الرئيسية / تقارير وحوارات / الوضع الداخلي ومطالب الأحزاب والجماعات في ضوء تطور الأزمة اليمنية
الوضع الداخلي ومطالب الأحزاب والجماعات في ضوء تطور الأزمة اليمنية

الوضع الداخلي ومطالب الأحزاب والجماعات في ضوء تطور الأزمة اليمنية

07 نوفمبر 2011 06:01 مساء (يمن برس)
المتأمل في الوضع الداخلي للأطراف المتنازعة في اليمن وخاصة الأحزاب والقوى الدينية والقبلية والجهوية وحتى السلطة الحاكمة والمؤتمر بأنها غير قادرة على إيجاد حلا داخليا توافقيا لحل للازمة اليمنية نتيجة التباعد في الأفكار والأطروحات وخاصة من قبل ما يسمى بقوة المعارضة والثورة فبعد خمسة أشهر من التجمهر والمطالبة برحيل النظام وإسقاطه لم تقدم هذه الأحزاب أي رؤية توافقية أو تصورا لحل أزمة اليمن سواء كان على مستوى شكل الدولة " مركزية ، فدرالية " أو كونفدرالية " أو على مستوى المشاكل الداخلية " تقاسم الثروة والسلطة " أو لم تتقدّم بأي تصور لتطوير المؤسسات الأمنية والعسكرية " الشرطة المحلية في المحافظات وإعادة هيكلة الجيش والقوات العسكرية  " ، وحتى إذا تم التوافق حول الحل فلن يتم الالتزام بتنفيذه وسيكون حاله كحال وثيقة العهد والاتفاق التي أبرمت في عمان بالأردن في السابع عشر من مايو 1994م بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر لحل الأزمة اليمنية والتي حسمت بالحل العسكري في السابع من يوليو 1994م وذلك لعدم وجود الثقة بين الطرفين وما حصل من أحداث ووقائع في عهد الثورة والتجمهر بالساحات نزع الثقة كاملة من جميع الأطراف الداخلية .

أساس المشكلة الحقيقية في اليمن :
حينما تمت دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م بشكل وحدة اندماجية متسرعة في قراءة المحليين السياسيين ، فبينما كان الرئيس صالح الحاكم في الشطر الشمالي يضع الفدرالية كخطوة أولوية للوحدة الاندماجية فيما بعد ، واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الحاكم في الشطر الجنوبي من اليمن تضع الكونفدرالية فان الرئيس علي سالم البيض الحاكم بالشطر الجنوبي سابقا اختار الوحدة الاندماجية دون مشاورة أو مراجعة اللجنة المركزية لأسباب عديدة ليست محل البحث ، فدستور دولة الوحدة جاء بدستور مهلهل ضعيف جمع بين نظامين شموليين وبثقافتين مختلفتين إداريا وسياسيا واقتصاديا ، فالدستور اليمني لم يعالج ويتعرض لقضية المشاركة في السلطة والثروة مما أدى إلى تفاقم المشاكل فيما بعد إلى ان حسمت الأمور بالحرب في عام 1994م ، والأمر الآخر الذي عرقل مسيرة الدولة الحديثة النشأة هو ان دولة الوحدة قامت كمشروع محلي وباختيار داخلي بمعني لم تشارك الأطراف الإقليمية والدولية في تقديم الضمانة لهذا الوليد ، فترك للظروف والمشكلات المتراكمة المتزايدة ، فدول الخليج العربي كانت تمثل الأنظمة الملكية وانتهاج اليمن مسار الديمقراطية بضغط من البنك الدولي والمنظمات الدولية أدى إلى نفور وعدم تقبل لهذا الوليد المختلف الثقافة السياسية وهو ما تسبب في كثير من المشاكل لليمن .

الأطراف والأحزاب اليمنية وفكرها :

أ ـ حزب المؤتمر الشعبي العام :
حينما قدم الرئيس اليمني إلى الحكم في عام 1978م مستقراء تجربة الحكام قبله والذين انتهي مصيرهم بالقتل والاغتيال سواء بجنوب الوطن أو بشماله حتى راجت المقولة بان من يحكم اليمن لا بد ان يحضر كفنه معه ، فاختار لعبة التوازنات بدل المواجهة والعنف كما انتهجها الحكام الذين سبقوه ، وبهذه السياسة التوافقية وانتهاج سياسة التوازنات داخليا وخارجيا استطاع الرئيس التواصل مع كافة الأطراف واستمر فترة طويلة في الحكم كاسرا المسلمة التاريخية في حكم اليمن ، لكن المشكلة التوازنات أصبحت عائقا كبيرا على الرئيس وخاصة بعد توحد اليمن ، فأصبحت الأطراف الداعمة للرئيس والتي أوصلته للحكم هي المتنفذة الكبيرة والمعيقة لتقدّم اليمن ممثلة في الجانب القبلي وفي الجانب العسكري ، ولقد عمل النظام اليمني على ترحيل المشاكل بعد حرب صيف 1994م وتحولت مشكلة الجنوب من مشاكل مطلبيه حقوقية إلى مشاكل سياسية تنادي بفك ارتباط الجنوب عن الشمال والرجوع إلى عهد ما قبل الوحدة وتدخلت عوامل خارجية في إنضاج هذا المشروع ، ومن جانب آخر فشل الرئيس في إدارة البلاد بسياسة واضحة وحاسمة حيث تمت إدارتها بالتوافق مما تسبب في انتشار الفساد ورواج ثقافة العشوائية واختيار العناصر الضعيفة والفاسدة والطيعة في المحافظات والإدارات وانتشر ما يسمى بالتوريث الإداري ، وكان الرئيس يملك مطبخا قويا من المستشارين المحنكين وأصحاب رؤية وطنية لأنهم ساهموا وشاركوا في ثورة سبتمبر وكانوا أصحاب خبرة ونظرة واسعة ووطنية ، وبعد حرب 1994م أحاط بالرئيس اليمني مطبخا ضعيفا وقام هؤلاء المستشارون والمطبخ بتقديم مصالحهم الذاتية على المصالح الوطنية وظهرت طبقة ما يسمى " بتجار السلطة " أي شخصيات استفادت من السلطة لتكون ثروات على حساب الوطن ومصالحه وتعمل لمصلحتها الذاتية معرّضة اليمن والرئيس للكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية .

الناظر لتشكيل المؤتمر الشعبي العام في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1982م بأنه ضم جميع الأطراف الإسلامية والقومية والناصرية والقبلية هذا الاختلاط الشديد أعاق المؤتمر على ممارسة الحكم وجعله حزبا تابعا للحاكم وليس الحزب الحاكم ، فهو حزب يمتلك الأغلبية ولكنه لا يحكم ، ووقفت كثير من الشخصيات دون خلق حزب عصري وديمقراطي قوي وأعاقت كل المشاريع التي قدمها  فخامة الرئيس وخاصة في انتخابات 2006م الرئاسية والنقاط العشر لتطوير النظام اليمني في عام 2007م ومن أهم نقاطها : الحكم المحلي واسع الصلاحيات وإنشاء شرطة محلية وإعطاء المحافظات الاستقلال المالي والإداري والتي تشكل تقدما ملحوظا واعترافا بسبب المشاكل في اليمن وهي المركزية الإدارية والمالية والسياسية في اليمن ، لكن هذا المشروع أجهض وفتحت المشاريع الخارجية أو بعبارة صحيحة خلقت المشاكل من حرب الحوثيين إلى انتشار تنظيم القاعدة إلى قضية الحراك الجنوبي ، فوجد الرئيس اليمني نفسه محيطا بمشاكل كثيرة ومتزايدة لا يقدر على مواجهتها وحلها ، فعمل على ترحيلها لتنفجر كل المشاريع المتناقضة مستغلة الربيع العربي ومتخذة من الشارع متاريس لتنفيذ مطالبها السياسية .

ب ـ حزب التجمع اليمني :
في رأيي بان حزب التجمع اليمني بتركيبته المعقدة والمتداخلة غير قادر على حكم اليمن أو على الأقل بان أمريكا لا تريد ان تتعامل معه كما يحصل الآن في مصر إذ يتم التحاور مع الإخوان المسلمين ، والسبب في ذلك ما قدمه كبير الباحثين في معهد كارنيجي للسلام الدولي عمرو حمزاوي في دراسة بعنوان : " بين الحكومة والمعارضة نموذج التجمع اليمني للإصلاح " وتمت الدراسة في 18 أكتوبر 2009م ، والبيت الأبيض يعتمد في قراراته وخططه على الدراسات وتوصيات المعاهد ومراكز الدراسات وقد توصل الباحث حمزاوي بان الإصلاح حزب خليط من الجماعات الاخوانية والتيارات الدينية المتشددة والتيار القبلي والتجار وأصحاب المصالح والنفوذ ، فقد لخص بحثه باستنتاجه عن حزب الإصلاح بأنه حزبا إسلاميا يمتلك أيدلوجيا وبرنامج ذات مرجعية دينية ومارس العمل الحزبي ولكنه يختلف عن الأحزاب الإسلامية العربية بأنه يجمع بين التأثير الحزبي والقبلي واظهر نسبة أعلى من الانقسامات وانه كان شريكا في الحكم عكس التيارات الحزبية الإسلامية الأخرى .

وحزب الإصلاح بهذه التركيبة القبلية التي ظلت مسيطرة خلال فترة حكمة ونشأته ، فقد تولى الشيخ عبد الله الأحمر رئاسة الحزب لثلاث فترات متوالية وهو مخالف للنظام الداخلي للحزب ، ونجله حميد الأحمر ممسك بادراه الحزب واللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي تضم أحزاب المشترك ، وخلال فترة توليه الحكم وحتى بعد الثورة في اليمن لم يقدم أي حلول أو تصورات لحل مشكلات اليمن بل قام بممارسات عنفيه وجهوية أضعفت قوته السياسية ، فالحزب في رأيي ليس له مشروع أو تصور للدولة في اليمن ولطريقة الحكم كحزب عام وان كانت أطرافه المتداخلة لكلا مشروعه واتجاهه .

ج ـ الحوثيون :
يمثل الحوثيون قوة دينية لا يستهان بها مستمدين القوة من المذهب الشيعي الزيدي الذي رغم تسامحه وقبوله بالآخر إلا انه في مسالة الحكم يشترط في الأمام الخروج على الحاكم الظالم ، والأمر الآخر ان الأئمة من أهل البيت حكموا اليمن لمدة طويلة جدا على أساس عرقي وهم يرون أنهم الأحق بالحكم في اليمن ، ومشروعهم قصير الأجل إقامة دولة في صعدة على علاقة قوية بإيران والمشروع الأبعد إعادة حكم الإمامة إلى اليمن .

د ـ الحراك الجنوبي
يضم الحراك الجنوبي باليمن الجنوبي سابقا تيارين ظاهرين في هذا الوقت أي وقت الثورة : التيار الأول الذي يمثله حيدر ابوبكر العطاس ـ رئيس حكومة اليمن الجنوبي سابقا والذي يدعو إلى دولة مركزية بإقليمين جنوب وشمال تم يصار إلى الاستفتاء وتقرير المصير مستقراء التجربة السودانية ، وهذا التيار يؤيد الثورة في اليمن لتقود إلى تغيير سلمي يؤدي إلى دولة الإقليمين ، وهذا التيار تدعمه بعض الدول الإقليمية ، والتيار الثاني يمثله علي سالم البيض ـ رئيس اليمن الجنوبي سابقا ويدعو لفك الارتباط بطريقة سلمية أو عن طريق التدويل ولا يهمه ما يفتعل في اليمن من ثورات ومطالبات بتغيير النظام ، وهذا التيار مدعوم بشكل أساس من بريطانيا .

التيار الإسلامي والمرجعيات الدينية :
أظهرت الأزمة اليمنية كثير من التيارات التي كانت في الصفوف الخلفية أو كانت بالظل وجعلت تقدم مطالبها وتظهر مناهجها وبرامجها وللإنصاف كانت هذه المجموعات الدينية موجودة في بعض الأحزاب وخاصة حزب الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام , لان نشأته توافقية ، ويتواجد أيضا في نسيج المجتمع اليمني ممثلة في الجمعيات الخيرية والمدارس والمعاهد الدينية ، وله تواجد في بعض المؤسسات العسكرية وهي الفرقة العسكرية التي استوعبت كثير من الأفغان العرب ؛ لان اليمن حاولت احتواء العائدين من أفغانستان وكانت خطوة ايجابية في مجملها ، وقد أظهرت ونادت هذه المرجعيات والجماعات الإسلامية بالمشاريع الآتية :

= دولة الخلافة الإسلامية وقد طالب بها الشيخ عبد المجيد الزنداني في أكثر من خطاب له في ساحة التحرير وغيره من المهرجانات والخطابات .

= المطالبة بالدولة الدينية الثيوقراطية القديمة ، وهذه دعوت بعض الأحزاب السلفية القديمة التي لم تطور فكرها وأطروحاتها وظلت تتبنى الدعوات التقليدية .

= المطالبة بدولة الحاكمية أي تحكيم الشريعة في الدول القادمة وهي مطالب عموم الأحزاب السلفية المتطورة أو ممكن تسميتها الأحزاب السلفية الانتخابية التي تجيز الانتخابات للوصول إلى الحكم .

= جعل اليمن إمارة إسلامية تطبق شرع الله على غرار دولة طالبان ، وهو مطلب الجماعات الجهادية .

= المطالبة بدولة شبه مدنية تكون فيها انتخابات مدعومة من الخارج للوصول إلى الحكم وتغيير النظام اليمني وهي نظرة الجماعات الاخوانية داخل حزب الإصلاح .

= إبقاء الدولة اليمنية مع إعطاء حلول بسيطة وتوسيع مشاركة بعض الجهات دون تغيير جذري وحقيقي للوضع في اليمن وهي دعوة أكثر أطراف حزب الإصلاح اليمني وخاصة التيار القبلي والجهات الجهوية المتنفذة .

شباب الثورة بالساحات :
انطلق الشباب وهم أصحاب مطالب بسيطة تتصف أكثرها في مطالب حقوقية ومع وجود التدخلات الحزبية والخارجية والإعلامية اتجهت دعوتهم لإسقاط النظام دون الاتفاق على حلول جدية وسياسية ، فهم يرفضون الحلول السياسية والتوافقية وتتصف سلوكياتهم بالتناقض وعدم التناغم ، وهم يطالبون بدولة مدنية حديثة في المجمل .

الأحزاب الناصرية والقومية والثورية :
كانت هذه الأحزاب متواجدة بقوة في الساحة اليمنية ولا سيما في الشطر الشمالي وكانت حاكمة في فترة رئاسة الحمدي وبعد التوافق أو الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام 1982م وهو الذي شرع العمل السياسي في الشطر الشمالي وعلى الرغم من مشاركتهم الشكلية إلا ان حزب المؤتمر والاتجاه الديني والاتجاه القبلي كان الحاكم القوي والفعلي في اليمن آنذاك وتم تهميشهم وعدم إشراكهم في الحكم ، وهم يطالبون بدولة مدنية حديثة وإشراك الجميع في السلطة ، الآن تأثيرهم في الشارع يتراجع ويضمحل وان استعادوا وهجهم في الربيع العربي وشاركوا بقوة في الثورات العربية .

وفي الحلقة القادمة سندرس ونناقش المبادرات المقدمة للازمة اليمنية وأوجه الحل المحتملة


أقرأ المزيد:
- اليمن البركان الثائر .... متى سينفجر .. الجزء الأول


* كتبه: فائز سالم بن عمرو
إعلامي وباحث يمني ورئيس تحرير موقع الخيل نت الالكتروني
[email protected]

شارك الخبر