الرئيسية / شؤون محلية / تعز الثورة، قلب اليمن وثروتها الأغلى .. منتهى القمع، ومنتهى الصمود
تعز الثورة، قلب اليمن وثروتها الأغلى .. منتهى القمع، ومنتهى الصمود

تعز الثورة، قلب اليمن وثروتها الأغلى .. منتهى القمع، ومنتهى الصمود

09 أكتوبر 2011 02:02 مساء (يمن برس)
تعز.. قلب اليمن الذي لا يستطيع جزء الانفصال عنه، وثروة اليمن الأغلى وهي الإنسان.. نبع الثقافة والفكر والحرية، ومصدر الثورة المتجدد وعنوانها الأبرز خارج العاصمة صنعاء، ليس كساحة الحرية فقط، بل لأهميتها وتأثيرها كواحدة من أهم المدن  اليمنية، ولتواجد أبنائها في مختلف ساحات الجمهورية، وخصوصاً في صنعاء.
 
وتعز ثائرة بالفطرة، سواءً كونها الأكثر وعياً وحياة مدنية، أو لتاريخها الثوري ودور أحرارها في الثورة اليمنية (سبتمبر1962-أكتوبر1963) وقد رضعت ثقافتها من الكثير من المفكرين وعلى رأسهم مفكر الثورة النعمان، وأناشيد "الفضول" الثورية، وبها حطت طائرة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر في زيارته الوحيدة لليمن 1964، باعتبارها صدر الثورة الآمن، ومن تعز بدأت أول حركة للضباط الأحرار في العام 1955 ضد الحكم الإمامي..

ورغم أن الكثير من أبنائها انخرطوا في التجارة بالقطاع الخاص ومختلف الأعمال، لكنهم ظلوا دائماً الأحرص على التعليم والعمل والإبداع، فعلى الرغم من تعدادها السكاني الهائل لا تكاد تلقى متسولاً من تعز، بسبب الوعي الثقافي والتماسك الاجتماعي بين أبنائها..  

بدأت هتافات الرحيل من صنعاء، بمسيرات يومية فور سقوط الطاغية بن علي في تونس، لشباب وطلاب نسبة كبيرة فيهم من تعز، ولهذا السبب حاول النظام حشد بلاطجته لقمع المظاهرات بتعبئة مناطقية، ما استدعى مشاركة الأحزاب والقبائل التي استنكرت ذلك العمل..

ثورة ساحة الحرية - تعز
فور سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، اندلعت الثورة في  تعز على خلاف ما كان يحدث من مسيرات، حيث توجه عشرات الآلاف إلى شارع عصيفرة وبدأوا اعتصاماً مفتوحاً في 13 فبراير، وتصاعدت الثورة بشكل غير مسبوق، وأعلن عن أول جمعة شارك فيها مئات الآلاف وبدون مشاركة رسمية لأحزاب المعارضة، ما استدعى النظام حشد جميع أركان نظامه المنتمين إلى تعز لحشد معاكس، في محاولة لتشويش الصورة الثورية، وإظهارها كمهرجانات متعاكسة، ولما فشل في الحشد، كانت أولى جرائم النظام في تعز، حيث ألقيت قنبلة على المتظاهرين، من سيارة تابعة لأحد القياديين في الحزب الحاكم ما أدى إلى استشهاد 4 وجرح عشرات آخرين.. ما رفع الزخم الجماهيري للمتظاهرين وكانت تعز وأحداثها وارتفاع الزخم الثوري فيها إلى جانب عدن هو من أهم العوامل التي دفعت باستمرار المسيرات في صنعاء رغم القمع إلى أن لحقت العاصمة في الأسبوع التالي بتعز وبدأت اعتصامها في "ساحة التغيير"..

تعز كلها ساحة حرية
وعندما توجهت إلى تعز، قادماً من صنعاء ومروراً بساحة "خليج الحرية" في إب، كانت الثورة مختلفة.. ففي تعز تجد المدينة كاملة ساحة للثورة، على العكس في صنعاء التي لا تشعر بالثورة بكافة مظاهرها إلا داخل ساحة التغيير، في تلك الفترة بالذات.. وقد كان واضحاً أن النظام يريد تحويل تعز إلى ساحة حرب منذ البداية عندما قام بتعيين العميد عبدالله قيران مديراً للأمن فيها، بعد أن ارتكب أول مجازر النظام في عدن على يديه، ولما لفظته عدن حوله النظام إلى تعز.. بعد أن سيرت تعز قافلة مكونة من 2000 من شباب الثورة للتضامن مع عدن التي كانت تتعرض لمجازر قيران..

وفي "ساحة الحرية" تجد لوناً نقياً للثورة، خالياً من المتناقضات والمخاوف، وقد شدني فيها الحضور القوي التاريخي لأبطال الثورة السبتمبرية – الأكتوبرية من أبناء تعز والذين غيبهم النظام وحاول طمس أدوارهم، كصور، أحمد محمد النعمان، وعيسى  محمد سيف، وعبدالرقيب عبدالوهاب نعمان، وغيرهم من الرموز الوطنية.. كما تميزت ساحة الحرية في تعز باستقبال وفود وزائرين من ساحات التغيير والحرية في المحافظات الجنوبية، وخصوصاً من لحج وعدن والضالع.. كما تميزت قبل غيرها بإنتاج الأناشيد الثورة والأنشطة والفعاليات.. بمشاركة الكثير من الفنانين والممثلين وعلى رأسهم الكوميدي الشهير فهد القرني والفنان صلاح الوافي.

وقد كان الزخم الثوري في ساحة الحرية ينافس زخمها في صنعاء وعدن خصوصاً قبل مجزرة جمعة الكرامة بصنعاء، التي بدأت الثورة عندها في جميع المدن مرحلة جديدة.. ولابد من الإشارة إلى أنه وحتى اليوم، لا يزال هناك قصور إعلامي في تغطية أحداث تعز وفعالياتها، أكثر من غيرها من المدن.. ربما بسبب تركز المؤسسات الإعلامية والإعلاميين في العاصمة صنعاء، ولكون تعز كانت أهميتها شبه مغيبة قبل الثورة الشعبية مقارنة بما تستحقه من الاهتمام..

وقد مثلت مجزرة جمعة الكرامة في صنعاء وما رافقها، السقوط العملي لنظام صالح كإدارة للبلاد، وتصبح أغلب المحافظات خارج سيطرته، وافتحت مرحلة جديدة في الثورة..  بعد أن أدت إلى سيل من الاستقالات من الحزب الحاكم والحكومة وتأييدهم للثورة، أبرزها تلك التي قصمت ظهر صالح بتأييد قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن صالح، ومعه ثلةٌ من قادة الجيش ، ومع تأييد أغلب الجيش للثورة، أعلن نسبة كبيرة من السلك الدبلوماسي وكبار المسؤولين في الدولة تأييدهم للثورة، بينهم الكثير من النواب ورجال الأعمال في تعز، إذ بلغ عدد النواب المستقيلين  21 نائباً، بالإضافة إلى رجال الأعمال وعلى رأسهم شوقي هائل سعيد أنعم*، وتوفيق الخامري....

بينما بدأت الثورة في منعطفها الجديد بزخم أوسع وخصوصاً في صنعاء وأصبحت الثورة أكثر مسؤولية من النظام الذي تحول إلى عصابة مسلحة، كانت تعز أكثر المدن ثورية وشهدت تصعيداً سلمياً ومسيرات يومية، تنادي بالزحف إلى القصر الرئاسي، وتعرضت المسيرات للكثير من الاعتداءات من قبل الأمن والبلاطجة، وأرسل النظام تعزيزاته العسكرية إلى تعز لأهميتها في الثورة على العكس من انسحابه من بقية المحافظات.. ليتوج ذلك كله في المجزرة الشهيرة بـ"هولوكست تعز" التي بدأت عندها مرحلة ثورية أخرى...

"هولوكست تعز"
عندما كان النظام يهاجم منزل الشيخ الأحمر ويقصف القبائل المؤيدة للثورة، كان هناك اعتقاد بأنه يسعى إلى جر الثورة إلى العنف من خلال المواجهات المسلحة مع القبائل، لكنه قام بما هو أبشع من ذلك، وهو الهجوم على المعتصمين في "ساحة الحرية" في مدينة تعز، في حين لم يكن لدى المعتصمين المسالمين في تعز أدنى ما يمكن الدفاع عن النفس به، ليرتكب إحدى أكبر المجازر في التاريخ اليمني، حيث قتل العشرات من المعتصمين، في هجوم نفذته قوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي ومسلحون بزي مدني في 29مايو استمر أكثر من 10 ساعات..

تلك المجزرة البشعة التي أطلق عليها المعتصمون "هولوكوست اليمن" تمت بطريقة بشعة، وأحرق فيها العشرات من المعاقين والجرحى في خيامهم، وجرفت جثث الشهداء بالجرافات بأبشع الطرق التي لا يمكن تصور حدوثها في المجتمع اليمني، حتى تم إخلاء الساحة تماماً من المعتصمين وتمركزت فيها الدبابات مع اقتراب الفجر..

مجزرة تعز لم تلق أي تنديد دولي لائق بها أو إدانات ترقى إلى مستوى الحدث، حيث تزامنت مع انقطاع للكهرباء عن معظم محافظات اليمن، معظم الوقت، وتزامنت مع مواجهات الحصبة العنيفة وتسليم أبين للمسلحين المجهولين.. ما أدى إلى قصور إعلامي في الإعلام المحلي والعربي والعالمي.

ومن نتائج مجزرة تعز أن تأكد لدى الثوار بمختلف فئاتهم أن النظام لا يفرق بين مسلح وأعزل، فهو لا يريد بيت الأحمر إلا لأنهم في صفوف الثورة، وإلا لما واجههم، لأنه يريد قتل الثورة والثوار الذين يطالبونه برحيله، واقتحام الساحة في تعز كان الخطوة الأولى لاقتحام بقية الساحات ضمن مخطط أعد له خلال شهور "المبادرة" والمناورة.

كما أن البشاعة التي تمت بها المجزرة، كشف للناس الدور البارز الذي مثله الجيش والفرقة الأولى مدرع في صنعاء، إذ لولا حماية ساحة التغيير من قبل الجيش لقام النظام منذ وقتٍ مبكرٍ باقتحام الساحة، ولكانت الاعتصامات والثوار في "خبر كان"..

يومها فقط، أيقن الشباب المسالمون في تعز وغيرها بأهمية حماية أنفسهم من رصاصات النظام الذي تخلى عن المسؤولية، إذ ليس هناك أي مانع لدى النظام من قتلهم وسط صمت دولي وتعتيم إعلامي، وحينها لن يصبح الشهداء سوى أرقام يرتفع عددها كلما قتلوا..

لكن أبناء تعز من القبائل ومن جنود وضباط القوات المسلحة المؤيدين للثورة لم يقفوا صامتين إزاء ذلك، فقد هبوا لحمياتهم ومواجهة المليشيات التي يقودها أقارب صالح، بعد أن قتلت كثيراً منهم وتمركزت في ساحة حريتهم المقدسة، بينما كان الإعلام الرسمي يرقص على جثث شهدائهم ويتحدث عن تطهير المدينة من المخربين بعد أن كان يلعب على عواطف الشباب ويقول إن مشكلة النظام ليست معهم! فاستعادوا ساحة الاعتصام..

حماية الساحة..
بعد اقتحام ساحة الحرية وارتكاب تلك المجزرة، اجتمع عدد من مشائخ تعز وقرروا استعادة الساحة وحماية المعتصمين، لتدور مواجهات عنيفة، وتعود ساحة الحرية، بينما ظلت تعز تشهد اعتداءات يومية على المعتصمين واستبسالاً من قبل شباب الثورة، كما قام النظام بتسليم المؤسسات والمباني الحكومية للبلاطجة للنهب لكن الشباب قاموا بحمايتها.. وخاضوا مواجهات عنيفة مستمرة وقد شكلت لجنة وساطة للتهدئة، قليلاً ما صمدت، وكثيراً ما قامت قوات النظام بقيادة العوبلي وقيران بخرق الاتفاقيات..

الشيخ المخلافي
ويقول الشيخ حمود سعيد المخلافي الذي برز كقائد ميداني لأنصار الثورة في تعز بعد اقتحام الساحة في إحدى مقابلاته الصحفية إنه كان قد بحث مع قيادة اللقاء المشترك وقيادة الشباب حماية الساحة من قبل أبناء القبائل لكنهم ردوا عليه "ثورتنا ثورة سلمية, وإذ فكروا باقتحام الساحة يدخلون على جثثنا وسنضحي بـ1000أو 2000 أو 5 آلاف شهيد فثورتنا سلمية حتى النخاع, رغم أنه عندنا بلاغات بوجود نية لاقتحام الساحة لأكثر من مرة, وكان هذا الرأي مستبعداً بأن يتم الاقتحام, ثم تابعت يوم الاقتحام العملية عبر الاتصالات, وعندما علمنا أن القنابل الغازية تنهمر على الساحة وتصل إلى جوار مستشفى الصفوة, حسبناها موجهة من بُعد, ثم بدأوا التوغل وتم إحراق 3 خيام من جهة المدخل الشرقي, فكثفت الاتصالات مع قيادات اللقاء المشترك وأبلغتهم استعدادنا لحماية الساحة, فقالوا: لا يمكن أن يتوغلوا فكل هذا إرهاصات ومناورات. وحتى الساعة الخامسة فجراً وأنا أتواصل تلفونياً والمعتصمون يحرقون ويُسحلون أمامنا, وكلهم يقولون: سلمية سلمية".

ويؤكد المخلافي أن حماية المعتصمين لا تعني نهاية سلمية الثورة ويؤكد  أن اليمن يجب أن تحظى بدولة مدنية ودولة مؤسسات, ويقول: "بالنسبة للسلاح, لا يوجد معي سلاح"... ويضيف "حتى سلاحي الشخصي، أنا مستعد التخلي عنه، فقد كنا عندما نذهب إلى الساحة بدون سلاح وارتاح لعدم وجود سلاح مع أي شخص"..

تعز.. قصفٌ لا ينام..
ومع استعادة الساحة وحادث النهدين الذي خرج على إثره الرئيس وكبار معاونيه، لا يكاد يمضي أسبوعٌ على تعز مدينة السلام، إلا وتتعرض فيه أحياؤها للقصف المدفعي وقذائف الدبابات بطريقة انتقامية تعكس الوحشية التي يحملها النظام على تعز وأبنائها المسالمين.. ولا أدل لذلك من تعيينه  قيران مديراً للأمن والعوبلي قائداً للحرس الجمهوري في المدينة، وهما الثنائي الذي ينتهك تعز ليلاً ونهاراً ويروع أمنها بمختلف الأسلحة الثقيلة..

حولت قوات النظام بقيادة العوبلي وقيران مستشفى الثورة إلى ثكنة عسكرية،  لقصف أحياء تعز وعلى رأسها الأحياء المحيطة بساحة الحرية وخصوصاً حي الروضة وقرى الستين، ووصول القصف إلى شرعب، وأدى إلى نزوح الآلاف وتدمير عشرات المنازل وتعطل مصالح الناس، كما لا يمر أسبوع دون اعتقال ناشطين أو استهداف منازلهم، وعلى رأسهم الأطباء، وأساتذة الجامعات..

ويقول المرصد اليمني لحقوق الإنسان إن مدينة تعز تشهد حرباً على التظاهرات السلمية وساحة الحرية، مستخدماً فيها مختلف أنواع الأسلحة. وتحدث المرصد عن إصابات لرجال ونساء، بشظايا قذائف الدبابات لمواطنين تعرضت منازلهم المجاورة للساحة للقصف.واعتبر أن "الأعمال التي تشهدها مدينة تعز تحمل طابعاً مناطقياً، وذلك من خلال عدد من الممارسات التي تقوم بها قوات الجيش والأمن منذ الأسبوع الماضي، ولاحظ أنها تستعين بمأجورين آتين من محافظات أخرى، يقومون بانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان، ويطلقون شتائم تحتوي على تمييز مناطقي ضد أهالي المدينة".

وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش إن تصعيد النظام  العنف ضد تظاهرات سلمية في الغالب الأعمّ، وضد مسعفين في اليمن، يستدعي قيام مختلف الحكومات في شتى أرجاء العالم فوراً بتجميد الأصول الأجنبية للرئيس صالح ومسؤولية الأمنيين رفيعي المستوى. وتحدثت المنظمة عن تفاصيل الهجوم الذي وقع في ساحة الحرية في 3 يونيو/حزيران، مشيرة إلى مقتل 27 شخصا، بينهم صبي صغير ورجل نزف حتى الموت، بعدما أجبرت القوات طبيباً على الكفّ عن رعايته.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "في البداية قتلت قوات الأمن وأصابت المتظاهرين، ثم أبعدت المسعفين عن معالجة الجرحى، وأزالت مخيم المتظاهرين لإخفاء أي آثار لهم. على الدول الأخرى أن تستجيب، وعليها أن تجمّد أصول الرئيس وكبار المسؤولين، حتى تتوقف هذه الانتهاكات المروعة، وحتى يُحاسب المسؤول عنها".

سرحان: ما يحدث في تعز تنفيذ لرغبات هوجاء
ويقول العميد العميد صادق سرحان القيادي في الفرقة الأولى مدرع، وهو أحد القادة العسكريين الذين يقومون بحماية الثوار في أن ما يحدث "وما يتعرض له أبناء تعز من القتل والضرب منذ إحراق الساحة"، هو أن "هناك بعض المسؤولين النافذين ينفذون رغبات هوجاء وغير عقلانية من خلال ضربهم العشوائي بالمدافع والدبابات على السكان الآمنين من دون أي مبرر، لا يوجد أي سبب إطلاقا".

ويضيف في مقابلة مع موقع "إيلاف": أما أنا فكان وجودي في تعز في زيارة خاصة أسرية للعائلة، استمريت في تعز لمدة ستة أيام وأنا أسمع القصف والضرب من دون الرد من الطرف الآخر لأن الضرب كان بالمدافع وغيرها من السلاح الثقيل، ثم بعد ذلك تم قصف منزلي بمجرد أن عرف المسؤولون عن القتل عن تواجدي في البيت وجهوا الدبابات وقصفوا منزلي وقتل وأصيب أكثر من 27 شخصا، بينهم أطفال وشباب وقتل من بينهم ابني والمرافقان.. نحن منضمون للثورة السلمية من أول يوم ونحن ندافع عن النفس فقط ولم يسبق أن اعتدينا على أحد، وكنا في صنعاء فقط ندافع عن شباب الثورة السلمية، ونحن انضممنا بقناعة أن الإنسان حر ومن حقه التغيير، حر أن يختار من يحكمه، ودستور وقانون اليمن يسمح لليمني أن يعتصم أو يتظاهر سلميا، ونحن مع الثورة السلمية وندافع عنها وهو دفاع عن النفس.. بهذا الشكل كان تواجدي في تعز".

لجان الوساطة تحمل قيران والعوبلي المسؤولية
أثناء ذلك حاولت العديد من لجان الوساطة السعي لوقف نزيف دماء أبناء تعز، لكن جميعها باءت بالفشل، واتهمت أطراف النظام بخرق الاتفاقات التي توصلت إليها بين أنصار الثورة وقوات النظام التي تقصف الأحياء عشوائياً بحجة مواجهة المسلحين، آخرها لجنة وزير الإدارة المحلية السابق عبدالقادر هلال..  حيث حملت اللجنة المكلفة (بالتهدئة) بين الأطراف في محافظة تعز المحافظ حمود خالد الصوفي مسؤولية ما حدث ويحدث في المدينة من (استباحة للدماء وهدم للبيوت) جراء القصف العنيف بالمدافع والدبابات والتي تشنها القوات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح.

وقالت اللجنة في رسالة بعثتها يوم السبت، بتاريخ 30/9/2011م الى محافظ المحافظة حمود خالد الصوفي: "يؤسفنا جدا أن نصل إلى قناعة مطلقة انكم كنتم تعملون على كسب الوقت والقيام بترتيبات عسكرية للقيام باعتداءات واسعة على مدينة يفترض انكم تدينون لها بالولاء والانتماء، فهي عاصمة المحافظة التي هي مسقط رأسكم وتربيتم فيها ورضعتم على خيراتها واشتد عودكم واطلقت لسانكم على أيدي معلميها وفي مدارسها ".
اضافت اللجنة:"إننا لا نعيب عليكم تشيعكم لرأس النظام فهذا شأنكم، ولكننا نستهجن ان يكون ذلك على حساب المحافظة ودماء أبنائها، وعلى حساب أمنها واستقرارها، وأمنها الاجتماعي . منوهة ان ما حدث من تلاعب وتمرد من فريق الإجرام (الأمني والعسكري) على كل اتفاق كنا نتوصل إليه لصون دماء أبناء المحافظة، هذه المدينة الغالية، وحماية السكينة والسلام والاجتماعي فيها، ومحاولة اختلاق ذرائع وأسباب ما أنزل الله بها من سلطان، لم نكن نثق بها ولكننا كنا نأمل ونرجو أن يجعل الله سبحانه فيها نسبة عالية من المصداقية، ليس ضعفا أو بحثا عن مصالح وضيعة زائفة، قد حرصنا على الأغلى والأنفس وهو (الانسان ) الذي يسكن المحافظة من جهة وذلك الثائر الحر الذي نذر نفسه ودمه وكل طاقاته لتخليص البلاد من زيف الاستبداد والاستلاب لكل شيء فيها من جهة أخرى، والذي جعل شخصاً مثلكم لا يقوى على تحديد موقف ينتصر فيه لأهله ووطنه .

واختتمت اللجنة رسالتها بالقول: "إننا وبعد أن بلغت الأمور مبلغها في التمادي والاستهانة بالدم والانسان في هذه المحافظة نحملكم المسؤولية كاملة، ونعلن شراكتكم في كل فعل آثم وإجرامي تم ضد الساحة والمدينة والمديريات التي دكتها آلة القتل والتدمير في ( السلام والتعزية) .

مبادرة عبدالجبار هائل
وكانت قيادة السلطة المحلية بتعز وأعضاء اللجنة المشكلة من عدد من وجهاء تعز وقعت يونيو الماضي على مبادرة تم طرحها من قبل رجل الأعمال الحاج عبدالجبار هائل سعيد بهدف إعادة السكنية إلى المحافظة ومنع المظاهر المسلحة، بحضور شخصيات من اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام وشخصيات اجتماعية وبرلمانية وحقوقية وأكاديمية وقيادات أمنية ورجال أعمال، تضمنت الاتفاق على وقف إطلاق النار ورفع الأفراد المسلحين المتمركزين بصورة غير رسمية في المرافق الحكومية والنقاط على مداخل المدينة وتعاد إلى الوحدات الأمنية المختصة، إضافة إلى سحب ومنع المجاميع المسلحة غير الرسمية من أحياء المدينة وشوارعها، علاوة عن سحب وحدات الجيش والحرس الجمهوري من مواقعها في المدينة وإحلال قوات الأمن محلها. كما نصت المبادرة على بقاء الاعتصام في الساحة سلمياً وعدم التعرض للمعتصمين، وكذا عدم التعرض للمسيرات السلمية بأي شكل من الأشكال.

لكن اللجنة بعد ذلك أكدت قيام النظام  بخرق الاتفاق في رسالة وجهتها إلى محافظ تعز حمود خالد الصوفي أغسطس الماضي إن القيادات الأمنية والعسكرية ترفض القيام بالتزاماتها في الاتفاق وبسحب القوات الأمنية والعسكرية من مواقعها المستحدثة، «رغم التزام الطرف الآخر بتنفيذ كامل التزاماتهم المحددة». وبدأت: "إشارة إلى اتفاق التهدئة الموقع بتاريخ 13 – 6 – 2011م واتفاق تنفيذه المؤرخ 8 – 8– 2011م والجدول الزمني المتضمن في المحضر المؤرخ 11 – 8 – 2011م." وأضافت ان النقاط العسكرية المستحدثة من قبل وحدات الجيش والحرس الجمهوري في أكثر من مكان وعلى سبيل المثال أمام الحديقة ومستشفى الحياة وفي الكمب وعلى طريق المارة بمحاذاة القصر إلى حوض الأشراف، وعلى بداية الشارع المؤدي إلى مستشفى الثورة العام، قائمة كما هي. إضافة إلى القوة العسكرية المتمركزة خلف المتاريس المقامة جوار مبنى فرع البنك العربي سابقا في منطقة حوض الأشراف، ما زالت متواجدة كما هي".

وأشارت رسالة اللجنة إلى أن الجنود والمسلحين الذين تم سحبهم من مدرسة الشعب، قد تم استبدالهم بآخرين، فيمالا يزال عدد كبير من الجنود متواجدين بأسلحتهم المتوسطة والثقيلة وبعض الأطقم المدرعة في الموقع المجاور لمستشفى الثورة الذي كان تحول إلى أشبه بثكنة عسكرية، وعلى سطح قسم الحريق بالمستشفى، والمعهد الصحي، ولم يسحب سوى الدبابات وبعض الآليات المدرعة فقط، مضيفة أن جنوداً ما يزالون متمركزين في مكتب الاتصالات المقابل لمدرسة زيد الموشكي.

وإذ أشادت الرسالة بمتابعة المحافظ الصوفي لجهود تنفيذ الاتفاق، إلا أنها حملت القيادات الأمنية والعسكرية التي قالت «يبدو أنها ممسكة بالقرار في المحافظة» المسئولية عن ما قد يترتب على إخلالها في تنفيذ التزاماتها المحددة في الاتفاقات الموقعة، وبخاصة الاتفاق المؤرخ في الثامن من أغسطس. ودعت رسالة لجنة التهدئة المحافظ إلى إلزام القيادات الأمنية والعسكرية بسرعة إخلاء تلك المواقع ورفع النقاط العسكرية المستحدثة والمتاريس التي لا زالت في المواقع التي وضعت فيها، والمبادرة فورا إلى سحب قوات الجيش والحرس الجمهوري من شارع الستين وشارع الخمسين ورفع النقاط المستحدثة فيهما بدون تأخير. وتابعت الرسالة ان عدم التزام تلك القيادات بالبنود المتعلقة بها «يشير إلى عدم وجود رغبة صادقة لديهم في تنفيذ التهدئة، وإصرارهم على إبقاء الوضع في المدينة مشحونا ومتوترا قابلا للانفجار في أي لحظة، لا سيما مع استمرار الإمدادات العسكرية بالأفراد والأسلحة والذخائر القادمة بصورة شبه يومية من خارج المحافظة».

وأثناء إعداد هذا الملف تعيش تعز تحت وابل من القذائف يزيد يوماً عن يوم واشتباكات هي الأعنف بين الشباب وبلاطجة النظام وقواته، حيث هزت الانفجارات العنيفة وسقط 7 شهداء بينهم طفلة ومصور صحفي مساء الثلاثاء.. بينما أصيب نحو 50 شخصاً، وهي نموذج لأيام تعز التي تتكرر أسبوعياً منذ أشهر، حيث يسير الوضع من صعب إلى أصعب، وتدفن تعز العشرات من الشهداء..
شارك الخبر