في روايته "جوهرة التعْكَر" الفائزة هذا العام بالمركز الثاني لجائزة الشارقة للرواية العربية، يسلك القاص اليمني الدكتور همدان دمّاج مسلكا مغايرا وجديدا على الفضاء السردي في اليمن، حيث يتبنى الخرافة الواقعية كثيمة أساسية ذات بعدين متوازيين: تاريخي يسترجع دراميات تاريخية حقيقية ومتخيلة، وسردي لشخصيات قروية، يربط البعدين جبل التعكر، الجغرافيا والتاريخ، السرد والتراث، الواقعي والمتخيل.
و(التعْكَر) جبلٌ شاهقٌ في محافظة إب اليمنية يحتوي على حصون وآثار عديدة، ظل لقرون خلت مسرحاً للأحداث السياسية والعسكرية.
تتبنى الرواية خليطا من الدراما المحلية والحبكة البوليسية والسرد الأسطوري التاريخي والكوميديا السوداء، ويمكن أن تصنَّف ضمن روايات الواقعية الأسطورية، وقد استخدمت تقنيات كتابية جديدة على مستوى المضمون السردي والشكل الكتابي.
وتحكي الرواية عن حادثة قتل غامضة في إحدى قرى جبل التعكَر نهاية القرن الماضي، ومن هذه الحادثة تتكشف عشرات القصص والحكايات المتوازية حيناً، والمتداخلة أحياناً أخرى، يحضر فيها عددٌ كبير من الشخوص والأماكن والأزمان المتعددة في مزيج مدهش بين الوقائع التاريخية والمتخيلة.
الواقعي والأسطوري
وحول المزج بين الواقعي والأسطوري في الرواية، يكتب المؤلف في بداية الرواية، على شكل تنويه، ما يلي "كل الشخصيات الحقيقية والأحداث الواقعية في هذه الرواية من نسج الخيال".
وتبرز في الرواية ثنائيات أساسية ومتعددة. فعلى المستوى السردي، تتكون الرواية من بعدين متوازيين، الأول سردي يتحدث عن وقائع شخوص الرواية الأساسيين من أبناء القرية، والثاني تاريخي يسترجع دراميات ووقائع تاريخية حقيقية وأسطورية متعلقة بجبل التعكر وقراه المتعددة، ويربط بين البعدين جغرافيا واحدة وتاريخ مشترك. وهذان البعدان من السرد انعكسا على المستوى الشكلي للنص عن طريق اعتماد تقنية جديدة للسرد على هيئة متن وهامش، يظهر الأخير ملاصقاً للأول ومتداخلاً معه.
كما تظهر ثنائية الأسطوري والواقعي سواء في البعد السردي أو التاريخي، حتى لا يكاد القارئ يعرف الفرق بينهما، وربما هذا ما قصده المؤلف، وخلال ذلك لا ينسى أن يبرز شخصياته السردية لأهالي القرية بشكلها الإنساني البسيط والمرح، ورؤيتها الاجتماعية لعدد من الوقائع التاريخية المعاصرة التي لم يتعرض لبعضها السرد اليمني من قبل.
وفي فضاء المعمار الدرامي الغرائبي والبوليسي للحكاية، تكتظ الرواية بعدد كبير من القصص والحكايات الدرامية التاريخية، وعشرات "الاسترجاعات" والإحالات للتراث والتاريخ والسياسة واستحضار العديد من الشخصيات التاريخية والمعاصرة التي لها علاقة مباشرة مع جغرافيا جبل التعكر وأسطورياته، بدءا بالراهب السبئي سطيح، ومروراً بهند بنت عتبة والملكة أروى بنت أحمد الصليحي، والمفضل بن أبي البركات، وعلي بن الفضل، والملك الأشرف الرسولي، وعالم النبات السويدي فورسكال، وانتهاءً بـ جار الله عمر والطبيبة الأميركية مارتا مايرز وآخرين، في توليفة محتشدة من التاريخ والدراما الممتعة.
جائزة مرموقة
وفي تصريح له للجزيرة نت عن اختيار روايته ضمن الأعمال الفائزة بجائزة الشارقة لهذا العام، أكد دمّاج أنه سعيد لحصوله على جائزة عربية مرموقة، معتبرا هذا الفوز تقديرا للمسار الروائي المشبع بالخصوصية اليمنية التي تبرز الحاجة ماسة للاشتغال عليها في الأعمال الإبداعية، ليس لما تحتويه فقط من كنز تراثي وتاريخي وأسطوري مهم، بل ولما تحتويه أيضاً من بعد وقائعي إنساني غزير.
وأضاف دمّاج أنه يمكن لهذا الفوز أن يكون حافزاً إضافياً لاستمرار ما يمكن أن نطلق عليه الثورة الروائية اليمنية المعاصرة، التي تقودها اليوم كوكبة من كتاب السرد اليمني، استطاعوا بأعمالهم المعروفة مواصلة مسيرة الإبداع الروائي الذي خطه الرواد، وإعلان حضور قوي ومتطور في السردية الروائية العربية المعاصرة.
الجدير ذكره أن همدان دماج هو نجل الروائي اليمني الشهير زيد مطيع دماج مؤلف رواية "الرهينة" التي أُدرجتْ ضمنَ قائمة أجمل مائة رواية عالمية، وصدرتْ -إلى جانب العربية- بالإنجليزية والألمانية والفرنسية.
يعمل همدان نائبا لمركز الدراسات والبحوث اليمني ورئيسا لتحرير مجلة غيمان، وقد صدر له عملان روائيان هما" "الذبابة"، و"ربما لا يقصدني" وهذا الأخير صدر عن مجلة الرافد مطلع هذا الشهر.