الرئيسية / تقارير وحوارات / يمن برس يزور منزل الجدة الفدائية في غزة - 80 حفيدا قالوا لنا :
 يمن برس يزور منزل الجدة الفدائية في غزة - 80 حفيدا قالوا لنا :

يمن برس يزور منزل الجدة الفدائية في غزة - 80 حفيدا قالوا لنا :

15 يناير 2007 06:50 مساء (يمن برس)
يمن برس - رامي أبو سمرة : غزة في منزل الشهيدة الحاجة فاطمة النجار، عشرات الأيادي تتلقفكم عند السؤال عن عنوانها، لقد أصبحت معلماً بارزاً لكل سكان الحي. هنا كانت تجلس وسط أحفادها الثمانين، وهناك كانت تقرأ القرآن، هذا هو الطريق الذي سلكته يوم 23/11/2006، قبل أن تفجر نفسها وسط الجنود الإسرائيليين، وهذه هي وصيتها. يمن برس زار عائلتها والتقت أحفادها لتستمع إلى حكاية جديدة من حكايات المعاناة أمام محتل غاشم.. ــــــــــــــــــــــــــ مَن يحل لغز هذه الجدة العجوز ذات الجسد النحيف التي بلغت السبعين، والتي لها من الأبناء تسعة، تركتهم فجأة وذهبت مترجلة، «متزنِّرَة» بحزام ناسف، تسير على قدميها مسافة 4000م تحت النار، لتقتحم منزلاً حولته القوات الخاصة الإسرائيلية كمقر قيادة لها شرق بلدة جباليا، شمال غزة، وتوقع قتلى وجرحى وسطهم؟. يتساءل كثيرون: هل ما زالت تعيش بيننا هذه النماذج من النساء؟ وهل وصلت صرختها كما تمنت لكل رجل وامرأة على هذه الأرض؟ ما هي دوافعها؟ وتفاصيل اليوم الأخير لها؟ وكيف استقبل أبناؤها وأحفادها خبر استشهاد الجدة والأم؟.. من هنا حاول مراسل يمن برس الانطلاق لمتابعة ما حدث، الذي كان له أكبر الأثر في إلغاء الجيش الإسرائيلي خطته لتوسيع نطاق غزوه لشمال قطاع غزة. البداية بادرنا نجلها محمد (42 عاماً) قائلاً: ـ الحاجة فاطمة محمد النجار من مواليد حيفا بتاريخ 26/6/1936م. لها سبعة أبناء وابنتان، جميعهم متزوجون، ولها ثمانون حفيداً. الابنة الكبرى بلغت 52 عاماً، وأصغر أبنائها بلغ 27 عاماً. توفي والدي العام الماضي وكانت تعيش في جناح مستقل بها وسط منازلنا. وعائلتها من حيفا من أصول رفيعة، وحالنا المادي ميسور، أي أن دافع الضيق الاقتصادي والفشل الاجتماعي غير متوفر كما تحاول وسائل الإعلام الغربية ترويجه. حفظت القرآن الكريم وتعد من رواد المساجد، كل أفعالها وطبائعها إيجابية وليست كباقي العجائز المسنات. دأبت على مطالعة الصحف صباح كل يوم ومتابعة كل نشرات الأخبار على الفضائيات العربية، مترقبة بلهفة أي معلومة عن وضعنا الداخلي. الدوافع وشاركنا الحديث الابن الأصغر صابر (36 عاماً) فقال: ـ خمسة من مجموع أبنائها السبعة تم اعتقالهم خلال الانتفاضة الأولى 1988. واثنان من إخوة زوجها، قبعا في السجون الإسرائيلية لأكثر من 20 عاماً. وقامت إسرائيل عام 1990، بهدم منزلها، إضافة إلى أن لها حفيداً يدعى عبد الله نفذ عملية عسكرية في معبر إيرز الحدودي عام 1990، وقامت قوات الاحتلال بإعدامه على الفور وأطلقت عليه 70 طلقة، لكن مشيئة الله منحته الحياة. وفي عام 2003، استشهد حفيدها الثاني في قصف إسرائيلي لتجمع مدني فلسطيني. وفوجئنا بأنها شاركت قبل استشهادها في المسيرة التي نظمتها نساء فلسطين لفك الحصار العسكري عن بعض المحاصرين في مسجد في بيت حانون.وكانت من أشد المتفائلين باتفاقيات أوسلو القائمة على حل لدولتين وإغلاق ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي للأبد. عندما اجتمع أمامي ما يقارب 80 حفيداً، سألتهم أين جدتكم؟.. فأشاروا بأصابعهم الصغيرة إلى السماء، أما الكبار منهم فقالوا نحن لا تزال قلوبنا تعتصر ألماً وحزناً على فراقها، لقد كانت ملاذاً آمناً وحضناً دافئاً لنا جميعاً، نتوجه كل لحظة لأخذ مشورتها ونصائحها والدعاء لنا. الإقدام والعطاء شاركنا زوج ابنتها الكبرى (أسير محرر)، الحديث، وقال: فوجئت أثناء تلقينا العزاء من بعض الاخوة المقاتلين بأشياء نسمعها للمرة الأولى، حيث إنها كانت تقدم وجبات طعام سراً لهؤلاء الشبان أثناء الاجتياحات لشمال قطاع غزة. الحياة لآخر لحظة أما زوج ابنتها الصغرى فقد قال: كان عمرها 65 عاماً، عندما ألحت على زوجتي بضرورة الالتحاق بإحدى دورات الإسعاف الأولية. وهنا بادرت المراسل بسؤال أبنائها: متى أحسستم بأن هناك ما تخبئه في صدرها وأنها عازمة على فعل شيء استثنائي؟.. أجابوا بأنه أثناء مجزرة بيت حانون، تمنت صراحةً الشهادة وأبلغتنا بحدة متناهية، بأنها ستذهب لمقاتلتهم وجهاً لوجه يوماً ما، بل انها كانت مندهشة عندما عادت سالمة بعد نجاحها مع اخوات لها في عملية فك حصار مسجد بيت حانون الشهيرة. اليوم الأخير استيقظت وأدت صلاة الفجر كالمعتاد، وقرأت القرآن، ثم تناولت إفطارها وأدت صلاة الضحى، وتفقدت منازل أبنائها السبعة، وقدمت نصائحها ووصاياها لزوجات أبنائها، وجلست قليلاً مع أحفادها، وأبلغت ابنها جهاد (34 عاماً)، بأن يتصل هاتفياً بشقيقتيه ويحضرهما إليها، وألا يسمح لهما بالمغادرة والعودة لمنزليهما، وذلك حتى تتلقيا النبأ وسط أشقائهما.. وفجأة اختفت الحاجة فاطمة، حتى سمع الجميع نبأ استشهادها عبر مكبرات المساجد، بأنها الاستشهادية التي فجرت نفسها وتبلغ من العمر (57 عاماً)، وعند استيضاح سبب وجود هذا الخطأ في تقدير عمرها، أدركنا أنها قدمت معلومات مغلوطة عن عمرها الحقيقي، حتى لا يكون عمرها (70 عاماً)، عائقاً ومبرراً لإلغاء تكليفها بالعملية. اعتراف اعترفت إسرائيل بسقوط أربعة جرحى وسط جنودها، لكن شهود العيان الذين قاموا بجمع أشلائها عثروا على بعض الأشلاء التي تعود لجنود إسرائيليين. رأي علماء علم النفس توجهنا إلى الدكتور زياد عوض، الباحث في برنامج غزة للصحة النفسية، الذي قال: ـ بداية نحن نرفض ما يروجه الإعلام الغربي والإسرائيلي عن سيادة (ثقافة الموت) وسط الفلسطينيين، والتعبير الأدق هو (ثقافة الاستشهاد)، فقد قسم علم النفس الاجتماعي الإنسان إلى ثلاثة أجزاء: فكر، مشاعر، وسلوك، ومن خلاله نستنتج بأن هناك مجتمعاً تم تدميره ولَّد حالة من الضغط النفسي الهائل، أدى لمثل هذا الانفجار. وحالة الشهيدة فاطمة النجار هي المثال الأبرز لشدة هذا الضغط الذي يتعرض له الفلسطينيون، فالمرأة التي بطبعها تميل للرقة والوداعة والألفة تتحول إلى استشهادية تفجر نفسها بيدها بقرار مسبق، فقد عبرت بطريقتها الخاصة عن الضغط واليأس الذي يجول بداخلها. رسالة فاطمة النجار الأخيرة أن العطاء غير مرهون بسن أو جنس معين.
شارك الخبر