الرئيسية / تقارير وحوارات / لولادة الجنين القادم، الذي لا شك سيرى النور، فليست هناك أية قوة على الأرض يمكن أن تمنع خروجه
لولادة الجنين القادم، الذي لا شك سيرى النور، فليست هناك أية قوة على الأرض يمكن أن تمنع خروجه

لولادة الجنين القادم، الذي لا شك سيرى النور، فليست هناك أية قوة على الأرض يمكن أن تمنع خروجه

04 نوفمبر 2011 08:16 مساء (يمن برس)
في المشهد السياسي الذي يتشكل اليوم في اليمن ثمة مؤشرات يجب قراءتها بعناية، فالبلاد تعيش منذ عدة أشهر، مخاضاً عسيراً قبل ولادة الجنين القادم، الذي لا شك سيرى النور، فليست هناك أية قوة على الأرض يمكن أن تمنع خروجه، وأقصد القوة البشرية لا الإلهية، فمهما تفنن النظام في اتباع الوسائل لمنع نجاح الثورة، إلا أن الثورة التي خرج الناس من أجلها إلى الشارع ستكون عصية على الكسر .

في واجهة المؤشرات التي لا تستطيع عين أي مراقب إغفالها، تأتي قضية استمرار وهج الثورة وحيويتها، إذ قدمت الثورة نفسها للعالم على أن الشعب اليمني أكثر شعوب الأرض حاجة للتغيير، التغيير الذي انتظره الشعب لسنوات من دون أن يكل أو يمل .

ليست الثورة تقليداً لما جرى في تونس ومصر وغيرهما من البلدان التي حصلت فيها الثورات، فالكل يعلم أن الحراك السياسي والاجتماعي في اليمن كان فاعلاً، وإن لم يكن بهذا المد كما هو عليه اليوم وقوياً بما فيه الكفاية، قبل ثورة مصر وتونس، وكلنا يتذكر الحراك السلمي في المناطق الجنوبية من البلاد، وهو حراك تمت قراءته بشكل خاطئ من قبل بعض القوى السياسية في البلاد، ولم يتم التعاطي معه بإيجابية .

كان اليمن يغلي منذ سنوات طويلة، ولعل التنافس الشرس الذي شهدته البلاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/ أيلول من العام ،2006 يظهر كم كان المجتمع اليمني حيوياً وراغباً في التغيير، لكن أدوات التغيير لم تكن ممكنة، كما كان استعداد القوى السياسية أضعف من أن يحرك الساحة في تلك المرحلة من تاريخ البلاد .

اليوم نجد أن الثورة التي خرج الناس من أجل أن يغيروا بواسطتها وضعهم، استطاعت أن تعيد الأمور إلى نصابها، فقد اكتشف اليمنيون بأنفسهم أنهم كانوا أحوج إلى ثورة 2011 من ثورة العام 1962 .

صحيح أن الثورة ضد الإمامة كانت مطلب الجميع، إلا أن الثورة اليوم بدت ضرورية من أجل الحفاظ على الثورة قبل خمسة عقود، فللأسف لم يقدم هذا النظام للشعب سوى الفقر وسوء السمعة، حيث صار اليمني مطارداً في كل بلاد العالم باعتباره والإرهاب صنوان .

لقد تحول اليمن في عهد النظام الحالي إلى نظام متكلس، غير قادر على الاستمرارية، وبات تغييره أمراً ضرورياً من أجل بقاء اليمن موحداً، فهو أهم من كل رموز النظام، الذين حولوا الدولة إلى مؤسسة فردية؛ فالدولة في عهد النظام الحالي تحولت إلى نعامة تدفن رأسها في التراب، ولا تجيد سوى اللعب على التناقضات .

لقد تحول النظام القائم إلى نظام خشبي، غير قادر على التمدد، والطريقة الوحيدة للتخلص منه هو كسره، لذلك لا يجب أن يتباهى النظام بالإنجازات التي تحققت طوال 33 عاماً لأنها إنجازات تحسب لفرد ولا تحسب لدولة .

عندما جاء الرئيس علي عبدالله صالح إلى الحكم، كان البعض يعتقد أن إرث الشهيد الراحل إبراهيم الحمدي خلال سنوات حكمه القصيرة، التي لم تدم لثلاث فقط، ستكون في واجهة اهتماماته في بناء دولة عصرية، إلا أنه للأسف لم يتمكن من بناء دولة حقيقية، فبنى دولة فرد .

وفي المؤشرات التي نراها اليوم مع استمرار الثورة اليمنية منذ أشهر أنها أفرزت شباباً عاهدوا أنفسهم ألا يبرحوا الساحات إلا بعد أن تكمل ثورتهم أهدافها، صحيح أن هناك العديد من المخاوف حول المستقبل وأدوات حكمه، إلا أن المؤكد أن القادم لن يكون أسوأ من الحاضر، فاليمنيون أجمعوا على نقاء ثورتهم ومبادئها وأن أي دخيل على الثورة لن يكون إلا خارجها بكل تأكيد .

لست أدري لماذا يصر النظام على معاقبة شعب صبر على ظلمه 33 عاماً، لقد أظهرت الأشهر التسعة المنصرمة من عمر الثورة، أن اليمنيين تحملوا الكثير من الأوضاع التي كانت تحتاج ثورات عدة لتصحيحها، لم يتعظ النظام، والرئيس في مقدمتهم، من صبر الشعب ورغبته في أن يعيد صياغة مستقبله بطريقة أفضل مما عاشها خلال السنوات الماضية .

في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي كان رأس اليمني مرفوعاً أينما ذهب، كان اليمني يفتخر أنه جاء من “بلاد الحمدي”، وبعد 33 عاماً صار اليمني ينزوي تحت تصنيفات عدة، فبلده تعرف بأنها “أفقر البلاد العربية”، متخلفة عن دول يعرف العالم أنها لا تملك ما لدى اليمن من إمكانيات وثروات، واليمني يصنف أنه إرهابي، ويعامل على أنه عديم أو على الأقل “قليل الكفاءة”، وجواز المواطن اليمني صار مثار شبهة في أي مطار في العالم، فماذا حقق النظام إذاً، وبماذا يتفاخر؟

ومن المؤشرات التي لا تغفلها عين المراقب لمسار الثورة في اليمن هي سلمية الثورة، فالمعروف أن منازل اليمنيين مليئة بالأسلحة المختلفة، إلا أنهم قرروا هذه المرة وفي معركتهم مع النظام أن يتركوا السلاح في منازلهم وأن ينزلوا إلى ساحات التغيير للمطالبة بإسقاط النظام من دون استخدام السلاح، رغم القمع الرهيب المستخدم من قبل السلطة ضد الثوار وطالبي الحرية، منذ أيام الثورة الأولى .

لقد أثار اليمنيون وثورتهم إعجاب العالم بسلمية تحركاتهم لنيل مطالبهم وكتابة مستقبلهم، فمنذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة، كانت مشاعر اليمنيين تتدفق نحو الرغبة في إيجاد معادل جديد للموت، إنه الحياة، هذا المعادل الذي لم يستطع النظام استيعابه .

عندما امتلأت الساحات بالشباب الراغبين في التغيير، كان النظام يعتقد أنه بمجزرة واحدة سيفرقهم ويعيدهم إلى منازلهم، لكنه لم يكن يدرك أن قرار خروجهم إلى ساحات التغيير لم يكن اتخذ فجأة، فقد شعر الشباب أن مرحلة جديدة في حياتهم لابد أن تكتب في هذه اللحظة، أي في لحظة الخروج إلى الساحات طلباً للتغيير .

حضور المرأة
في المؤشرات المهمة في صورة الثورة اليمنية ومسارها، وعكستها الأشهر التسعة الماضية، أن المرأة اليمنية كانت حاضرة بعنفوانها وقوتها وكرامتها، إذ لم تشهد أي ثورة من ثورات الربيع العربي مثل هذا الحضور الفاعل والكبير للمرأة، كما عليها الثورة اليمنية .

في مجتمع محافظ مثل المجتمع اليمني، كان الكثير يعتقد أن المرأة ستكون مجرد “مكمل هامشي لدور الرجل في الثورة”، إلا أنها أثبتت أنها جزء أساس من الصورة، صورة الثورة التي منحت الأمل في التغيير في حياة أفضل .

لقد أثبتت المرأة اليمنية حضوراً فاعلاً في المشهد، كمشاركة في الاعتصامات والمسيرات وفي الإنقاذ، كانت حاضرة في العمل الإنساني من خلال مشاركتها كطبيبة وممرضة وإعلامية، كما أنها لم تبخل في تقديم نفسها قرباناً لانتصار الثورة، وقد سقطت الكثير من النساء في عدد من ساحات التغيير في تعز، وصنعاء وعدن، وتحولت المرأة إلى رمز حقيقي ومهم في مسار الثورة .

في دخولها معترك التغيير، نسجت المرأة اليمنية أسطورة بارزة في العمل الثوري والنضالي من أجل نيل هذا التغيير، كانت المرأة إلى ما قبل الثورة واجهة للتفاخر بأن النظام حقق لها حقوقاً سياسية، ومنحها حرية الانتخاب والترشح في الانتخابات، إلا أن دورها الحقيقي برز في الثورة كواجهة للعمل السياسي الحقيقي، الذي جعلها تقارع الرجل في كل المجالات التي كانت حكراً عليه .

وجاء تتويج الناشطة توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام لعام 2011 ليؤكد حقيقة وأهمية الدور الذي لعبته، ولا تزال تلعبه في التأثير على مسار الثورة اليمنية، على الرغم من المعوقات الاجتماعية التي تقف أمام مثل هذا الدور .

في مؤشرات نجاح الثورة اليمنية هناك قضية مهمة لا تقل أهمية، تتمثل في نزع اليمنيين الخوف من قلوبهم وهم يتصدون لآلة القتل والتدمير التي يجيدها النظام، فقد دفع سكان مناطق مختلفة ثمن صمتهم وسكوتهم مئات القتلى والجرحى، إلا أنهم نزعوا بعد اندلاع الثورة رهبة الخوف من مواجهة قمع السلطة الجائرة، فليس المطلوب أن تكون المواجهة دائماً بالسلاح، بل يمكن أن تكون بالطريقة التي يدير بها اليوم سكان محافظة تعز معركتهم مع النظام . لقد أمعن النظام في إذلال الناس طوال السنوات الماضية، ظناً منه أن هذا هو الأسلوب الوحيد لإبقاء السكان تحت أجنحة النظام القمعي بمختلف أدواته، عملاً بالمثل القائل “جوع كلبك يتبعك”، فهذا النظام لم يتوان عن استخدام الناس لمواجهة بعضهم البعض، وحتى عندما هبوا للمطالبة بالتغيير، اعتقد أن الطريقة الوحيدة لإسكاتهم هي فرض عقاب جماعي عليهم، فقد منع الكهرباء والماء والمشتقات النفطية أملاً في تركيعهم وتجويعهم، إلا أن المواطنين أدركوا أن اللعب على هذا الوتر لم يعد يجدي .

مستقبل الثورة
لم يعد الحديث اليوم عن حاضر الثورة، فالثورة لم تقم حتى يتم وضعها على الرف، لقد قامت الثورة من أجل انتصار قيم، وليس لمجرد تقليد، كما يشيع أنصار النظام، إن الثورة بحاجة إلى أن تحدد هدفها اللاحق، والمتمثل في إبقاء جذوتها مشتعلة، سواء بوجود علي عبدالله صالح أو بدونه .

إن أرادت الثورة اليمنية أن تخلق علي عبدالله صالح جديداً فبإمكانها ذلك، أما إذا كانت تريد يمناً جديداً فإن عليها أن تبقى متيقظة للمرحلة المقبلة، وهي مهمة لا تقل أهمية عن مهمة اقتلاع النظام بكل مساوئه في الوقت الحاضر .

سيقول الكثير إن المتسلقين على ظهر الثورة كثيرون، لكن قناعة الثوار الشباب بتغيير جلد النظام بأكمله هو المطلوب اليوم وغداً وبعده، بمعنى أن على الثورة أن تبقى على الدوام حاضرة في أذهان صانعيها، لأنها إن جاءت لإسقاط هذا النظام البائس وأعلى هرم فيه والطفيليات العالقة في جسده، فإنها لن تكون حققت ما سقط من أجله الشهداء في كل ساحات التغيير في البلاد، من العاصمة صنعاء، مروراً بإب وذمار وتعز وعدن والحديدة وأبين وعمران والمحويت وحضرموت وشبوة وريمة وحجة ومأرب والجوف وصعدة وفي كل مكان .

لا يجب على الثورة أن تتوقف وتمنح فرصة لنظام يحل محل نظام ورئيس جديد يحل محل رئيس قديم، فما لم تكن ديناميكا الثورة قائمة وحية؛ فإن دماء الشهداء ستضيع هباء، ومن هنا يجب على الثوار في ساحة التغيير أن يبقوا الثورة في صدورهم، كما هي في عقولهم، بمعنى أن مهمة إعادة بناء اليمن الجديد لن تكون سهلة على الإطلاق .

لقد أرسى الثوار تقليداً مهماً لا يمكن لأي حاكم قادم لليمن أن يتجاوزه، وهذا التقليد يتمثل في الإصرار على التغيير وعدم القبول بالوعود التي تمنح هنا وهناك، بل بالضغط وبالطريقة السلمية من أجل التغيير .

لقد صنع الرئيس علي عبدالله صالح من حيث لا يعلم “الخلطة السحرية” لاستمرار الثورة والتغيير، فقد تسببت سنوات حكمه في خلق قناعات عند الناس من أن الثورة صارت ضرورة لاقتلاع أي فساد، هذه “الخلطة السحرية” هي التي ستحافظ على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره، وليس الرقص على رؤوس الأفاعي والحياة و”الجن والعفاريت” .

لقد هدد صالح اليمنيين بكل شيء، بالحرب الأهلية والقاعدة والفقر والجوع والتمزق، ولم يبق ولا أنصاره أي شيء للناس إلا واستخدموه من أجل تركيعهم، لكن الشعب قال كلمته، وهب هبة واحدة من أجل الحصول على التغيير الذي ينشده .

لذلك يرى الكثير من المراقبين أن اليمن المقبل لا بد أن يتشكل من إرادة شعبية تعي أهمية التغيير ودوره في التمرد على السلطة الفاسدة أيا كانت، فالتغيير سنة من سنن الله، وهذا ما لم يتعلمه الرئيس صالح خلال السنوات التي ظل فيها على رأس السلطة .

يحتاج اليمنيون إلى الصبر على تجربتهم ليكونوا قادرين على تقديم نموذج مشرف في سلسلة الثورات العربية، صحيح أن اليمن ليست مصر ولا تونس ولا ليبيا ولا سوريا، إلا أنها تجتمع مع شعوب هذه الدول في الرغبة في تقديم نموذج مشرف من الثورات .

لقد سالت دماء كثيرة وسقط شهداء كثر في أكثر من مكان، وحان الوقت ليقدم اليمنيون الوجه الذي لم يألفه أو يتعايش معه الحكام العرب، وهو التغيير من بوابة العمل السلمي، فهذا هو أفضل نموذج يمكن أن يقدمه اليمنيون لأنفسهم قبل العالم، وهم قادرون على فعل ذلك إذا نجحوا في تجاوز الفخ الذي ينصبه لهم النظام والرئيس صالح لثورتهم .
شارك الخبر