قوى الثورة اليمنية: صنعاء بين رغبة الجنوب في الفيديرالية واستقلال الحوثيين
منذ عشرة شهور، يتزاحم ملايين اليمنيين في عدد من المدن الرئيسية لمعارضة حكم الرئيس علي عبدالله صالح والدعوة لإسقاطه.
وفيما يتوحدون في الشعار العام "الشعب يريد اسقاط النظام"، فإنهم يتباينون الى حد الاختلاف والتعارض بين بعض مكوناتهم، التي تتسع من "الحوثيين" في أقصى الشمال حتى "الاستقلاليين" في أقصى الجنوب، مروراً بالقبيلة والعسكر في صنعاء و "اللقاء المشترك" والشباب في صنعاء وتعز وغيرها من المحافظات، مع خصوصية تتعلق بالتحالف الاجتماعي لحزب الإصلاح مع قبائل في الجوف وصنعاء وعمران، بما هو أقوى من تحالفاته مع المكونات الحزبية السياسية في اللقاء المشترك.
المستقلون
تزدحم الساحات اليمنية، بمكون مستقل من كتلتين:
الأولى، النشطاء الحزبيون الذين لم يعد لهم علاقات تنظيمية بأحزاب اللقاء المشترك. غالبية هؤلاء ينتمون للتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، مع حضور نوعي في محافظة تعز للتنظيم الوحدوي الناصري، ورموز عدة أعلنت استقالتها من الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام" والتحقت بالثورة.
غالبية هؤلاء المستقلين من الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين، وهم ممن انخرطوا في الشأن العام عبر الحركة الحقوقية المدنية خلال السنوات العشر الأخيرة.
وفيما قاد نشطاء ناصريون واشتراكيون أول اعتصام في شوارع تعز، شهدت العاصمة صنعاء توجهين للمسيرات، كانت "توكل كرمان"، القادمة من "التجمع اليمني للإصلاح"، تقود مسيرات في محيط جامعة صنعاء غالبيتها من شباب الاصلاح والقريبين منهم، وكان نشطاء من مستقلي الحزب الاشتراكي واعضائه يقودون تظاهرات في شارعي حدة وكلية الشرطة، بالقرب من معسكري الأمن المركزي ودار الرئاسة.
وتوحّد متظاهرو صنعاء عشية سقوط الرئيس المصري محمد حسني مبارك في محاولة التجمع في ميدان التحرير، قبل أن يستقر بهم الحال أمام جامعة صنعاء، في ظل مواجهات يومية مع السلطات.
الكتلة الثانية، من ذوي المصالح المتضررة من سياسات السلطة، من مثقفين وحِرَفيين، من مختلف الأعمار، والذين لا ينتمون للأحزاب ولا لمنظومة القبائل ومصالحها. وهم أكثر مَن رفعت الثورةُ الشعارات التي تعبِّر عن مشاكلهم وتصوراتهم للحياة العامة في شقيها الاجتماعي والاقتصادي.
ويمكن اعتبار هؤلاء المستقلين، أنشطَ مكونات الثورة، وأكثرَها ارتباطاً بشكلها الحديث ووسائلها، المرتكزة على وسائل الاتصال الحديثة.
غير أنهم متفرقين في مئات من المكونات، غالبيتها عبارة عن أسماء على الإنترنت أو في خيمة من خيم ساحة الاعتصام، وليس لهم مكون جامع، باستثناء ما أسسه المستقيلون من المؤتمر الشعبي العام، الذين أعلنوا في 18 نيسان (أبريل) 2011 تأسيس تحالف "تنظيم العدالة والبناء"، الذي يضم الكتلة البرلمانية والوزراء المستقيلين وعدد من القيادات الحزبية المرموقة في المؤتمر، منهم محمد ابو لحوم رئيس دائرة العلاقات الخارجية، ويحيى الشامي رئيس هيئة الرقابة.
وخلال الأشهر الطويلة للثورة، خاض المستقلون معاركَ عديدة داخل الساحات ضد المكونات الأخرى، بالأخص ضد مكوني "الاصلاح" والقبائل والعسكر المتحالفين معهم في الشعار العام.
وفيما كانت معارك الساحات تنتهي في الغالب ضد المستقلين، ويُقْصَوْن بتهم عدة أغلبها ادعاء خصومهم بأنهم أتباع للنظام، كما حدث في ساحتي تعز والحديدة، أو بتهمة "شق الثورة"، كما بررت ساحة صنعاء الاعتداء على الناشطات والناشطين الذين يرفضون التنازل عن شعاراتهم وخطاباتهم واستقلال رؤيتهم.
غير أن هؤلاء الشباب سرعان ما يستعيدون قوتهم في أول تجدد للصراع العام مع النظام، أو لعوامل أخرى، كما حدث للناشطة الأبرز من هذه الساحة "توكل كرمان"، الحائزة جائزة نوبل، والتي رغم عضويتها في اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، فإنها تعمل باستقلال عن الحزب، وإن تحت اطار حمايته الميدانية لها، لكنها تعرضت للإقصاء من ساحة صنعاء، لرفضها المستمر السيطرة الحزبية على الساحة، ولولا "جائزة نوبل" لكانت مُنعت من الصعود الى منصة ساحة التغيير التي تديرها لجنة تنظيمية نصبها "اللقاء المشترك"، ومكونها الأساس ناشطون من التجمع اليمني للاصلاح، يتحكمون بالمال والقوة في الساحة.
الحوثيون
هم الأداة التنظيمية التي أفرزتها ستة حروب أهلية في محافظة صعده على حدود المملكة العربية السعودية.
كانت الحرب بين السلطة المركزية في صنعاء وبين الحوثيين تنمو بنشاط وحيوية بعيداً من خيارات المركز، أو بالأدق "خارج محددات خياراته".
كما شاركت فيها صراعات "الزيدية" القبلية مع "الزيدية" الدينية، حيث شهدت مناطق شمال الشمال صراعات محلية قاسية بين المكونين. وبالاضافة الى تقاطعات الصراع المذهبي-الاجتماعي-التاريخي في اليمن من ناحية، وفي المحيط الاقليمي من ناحية أخرى، فقد أفضت الحروب الستة الى تعزيز نفوذ "الحوثيين" كممثلين محليين بشعار "ديني زيدي" في مواجهة التحالف الحاكم، الذي يُعَدّ آخر ما بقي للرئيس علي عبدالله صالح من التحالفات، وهو آخر من التحق بالثورة، ممثلاً بقيادة قبيلة حاشد، وبالقيادة العسكرية لتلك الحرب، التي تولاها اللواء المنشق علي محسن الأحمر.
وبالنتيجة، فإن الحوثيين تعاملوا مع الثورة باعتبارها "امتداداً" لحروبهم الستة ضد سلطة صنعاء.
ميدانياً، هذا المكون هو الوحيد الذي أسقط إحدى المحافظات بيده، وهي "محافظة صعده"، حيث أعلن محافظ المحافظة "استقالته"، فنصَّب الحوثيون فارس مناع، رئيس لجنة الوساطة بينهم وبين السلطة أيام الحروب، محافظاً لهاً، وهو سبق أن أسس مؤتمر السلام بعد صراع مع المؤسسة الأمنية، التي تتهمه بدعم الحرب باعتباره تاجر سلاح معتمد في سوق السلاح الدولي.
وأفشل محاولةَ الحوثيين تكرارَ الأمر في محافظة "الجوف" المحاذية لـ "صعده"، اشتعالُ حرب بينهم وبين فصيل ثوري آخر يضم تحالفاً قبلياً مع اللقاء المشترك المعارض، وهي الحرب التي أبقت المحافظة بلا مسؤول متفق عليه حتى اليوم.
القيادة العسكرية المنشقة
منذ 21 آذار (مارس)، أعلن اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، انشقاقَه عن الرئيس علي عبدالله صالح والانضمام لـ "مهمة حماية الثورة ومساندتها". والمنطقة الشمالية هي إحدى أربع مناطق تدير "اليمن العسكري" تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية.
غير أن علاقة قوية تجمع اللواء علي محسن أيضاً "باليمن القبلي"، من خلال علاقته بمراكز النفوذ الاجتماعي، باعتبارها آخرَ من بقي من حلفاء بدايات عهد الرئيس صالح.
ولطالما ظل اللواء علي محسن الأحمر يُعرف بـ "علي محسن صالح"، و"الأخ غير الشقيق" للرئيس علي عبدالله صالح، قبل أن تُحدث الثورة صراعات بينهما حتى على الاسم والمنطقة، حيث يسمي أتباعه الرئيس علي عبدالله صالح بـ "علي صالح عفاش"، نسبة الى حصن تاريخي في منطقته يسمى عفاش. ولتجنيب اسم "الأحمر" آثارَ الصراع مع "علي محسن"، جرّده انصار الرئيس صالح في المقابل من لقب "الأحمر". لكن الثابت أن العَلِيَّيْن ينتميان لسنحان، وهي المنطقة التي ينتمي لها قادة جيش "صالح".
بقي "الأحمر" يدير منطقته العسكرية بالطريقة نفسها التي أسس بها هو وصالح عهد الحكم، حيث النفوذ العسكري تعبير عن "نفوذ اجتماعي" أكثر من كونه "عملاً محترفاً".
كما تجمع "علي محسن" علاقةٌ بالاسلاميين، سواء "التجمع اليمني للإصلاح" أو مَن عرفوا باسم "المجاهدين" بسبب قتالهم الى جانب ما سمي "قوات الشرعية" في حرب العام 1994، التي أقصت شريك الوحدة الجنوبي "الحزب الاشتراكي" من الحكم، وإليها ينتمي رموز في تنظيم القاعدة أو تنظيمات جهادية أخرى لا تهتم بمواجهة الغرب بقدر اهتمامها بالتعبير عن تطرف ديني وعنف سياسي واجتماعي.
وفيما تُعَدّ العلاقةُ القوية التي تجمع "محسن" برموز من الذين ورثوا "نفوذ" الحزب الاشتراكي في الدولة الجنوبية، واحداً من عوامل قوته، منذ كان يتولى ترتيب شؤونهم بالاتفاق مع الرئيس علي صالح قبل قيام الوحدة، حين كانوا يفرون من صراعات "الاشتراكيين"، فإن "محسن" دخل الثورة مثقلاً بصراعه مع الحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى بإرث "الصراع" الجنوبي الذي كان هو أحد أبرز وجوهه عام 1994 وما تلاه، من إحلال قوى اجتماعية في الجنوب.
القبائل
كان الشيخ الذي ينتمي لقبيلة بكيل "أمين العكيمي"، هو أول مرجعية قبلية أعلنت انضمامها للثورة في صنعاء.
العكيمي هو أحد قادة ما يسمى جيش الحدود الشعبي مع المملكة العربية السعودية في حدود محافظة الجوف، وأحد أعضاء الكتلة البرلمانية للتجمع اليمني للإصلاح، ويخوض حرب ثأر طويلة مع حلفاء للرئيس علي عبدالله صالح في منطقته، والأهم هو أنه صهر الشيخ "حسين عبدالله الأحمر".
وعلى الرغم من أنه يترأس ما يسمى "مجلس مشائخ قبيلة بكيل"، فإنه أقرب للمرجعية "الحاشدية" للسلطة القبلية في اليمن، التي تعبِّر عنها أسرة الشيخ "عبدالله الأحمر".
ومع انضمام مرجعيات قبيلة من المحافظات القبلية في الشمال والجنوب الى الثورة، فقد ساهم اعلان أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر "العشرة" انضمامَهم للثورة، وانسحاب بعضهم من مناصبهم الرسمية في الجهاز المدني لدولة الرئيس صالح، وتعليق عضوياتهم من حزبه الحاكم "المؤتمر الشعبي العام"، في إضفاء الصبغة "الحاشدية" للوجه القبلي للثورة. وعلى الرغم من أن إعلانهم تأييدَ الثورة ساهم في تداعي التحالف المشيخي لسلطة الرئيس علي عبدالله صالح، فإن وضوح هذه الصبغة ساعدت أيضاً في "بث" القلق القبلي لدى خصوم "أسرة الأحمر"، واستغلها الرئيس علي عبدالله صالح بذكاء "قبلي"، حيث كان يقبل "أى جهود وساطة قبلية" تقوم بها قبيلته "حاشد" مع مشايخها "عائلة الأحمر".
ومثَّلَ تكرار اعلانه رفض "الحرب الشاملة" ضد خصومه، واتصاله باللواء المنشق عنه بعد ساعات من اعلانه الانشقاق، والذهاب للقائه بعد يومين من ذلك، ومحاولته التوصل لاتفاق قبلي بين "عائلة الأحمر" وبين "الجيش والأمن"، رسائلَ دائمة لـ "حاشد"، التي وجدت نفسها تقف على الحياد لأول مرة في تاريخ صراع مشيختها مع "الدولة" منذ تولى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر المشيخة فيها.
حتى أن "محافظة" عمران، التي يمثل أبناء الشيخ عبدالله وأصهارهم أكثر من نصف دوائرها الانتخابية في البرلمان، توقفت عن أى نشاط "ثوري"، جماهيري. ومع أن عدداً من كبار مرجعيات المحافظة يؤيدون الرئيس صالح، فهم أيضاً لم "يقيموا أى أنشطة" في المحافظة. هذا التوازن السلبي كان تنفيذاً لاتفاق يتمثل في أن "من أراد دعم الثورة أو السلطة فليذهب الى صنعاء".
الحراك الجنوبي
يُعَدّ "الحراك الجنوبي" الذي بدأ أنشطته تحت شعار "القضية الجنوبية"، أولَ نشاط سلمي في دورة حكم "الرئيس علي عبدالله صالح" الجديدة التي بدأت بعد انتخابات 2006.
الحراك الذي انطلق في الأشهر الأولى من العام 2007، بدأ بالحديث عن حقوق الموظفين الجنوبيين المقصيين من دولة الوحدة، مصعداً من خطابه ونضاله حتى وصل الى شعار "الشعب يريد تحرير الجنوب"، الذي ترفعه الآن رسمياً ساحة الثورة في أكبر تجمع جغرافي في محافظة عدن، الذي تشكله المدن المرتبطة بساحة "المنصورة" التي أعلنت الانشقاق عن ثورة التغيير وتبني شعار الاستقلال في شباط ( فبراير).
ومن الملفت أن ساحة المنصورة العدنية وساحة "مدينة سيئون" الحضرمية، هما آخر مَن انضم للحراك الجنوبي، لكنهما صارتا الأكثر حيوية، الأولى في أنشطتها والثانية في العدد الضخم الذي صارت تجمعه، وهي المنطقة الأكثر "محافظة" في اليمن بشماله وجنوبه.
لكنهما ليستا الوحيدتين، فمحافظة الضالع تكاد تكون "ساقطة" بشكل شعبي بِيَد الحراك الجنوبي، وهي ربما أول محافظة يمنية تعيش حالياً "قلق ما بعد سقوط النظام".
والمكلاّ الحضرمية تشهد صراعاً بين قوتي الاستقلال والثورة، وهي المنطقة الوحيدة في اليمن التي تملك فيها الثورة "قوة مسلحة" بعد قوات الفرقة الأولى مدرع في صنعاء، وأهميتها ناتجة عن مهامها في حراسة بعض أهم منشآت النفط في اليمن، وفي كون قيادتها تنتمي الى منطقة "سنحان"، التي تنتمي إليها أيضاً قيادة القوة المواجهة لها، والتي يقودها "الحرس الجمهوري" الموالي للرئيس صالح. فقوات الثورة يقودها "محمد علي محسن" وقوات الحرس يقودها "عزيز ملفي"، وكلاهما من "سنحان".
ومع أن "الثورة" في المكلا تدعم "ثورة التغيير في صنعاء" أكثر من دعمها خيار "الاستقلال" الذي تتصدره منطقة "سيئون"، فإن الوجود العسكري "للثورة"، يثير الخوف الحضرمي من "اي اشتباكات مسلحة" بين "قوات صنعاء" والجيش، وقد أطلق نشطاء المكلاّ تحذيرات من محاولة "الثورة" جر "حضرموت" الى دور يشبه دور "بنغازي" في ليبيا، ورفضهم ليس ناتجاً عن "موقفهم من الحرب"، بل لأن تفجر حرب بين الثورة والسلطة في "المكلاّ" يعني ادخال حضرموت في خيارات "الصراع في صنعاء"، الذي يخص "دولة الوحدة"، ولا يعنى بشعار "الاستقلال أو الفيديرالية" الذي كانت "المكلاّ" من أوائل مدن الجنوب التي رفعته.
خروج تنظيم "أنصار الشريعة"، وهم حلفاء تنطيم القاعدة، لتَصَدُّر المشهد في محافظة أَبْيَن، كان على حساب "نشاط الاستقلال" و "التغيير" في وقت واحد، حيث تحارب الدولة هناك مسنودة بدعم دولي "الأنصار"، الذين وإن أعلنوا تأييد إسقاط النظام، فإنهم يقفون على طرف نقيض مع خيارات الثورة التي تتسابق مكوناتها، على إقامة علاقات مع المجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
وكان التحاق "شبوة" بالحراك الجنوبي، والحشد الذي يعد الأكبر الذي جمعت به ساحة المنصورة في عدن، كل أنصار الاستقلال، أكبرَ فعالية يستعرض فيها شعار "الاستقلال".
غير أن الحراك الجنوبي لا يزال متحالفاً مع "ثورة الشمال"، باعتبار وحدة الهدف، المتمثل في اسقاط النظام.
وهذا التحالف يُعبر عنه عبر كتل جنوبية، مع خيارات الدولة الواحدة، أو خيار الفيديرالية، غير أن الاحتكاكات التي تحدث بين مكوني الاستقلال والوحدة، المدعوم بشكل واضح من مكونات الثورة في صنعاء، يهدد بافتراق في الهدف الأساسي، قد تخسر معه الثورة في صنعاء الساحة الجنوبية، خاصة وأن الجنوبيين يشتكون من محاولات ثوار الشمال، والوحدة عدم الاعتراف بمكون الاستقلال، بل وحتى عدم تقديم أى تنازلات لصالح خيار الفيديرالية، فثوار الوحدة، والتغيير، ينظمون فعاليات موازية لفعاليات "الاستقلال"، للتغطية على العلم الجنوبي ومنع رفعه في تلك الفعاليات، والقول إن الجنوب "هو مع دولة الوحدة"، وإن معنى "اسقاط النظام" هو فقط "رحيل الرئيس علي عبدالله صالح"، وهو ما يرفضه الحراك الجنوبي، الذي يرى أن المسؤول عن معاناته هو تحالف حرب 1994، والمكون من الرئيس صالح واللواء علي محسن الأحمر والقبيلة الشمالية وحزب التجمع اليمني للإصلاح.
ومع أن هذا التحالف تبادل الاتهامات مؤخراً بشأن "احتلال الجنوب"، فإن الحراك يعتبر "تبادل الاتهامات" محاولةً من كل طرف للتملص من مسؤوليته عن تلك الحرب وآثارها.
وقد اعلن أبرز المختارون من الجنوب للمجلس الوطني الذي شكلته المعارضة في صنعاء، رفْضَهم الدخول في المجلس ما لم يقر مبدأ المناصفة، وانسحبوا منه بعد يومين من تشكيله، وكان لرفض "الثوار" مطلب تيار الفيديرالية الجنوبي بالمناصفة، دوراً مهماً في توسع مناصري خيار الاستقلال.
غير أن الحراك الجنوبي يفتقد حتى الآن قيادة موحدة، وفقاً لخيارات ما صار يعرف بمجموعة بروكسل ومجموعة القاهرة. الأولى يترأسها آخر رؤساء اليمن الجنوبي علي سالم البيض، الموقع على دولة الوحدة والمقصي من منصبه كنائب لرئيس اليمن الموحدة عبر حرب 1994، ويرفض مطلقاً أيَّ خيار غير "حق تقرير المصير".
وفيما يقول ان الجنوبيين "ليسوا ضد ثوار الشمال"، فإنه يقول إنه غير معني بأي ترتيبات تتوصل لها "صنعاء" بين الدولة والثورة.
أما "مجموعة القاهرة"، ويتصدرها تحالف المهزومين من صراعات يناير 1986 الجنوبية، "علي ناصر محمد" وبعض أقطاب أزمة ما قبل حرب "1994" في الدولة الواحدة، منهم "حيدر العطاس"، فتحاول جمع الجنوبيين على "تبنّي خيار فيدرالية من إقليمين" بين ما كان يعرف بدولتي الشطر الشمالي والشطر الجنوبي لليمن.
وهذه المجموعة أكثر قرباً من "الثورة الشمالية"، غير أنه قُرْبٌ من طرف واحد، اذ لم يعلن الشماليون حتى الآن أيَّ خيارات مركزية للقضية الجنوبية سوى "بعد سقوط النظام". وفي الداخل الجنوبي ينشط مستقلون شباب، يتشابهون الى حد كبير مع مكون المستقلين في ساحة الثورة العامة في صنعاء. ويجمع هذا التيار الجنوبي نشطاءَ سابقين في أحزاب المعارضة، الاصلاح أو الاشتراكي، مع القاعدة العريضة التي تضررت من سياسات دولة الوحدة.
وفيما أظهر تصاعدُ الثورة تياراً سلفياً قوياً في الحراك الجنوبي داعماً للاستقلال، يبقى التيار الديني "الصوفي"، الذي يعد هو المؤسسة التقليدية للثقافة الدينية في الجنوب، مراقباً، كما ينشط الجنوبيون الموالون للرئيس علي عبدالله صالح، فيما ينتظر النائب الجنوبي لرئيس الدولة "عبد ربه منصور هادي" التوافقَ بين السلطة والمعارضة ليتسلم المسؤولية الأولى للدولة.
"اللقاء المشترك"
يشكل تحالف "اللقاء المشترك"، وجه المعارضة السياسية والحزبية للرئيس علي عبدالله صالح. وهو يضم كل فرقاء الصراع بين دولة صالح وبين حلفائه الحزبيين الذين صاروا خصومه.
في 27 تشرين الأول 1978، أي بعد أقل من أربعة أشهر من تولي صالح السلطة، دفنت المؤسسة الأمنية والعسكرية قيادات التنظيم الناصري بعد محاكمات لم تطل بسبب محاولتهم الانقلاب، وأبرز وجوه تلك المواجهة كان اللواء علي محسن الأحمر، واللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي الحالي الذي قام يومها بمهمة الادعاء القانوني، فيما كان للأول فضل إيقاف الآليات العسكرية التي حاولت تنفيذ الانقلاب.
وبين ذلك اليوم، ويوم 7 تموز ( يوليو) 1994، جرت مياه كثيرة في وادي تحالفات وصراعات دولة صالح، توجت يومها بإقصاء شريك الوحدة "الحزب الاشتراكي"، في حرب أهلية هي الأشمل التي عرفها اليمن الحديث. وفي أول انتخابات محلية شهدها اليمن الموحد، في 2001، تكرس الفراق الميداني بين "الصالح" الرئيس و "الإصلاح" الحزب، بعد أن بدأ الفراق السياسي بينهما نتيجة نتائج انتخابات 1997، التي اتهم فيها "الإصلاح" شريكه في الحكم يومها بالعمل على تهميش قوته وتحجيمه. ولم يفلح تشاركهما في انتخابات 1999 الرئاسية التي رشح فيها الإصلاح صالح، في تجنب مزيد من الافتراق.
في تلك الانتخابات المحلية، حدثت أولى المواجهات العسكرية بين قوات صالح ومسلحي الإصلاح، في منطقتي الحيمة غرب صنعاء، وفي "المنطقة الوسطى" التي انطلق منها تحالفهما ضد "الاشتراكيين" منتصف الثمانينات. وتعمقت العلاقة السياسية بين "الإصلاح" وخصوم الرئيس السياسيين بانتخابات 2003، التي خاضها المعارضون تحت اسم واحد هو "اللقاء المشترك"، وتوج لاحقاً بالدخول في حلف يدعم المستقل فيصل بن شملان، مرشحاً باسم اللقاء المشترك لمنافسة الرئيس علي عبدالله صالح في انتخابات 2006 الرئاسية.
وفي الأيام الأولى لخروج "النشطاء" إلى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس علي عبدالله صالح في تعز وصنعاء في شباط، كان اللقاء المشترك يعيش أزمة أخرى مع صالح، أساسها انعدام الثقة بين الجانبين، وفيها رصيد من الصراعات الشخصية والعامة، وهي الأزمة التي أفشلت التوصل إلى اتفاق شامل كان يمكنه تجديد "العهد" لدولة الجمهورية اليمنية برئاسة علي عبدالله صالح، والعودة إلى الظروف التي عرفها اليمن الشمالي حين أُعلن تأسيس المؤتمر الشعبي العام.
لم تقم تلك الاتفاقات على إلغاء الأحزاب، بل على "السيطرة التوافقية" على الانتخابات، قبل الاتجاه نحوها. وفي ما بقي الطرفان يراوحان مكانهما في الحوار والاتفاق والاختلاف، وعطل الخلاف اتفاقين مهمين، كان أحدهما إصلاح الآلية الانتخابية، فيما كان الثاني عبارة عن "صياغة النظام السياسي"، وذلك قبل أن يفاجئ الربيع العربي الجميع، ويعطل التفاوض الذي كان الحزب الحاكم يسعى من خلاله لإعادة انتخاب علي عبدالله صالح لولاية جديدة، كثمن لأية تنازلات جوهرية في تغيير شكل النظام وفقاً لتصورات المعارضة.
حاول "اللقاء المشترك"، من البداية الحد من اندفاع "الثورة"، وفيما رمى بثقله الشعبي في دعمها كفاعليات. غير أنه سرعان ما انخرط في الثورة، وإن تجنب الظهور كمسؤول عنها، ودخل في منافسة مع القوى التي انضمت إليها، من منافسيه التقليديين، من القبائل والحوثيين وحتى المستقلين.
شكل اللقاء المشترك لجنة تنظيمية لساحات الثورة، من شباب الساحات، لكنه بقي ممسكاً بتمويل الأنشطة المركزية لها، وكان لشباب التجمع اليمني للإصلاح الدور الأبرز في المزاوجة بين النشاط الحزبي والساحات.
ففيما تبنى اللقاء المشترك، الذي ترأسه أمين عام الحزب الاشتراكي قرارات تبقي العمل الحزبي، بعيداً من الساحة، فإن فروع التجمع اليمني للإصلاح الميدانية، كانت تنظم شكل مشاركة أعضائها في الساحات التي تحولت إلى "منصات وبرامج ومخيمات".
ووجد "المشترك" نفسه ممثلاً للثورة، باعتباره يشكل المعارضة في مجلس النواب، وترسخ هذا بإعلان دول الخليج، مبادرتها لحل الأزمة اليمنية، والتي رسمت طرفي الأزمة: الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه، و... "اللقاء المشترك".
المجلس الوطني لقوى الثورة
في سياق التقارب، بين قوتي المعارضة، القبلية والحزبية، لمواجهة الخلافات مع الحزب الحاكم، أعلن عن تشكيل "لجنة الحوار الوطني" في 18 تموز (يوليو) 2010، لتوسيع جبهة المعارضة.
غير أن اللجنة التي تحول فيها اللقاء المشترك إلى مجرد "طرف"، تحولت إلى "استشارية مستقلة"، ليس لديها قوة ميدانية، ولكنها تملك الدعم المالي والقبلي الذي يوفره رجل الأعمال والشيخ الحاشدي "حميد بن عبدالله الأحمر"، ولهذا ترأستها شخصية مستقلة هو "محمد سالم باسندوه"، وهو أحد الشركاء السابقين للرئيس صالح في السلطة المدنية.
ومع تفاعلات الثورة، ودخول لاعبين جدد على الساحة العامة، وضغط المكون المستقل في الساحات من أجل تشكيل قيادة سياسية للدولة، بخاصة بعد الإعلان عن نقل الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة حكومته وبرلمانه، إلى خارج اليمن لتلقي العلاج اثر محاولة الاغتيال في 30 حزيران(يونيو) 2011، أعلنت لجنة الحوار الوطني التي يشغل الأحمر منصب أمينها العام، تشكيل "المجلس الوطني لقوى الثورة في 18 آب (أغسطس) 2011.
غير أن المجلس سرعان ما تعرض للتصدع المعنوي، اثر تتالي الاستقالات منه، لعدم استيعابه خريطة القوى المختلفة في الساحات، وللطريقة التي شكل بها، وهو ما أدى إلى عودة اللقاء المشترك إلى الظهور كممثل سياسي، وإن برفقة رئيس المجلس الوطني وهو نفسه رئيس لجنة الحوار، المستقل حزبياً، والوزير الأسبق في حكومات الرئيس صالح محمد سالم باسندوة.
*الحياة اللندانية
منذ عشرة شهور، يتزاحم ملايين اليمنيين في عدد من المدن الرئيسية لمعارضة حكم الرئيس علي عبدالله صالح والدعوة لإسقاطه.
وفيما يتوحدون في الشعار العام "الشعب يريد اسقاط النظام"، فإنهم يتباينون الى حد الاختلاف والتعارض بين بعض مكوناتهم، التي تتسع من "الحوثيين" في أقصى الشمال حتى "الاستقلاليين" في أقصى الجنوب، مروراً بالقبيلة والعسكر في صنعاء و "اللقاء المشترك" والشباب في صنعاء وتعز وغيرها من المحافظات، مع خصوصية تتعلق بالتحالف الاجتماعي لحزب الإصلاح مع قبائل في الجوف وصنعاء وعمران، بما هو أقوى من تحالفاته مع المكونات الحزبية السياسية في اللقاء المشترك.
المستقلون
تزدحم الساحات اليمنية، بمكون مستقل من كتلتين:
الأولى، النشطاء الحزبيون الذين لم يعد لهم علاقات تنظيمية بأحزاب اللقاء المشترك. غالبية هؤلاء ينتمون للتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، مع حضور نوعي في محافظة تعز للتنظيم الوحدوي الناصري، ورموز عدة أعلنت استقالتها من الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام" والتحقت بالثورة.
غالبية هؤلاء المستقلين من الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين، وهم ممن انخرطوا في الشأن العام عبر الحركة الحقوقية المدنية خلال السنوات العشر الأخيرة.
وفيما قاد نشطاء ناصريون واشتراكيون أول اعتصام في شوارع تعز، شهدت العاصمة صنعاء توجهين للمسيرات، كانت "توكل كرمان"، القادمة من "التجمع اليمني للإصلاح"، تقود مسيرات في محيط جامعة صنعاء غالبيتها من شباب الاصلاح والقريبين منهم، وكان نشطاء من مستقلي الحزب الاشتراكي واعضائه يقودون تظاهرات في شارعي حدة وكلية الشرطة، بالقرب من معسكري الأمن المركزي ودار الرئاسة.
وتوحّد متظاهرو صنعاء عشية سقوط الرئيس المصري محمد حسني مبارك في محاولة التجمع في ميدان التحرير، قبل أن يستقر بهم الحال أمام جامعة صنعاء، في ظل مواجهات يومية مع السلطات.
الكتلة الثانية، من ذوي المصالح المتضررة من سياسات السلطة، من مثقفين وحِرَفيين، من مختلف الأعمار، والذين لا ينتمون للأحزاب ولا لمنظومة القبائل ومصالحها. وهم أكثر مَن رفعت الثورةُ الشعارات التي تعبِّر عن مشاكلهم وتصوراتهم للحياة العامة في شقيها الاجتماعي والاقتصادي.
ويمكن اعتبار هؤلاء المستقلين، أنشطَ مكونات الثورة، وأكثرَها ارتباطاً بشكلها الحديث ووسائلها، المرتكزة على وسائل الاتصال الحديثة.
غير أنهم متفرقين في مئات من المكونات، غالبيتها عبارة عن أسماء على الإنترنت أو في خيمة من خيم ساحة الاعتصام، وليس لهم مكون جامع، باستثناء ما أسسه المستقيلون من المؤتمر الشعبي العام، الذين أعلنوا في 18 نيسان (أبريل) 2011 تأسيس تحالف "تنظيم العدالة والبناء"، الذي يضم الكتلة البرلمانية والوزراء المستقيلين وعدد من القيادات الحزبية المرموقة في المؤتمر، منهم محمد ابو لحوم رئيس دائرة العلاقات الخارجية، ويحيى الشامي رئيس هيئة الرقابة.
وخلال الأشهر الطويلة للثورة، خاض المستقلون معاركَ عديدة داخل الساحات ضد المكونات الأخرى، بالأخص ضد مكوني "الاصلاح" والقبائل والعسكر المتحالفين معهم في الشعار العام.
وفيما كانت معارك الساحات تنتهي في الغالب ضد المستقلين، ويُقْصَوْن بتهم عدة أغلبها ادعاء خصومهم بأنهم أتباع للنظام، كما حدث في ساحتي تعز والحديدة، أو بتهمة "شق الثورة"، كما بررت ساحة صنعاء الاعتداء على الناشطات والناشطين الذين يرفضون التنازل عن شعاراتهم وخطاباتهم واستقلال رؤيتهم.
غير أن هؤلاء الشباب سرعان ما يستعيدون قوتهم في أول تجدد للصراع العام مع النظام، أو لعوامل أخرى، كما حدث للناشطة الأبرز من هذه الساحة "توكل كرمان"، الحائزة جائزة نوبل، والتي رغم عضويتها في اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، فإنها تعمل باستقلال عن الحزب، وإن تحت اطار حمايته الميدانية لها، لكنها تعرضت للإقصاء من ساحة صنعاء، لرفضها المستمر السيطرة الحزبية على الساحة، ولولا "جائزة نوبل" لكانت مُنعت من الصعود الى منصة ساحة التغيير التي تديرها لجنة تنظيمية نصبها "اللقاء المشترك"، ومكونها الأساس ناشطون من التجمع اليمني للاصلاح، يتحكمون بالمال والقوة في الساحة.
الحوثيون
هم الأداة التنظيمية التي أفرزتها ستة حروب أهلية في محافظة صعده على حدود المملكة العربية السعودية.
كانت الحرب بين السلطة المركزية في صنعاء وبين الحوثيين تنمو بنشاط وحيوية بعيداً من خيارات المركز، أو بالأدق "خارج محددات خياراته".
كما شاركت فيها صراعات "الزيدية" القبلية مع "الزيدية" الدينية، حيث شهدت مناطق شمال الشمال صراعات محلية قاسية بين المكونين. وبالاضافة الى تقاطعات الصراع المذهبي-الاجتماعي-التاريخي في اليمن من ناحية، وفي المحيط الاقليمي من ناحية أخرى، فقد أفضت الحروب الستة الى تعزيز نفوذ "الحوثيين" كممثلين محليين بشعار "ديني زيدي" في مواجهة التحالف الحاكم، الذي يُعَدّ آخر ما بقي للرئيس علي عبدالله صالح من التحالفات، وهو آخر من التحق بالثورة، ممثلاً بقيادة قبيلة حاشد، وبالقيادة العسكرية لتلك الحرب، التي تولاها اللواء المنشق علي محسن الأحمر.
وبالنتيجة، فإن الحوثيين تعاملوا مع الثورة باعتبارها "امتداداً" لحروبهم الستة ضد سلطة صنعاء.
ميدانياً، هذا المكون هو الوحيد الذي أسقط إحدى المحافظات بيده، وهي "محافظة صعده"، حيث أعلن محافظ المحافظة "استقالته"، فنصَّب الحوثيون فارس مناع، رئيس لجنة الوساطة بينهم وبين السلطة أيام الحروب، محافظاً لهاً، وهو سبق أن أسس مؤتمر السلام بعد صراع مع المؤسسة الأمنية، التي تتهمه بدعم الحرب باعتباره تاجر سلاح معتمد في سوق السلاح الدولي.
وأفشل محاولةَ الحوثيين تكرارَ الأمر في محافظة "الجوف" المحاذية لـ "صعده"، اشتعالُ حرب بينهم وبين فصيل ثوري آخر يضم تحالفاً قبلياً مع اللقاء المشترك المعارض، وهي الحرب التي أبقت المحافظة بلا مسؤول متفق عليه حتى اليوم.
القيادة العسكرية المنشقة
منذ 21 آذار (مارس)، أعلن اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، انشقاقَه عن الرئيس علي عبدالله صالح والانضمام لـ "مهمة حماية الثورة ومساندتها". والمنطقة الشمالية هي إحدى أربع مناطق تدير "اليمن العسكري" تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية.
غير أن علاقة قوية تجمع اللواء علي محسن أيضاً "باليمن القبلي"، من خلال علاقته بمراكز النفوذ الاجتماعي، باعتبارها آخرَ من بقي من حلفاء بدايات عهد الرئيس صالح.
ولطالما ظل اللواء علي محسن الأحمر يُعرف بـ "علي محسن صالح"، و"الأخ غير الشقيق" للرئيس علي عبدالله صالح، قبل أن تُحدث الثورة صراعات بينهما حتى على الاسم والمنطقة، حيث يسمي أتباعه الرئيس علي عبدالله صالح بـ "علي صالح عفاش"، نسبة الى حصن تاريخي في منطقته يسمى عفاش. ولتجنيب اسم "الأحمر" آثارَ الصراع مع "علي محسن"، جرّده انصار الرئيس صالح في المقابل من لقب "الأحمر". لكن الثابت أن العَلِيَّيْن ينتميان لسنحان، وهي المنطقة التي ينتمي لها قادة جيش "صالح".
بقي "الأحمر" يدير منطقته العسكرية بالطريقة نفسها التي أسس بها هو وصالح عهد الحكم، حيث النفوذ العسكري تعبير عن "نفوذ اجتماعي" أكثر من كونه "عملاً محترفاً".
كما تجمع "علي محسن" علاقةٌ بالاسلاميين، سواء "التجمع اليمني للإصلاح" أو مَن عرفوا باسم "المجاهدين" بسبب قتالهم الى جانب ما سمي "قوات الشرعية" في حرب العام 1994، التي أقصت شريك الوحدة الجنوبي "الحزب الاشتراكي" من الحكم، وإليها ينتمي رموز في تنظيم القاعدة أو تنظيمات جهادية أخرى لا تهتم بمواجهة الغرب بقدر اهتمامها بالتعبير عن تطرف ديني وعنف سياسي واجتماعي.
وفيما تُعَدّ العلاقةُ القوية التي تجمع "محسن" برموز من الذين ورثوا "نفوذ" الحزب الاشتراكي في الدولة الجنوبية، واحداً من عوامل قوته، منذ كان يتولى ترتيب شؤونهم بالاتفاق مع الرئيس علي صالح قبل قيام الوحدة، حين كانوا يفرون من صراعات "الاشتراكيين"، فإن "محسن" دخل الثورة مثقلاً بصراعه مع الحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى بإرث "الصراع" الجنوبي الذي كان هو أحد أبرز وجوهه عام 1994 وما تلاه، من إحلال قوى اجتماعية في الجنوب.
القبائل
كان الشيخ الذي ينتمي لقبيلة بكيل "أمين العكيمي"، هو أول مرجعية قبلية أعلنت انضمامها للثورة في صنعاء.
العكيمي هو أحد قادة ما يسمى جيش الحدود الشعبي مع المملكة العربية السعودية في حدود محافظة الجوف، وأحد أعضاء الكتلة البرلمانية للتجمع اليمني للإصلاح، ويخوض حرب ثأر طويلة مع حلفاء للرئيس علي عبدالله صالح في منطقته، والأهم هو أنه صهر الشيخ "حسين عبدالله الأحمر".
وعلى الرغم من أنه يترأس ما يسمى "مجلس مشائخ قبيلة بكيل"، فإنه أقرب للمرجعية "الحاشدية" للسلطة القبلية في اليمن، التي تعبِّر عنها أسرة الشيخ "عبدالله الأحمر".
ومع انضمام مرجعيات قبيلة من المحافظات القبلية في الشمال والجنوب الى الثورة، فقد ساهم اعلان أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر "العشرة" انضمامَهم للثورة، وانسحاب بعضهم من مناصبهم الرسمية في الجهاز المدني لدولة الرئيس صالح، وتعليق عضوياتهم من حزبه الحاكم "المؤتمر الشعبي العام"، في إضفاء الصبغة "الحاشدية" للوجه القبلي للثورة. وعلى الرغم من أن إعلانهم تأييدَ الثورة ساهم في تداعي التحالف المشيخي لسلطة الرئيس علي عبدالله صالح، فإن وضوح هذه الصبغة ساعدت أيضاً في "بث" القلق القبلي لدى خصوم "أسرة الأحمر"، واستغلها الرئيس علي عبدالله صالح بذكاء "قبلي"، حيث كان يقبل "أى جهود وساطة قبلية" تقوم بها قبيلته "حاشد" مع مشايخها "عائلة الأحمر".
ومثَّلَ تكرار اعلانه رفض "الحرب الشاملة" ضد خصومه، واتصاله باللواء المنشق عنه بعد ساعات من اعلانه الانشقاق، والذهاب للقائه بعد يومين من ذلك، ومحاولته التوصل لاتفاق قبلي بين "عائلة الأحمر" وبين "الجيش والأمن"، رسائلَ دائمة لـ "حاشد"، التي وجدت نفسها تقف على الحياد لأول مرة في تاريخ صراع مشيختها مع "الدولة" منذ تولى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر المشيخة فيها.
حتى أن "محافظة" عمران، التي يمثل أبناء الشيخ عبدالله وأصهارهم أكثر من نصف دوائرها الانتخابية في البرلمان، توقفت عن أى نشاط "ثوري"، جماهيري. ومع أن عدداً من كبار مرجعيات المحافظة يؤيدون الرئيس صالح، فهم أيضاً لم "يقيموا أى أنشطة" في المحافظة. هذا التوازن السلبي كان تنفيذاً لاتفاق يتمثل في أن "من أراد دعم الثورة أو السلطة فليذهب الى صنعاء".
الحراك الجنوبي
يُعَدّ "الحراك الجنوبي" الذي بدأ أنشطته تحت شعار "القضية الجنوبية"، أولَ نشاط سلمي في دورة حكم "الرئيس علي عبدالله صالح" الجديدة التي بدأت بعد انتخابات 2006.
الحراك الذي انطلق في الأشهر الأولى من العام 2007، بدأ بالحديث عن حقوق الموظفين الجنوبيين المقصيين من دولة الوحدة، مصعداً من خطابه ونضاله حتى وصل الى شعار "الشعب يريد تحرير الجنوب"، الذي ترفعه الآن رسمياً ساحة الثورة في أكبر تجمع جغرافي في محافظة عدن، الذي تشكله المدن المرتبطة بساحة "المنصورة" التي أعلنت الانشقاق عن ثورة التغيير وتبني شعار الاستقلال في شباط ( فبراير).
ومن الملفت أن ساحة المنصورة العدنية وساحة "مدينة سيئون" الحضرمية، هما آخر مَن انضم للحراك الجنوبي، لكنهما صارتا الأكثر حيوية، الأولى في أنشطتها والثانية في العدد الضخم الذي صارت تجمعه، وهي المنطقة الأكثر "محافظة" في اليمن بشماله وجنوبه.
لكنهما ليستا الوحيدتين، فمحافظة الضالع تكاد تكون "ساقطة" بشكل شعبي بِيَد الحراك الجنوبي، وهي ربما أول محافظة يمنية تعيش حالياً "قلق ما بعد سقوط النظام".
والمكلاّ الحضرمية تشهد صراعاً بين قوتي الاستقلال والثورة، وهي المنطقة الوحيدة في اليمن التي تملك فيها الثورة "قوة مسلحة" بعد قوات الفرقة الأولى مدرع في صنعاء، وأهميتها ناتجة عن مهامها في حراسة بعض أهم منشآت النفط في اليمن، وفي كون قيادتها تنتمي الى منطقة "سنحان"، التي تنتمي إليها أيضاً قيادة القوة المواجهة لها، والتي يقودها "الحرس الجمهوري" الموالي للرئيس صالح. فقوات الثورة يقودها "محمد علي محسن" وقوات الحرس يقودها "عزيز ملفي"، وكلاهما من "سنحان".
ومع أن "الثورة" في المكلا تدعم "ثورة التغيير في صنعاء" أكثر من دعمها خيار "الاستقلال" الذي تتصدره منطقة "سيئون"، فإن الوجود العسكري "للثورة"، يثير الخوف الحضرمي من "اي اشتباكات مسلحة" بين "قوات صنعاء" والجيش، وقد أطلق نشطاء المكلاّ تحذيرات من محاولة "الثورة" جر "حضرموت" الى دور يشبه دور "بنغازي" في ليبيا، ورفضهم ليس ناتجاً عن "موقفهم من الحرب"، بل لأن تفجر حرب بين الثورة والسلطة في "المكلاّ" يعني ادخال حضرموت في خيارات "الصراع في صنعاء"، الذي يخص "دولة الوحدة"، ولا يعنى بشعار "الاستقلال أو الفيديرالية" الذي كانت "المكلاّ" من أوائل مدن الجنوب التي رفعته.
خروج تنظيم "أنصار الشريعة"، وهم حلفاء تنطيم القاعدة، لتَصَدُّر المشهد في محافظة أَبْيَن، كان على حساب "نشاط الاستقلال" و "التغيير" في وقت واحد، حيث تحارب الدولة هناك مسنودة بدعم دولي "الأنصار"، الذين وإن أعلنوا تأييد إسقاط النظام، فإنهم يقفون على طرف نقيض مع خيارات الثورة التي تتسابق مكوناتها، على إقامة علاقات مع المجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
وكان التحاق "شبوة" بالحراك الجنوبي، والحشد الذي يعد الأكبر الذي جمعت به ساحة المنصورة في عدن، كل أنصار الاستقلال، أكبرَ فعالية يستعرض فيها شعار "الاستقلال".
غير أن الحراك الجنوبي لا يزال متحالفاً مع "ثورة الشمال"، باعتبار وحدة الهدف، المتمثل في اسقاط النظام.
وهذا التحالف يُعبر عنه عبر كتل جنوبية، مع خيارات الدولة الواحدة، أو خيار الفيديرالية، غير أن الاحتكاكات التي تحدث بين مكوني الاستقلال والوحدة، المدعوم بشكل واضح من مكونات الثورة في صنعاء، يهدد بافتراق في الهدف الأساسي، قد تخسر معه الثورة في صنعاء الساحة الجنوبية، خاصة وأن الجنوبيين يشتكون من محاولات ثوار الشمال، والوحدة عدم الاعتراف بمكون الاستقلال، بل وحتى عدم تقديم أى تنازلات لصالح خيار الفيديرالية، فثوار الوحدة، والتغيير، ينظمون فعاليات موازية لفعاليات "الاستقلال"، للتغطية على العلم الجنوبي ومنع رفعه في تلك الفعاليات، والقول إن الجنوب "هو مع دولة الوحدة"، وإن معنى "اسقاط النظام" هو فقط "رحيل الرئيس علي عبدالله صالح"، وهو ما يرفضه الحراك الجنوبي، الذي يرى أن المسؤول عن معاناته هو تحالف حرب 1994، والمكون من الرئيس صالح واللواء علي محسن الأحمر والقبيلة الشمالية وحزب التجمع اليمني للإصلاح.
ومع أن هذا التحالف تبادل الاتهامات مؤخراً بشأن "احتلال الجنوب"، فإن الحراك يعتبر "تبادل الاتهامات" محاولةً من كل طرف للتملص من مسؤوليته عن تلك الحرب وآثارها.
وقد اعلن أبرز المختارون من الجنوب للمجلس الوطني الذي شكلته المعارضة في صنعاء، رفْضَهم الدخول في المجلس ما لم يقر مبدأ المناصفة، وانسحبوا منه بعد يومين من تشكيله، وكان لرفض "الثوار" مطلب تيار الفيديرالية الجنوبي بالمناصفة، دوراً مهماً في توسع مناصري خيار الاستقلال.
غير أن الحراك الجنوبي يفتقد حتى الآن قيادة موحدة، وفقاً لخيارات ما صار يعرف بمجموعة بروكسل ومجموعة القاهرة. الأولى يترأسها آخر رؤساء اليمن الجنوبي علي سالم البيض، الموقع على دولة الوحدة والمقصي من منصبه كنائب لرئيس اليمن الموحدة عبر حرب 1994، ويرفض مطلقاً أيَّ خيار غير "حق تقرير المصير".
وفيما يقول ان الجنوبيين "ليسوا ضد ثوار الشمال"، فإنه يقول إنه غير معني بأي ترتيبات تتوصل لها "صنعاء" بين الدولة والثورة.
أما "مجموعة القاهرة"، ويتصدرها تحالف المهزومين من صراعات يناير 1986 الجنوبية، "علي ناصر محمد" وبعض أقطاب أزمة ما قبل حرب "1994" في الدولة الواحدة، منهم "حيدر العطاس"، فتحاول جمع الجنوبيين على "تبنّي خيار فيدرالية من إقليمين" بين ما كان يعرف بدولتي الشطر الشمالي والشطر الجنوبي لليمن.
وهذه المجموعة أكثر قرباً من "الثورة الشمالية"، غير أنه قُرْبٌ من طرف واحد، اذ لم يعلن الشماليون حتى الآن أيَّ خيارات مركزية للقضية الجنوبية سوى "بعد سقوط النظام". وفي الداخل الجنوبي ينشط مستقلون شباب، يتشابهون الى حد كبير مع مكون المستقلين في ساحة الثورة العامة في صنعاء. ويجمع هذا التيار الجنوبي نشطاءَ سابقين في أحزاب المعارضة، الاصلاح أو الاشتراكي، مع القاعدة العريضة التي تضررت من سياسات دولة الوحدة.
وفيما أظهر تصاعدُ الثورة تياراً سلفياً قوياً في الحراك الجنوبي داعماً للاستقلال، يبقى التيار الديني "الصوفي"، الذي يعد هو المؤسسة التقليدية للثقافة الدينية في الجنوب، مراقباً، كما ينشط الجنوبيون الموالون للرئيس علي عبدالله صالح، فيما ينتظر النائب الجنوبي لرئيس الدولة "عبد ربه منصور هادي" التوافقَ بين السلطة والمعارضة ليتسلم المسؤولية الأولى للدولة.
"اللقاء المشترك"
يشكل تحالف "اللقاء المشترك"، وجه المعارضة السياسية والحزبية للرئيس علي عبدالله صالح. وهو يضم كل فرقاء الصراع بين دولة صالح وبين حلفائه الحزبيين الذين صاروا خصومه.
في 27 تشرين الأول 1978، أي بعد أقل من أربعة أشهر من تولي صالح السلطة، دفنت المؤسسة الأمنية والعسكرية قيادات التنظيم الناصري بعد محاكمات لم تطل بسبب محاولتهم الانقلاب، وأبرز وجوه تلك المواجهة كان اللواء علي محسن الأحمر، واللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي الحالي الذي قام يومها بمهمة الادعاء القانوني، فيما كان للأول فضل إيقاف الآليات العسكرية التي حاولت تنفيذ الانقلاب.
وبين ذلك اليوم، ويوم 7 تموز ( يوليو) 1994، جرت مياه كثيرة في وادي تحالفات وصراعات دولة صالح، توجت يومها بإقصاء شريك الوحدة "الحزب الاشتراكي"، في حرب أهلية هي الأشمل التي عرفها اليمن الحديث. وفي أول انتخابات محلية شهدها اليمن الموحد، في 2001، تكرس الفراق الميداني بين "الصالح" الرئيس و "الإصلاح" الحزب، بعد أن بدأ الفراق السياسي بينهما نتيجة نتائج انتخابات 1997، التي اتهم فيها "الإصلاح" شريكه في الحكم يومها بالعمل على تهميش قوته وتحجيمه. ولم يفلح تشاركهما في انتخابات 1999 الرئاسية التي رشح فيها الإصلاح صالح، في تجنب مزيد من الافتراق.
في تلك الانتخابات المحلية، حدثت أولى المواجهات العسكرية بين قوات صالح ومسلحي الإصلاح، في منطقتي الحيمة غرب صنعاء، وفي "المنطقة الوسطى" التي انطلق منها تحالفهما ضد "الاشتراكيين" منتصف الثمانينات. وتعمقت العلاقة السياسية بين "الإصلاح" وخصوم الرئيس السياسيين بانتخابات 2003، التي خاضها المعارضون تحت اسم واحد هو "اللقاء المشترك"، وتوج لاحقاً بالدخول في حلف يدعم المستقل فيصل بن شملان، مرشحاً باسم اللقاء المشترك لمنافسة الرئيس علي عبدالله صالح في انتخابات 2006 الرئاسية.
وفي الأيام الأولى لخروج "النشطاء" إلى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس علي عبدالله صالح في تعز وصنعاء في شباط، كان اللقاء المشترك يعيش أزمة أخرى مع صالح، أساسها انعدام الثقة بين الجانبين، وفيها رصيد من الصراعات الشخصية والعامة، وهي الأزمة التي أفشلت التوصل إلى اتفاق شامل كان يمكنه تجديد "العهد" لدولة الجمهورية اليمنية برئاسة علي عبدالله صالح، والعودة إلى الظروف التي عرفها اليمن الشمالي حين أُعلن تأسيس المؤتمر الشعبي العام.
لم تقم تلك الاتفاقات على إلغاء الأحزاب، بل على "السيطرة التوافقية" على الانتخابات، قبل الاتجاه نحوها. وفي ما بقي الطرفان يراوحان مكانهما في الحوار والاتفاق والاختلاف، وعطل الخلاف اتفاقين مهمين، كان أحدهما إصلاح الآلية الانتخابية، فيما كان الثاني عبارة عن "صياغة النظام السياسي"، وذلك قبل أن يفاجئ الربيع العربي الجميع، ويعطل التفاوض الذي كان الحزب الحاكم يسعى من خلاله لإعادة انتخاب علي عبدالله صالح لولاية جديدة، كثمن لأية تنازلات جوهرية في تغيير شكل النظام وفقاً لتصورات المعارضة.
حاول "اللقاء المشترك"، من البداية الحد من اندفاع "الثورة"، وفيما رمى بثقله الشعبي في دعمها كفاعليات. غير أنه سرعان ما انخرط في الثورة، وإن تجنب الظهور كمسؤول عنها، ودخل في منافسة مع القوى التي انضمت إليها، من منافسيه التقليديين، من القبائل والحوثيين وحتى المستقلين.
شكل اللقاء المشترك لجنة تنظيمية لساحات الثورة، من شباب الساحات، لكنه بقي ممسكاً بتمويل الأنشطة المركزية لها، وكان لشباب التجمع اليمني للإصلاح الدور الأبرز في المزاوجة بين النشاط الحزبي والساحات.
ففيما تبنى اللقاء المشترك، الذي ترأسه أمين عام الحزب الاشتراكي قرارات تبقي العمل الحزبي، بعيداً من الساحة، فإن فروع التجمع اليمني للإصلاح الميدانية، كانت تنظم شكل مشاركة أعضائها في الساحات التي تحولت إلى "منصات وبرامج ومخيمات".
ووجد "المشترك" نفسه ممثلاً للثورة، باعتباره يشكل المعارضة في مجلس النواب، وترسخ هذا بإعلان دول الخليج، مبادرتها لحل الأزمة اليمنية، والتي رسمت طرفي الأزمة: الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه، و... "اللقاء المشترك".
المجلس الوطني لقوى الثورة
في سياق التقارب، بين قوتي المعارضة، القبلية والحزبية، لمواجهة الخلافات مع الحزب الحاكم، أعلن عن تشكيل "لجنة الحوار الوطني" في 18 تموز (يوليو) 2010، لتوسيع جبهة المعارضة.
غير أن اللجنة التي تحول فيها اللقاء المشترك إلى مجرد "طرف"، تحولت إلى "استشارية مستقلة"، ليس لديها قوة ميدانية، ولكنها تملك الدعم المالي والقبلي الذي يوفره رجل الأعمال والشيخ الحاشدي "حميد بن عبدالله الأحمر"، ولهذا ترأستها شخصية مستقلة هو "محمد سالم باسندوه"، وهو أحد الشركاء السابقين للرئيس صالح في السلطة المدنية.
ومع تفاعلات الثورة، ودخول لاعبين جدد على الساحة العامة، وضغط المكون المستقل في الساحات من أجل تشكيل قيادة سياسية للدولة، بخاصة بعد الإعلان عن نقل الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة حكومته وبرلمانه، إلى خارج اليمن لتلقي العلاج اثر محاولة الاغتيال في 30 حزيران(يونيو) 2011، أعلنت لجنة الحوار الوطني التي يشغل الأحمر منصب أمينها العام، تشكيل "المجلس الوطني لقوى الثورة في 18 آب (أغسطس) 2011.
غير أن المجلس سرعان ما تعرض للتصدع المعنوي، اثر تتالي الاستقالات منه، لعدم استيعابه خريطة القوى المختلفة في الساحات، وللطريقة التي شكل بها، وهو ما أدى إلى عودة اللقاء المشترك إلى الظهور كممثل سياسي، وإن برفقة رئيس المجلس الوطني وهو نفسه رئيس لجنة الحوار، المستقل حزبياً، والوزير الأسبق في حكومات الرئيس صالح محمد سالم باسندوة.
*الحياة اللندانية