستهان به في بلد يعد من الافقر في العالم لا يتعدى دخل الفرد فيه 2600 دولار سنويا (2010).

وتؤكد وزراة السياحة ان عائدات السياحة تعد اساسية لاقتصاد اليمن الذي يبلغ عدد سكانه حوالى 24 مليون نسمة، نصفهم تقريبا يعيشون تحت خط الفقر.

ويملك اليمن كميات قليلة من النفط تتضاءل بسرعة، ومع ذلك، ما زال النفط يشكل مصدر الدخل الاساسي. لكن الاضطرابات السياسية والامنية دمرت اقتصاد البلاد في 2011 وقد تكون السياحة الوافدة وصلت الى نقطة الصفر تقريبا.

وقال ابراهيم بن عبيد وهو يحمل مصوغات من الفضة والعقيق اكد انها صنعت قبل 120 عاما "السعوديون يحبون هذه الحلى وكانوا يشترون كميات منها، اما الفرنسيون فلا احد منهم يفاصل على السعر. الآن اقول ان اعدادهم تراجعت بنسبة 95 في المئة. لم يعد يأتي الينا الا بعض السعوديين والخليجيين الذين تربطهم صلات قرابة باليمن".

ويستخدم ابراهيم مصباحا يعمل بالبطاريات لاظهار ما لديه في متجره المظلم الواقع في اسفل عمارة طينية ملتوية بعد الشيء. فالكهرباء مقطوعة معظم الاوقات في العاصمة اليمنية.

ومنذ شباط (فبراير) الماضي بدأت حركة احتجاجية واسعة في اليمن تطورت بسرعة وتحولت الى نزاعات مسلحة وصراعات في مختلف المحافظات.

وعما اذا كان متفائلا بالاتفاق السياسي الاخير، قال ابراهيم "السلطة والمعارضة كلهم واحد. لن يتغير شيء. بصراحة اعتقد انهم يستعدون للحرب اكثر مما يستعدون للسلام".

وتدخل جاره بائع النقولات ليقول "كل ما نريده هو الخبز، لكنهم لا يتركون لنا المجال لنعيش" في اشارة الى السياسيين.

وصنعاء القديمة مأهولة منذ 2500 عام، وهي مدرجة على لائحة منظمة "يونيسكو" للتراث العالمي، وفيها 14 حماما و103 مساجد واكثر من ستة الاف منزل، كلها بنيت قبل القرن الميلادي الحادي عشر.

لا تدخل السيارات الى منطقة باب اليمن وصنعاء القديمة بسبب ضيق الازقة وهشاشة وضع العمارات الطينية المبنية من دون اي اعمدة، الامر الذي يضع سكان المنطقة والبائعون فيها امام تحد كبير: كيف يأتون بالماء؟ فالأزمة والاضطرابات في اليمن تتسبب بقطع الكهرباء والمياه، وليس بوسع الصهاريج الدخول لافراغ المياه في الخزانات.

وبالقرب من محلات الفضة، حمام تركي تقليدي يعاني من مشكلة المياه، الا ان صاحبه وجد طريقة لابقاء مؤسسته تعمل للسنة الـ 412 على التوالي.

وقال الموظف جمال الحميدي بينما كان يدخل الى الحمام وبيده كيس من القات، "نخزن (نمضغ القات) وننسى كل المشاكل، نتخيل عالما آخر، ثم ننام ونصحو لنجد انفسنا في الدوامة ذاتها. ثم نبدأ من جديد".
شارك الخبر