يدرك المراقبون المتابعون لمجريات الأحداث في اليمن أن الخناق الدولي بدأ يضيق أكثر فأكثر على النظام الذي أخذ يستنفد كل ألاعيبه وأعذاره ومبرراته التي ظل يحشدها على مر الشهور الماضية لعدم التوقيع على المبادرة الخليجية، ويراهن على عدد من الخيارات التي أثبتت فشلها في زحزحة قناعات المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بأنه يناور ويماطل لكسب الوقت.
فتارة يستجدي المجتمع الدولي بحربه على القاعدة، فيأتيه الرد من البيت الأبيض جهاراً نهاراً بأنه لا مجال للخلط بين عملية تصفية أنور العولقي وضرورة تنحي الرئيس صالح، فهذه الأخيرة لا تراجع عنها.. وتارة يسعى لإقناع المجتمع الدولي بوجود علاقة بين الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) والقاعدة، فيأتيه الرد من السفير البريطاني في صنعاء بأنهم لا يجدون مشكلة في أن يحكم الإخوان طالما كانوا ملتزمين بقواعد العملية الديمقراطية.
وتارة يسعى لإقناع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي باستخفاف غريب أن أحزاب اللقاء المشترك هي من يعيق تنفيذ المبادرة الخليجية وكأن هذه الأطراف الخارجية لا تفهم شيئاً وليست على اتصال مع مختلف الفرقاء، أو وكأنها لم تتوصل إلى آلية تنفيذية للمبادرة وتتفق عليها مع نائب الرئيس وأحزاب المشترك تتضمن كل ما طلبه الرئيس، فيأتيه الرد من المبعوث الأممي جمال بن عمر أن عدم توقيع الرئيس على المبادرة هو ما يعيق تنفيذها، ويأتيه الرد من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن (الرئيس صالح ليس مستعداً للرحيل) ومن منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين آشتون (بأن زمن الوعود الفارغة قد مضى وأن على الرئيس صالح وعائلته عدم إبقاء مستقبل البلاد رهينة بأيديهم).
وتارة يسعى لإقناع العالم بأنه ملتزم بالمبادرة الخليجية وأن التوقيع عليها أصبح مسئولية نائب الرئيس، كما لو أن النائب هو من يعيق توقيع المبادرة، بينما يعلم الجميع أن نائب الرئيس قد اتفق مع المشترك على نصوص الآلية التنفيذية وكان على وشك التوقيع عليها لولا عودة الرئيس المفاجئة من الرياض.
وتارة يسعى لتخويف المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بأن المجتمع اليمني قبلي متعصب ومتخلف وعلى وشك دخول حرب أهلية، فيأتيه الرد من أهم جائزة عالمية للسلام وهي جائزة نوبل التي أعطيت للناشطة اليمنية في الثورة الشبابية السيدة توكل كرمان والتي كانت بامتياز جائزة للشعب اليمني ولشبابه الصامدين منذ تسعة شهور في الساحات يطالبون سلمياً بتغيير النظام الحالي عبر رمزية منحها لتوكل رغم حداثة سنها، فكانت- جائزة نوبل للسلام- الرد الأقسى من المجتمع المدني الحر في العالم للنظام اليمني وكل تخرصاته تجاه شعبه وشبابه.
ورغم كل الوقت الذي يضيعه النظام في محاولة اختلاق الأعذار لعدم توقيعه المبادرة وتنفيذها وإيثار مصلحة الشعب اليمني على مصلحته الضيقة، فإن الجميع يترقب ماذا سيصدر عن مجلس الأمن الدولي منتصف هذا الأسبوع بخصوص الأوضاع في اليمن، حيث يتوقع أن تبدأ كرة الثلج التي ستطمر هذا النظام- إن لم يستوعب المتغيرات- بالتكون عبر هذا القرار الذي سيبدأ ليناً ثم يقسو شيئاً فشيئاً.
ويأمل اليمنيون بأن يدرك النظام أن إجادته الرقص على رؤوس ثعابين الداخل طوال العقود الثلاثة الماضية لا تعني بحال من الأحوال إجادته الرقص على رؤوس ثعابين الخارج- إن صح القول- فقواعد الرقص في الحالتين تختلف كلياً.
ذلك أن الرقص على رؤوس ثعابين الداخل يظل ممكناً ويسيراً طالما ظل الحاكم هو الأقوى بكل المقاييس نفوذاً وشعبية وعسكرياً ومالياً، إضافة إلى غياب كل البدائل عنه أو على الأقل غموضها، ففي حالة كهذه يصبح هو الخيار الوحيد أو الأوحد مما يمكنه من امتلاك كل أوراق اللعبة أو أكثرها ومن ثم يكون لديه الوقت الكافي للتنقل كما يحلو له فوق رؤوس الثعابين الداخلية بمختلف أنواع الرقصات البطيئة والسريعة.
لكن عندما تبدأ عناصر القوة والنفوذ تلك بالتراجع يبدأ الرقص بالتعثر فتحصل سقطة هنا وسقطة هناك، ينجح عدد من الرقصات ويفشل عدد آخر منها ويبدأ النظام بالضعف شيئاً فشيئاً ويظهر الإنهاك والإرهاق عليه، أحيانا لعامل السن وأحيانا أخرى لانكشاف أسرار نجاح تلك الرقصات.. فنظام عمره عشر سنوات مثلاً سيكون أبرع وأنشط في الرقص على رؤوس الثعابين من نظام بلغ الثلاثين من عمره، لأن سنن الله تقضي بأن لكل شيء نهاية وأجلاً محتماً.
واليوم في اليمن يبدو النظام في أضعف حالاته بفعل الإرادة الشعبية التي أنهكت وأضعفت كل قدراته في الرقص على رؤوس الثعابين، ونجحت في الإفادة من كل أسباب الضعف التي أصاب نفسه بها من فساد واستبداد وتضييق على الحريات وضعف البناء المؤسسي للدولة وتراجع للموارد العامة وهروب للمستثمرين وضعف ثقة الخارج وفوق ذلك كله بمشروعي التمديد والتوريث اللذين ضربا في العمق صورته التي نجح في بنائها خارجيا عن مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة، فلم يكن لهذه الأمور كلها أن تمضي في خطين متوازيين، فلا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية وحقوق إنسان وحرية رأي وصحافة في ظل التسويق للتمديد والتوريث.
إلا أن الرقص على رؤوس ثعابين الداخل شيء ومحاولة الرقص على رؤوس ثعابين الخارج شيء مختلف كلياً... والنظام الذي يعتقد أنه يمكنه إجادة الأمرين هو نظام لا يفهم أبسط أبجديات قواعد العلاقات الدولية وقواعد السياسة.. إذ مهما بلغ ضعفه الداخلي فإنه يمكنه أن يقوم بين الحين والآخر برقصة ضعيفة يباغت بها ثعابين الداخل، طالما لازال يمتلك بعض المشروعية وبعض المال وبعض القوة العسكرية.
لكنه يستحيل أن يجيد حتى أضعف وأردأ الرقصات على رؤوس المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، وكما أشرنا في بداية هذا المقال فإن كل مناوراته أو محاولات الرقص التي أراد أن يقوم بها على رؤوس ثعابين الخارج باءت بالفشل وضاقت خياراته إلى حد أشعر كل اليمنيين بالخجل والحزن في آن واحد.
ذلك أن قواعد وفنون الرقص على رؤوس ثعابين الداخل تختلف تماماً عن قواعد الرقص على رؤوس ثعابين الخارج وهو أمر يجب أن يدركه النظام جيداً، فهو الحلقة الأضعف بالنسبة للخارج وعليه أن يدرك ذلك قبل فوات الأوان بدلاً من توجيه الرسائل المضللة والمكشوفة لمجلس الأمن.. وإذا كان هذا النظام قد أمضى ثلث قرن كاملة في الحكم بحلوه ومره، بحسنه وسيئه، بنجاحاته وفشله، بإيجابياته وسلبياته، بإنجازاته وإخفاقاته، ومادامت سنة التغيير الربانية قد حلت عليه فلماذا لا يتقبلها بروح مفعمة بالصدق والرضا؟.
فتارة يستجدي المجتمع الدولي بحربه على القاعدة، فيأتيه الرد من البيت الأبيض جهاراً نهاراً بأنه لا مجال للخلط بين عملية تصفية أنور العولقي وضرورة تنحي الرئيس صالح، فهذه الأخيرة لا تراجع عنها.. وتارة يسعى لإقناع المجتمع الدولي بوجود علاقة بين الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) والقاعدة، فيأتيه الرد من السفير البريطاني في صنعاء بأنهم لا يجدون مشكلة في أن يحكم الإخوان طالما كانوا ملتزمين بقواعد العملية الديمقراطية.
وتارة يسعى لإقناع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي باستخفاف غريب أن أحزاب اللقاء المشترك هي من يعيق تنفيذ المبادرة الخليجية وكأن هذه الأطراف الخارجية لا تفهم شيئاً وليست على اتصال مع مختلف الفرقاء، أو وكأنها لم تتوصل إلى آلية تنفيذية للمبادرة وتتفق عليها مع نائب الرئيس وأحزاب المشترك تتضمن كل ما طلبه الرئيس، فيأتيه الرد من المبعوث الأممي جمال بن عمر أن عدم توقيع الرئيس على المبادرة هو ما يعيق تنفيذها، ويأتيه الرد من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن (الرئيس صالح ليس مستعداً للرحيل) ومن منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين آشتون (بأن زمن الوعود الفارغة قد مضى وأن على الرئيس صالح وعائلته عدم إبقاء مستقبل البلاد رهينة بأيديهم).
وتارة يسعى لإقناع العالم بأنه ملتزم بالمبادرة الخليجية وأن التوقيع عليها أصبح مسئولية نائب الرئيس، كما لو أن النائب هو من يعيق توقيع المبادرة، بينما يعلم الجميع أن نائب الرئيس قد اتفق مع المشترك على نصوص الآلية التنفيذية وكان على وشك التوقيع عليها لولا عودة الرئيس المفاجئة من الرياض.
وتارة يسعى لتخويف المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بأن المجتمع اليمني قبلي متعصب ومتخلف وعلى وشك دخول حرب أهلية، فيأتيه الرد من أهم جائزة عالمية للسلام وهي جائزة نوبل التي أعطيت للناشطة اليمنية في الثورة الشبابية السيدة توكل كرمان والتي كانت بامتياز جائزة للشعب اليمني ولشبابه الصامدين منذ تسعة شهور في الساحات يطالبون سلمياً بتغيير النظام الحالي عبر رمزية منحها لتوكل رغم حداثة سنها، فكانت- جائزة نوبل للسلام- الرد الأقسى من المجتمع المدني الحر في العالم للنظام اليمني وكل تخرصاته تجاه شعبه وشبابه.
ورغم كل الوقت الذي يضيعه النظام في محاولة اختلاق الأعذار لعدم توقيعه المبادرة وتنفيذها وإيثار مصلحة الشعب اليمني على مصلحته الضيقة، فإن الجميع يترقب ماذا سيصدر عن مجلس الأمن الدولي منتصف هذا الأسبوع بخصوص الأوضاع في اليمن، حيث يتوقع أن تبدأ كرة الثلج التي ستطمر هذا النظام- إن لم يستوعب المتغيرات- بالتكون عبر هذا القرار الذي سيبدأ ليناً ثم يقسو شيئاً فشيئاً.
ويأمل اليمنيون بأن يدرك النظام أن إجادته الرقص على رؤوس ثعابين الداخل طوال العقود الثلاثة الماضية لا تعني بحال من الأحوال إجادته الرقص على رؤوس ثعابين الخارج- إن صح القول- فقواعد الرقص في الحالتين تختلف كلياً.
ذلك أن الرقص على رؤوس ثعابين الداخل يظل ممكناً ويسيراً طالما ظل الحاكم هو الأقوى بكل المقاييس نفوذاً وشعبية وعسكرياً ومالياً، إضافة إلى غياب كل البدائل عنه أو على الأقل غموضها، ففي حالة كهذه يصبح هو الخيار الوحيد أو الأوحد مما يمكنه من امتلاك كل أوراق اللعبة أو أكثرها ومن ثم يكون لديه الوقت الكافي للتنقل كما يحلو له فوق رؤوس الثعابين الداخلية بمختلف أنواع الرقصات البطيئة والسريعة.
لكن عندما تبدأ عناصر القوة والنفوذ تلك بالتراجع يبدأ الرقص بالتعثر فتحصل سقطة هنا وسقطة هناك، ينجح عدد من الرقصات ويفشل عدد آخر منها ويبدأ النظام بالضعف شيئاً فشيئاً ويظهر الإنهاك والإرهاق عليه، أحيانا لعامل السن وأحيانا أخرى لانكشاف أسرار نجاح تلك الرقصات.. فنظام عمره عشر سنوات مثلاً سيكون أبرع وأنشط في الرقص على رؤوس الثعابين من نظام بلغ الثلاثين من عمره، لأن سنن الله تقضي بأن لكل شيء نهاية وأجلاً محتماً.
واليوم في اليمن يبدو النظام في أضعف حالاته بفعل الإرادة الشعبية التي أنهكت وأضعفت كل قدراته في الرقص على رؤوس الثعابين، ونجحت في الإفادة من كل أسباب الضعف التي أصاب نفسه بها من فساد واستبداد وتضييق على الحريات وضعف البناء المؤسسي للدولة وتراجع للموارد العامة وهروب للمستثمرين وضعف ثقة الخارج وفوق ذلك كله بمشروعي التمديد والتوريث اللذين ضربا في العمق صورته التي نجح في بنائها خارجيا عن مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة، فلم يكن لهذه الأمور كلها أن تمضي في خطين متوازيين، فلا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية وحقوق إنسان وحرية رأي وصحافة في ظل التسويق للتمديد والتوريث.
إلا أن الرقص على رؤوس ثعابين الداخل شيء ومحاولة الرقص على رؤوس ثعابين الخارج شيء مختلف كلياً... والنظام الذي يعتقد أنه يمكنه إجادة الأمرين هو نظام لا يفهم أبسط أبجديات قواعد العلاقات الدولية وقواعد السياسة.. إذ مهما بلغ ضعفه الداخلي فإنه يمكنه أن يقوم بين الحين والآخر برقصة ضعيفة يباغت بها ثعابين الداخل، طالما لازال يمتلك بعض المشروعية وبعض المال وبعض القوة العسكرية.
لكنه يستحيل أن يجيد حتى أضعف وأردأ الرقصات على رؤوس المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، وكما أشرنا في بداية هذا المقال فإن كل مناوراته أو محاولات الرقص التي أراد أن يقوم بها على رؤوس ثعابين الخارج باءت بالفشل وضاقت خياراته إلى حد أشعر كل اليمنيين بالخجل والحزن في آن واحد.
ذلك أن قواعد وفنون الرقص على رؤوس ثعابين الداخل تختلف تماماً عن قواعد الرقص على رؤوس ثعابين الخارج وهو أمر يجب أن يدركه النظام جيداً، فهو الحلقة الأضعف بالنسبة للخارج وعليه أن يدرك ذلك قبل فوات الأوان بدلاً من توجيه الرسائل المضللة والمكشوفة لمجلس الأمن.. وإذا كان هذا النظام قد أمضى ثلث قرن كاملة في الحكم بحلوه ومره، بحسنه وسيئه، بنجاحاته وفشله، بإيجابياته وسلبياته، بإنجازاته وإخفاقاته، ومادامت سنة التغيير الربانية قد حلت عليه فلماذا لا يتقبلها بروح مفعمة بالصدق والرضا؟.