لا يحتاج المتأمل في المشهد الثقافي في اليمن إلى كثير عناء ليدرك أن تراجعا كبيرا تشهده الساحة في مختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية التي شهدت حراكا عسكريا وسياسيا أفضى إلى سقوط مدينة صنعاء في يد الحوثيين في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول المنصرم.
وصدرت قبل أيام إحصائية رسمية عن وزارة الثقافة للأنشطة الثقافية خلال العام المنصرم، مؤكدة هذا التراجع الحاد في مجمل مفردات النشاط العام لوزارة الثقافة في كل المحافظات اليمنية، وخاصة تلك التي كانت ساحة صراع محتدم بين الجيش والقبائل من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى، مثل محافظتي عمران ومأرب اللتين مثلتا قيمة صفرية في الإحصائية، إذ لم تنجز فيهما أي فعالية ثقافية على مدار العام، يليها كل من محافظة الجوف والبيضاء، بواقع فعالية واحدة لكل محافظة.
تراجع مخيف
وأنجزت وزارة الثقافة -بحسب الإحصائية- خلال العام الفائت 159 فعالية، بنقص يتجاوز النصف عن العام 2013، وتشير الإحصائية إلى أن محافظة تعز -التي اختيرت عاصمة ثقافية لليمن خلال عام 2014- جاءت في عدد الفعاليات في المركز الثالث بواقع سبع فعاليات فقط، حيث سبقها كل من أمانة العاصمة صنعاء بواقع 57 فعالية، تليها محافظة إب بواقع 51 فعالية، مما يعني عدم جدية المؤسسة الثقافية الرسمية في اختيار مدينة تعز عاصمة للثقافة.
وتشير أرقام الإحصائية إلى أن المقارنة بين المنجز الثقافي للوزارة في العام المنصرم مع السابق له تكشف عن تراجع حاد في مجمل الأنشطة الثقافية في العام المنصرم بنسبة عامة تصل إلى 60%، حيث يمثل التراجع في قطاع حقوق الملكية الفكرية ما نسبته 90%، وهي أعلى نسبة تراجع، بينما يمثل التراجع في أنشطة بيت الثقافة في العاصمة صنعاء ما نسبته 40% وهي أدنى نسبة.
ويرى مدير عام الإحصاء في وزارة الثقافة محمد علي ثامر في تراجع فعاليات بيت الثقافة "مؤشرا خطيرا"، لأن هذا المرفق الحيوي هو واجهة العمل الثقافي الرسمي في اليمن ووجهة النخبة المثقفة، وإذا كان عام 2013 قد شهد ما مجموعه 126 فعالية مختلفة، فإن هذا التناقص العجيب يشي بانصراف المثقفين عن هذا المنبر الهام الذي يُدار من قبلهم ويوضع تحت تصرفهم.
وأضاف ثامر -في تصريح للجزيرة نت- أن إدارته اتبعت أساليب علمية ودقيقة للوصول إلى هذه الإحصائية، مؤكدا أن هذا التراجع مستمر، وسوف يعطي خلال هذا العام نتائج أكثر إحباطا، خاصة وأن الاضطراب السياسي المهيمن على الساحة كفيل بإفراز واقع خال من الثقافة.
انهيار لا تراجع
من جهته، يؤكد وكيل وزارة الثقافة هشام علي أن العمل الثقافي في اللحظة الراهنة يعاني من تعثر كبير يعود جزء منه إلى مشكلة مزمنة تعاني منها وزارة الثقافة، وهي الميزانية الميتة، ويعود الجزء الآخر إلى سياسة ممنهجة ترمي إلى استبعاد الثقافة من دائرة الاهتمام الرسمي.
وأضاف علي -في تصريحه للجزيرة نت- أن كثيرا من المشاريع الثقافية التي تقدم إلى الجهات الرسمية والجهات المانحة دائما ما تواجه بالقول بأن الثقافة ليست من الأولويات، كما أن طغيان الخطاب السياسي في اليمن على ما عداه أفقد الثقافة جزءا من حيويتها، مشيرا في هذا السياق إلى 16 مركزا ثقافيا أنشأتها الوزارة في عدد من عواصم المحافظات تستخدم منذ أعوام كصالات للاجتماعات السياسية ليس إلا.
ولا يُنكر القيادي في وزارة الثقافة انعكاس الأحداث الأخيرة على المشهد الثقافي، لكنه يرى أن هذه الضوضاء التي بدأت بمؤتمر الحوار وانتهت بوصول الحوثيين إلى صنعاء هي "أزمة ثقافية بدرجة أساسية جوهرها غياب التنمية الثقافية، وقد نجمت عنها مظاهر الخراب التي نراها الآن".
وأشار علي إلى أن هذه الحالة ليست وليدة اليوم وإنما هي نتيجة تراكمات طويلة أفضت إلى هذا الوضع المزري، ومؤكدا أنَّ أصدق توصيف لحالة الموات الثقافي هذه ليس تراجعا وإنما "انهيار كامل الأركان".