قدمنا في الحلقة السابقة بان الوضع اليمني غير قادر على إنتاج حلا داخليا للازمة اليمنية لأسباب كثيرة ومتداخلة أولاها : ان أكثر الأطراف لا تملك تصورا لحل أزمة اليمن فكلا يستغل الأزمة لتحسين وجوده ولكسب أكثر كم من الامتيازات وليملئ فمه بقطعة اكبر من الغنيمة وثانيها : ان كثير من الأطراف الخارجية مرتبطة باللعبة وتراهن على الخارج في فرض حلول تتوافق مع مصالحها وهذه الأطراف يمكن تحدديها في جهات إقليمية ودول لها طموح للتواجد في اليمن مثل قطر وإيران ودول إقليمية مثل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوربي إضافة إلى روسيا ثالثها : كم قدّمنا ان المصداقية مفقودة بين الأطراف في الداخل نتيجة التجارب السلبية الماضية وكذلك لشدة الشحن والتنابذ والاتهامات التي وجهت من القوى لبعضها البعض ورابعها وهو الأهم : لان القوى اليمنية في الداخل غير متجانسة ولا تتفق على قضايا عامة ووطنية بل أكثر الخلافات تصب لمصالح خارجية ولأهداف شخصية . كل تلك الظروف تعيق التوافق على حل داخليا يمني محلي الصنع ، وإذا فرض الحل من الخارج فان كثير من القوى سترفضه وتظل تحارب هذا المشروع لفترة طويلة .
مـــــــــــقـــــــــــــدمــــــــــــــــــــة :
لم تملك دول الخليج العربي إستراتيجية واضحة وطويلة الأمد تجاه عمقها الديموغرافي في كلا من اليمن والعراق ، ففي الندوة التي قدمتها قناة الجزيرة في برنامج العمق والذي يناقش العمق الاستراتيجي الهش لدول الخليج كان الباحثون يرفضون انضمام العراق واليمن إلى منظومة دول الخليج لاعتبارات واهية ، وحين انفجرت الأزمة في اليمن وشعرت دول الخليج بان أمنها الاستراتيجي مهدد ولا سيما بعد الثورة في البحرين ، واحتمال انفلات اليمن ودخولها في حرب أهلية والمشاكل الكثيرة التي تواجهها العراق وتكاثر الخلافات والتباينات بين إيران ودول الخليج هرعت دول الخليج تبحث عن حلول وأيقنت ان أمنها الإقليمي والاستراتيجي مهدد ، فجعلوا يتخبطون في تصريحاتهم وحلولهم ، فالمبادرة الأخيرة التي قدمتها دول الخليج مطالبة بضم الأردن والمغرب إثارة كثير من التساؤلات حول جدية أو نظرة دول الخليج في إستراتيجيتها في المنطقة فإذا كان أكثر الإجابات تتجه بان دول الخليج تريد ناديا للدول الملكية فان الأردن والمغرب بها ممارسات ديمقراطية متقدمة غير قابلة لهضمها كثير من دول الخليج ، وهذا التخبط أصاب قضية اليمن فأكثر دول الخليج تريد حلا توافقيا سلميا في اليمن ، بينما بعض الدول رافضة لهذا الحل وتريد الحل الثوري . كل هذا التباين والتردد في مواجهة قضايا اليمن تسبب في تفاقم مشاكل اليمن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى كادت ان تصل إلى الانفجار وتصل شظاياه إلى دول الخليج وتهدد أمنه واستقرارها الاجتماعي والأمني والاقتصادي .
أولا : المبادرات المقدمة لحل الأزمة في اليمن
قدّم المؤتمر الشعبي العام وفخامة الرئيس العديد من المبادرات لحل الأزمة اليمنية وكانت آخر المبادرات والتي شملت تنازلات حقيقية وفيها حلول معقولة للازمة اليمنية المبادرة التي ألقاها فخامة الرئيس في المؤتمر الوطني العام بصنعاء يوم الخميس, 10-مارس-2011م والتي تضمن أربع قضايا مهمة : أولا : تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشورى والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز على الفصل بين السلطات ويستفتى عليه في نهاية هذا العام 2011م ، ثانيا : الانتقال إلى النظام البرلماني وبحيث تنتقل كافة الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية العام 2011م وبداية 2012م ، ثالثا : تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات على أساس اللامركزية المالية والإدارية وإنشاء الأقاليم اليمنية على ضوء المعايير الجغرافية والاقتصادية ، رابعا : تشكيل حكومة وفاق وطني تقوم بإعداد قانون جديد للانتخابات بما في ذلك القائمة النسبية, وعلى أن يلتئم مجلس النواب بمختلف كتله من السلطة والمعارضة لإقرار قانون الانتخابات والاستفتاء وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء .
مناقشة مبادرة السلطة لحل الأزمة اليمنية :
المبادرة في رأيي جاءت متماشية مع ضغط الشارع وطغت عليها العموم في نقاطها وأطروحاتها فإعداد دستور جديد يرتكز على فصل السلطات عبارة عائمة إذ تزعم قيادات السلطة بان الدستور النافذ دستورا متقدما يفصل بين السلطات ويعتبر السلطة القضائية سلطة مستقلة وافرد الدستور لها باب كاملا ثم ان أساس المشكلة في اليمن الدستور التوافقي الذي أدى فيما بعد إلى مرحلة تصادم عسكري فأي دستور توافقي تحت ضغط الشارع والمستجدات في اليمن لن يحل القضية بل سيعمل على ترحليها لتنفجر مرة أخرى ، والمشكلة الأخرى في صياغة الدستور اليمني التعديلات الكثيرة والتي أتت لإغراض سياسية وانتخابية فمع كل مرحلة انتخابية يتم تغيير الدستور تحت حجة ان الدستور ليس بقران ليرد الآخرين وهو أيضا ليس كرة القدم يتلاعب بها السياسيين ، فأي دستور قادم يتطلب مواد ميثاقيه غير قابلة للتعديل وللتغيير تشمل طريقة النظام والحكم والحريات وفترة الرئاسة ونحو ذلك لئلا تكون مادة تغيير وتبديل من قبل السياسيين . والأمر الآخر في المبادرة الانتقال إلى نظام برلماني هو استجابة لمطلب دولي تطالب به منظمات الانتخابية الدولية والمحلية وهو اكبر المشاكل التي ستواجه اليمن لان انتقال السلطة إلى مجلس الوزراء على أساس النسبية سيخلق حكومات ضعيفة ومتنازعة ستضعف الدولة وتفككها ، هذا النموذج لا يصلح إلا في الدول المتطورة ذات التجربة والثقافة البرلمانية والانتخابية والتعددية المتطورة . والأمر الجيد في التعديلات الدستورية هو الانتقال إلى الحكم الفدرالي وتقسيم اليمن إلى أقاليم على أساس جغرافي واقتصادي وإعطاءها الصلاحيات كاملة في حق التشريع والتصرف بالثورة وإدارة شؤونها لان المشكلة في اليمن هي تراكم الأخطاء الإدارية والمطلبية لتتحول إلى مشاكل سياسية وهي في حقيقتها مطالب حقوقية ، فالانتقال إلى الحكم الفدرالي سيخفف الاحتقان من المركزية الشديدة ويعترف بالهويات الثقافية والاجتماعية لكل إقليم داخل اليمن لان اليمن بلد كبير ومتنوع وبه تمايز وتنوع ثقافي واجتماعي وجغرافي .
ثانيا : المعارضة اليمنية وأطروحاتها لحل الأزمة اليمنية :
كما قدمنا سابقا لم تطرح المعارضة وأطيافها المتنوعة والمتنازعة أي مبادرة واضحة لحل الأزمة اليمنية بل هي طرح اقتراحات ولم تضع مبادرة متكاملة فمن الاقتراحات التي قدمتها : الانتقال إلى النظام البرلماني ، إجراء الانتخابات على القائمة النسبية ، تنحي الرئيس اليمني ونقل صلاحيات الرئيس إلى النائب هادي و تشكيل حكومة جديدة حكومة ائتلاف وطني لتسيير البلاد وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بعد إصلاح جداول الانتخابات وتكون الانتخابات مجلس النواب ( البرلمان ) بطريقة نظام النسبية
الملاحظ ان اقتراحات المعارضة في مجملها تعبر عن رأي أحزاب المشترك بشكل خاص ولا تشمل كثير من جهات المعارضة والثورة التي تخيم بالشارع مثل الحوثيين الحراك الجنوبي الشباب المستقيلين من المؤتمر وسموا " حزب " العسكريين الملتحقين بالثورة الجماعات الإسلامية ونحوها من أطياف المعارضة ثانيا استندت مقترحات المعارضة على مطالب انتخابية فقط ولم تتحدث عن قضية المشاركة في " الثروة والسلطة " ، ثالثا : تبني أطروحات المجتمع الدولي وخاصة في الانتخابات على القائمة النسبية والنسبية في اليمن ستعقد المشاركة في السلطة وذلك لان بعض المحافظات مثل تعز بها كثافة سكانية كثيرة جدا بينما بعض المحافظات مثل حضرموت تبلغ مساحتها 36% من مساحة الجمهورية وتساهم بنسبة أكثر من 72% من الناتج القومي وهي لا تكاد تبلغ مديرية في محافظ تعز ، فالأحزاب الفئوية والجهوية في المعارضة تعمل على السيطرة على السلطة من خلال الأطروحات الغربية والانتخابية . ونظام الانتخاب بالقائمة النسبية يحتاج إلى مجتمعات مركبة أو شديدة الثقافة أو تحتاج إلى المشاركة للحفاظ على هوية الدولة وتماسكها مثل دولة إسرائيل .
ثالثا : المبادرة الخليجية :
حاولت المبادرة الخليجية ان تكون أيضا توافقية وتجمع بين السلطة والمعارضة أي أحزاب اللقاء المشترك وهي الأحزاب التي تعترف بالحوار وضرورة الحل السلمي وتجاهلت الأحزاب والفئات الأخرى التي تشارك في الثورة وبدأت المبادرة الخليجية متواضعة في بدايتها من بندين ثم تطورت وأدخلت عليها تعديلات كثيرة جدا لتصل في مجملها إلى عشرة بنود ويقال بان فيها بنودا سرية تعالج قضايا مثل رحيل القادة العسكريين الذين انشقوا عن النظام وبعض المعارضين الذي اشتركوا في العنف ورفع السلاح وهي في المجمل تحوي مبادئ عامة مطلوب تحققها وتضم مبادرة عملية وتنفيذية لانتقال السلطة ، المبادئ العامة تشمل : أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ علي وحدة اليمن وأمنه واستقراره . أن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح . أن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني . أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا . أن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطي لهذا الغرض . وخطواتها التنفيذية وجوهر المبادرة تشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة50٪ لكل طرف في مدة سبعة أيام ، يعطي مجلس النواب السلطة الحصانة من المتابعة القانونية والقضائية ، بعد ثلاثين يوم يقدم الرئيس استقالته ويتولى الأمور نائب الرئيس ، تجرى انتخابات رئاسة ويتولى الرئيس الجديد السلطة ، ثم يشكل دستور جديد ، وبعدها تجري انتخابات نيابية يتولى الحزب الفائز بالأغلبية السلطة في النظام البرلماني .
مناقشة مبادرة الخليج :
الأمر المهم في المبادرة أنها جاءت توافقية تجمع بين طرح المعارضة والسلطة وإهمال الأطراف الأخرى ، ثانيا المبادرة غير عملية إذ أعطت فترة شهر للفترة الانتقالية ، ثالثا : يوجد في مبادرة الخليج الكثير من الثغرات إذا تبنى كل نقطة على الأخرى بمعني إذا لم تنفذ نقطة سيتعطل الاتفاق ، رابعا : الاتفاقية تقر بالنظام البرلماني وهو في رأيي لا يصلح لحكم اليمن إذ يحتاج سلطة قوية قادرة ، خامسا : المبادرة الخليجية مجملة في كثير من نقاطها وهي تحتاج إلى مبادرة أخرى لحل إشكال الإجمال والانتقال إلى التفصيل ، سادسا : أهملت المبادرة أساس المشكلة وهي المشاركة في الثروة ولم تشر إليها إلى حكم محلي أو فدرالي أو نحو ذلك ، سابعا : لم تضع للدستور وجهة محددة باعتباره أم القوانين .
رابعا : مبادرة الشباب المعتصمين بالساحات :
في خطوة متعجلة أعلن مجموعة من الشباب المجلس الانتقالي لثورة اليمن وقد قام المجلس على إسقاط نظام علي عبدالله صالح بشكل كامل ونهائي . تكوين مجلس رئاسي انتقالي مؤقت من سبعة عشر عضواً . يتولى المجلس مهام حكم البلاد لفترة انتقالية لا تتجاوز تسعة أشهر تبدأ من تاريخ أول انعقاد، وينفذ فيها أهداف ومطالب الثورة الشبابية الشعبية، ويقوم المجلس الرئاسي المؤقت بتكليف شخص من بين أعضائه بتشكيل حكومة تكنوقراط . يُكلف اللواء عبدالله علي عليوه بالقيام بمهام القائد العام للقوات المسلحة والأمن . يُكلف القاضي فهيم عبدالله محسن بالقيام بمهام رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويتولى إعادة بناء السلطة القضائية على أسس وطنية بما يكفل استقلاليتها وحياديتها. تشكل اللجنة التحضيرية مجلساً وطنياً انتقالياً يتولى المهام التشريعية والرقابية ، و وضع دستور جديد للبلاد وفقاً لما ستسفر عنه نتائج الحوار الوطني، كما يتولى إدارة حوار وطني يتمخض عنه حلاً عادلاً ومنصفاً للقضية الجنوبية وقضية صعدة.
مناقشة مبادرة الشباب :
فكرة المجلس الانتقالي تذكر بالمجلس الانتقالي العسكري والمدني بليبيا وهي تجربة فاشلة ترفضها جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ، ثانيا الفكرة تقوم على قراءة خيالية وغير واقعية فهي تطالب بإسقاط النظام بالكامل وهي عاجزة لمدة خمسة أشهر عن إضعاف النظام فضلا عن إسقاطه ، ثالثا : المبادرة جهزت بشكل فردي وبدون مناقشة حيث ان أكثر أطراف المبادرة أعلنوا رفضهم لذكر أسماءهم ، رابعا : اعتمدت الإجمال ولم تقدم تفاصيل حقيقية للازمة اليمنية كما قامت بترحيل مشاكل اليمن لما بعد إسقاط النظام مثل قضية الجنوب وصعدة مما يدل على عدم وجود حلول أو تصور لحل قضايا اليمن وتعقيدات الأزمة اليمنية .
خامسا : الحراك الجنوبي
ويشمل طرفين يدعو حيدر ابوبكر العطاس في مؤتمر القاهرة إلى دولة واحدة مكونة من إقليمين شمال وجنوب وبعدها يصار إلى تقسيم كل إقليم على أساس فدرالي ثم يصار إلى الاستفتاء ، ويدعو علي سالم البيض في مؤتمر بروكسل إلى استعادة دولة الجنوب وان يتم تقرير استفتاء الجنوبيين على الوحدة أو اختيار الانفصال .
ويمكن طرح تصور الحراك بأنه يقوم على تيارين أساسين : تيار يدرك المعوقات الرافضة لتفكك اليمن إلى شمال وجنوب ويضع تصورات سياسية وتتوافق مع المطالب المحلية والإقليمية والدولية ويستقرا التجربة السودانية وتيار آخر يعتمد على رؤية أيدلوجية ويطالب بالانفصال وممكن ان ينتهج النهج العنفي للوصول إلى تنفيذ أهدافه .
ملاحظات عامة على الحلول لازمة اليمن :
أولا : أي حل في اليمن لا بد ان تكون له ضمانة محلية وإقليمية ودولية .
ثانيا : لا بد ان تراعي كل الحلول وحدة اليمن ووحدة أراضيه ، لان المجتمع الدولي يرفض يمن مقسم ومجزأ يكون مرتاحا لتصدير الإرهاب والفوضى إلى المنطقة .
ثالثا : يجب ان تراعى الأطراف في حلولها تقديم حلول عامة لليمن ولا تقتصر على حل مشكلتها فقط .
رابعا : الخيار الديمقراطي والتعددية الحزبية والسياسية خيار لا رجعة عنه ولا يمكن لأي جهة ان تعود للخلف .
خامسا : أي مبادرة أو مقترح لا يتجاوز ما طرحته السلطة سترفضه الأطراف ولن تقبل به لان السلطة قد وضعت حلول أوسع وبذلك أغلقت الباب إلى المعارضة في تقديم حلول أو تنازلات أكثر .
سادسا : ضرورة طرح الفدرالية الإدارية والسياسية كحل لمشكلة اليمن .
أقرأ المزيد:
- اليمن البركان الثائر .... متى سينفجر .. الجزء الأول
- اليمن البركان الثائر .... متى سينفجر .. الجزء الثاني
* كتبه: فائز سالم بن عمرو
إعلامي وباحث يمني ورئيس تحرير موقع الخيل نت الالكتروني
[email protected]
مـــــــــــقـــــــــــــدمــــــــــــــــــــة :
لم تملك دول الخليج العربي إستراتيجية واضحة وطويلة الأمد تجاه عمقها الديموغرافي في كلا من اليمن والعراق ، ففي الندوة التي قدمتها قناة الجزيرة في برنامج العمق والذي يناقش العمق الاستراتيجي الهش لدول الخليج كان الباحثون يرفضون انضمام العراق واليمن إلى منظومة دول الخليج لاعتبارات واهية ، وحين انفجرت الأزمة في اليمن وشعرت دول الخليج بان أمنها الاستراتيجي مهدد ولا سيما بعد الثورة في البحرين ، واحتمال انفلات اليمن ودخولها في حرب أهلية والمشاكل الكثيرة التي تواجهها العراق وتكاثر الخلافات والتباينات بين إيران ودول الخليج هرعت دول الخليج تبحث عن حلول وأيقنت ان أمنها الإقليمي والاستراتيجي مهدد ، فجعلوا يتخبطون في تصريحاتهم وحلولهم ، فالمبادرة الأخيرة التي قدمتها دول الخليج مطالبة بضم الأردن والمغرب إثارة كثير من التساؤلات حول جدية أو نظرة دول الخليج في إستراتيجيتها في المنطقة فإذا كان أكثر الإجابات تتجه بان دول الخليج تريد ناديا للدول الملكية فان الأردن والمغرب بها ممارسات ديمقراطية متقدمة غير قابلة لهضمها كثير من دول الخليج ، وهذا التخبط أصاب قضية اليمن فأكثر دول الخليج تريد حلا توافقيا سلميا في اليمن ، بينما بعض الدول رافضة لهذا الحل وتريد الحل الثوري . كل هذا التباين والتردد في مواجهة قضايا اليمن تسبب في تفاقم مشاكل اليمن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى كادت ان تصل إلى الانفجار وتصل شظاياه إلى دول الخليج وتهدد أمنه واستقرارها الاجتماعي والأمني والاقتصادي .
أولا : المبادرات المقدمة لحل الأزمة في اليمن
قدّم المؤتمر الشعبي العام وفخامة الرئيس العديد من المبادرات لحل الأزمة اليمنية وكانت آخر المبادرات والتي شملت تنازلات حقيقية وفيها حلول معقولة للازمة اليمنية المبادرة التي ألقاها فخامة الرئيس في المؤتمر الوطني العام بصنعاء يوم الخميس, 10-مارس-2011م والتي تضمن أربع قضايا مهمة : أولا : تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشورى والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز على الفصل بين السلطات ويستفتى عليه في نهاية هذا العام 2011م ، ثانيا : الانتقال إلى النظام البرلماني وبحيث تنتقل كافة الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية العام 2011م وبداية 2012م ، ثالثا : تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات على أساس اللامركزية المالية والإدارية وإنشاء الأقاليم اليمنية على ضوء المعايير الجغرافية والاقتصادية ، رابعا : تشكيل حكومة وفاق وطني تقوم بإعداد قانون جديد للانتخابات بما في ذلك القائمة النسبية, وعلى أن يلتئم مجلس النواب بمختلف كتله من السلطة والمعارضة لإقرار قانون الانتخابات والاستفتاء وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء .
مناقشة مبادرة السلطة لحل الأزمة اليمنية :
المبادرة في رأيي جاءت متماشية مع ضغط الشارع وطغت عليها العموم في نقاطها وأطروحاتها فإعداد دستور جديد يرتكز على فصل السلطات عبارة عائمة إذ تزعم قيادات السلطة بان الدستور النافذ دستورا متقدما يفصل بين السلطات ويعتبر السلطة القضائية سلطة مستقلة وافرد الدستور لها باب كاملا ثم ان أساس المشكلة في اليمن الدستور التوافقي الذي أدى فيما بعد إلى مرحلة تصادم عسكري فأي دستور توافقي تحت ضغط الشارع والمستجدات في اليمن لن يحل القضية بل سيعمل على ترحليها لتنفجر مرة أخرى ، والمشكلة الأخرى في صياغة الدستور اليمني التعديلات الكثيرة والتي أتت لإغراض سياسية وانتخابية فمع كل مرحلة انتخابية يتم تغيير الدستور تحت حجة ان الدستور ليس بقران ليرد الآخرين وهو أيضا ليس كرة القدم يتلاعب بها السياسيين ، فأي دستور قادم يتطلب مواد ميثاقيه غير قابلة للتعديل وللتغيير تشمل طريقة النظام والحكم والحريات وفترة الرئاسة ونحو ذلك لئلا تكون مادة تغيير وتبديل من قبل السياسيين . والأمر الآخر في المبادرة الانتقال إلى نظام برلماني هو استجابة لمطلب دولي تطالب به منظمات الانتخابية الدولية والمحلية وهو اكبر المشاكل التي ستواجه اليمن لان انتقال السلطة إلى مجلس الوزراء على أساس النسبية سيخلق حكومات ضعيفة ومتنازعة ستضعف الدولة وتفككها ، هذا النموذج لا يصلح إلا في الدول المتطورة ذات التجربة والثقافة البرلمانية والانتخابية والتعددية المتطورة . والأمر الجيد في التعديلات الدستورية هو الانتقال إلى الحكم الفدرالي وتقسيم اليمن إلى أقاليم على أساس جغرافي واقتصادي وإعطاءها الصلاحيات كاملة في حق التشريع والتصرف بالثورة وإدارة شؤونها لان المشكلة في اليمن هي تراكم الأخطاء الإدارية والمطلبية لتتحول إلى مشاكل سياسية وهي في حقيقتها مطالب حقوقية ، فالانتقال إلى الحكم الفدرالي سيخفف الاحتقان من المركزية الشديدة ويعترف بالهويات الثقافية والاجتماعية لكل إقليم داخل اليمن لان اليمن بلد كبير ومتنوع وبه تمايز وتنوع ثقافي واجتماعي وجغرافي .
ثانيا : المعارضة اليمنية وأطروحاتها لحل الأزمة اليمنية :
كما قدمنا سابقا لم تطرح المعارضة وأطيافها المتنوعة والمتنازعة أي مبادرة واضحة لحل الأزمة اليمنية بل هي طرح اقتراحات ولم تضع مبادرة متكاملة فمن الاقتراحات التي قدمتها : الانتقال إلى النظام البرلماني ، إجراء الانتخابات على القائمة النسبية ، تنحي الرئيس اليمني ونقل صلاحيات الرئيس إلى النائب هادي و تشكيل حكومة جديدة حكومة ائتلاف وطني لتسيير البلاد وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بعد إصلاح جداول الانتخابات وتكون الانتخابات مجلس النواب ( البرلمان ) بطريقة نظام النسبية
الملاحظ ان اقتراحات المعارضة في مجملها تعبر عن رأي أحزاب المشترك بشكل خاص ولا تشمل كثير من جهات المعارضة والثورة التي تخيم بالشارع مثل الحوثيين الحراك الجنوبي الشباب المستقيلين من المؤتمر وسموا " حزب " العسكريين الملتحقين بالثورة الجماعات الإسلامية ونحوها من أطياف المعارضة ثانيا استندت مقترحات المعارضة على مطالب انتخابية فقط ولم تتحدث عن قضية المشاركة في " الثروة والسلطة " ، ثالثا : تبني أطروحات المجتمع الدولي وخاصة في الانتخابات على القائمة النسبية والنسبية في اليمن ستعقد المشاركة في السلطة وذلك لان بعض المحافظات مثل تعز بها كثافة سكانية كثيرة جدا بينما بعض المحافظات مثل حضرموت تبلغ مساحتها 36% من مساحة الجمهورية وتساهم بنسبة أكثر من 72% من الناتج القومي وهي لا تكاد تبلغ مديرية في محافظ تعز ، فالأحزاب الفئوية والجهوية في المعارضة تعمل على السيطرة على السلطة من خلال الأطروحات الغربية والانتخابية . ونظام الانتخاب بالقائمة النسبية يحتاج إلى مجتمعات مركبة أو شديدة الثقافة أو تحتاج إلى المشاركة للحفاظ على هوية الدولة وتماسكها مثل دولة إسرائيل .
ثالثا : المبادرة الخليجية :
حاولت المبادرة الخليجية ان تكون أيضا توافقية وتجمع بين السلطة والمعارضة أي أحزاب اللقاء المشترك وهي الأحزاب التي تعترف بالحوار وضرورة الحل السلمي وتجاهلت الأحزاب والفئات الأخرى التي تشارك في الثورة وبدأت المبادرة الخليجية متواضعة في بدايتها من بندين ثم تطورت وأدخلت عليها تعديلات كثيرة جدا لتصل في مجملها إلى عشرة بنود ويقال بان فيها بنودا سرية تعالج قضايا مثل رحيل القادة العسكريين الذين انشقوا عن النظام وبعض المعارضين الذي اشتركوا في العنف ورفع السلاح وهي في المجمل تحوي مبادئ عامة مطلوب تحققها وتضم مبادرة عملية وتنفيذية لانتقال السلطة ، المبادئ العامة تشمل : أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ علي وحدة اليمن وأمنه واستقراره . أن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح . أن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني . أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا . أن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطي لهذا الغرض . وخطواتها التنفيذية وجوهر المبادرة تشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة50٪ لكل طرف في مدة سبعة أيام ، يعطي مجلس النواب السلطة الحصانة من المتابعة القانونية والقضائية ، بعد ثلاثين يوم يقدم الرئيس استقالته ويتولى الأمور نائب الرئيس ، تجرى انتخابات رئاسة ويتولى الرئيس الجديد السلطة ، ثم يشكل دستور جديد ، وبعدها تجري انتخابات نيابية يتولى الحزب الفائز بالأغلبية السلطة في النظام البرلماني .
مناقشة مبادرة الخليج :
الأمر المهم في المبادرة أنها جاءت توافقية تجمع بين طرح المعارضة والسلطة وإهمال الأطراف الأخرى ، ثانيا المبادرة غير عملية إذ أعطت فترة شهر للفترة الانتقالية ، ثالثا : يوجد في مبادرة الخليج الكثير من الثغرات إذا تبنى كل نقطة على الأخرى بمعني إذا لم تنفذ نقطة سيتعطل الاتفاق ، رابعا : الاتفاقية تقر بالنظام البرلماني وهو في رأيي لا يصلح لحكم اليمن إذ يحتاج سلطة قوية قادرة ، خامسا : المبادرة الخليجية مجملة في كثير من نقاطها وهي تحتاج إلى مبادرة أخرى لحل إشكال الإجمال والانتقال إلى التفصيل ، سادسا : أهملت المبادرة أساس المشكلة وهي المشاركة في الثروة ولم تشر إليها إلى حكم محلي أو فدرالي أو نحو ذلك ، سابعا : لم تضع للدستور وجهة محددة باعتباره أم القوانين .
رابعا : مبادرة الشباب المعتصمين بالساحات :
في خطوة متعجلة أعلن مجموعة من الشباب المجلس الانتقالي لثورة اليمن وقد قام المجلس على إسقاط نظام علي عبدالله صالح بشكل كامل ونهائي . تكوين مجلس رئاسي انتقالي مؤقت من سبعة عشر عضواً . يتولى المجلس مهام حكم البلاد لفترة انتقالية لا تتجاوز تسعة أشهر تبدأ من تاريخ أول انعقاد، وينفذ فيها أهداف ومطالب الثورة الشبابية الشعبية، ويقوم المجلس الرئاسي المؤقت بتكليف شخص من بين أعضائه بتشكيل حكومة تكنوقراط . يُكلف اللواء عبدالله علي عليوه بالقيام بمهام القائد العام للقوات المسلحة والأمن . يُكلف القاضي فهيم عبدالله محسن بالقيام بمهام رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويتولى إعادة بناء السلطة القضائية على أسس وطنية بما يكفل استقلاليتها وحياديتها. تشكل اللجنة التحضيرية مجلساً وطنياً انتقالياً يتولى المهام التشريعية والرقابية ، و وضع دستور جديد للبلاد وفقاً لما ستسفر عنه نتائج الحوار الوطني، كما يتولى إدارة حوار وطني يتمخض عنه حلاً عادلاً ومنصفاً للقضية الجنوبية وقضية صعدة.
مناقشة مبادرة الشباب :
فكرة المجلس الانتقالي تذكر بالمجلس الانتقالي العسكري والمدني بليبيا وهي تجربة فاشلة ترفضها جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ، ثانيا الفكرة تقوم على قراءة خيالية وغير واقعية فهي تطالب بإسقاط النظام بالكامل وهي عاجزة لمدة خمسة أشهر عن إضعاف النظام فضلا عن إسقاطه ، ثالثا : المبادرة جهزت بشكل فردي وبدون مناقشة حيث ان أكثر أطراف المبادرة أعلنوا رفضهم لذكر أسماءهم ، رابعا : اعتمدت الإجمال ولم تقدم تفاصيل حقيقية للازمة اليمنية كما قامت بترحيل مشاكل اليمن لما بعد إسقاط النظام مثل قضية الجنوب وصعدة مما يدل على عدم وجود حلول أو تصور لحل قضايا اليمن وتعقيدات الأزمة اليمنية .
خامسا : الحراك الجنوبي
ويشمل طرفين يدعو حيدر ابوبكر العطاس في مؤتمر القاهرة إلى دولة واحدة مكونة من إقليمين شمال وجنوب وبعدها يصار إلى تقسيم كل إقليم على أساس فدرالي ثم يصار إلى الاستفتاء ، ويدعو علي سالم البيض في مؤتمر بروكسل إلى استعادة دولة الجنوب وان يتم تقرير استفتاء الجنوبيين على الوحدة أو اختيار الانفصال .
ويمكن طرح تصور الحراك بأنه يقوم على تيارين أساسين : تيار يدرك المعوقات الرافضة لتفكك اليمن إلى شمال وجنوب ويضع تصورات سياسية وتتوافق مع المطالب المحلية والإقليمية والدولية ويستقرا التجربة السودانية وتيار آخر يعتمد على رؤية أيدلوجية ويطالب بالانفصال وممكن ان ينتهج النهج العنفي للوصول إلى تنفيذ أهدافه .
ملاحظات عامة على الحلول لازمة اليمن :
أولا : أي حل في اليمن لا بد ان تكون له ضمانة محلية وإقليمية ودولية .
ثانيا : لا بد ان تراعي كل الحلول وحدة اليمن ووحدة أراضيه ، لان المجتمع الدولي يرفض يمن مقسم ومجزأ يكون مرتاحا لتصدير الإرهاب والفوضى إلى المنطقة .
ثالثا : يجب ان تراعى الأطراف في حلولها تقديم حلول عامة لليمن ولا تقتصر على حل مشكلتها فقط .
رابعا : الخيار الديمقراطي والتعددية الحزبية والسياسية خيار لا رجعة عنه ولا يمكن لأي جهة ان تعود للخلف .
خامسا : أي مبادرة أو مقترح لا يتجاوز ما طرحته السلطة سترفضه الأطراف ولن تقبل به لان السلطة قد وضعت حلول أوسع وبذلك أغلقت الباب إلى المعارضة في تقديم حلول أو تنازلات أكثر .
سادسا : ضرورة طرح الفدرالية الإدارية والسياسية كحل لمشكلة اليمن .
أقرأ المزيد:
- اليمن البركان الثائر .... متى سينفجر .. الجزء الأول
- اليمن البركان الثائر .... متى سينفجر .. الجزء الثاني
* كتبه: فائز سالم بن عمرو
إعلامي وباحث يمني ورئيس تحرير موقع الخيل نت الالكتروني
[email protected]