يضع صالح وأفراد عائلته النائب منصور هادي تحت المراقبة الشديدة، يرصدون كل تحركاته المعلنة وغير المعلنة بدقة بالغة وحذر شديد. بات هادي يمثل مصدر قلق وإزعاج كبير يخشاه صالح وربما أكثر مما يخشى خصومه القدامى والجدد ويعتبر صالح أن نائبه "المطيع" صار خطرا بعينه.
وجد صالح نفسه أمام ثورة شعبية متصاعدة تريد إسقاط كامل نظامه وضغوطا خارجية ترمي لنقل سلمي للسلطة وتطالبه بالتنحي في وقت يحظى فيه النائب بإجماع خارجي وشبه داخلي على إنه صراط الحل السياسي. بينما يتلقى صالح دعوات وتأكيدات ونصائح بتخليه عن الحكم فوراً وعاجلاً، وصار النائب قبلة لسفراء ودبلوماسيي دول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي. وهذا ما لا يريده صالح.
واقع التطورات وأحداث ما بعد اندلاع الثورة في يناير الماضي، يفرض النائب بديلاً قادماً لصالح، جاء البديل من داخل البيت المؤتمري ومن أعلى هرم في النظام. بينما ينظر العالم إلى صالح على إنه المشكلة ينظر إلى هادي على إنه الحل.
ما يثير استياء صالح هو ما يحظى به النائب من إجماع دولي وتوافق داخلي جعلا منه طوق نجاة ومفتاح الحل السياسي، وهو ما يراه صالح خطرا قريبا وفتاكا يهدد أطماعه الجامحة في التشبث بالكرسي أيا كانت التكلفة، المهم أن يبقى حاكما. لم يعد هادي نائبا ديكوريا أو لاعب "كومبرس" وقد يصبح رئيسا بدلا لصالح.
لم يعد النائب يجلس على كرسي إلى جوار صالح لحضور عرض عسكري أو افتتاح المناسبات والاحتفالات، لا، لقد حضر هادي عرضا عسكريا -25 سبتمبر الماضي- وكأنه الرئيس الحالي. هي المرة الأولى التي يغيب فيها صالح في مناسبة كهذه ويكتفي بكلمة تسجيلية بثها التلفزيون الرسمي بينما كان يختبئ في مكان مجهول وهو المعروف عنه استغلاله للمناسبات لإلقاء الخطابات المطولة وإطلاق المفاجآت والتصنع أمام العدسات.
الجهود والمساعي والضغوط الدولية دفعت بالنائب إلى دائرة الخصومة اللامعلنة لصالح. ويتمثل جوهر المبادرة الخليجية التي يدعمها المجتمع الدولي، في انتقال سلمي للسلطة وأن يقوم صالح بنقل كل صلاحياته للنائب، ما يعني تنحيه عن السلطة وهو أهم أهداف الثورة.
ومنذ أول نسخ المبادرة الخليجية وصالح يعلن رفضه المطلق لها وقد وصفها بأنها مؤامرة وانقلاب وتدخل مرفوض، وقد أجبرته الضغوط الخارجية المرافقة لاتساع واستمرار الثورة الشعبية على إعلان قبوله بالمبادرة، إلا أنه تحايل في غير مرة ورفض التوقيع عليها.
النائب وفترة غياب صالح
منذ غادر إلى الرياض في 3 يونيو الماضي، بدأ صالح يستشعر خطر النائب وما يمكن له أن يفعله في غيابه، وبدأ الصراع الخفي يحتدم بين النائب والأبناء الذين رأوا أن عليهم قطع الطريق عنه في حال فكر أو قرر اتخاذ قرارات جريئة، منع النائب من دخول القصر الجمهوري ودار الرئاسة لمزاولة عمله واضطر إلى ممارسته من مجمع الدفاع "العرضي"، وتلقى العديد من الرسائل التهديد والتحذير المباشرة وغير المباشرة، وحدثت مواجهات مسلحة بالقرب من منزله الذي تدخلت قوات الفرقة لحمايته قبل طلبه تعزيزات من الحرس لحمايته واستحدث الحرس موقعا عسكريا في هضبة تطل على منزله كانت تابعة للقوات الجوية. لم يعمل الأبناء بأي من أوامره وتوجيهاته على قلتها وعملوا على تعطيلها واللجوء لخيار القوة، وكان نجل صالح يدير الحكم فعليا من دار الرئاسة طيلة فترة غياب والده وربما بعد عودته أيضاً.
وبعد أربعة أيام من مغادرة صالح صنعاء، نشر موقع "نبأنيوز" المقرب من العميد يحيى صالح خبرا عن إحباط النائب "مؤامرة انقلاب عسكري" سعت أمريكا وحزب الإصلاح لإقناعه به. وقال الخبر إن هادي رفض المخطط بشكل قطعي. ويحمل الخبر تهديدا مبطنا للنائب من التفكير في اتخاذ أي قرار لنقل السلطة. فيما كانت الأنظار توجهت نحو النائب منتظرة منه قرارا شجاعا يلبي طموحات الشعب.
كان النائب الذي خطف الأنظار داخليا وخارجيا وعد في لقاء جمعه (15 يونيو) بعدد من شباب الثورة باتخاذ تغييرات عميقة، عاد بعدها بيومين ليهدد بالاستقالة ومغادرة صنعاء في حال الاستمرار في سياسة "لي الذراع"، في إشارة منه إلى الضغوط والتهديدات التي يمارسها الأبناء.
ولمحاولة استرضاء النائب وفي أول ظهور علني له (5 يوليو) قال صالح إنه "لا حاجة لفرض الرأي أو لي الذراع". كان صالح يداعب النائب بالثناء الكثير فيما عمد الإعلام الرسمي على تكنيته بـ"المناضل" في كل مرة يذكر فيها اسمه، في وقت كان الأبناء يكثفون ضغوطاتهم عليه ويعملون على إضعافه وإظهاره على أنه مجرد تابع مطيع لهم، الأمر الذي خلق نوعاً من التذمر والسخط على النائب لدى شباب الثورة وبعض الوسط السياسي والإعلامي.
بقيت تحركات النائب ولقاءاته واتصالاته المستمرة مع الداخل والخارج مثار ذعر صالح ومخاوف الأبناء وحافزا لزيادة الضغط عليه وتحجيم صلاحياته. لأكثر من (100) يوم عاشها صالح في الجناح الملكي بالرياض والنائب يمارس صلاحيات سطحية. مع ضرورة الإشارة إلى أن الدستور يمنح النائب شرعية تولي منصب رئيس الجمهورية في حال عجز الرئيس عن ممارسة صلاحياته بصورة دائمة لمدة لا تزيد عن ستين يوما.
إجهاض التوقيع بالعودة المفاجئة
قالت الإخبار إن عودة صالح (23 سبتمبر) التي أرادها مفاجئة أجهضت اتفاقاً كان قد تم -قبل يوم واحد من العودة- بين النائب وقيادات في المعارضة وقيادات بارزة في حزب المؤتمر الشعبي ومبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر على آليات تنفيذ المبادرة ليبقى توقيع النائب عليها الذي كان محددا بعد يومين من عودة صالح.
وتكشف مصادر أن أحد المقربين من النائب سرب خبر نتائج الاجتماع إلى أبناء عائلة صالح الذين بدورهم أبلغوا "الأب" الأمر ما دفعه إلى العودة سريعا.
وبعيدا عن صحة المعلومات أو عدمها، فإن المؤشرات تصب في جانب إن النائب كان على وشك توقيع المبادرة بناء على قرار التفويض الذي أصدره صالح في الثاني عشر من سبتمبر الماضي.
يؤيد هذه الفرضية وصول المبعوث الأممي جمال بن عمر وأمين عام مجلس التعاون الخليجي د. عبداللطيف الزياني، في التاسع عشر من سبتمبر للإشراف على التوقيع الذي كان زمنه قاب قوسين أو أدنى. ومع أن التفويض لم يخل من التهديد والتحذير المبطن للنائب، إلا أن حضور بن عمر والزياني يؤكد أن الأمور كانت تسير باتجاه التوقيع. مع أهمية الإشارة إلى أن المعارضة كانت قد توصلت مع النائب وبن عمر إلى اتفاق على آليات تنفيذ المبادرة وتعديلاتها قبل قرار التفويض الذي اشترط إجراء حوارات مع المعارضة ومن ثم التوقيع.
ونستشف ذلك مما قاله رئيس اللقاء المشترك د. ياسين سعيد نعمان إن عودة صالح أوقفت التقدم نحو اتفاق لانتقال السلطة، ومن إن معظم المسائل الصعبة فيما يتعلق بانتقال السلطة تم حلها أو أوشك الاتفاق عليها. ومن بين تلك المسائل خطط تنفيذ العملية الانتقالية وأن يقوم النائب -بدلا من صالح- بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وبالتالي فأن عودة صالح المفاجئة هدفها الرئيس قطع الطريق أمام النائب والحيلولة دون توقيعه المبادرة بغض النظر عن بقية أسباب العودة. وقد استبق الأبناء الموعد الذي كان قد حدد للتوقيع بتصعيد عسكري غير مسبوق وعدم الالتزام بتوجيهات النائب بوقف المواجهات وخرق الهدنة التي كان قد توصل إليها، وزيادة على ذلك رفض نجل صالح -قائد الحرس الجمهوري- لتوجيهات النائب بوقف الحرب.
ذريعة الخصومة الشخصية
لم يكتف صالح بعودته التي قطعت طريق الحل السياسي، بل زاد أعلن في كلمة متلفزة بمناسبة العيد الـ49 لثورة 26 سبتمبر الخالدة، تمسكه بالمبادرة الخليجية "كما هي" وقال إن التفويض لا يزال "ساري المفعول" مع أن العودة تلغيه، في ذات الوقت دعوته إلى انتخابات رئاسية مبكرة. الإعلان اعتبره مراقبون تحذيراً مبطناً للنائب من أن يتخذ أي قرار من شأنه إعلان نهاية نظام صالح، إنه يتناقض تماما مع المبادرة ويؤكد رفضه لها.
حديث صالح عن تمسكه بالمبادرة وأن التفويض ساري المفعول، يجعل موقفه مثيرا للشك، إذ ما دام متمسكاً بالمبادرة والتفويض فلماذا عاد إذاً؟
ربما أن ذلك الحديث كان استجابة للتطور اللافت في الموقف الدولي الذي ارتفعت حدة مطالبته لصالح بالتنحي "فورا" وبالفعل لا بالقول، ما يعني أن إعلان سريان التفويض هروبا من التوقيع وتحايل على الجميع ورمي بالمسئولية على النائب. إنه يقول الشيء ونقيضه في ذات الوقت.
وفي غير بعيد وفي موقف مناقض لإعلانه تمسكه بالمبادرة "كما هي" قال صالح لصحيفة الواشنطن بوست ومجلة تايم الأمريكية إنه لن يتخلى عن السلطة إن أتيح لشركائه السابقين الذين انشقوا عنه المشاركة في انتخابات، في إشارة إلى اللواء علي محسن الأحمر وإلى قبيلة الأحمر. محذرا من إن ذلك سيقود إلى حرب أهلية.
وزاد قال "إذا تخلينا عن السلطة وهم ما زالوا هنا، فهذا سيعني أننا تنازلنا أمام انقلاب".
وعاد يقول إن انتقال السلطة سيتم "عاجلا أم آجلا". مضيفاً: "إننا على استعداد لتوقيع المبادرة خلال الساعات والأيام المقبلة" في حال التوصل إلى اتفاق مع أحزاب اللقاء المشترك.
ومن اللافت إنه لم يتحدث في المقابلة لا تصريحاً ولا حتى تلميحاً عن قرار التفويض.
تزامن ذلك مع تسريبات عن خطة أعدها نظام صالح لاغتيال قيادي بارز في حزب المؤتمر الشعبي بهدف خلط الأوراق وتحميل المعارضة. كما ذكرت وكالة عين الإخبارية.
قصقصة أجنحة النائب
ينظر البعض إلى محاولة اغتيال وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللواء محمد علي أحمد الأسبوع قبل الماضي في عدن وقبلها في أبين، على أنها رسالة تهديد مبطنة للنائب، خصوصا وأن الوزير محسوب على تيار النائب.
ويعتبر البعض أيضا محاولة اغتيال وزير الدفاع الأسبق اللواء عبدالله علي عليوه، رسالة أخرى لقيادات المجلس الوطني وللنائب أيضاً.
وفي حال صحت هذه التقديرات فإن الأب والأبناء يهدفون إلى خلط الأوراق وقصقصة أجنحة تيار "الزمرة" الذي ينتمي إليه النائب والوزيران.
النائب الرقم الصعب
يحتمي النائب بموقعه الحساس كشعرة توازن وضامن للحل السياسي الذي يفرضه الخارج ويستحبه غالبية الداخل، الإجماع الذي يحظى به يشكل سدا حصينا أمام أي قرار قد يتخذه صالح أو يفكر فيه بإقالة النائب وتعيين بديلا له.
مثل هذا القرار كان متاحا لصالح قبل ولادة المبادرة الخليجية بنسخها الخمس وتعديلاتها وآلياتها، أو حتى فيما قبل اندلاع احتجاجات الحراك الجنوبي في 2007م، تداعيات الثورة الشعبية جعلت من كهذا قرار مستحيلا، وهذا من حظ النائب الذي تعاد إلى ملعبه الكرة في كل مرة تفارقه ولو لمسافات قصيرة قد تفرضها قواعد اللعبة السياسية. وإذا كان صالح يمتلك الشرعية الدستورية لاستبدال النائب فإنه صار يفتقد الشرعية السياسية التي تفرض عليه الاحتفاظ بنائبه كأمر واقع يستحيل أو يصعب عليه تجاوزه.
ما يعني صعوبة أو استحالة فرضية استبدال النائب –التي كنا تحدثنا عنها في العدد الماضي- وما لا يعني تغافل حقيقة أن هناك أسماء مرشحة يحتفظ بها صالح في مفضلته البديلة ينتظر وقتها المناسب.
ربما كانت المعلومات التي تم تداولها سابقا عن نية صالح تعيين قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة نائبا له للشئون العسكرية من قبيل الضغوطات على النائب الذي شكا سابقا من "لي الذراع" وهدد بمغادرة النظام في حال نشبت الحرب.
اللواء الأحمر.. قطب الخطر السياسي
مثلما يمثل النائب قطب الخطر السياسي يمثل قائد المنطقة الشمالية الجنرال علي محسن الأحمر، قطب الخطر العسكري، وبالتالي يحرص صالح على محاولة إعادتهما إلى صفه، وتصوير ما يحدث في اليمن على أنه مجرد صراع عسكري تزامن مع أزمة سياسية يحتاج أولهما للمصالحة وحل الخلاف الذي يضمن –وفق تقديراته- إيجاد حل للأخير.
يمكن تفسير ذلك من الوساطات المتعددة التي ينتدبها صالح لعلي محسن التي كانت أخراها بعد ساعات من عودة صالح الذي أرسل وفدا من رموز قبيلته إلى علي محسن. الجنرال الذي أعلن انضمامه للثورة عقب جمعة الكرامة -20 مارس- وتعهد بحمايتها يستعصي في كل مرة على محاولات حل الخلاف الشخصي –بنظر صالح- وينحاز إلى الحلول الوطنية وقد عرض في غير مرة استعداده للرحيل في حال رحيل صالح وأفراد عائلته وترك اليمن لليمنيين.
تعهد الجنرال بحماية الثورة وحماية ساحاتها وشبابها والتزامه المستمر بالنهج السلمي رغم الخسائر البشرية والمادية، مثل وجعاً لصالح وقيد الحرس الجمهوري بما يمتلكه من قوة مدمرة. وتزامنت عودة صالح مع تقدم مفاجئ وكبير لقوات الفرقة على قوات الحرس والأمن وتمكنت من السيطرة في وقت قياسي على شوارع كثيرة من العاصمة بعد اعتداء قوات الحرس والأمن على المتظاهرين وسارع صالح إلى بعث وساطات للتهدئة ووقف المواجهات. لقد كانت ضربة لم يعهدها أو يتوقعها لصالح.
ويرى صالح أن محسن يقف وراء حالة الشلل والفشل التي أصابت قوات الحرس وبالتالي فإنه إذا ما نجح في حل الخلاف –بنظره- مع محسن فإنه سيتمكن من مواجهة الثورة وبقية الخصوم.
*نقلاً عن صحيفة الأهالي.
وجد صالح نفسه أمام ثورة شعبية متصاعدة تريد إسقاط كامل نظامه وضغوطا خارجية ترمي لنقل سلمي للسلطة وتطالبه بالتنحي في وقت يحظى فيه النائب بإجماع خارجي وشبه داخلي على إنه صراط الحل السياسي. بينما يتلقى صالح دعوات وتأكيدات ونصائح بتخليه عن الحكم فوراً وعاجلاً، وصار النائب قبلة لسفراء ودبلوماسيي دول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي. وهذا ما لا يريده صالح.
واقع التطورات وأحداث ما بعد اندلاع الثورة في يناير الماضي، يفرض النائب بديلاً قادماً لصالح، جاء البديل من داخل البيت المؤتمري ومن أعلى هرم في النظام. بينما ينظر العالم إلى صالح على إنه المشكلة ينظر إلى هادي على إنه الحل.
ما يثير استياء صالح هو ما يحظى به النائب من إجماع دولي وتوافق داخلي جعلا منه طوق نجاة ومفتاح الحل السياسي، وهو ما يراه صالح خطرا قريبا وفتاكا يهدد أطماعه الجامحة في التشبث بالكرسي أيا كانت التكلفة، المهم أن يبقى حاكما. لم يعد هادي نائبا ديكوريا أو لاعب "كومبرس" وقد يصبح رئيسا بدلا لصالح.
لم يعد النائب يجلس على كرسي إلى جوار صالح لحضور عرض عسكري أو افتتاح المناسبات والاحتفالات، لا، لقد حضر هادي عرضا عسكريا -25 سبتمبر الماضي- وكأنه الرئيس الحالي. هي المرة الأولى التي يغيب فيها صالح في مناسبة كهذه ويكتفي بكلمة تسجيلية بثها التلفزيون الرسمي بينما كان يختبئ في مكان مجهول وهو المعروف عنه استغلاله للمناسبات لإلقاء الخطابات المطولة وإطلاق المفاجآت والتصنع أمام العدسات.
الجهود والمساعي والضغوط الدولية دفعت بالنائب إلى دائرة الخصومة اللامعلنة لصالح. ويتمثل جوهر المبادرة الخليجية التي يدعمها المجتمع الدولي، في انتقال سلمي للسلطة وأن يقوم صالح بنقل كل صلاحياته للنائب، ما يعني تنحيه عن السلطة وهو أهم أهداف الثورة.
ومنذ أول نسخ المبادرة الخليجية وصالح يعلن رفضه المطلق لها وقد وصفها بأنها مؤامرة وانقلاب وتدخل مرفوض، وقد أجبرته الضغوط الخارجية المرافقة لاتساع واستمرار الثورة الشعبية على إعلان قبوله بالمبادرة، إلا أنه تحايل في غير مرة ورفض التوقيع عليها.
النائب وفترة غياب صالح
منذ غادر إلى الرياض في 3 يونيو الماضي، بدأ صالح يستشعر خطر النائب وما يمكن له أن يفعله في غيابه، وبدأ الصراع الخفي يحتدم بين النائب والأبناء الذين رأوا أن عليهم قطع الطريق عنه في حال فكر أو قرر اتخاذ قرارات جريئة، منع النائب من دخول القصر الجمهوري ودار الرئاسة لمزاولة عمله واضطر إلى ممارسته من مجمع الدفاع "العرضي"، وتلقى العديد من الرسائل التهديد والتحذير المباشرة وغير المباشرة، وحدثت مواجهات مسلحة بالقرب من منزله الذي تدخلت قوات الفرقة لحمايته قبل طلبه تعزيزات من الحرس لحمايته واستحدث الحرس موقعا عسكريا في هضبة تطل على منزله كانت تابعة للقوات الجوية. لم يعمل الأبناء بأي من أوامره وتوجيهاته على قلتها وعملوا على تعطيلها واللجوء لخيار القوة، وكان نجل صالح يدير الحكم فعليا من دار الرئاسة طيلة فترة غياب والده وربما بعد عودته أيضاً.
وبعد أربعة أيام من مغادرة صالح صنعاء، نشر موقع "نبأنيوز" المقرب من العميد يحيى صالح خبرا عن إحباط النائب "مؤامرة انقلاب عسكري" سعت أمريكا وحزب الإصلاح لإقناعه به. وقال الخبر إن هادي رفض المخطط بشكل قطعي. ويحمل الخبر تهديدا مبطنا للنائب من التفكير في اتخاذ أي قرار لنقل السلطة. فيما كانت الأنظار توجهت نحو النائب منتظرة منه قرارا شجاعا يلبي طموحات الشعب.
كان النائب الذي خطف الأنظار داخليا وخارجيا وعد في لقاء جمعه (15 يونيو) بعدد من شباب الثورة باتخاذ تغييرات عميقة، عاد بعدها بيومين ليهدد بالاستقالة ومغادرة صنعاء في حال الاستمرار في سياسة "لي الذراع"، في إشارة منه إلى الضغوط والتهديدات التي يمارسها الأبناء.
ولمحاولة استرضاء النائب وفي أول ظهور علني له (5 يوليو) قال صالح إنه "لا حاجة لفرض الرأي أو لي الذراع". كان صالح يداعب النائب بالثناء الكثير فيما عمد الإعلام الرسمي على تكنيته بـ"المناضل" في كل مرة يذكر فيها اسمه، في وقت كان الأبناء يكثفون ضغوطاتهم عليه ويعملون على إضعافه وإظهاره على أنه مجرد تابع مطيع لهم، الأمر الذي خلق نوعاً من التذمر والسخط على النائب لدى شباب الثورة وبعض الوسط السياسي والإعلامي.
بقيت تحركات النائب ولقاءاته واتصالاته المستمرة مع الداخل والخارج مثار ذعر صالح ومخاوف الأبناء وحافزا لزيادة الضغط عليه وتحجيم صلاحياته. لأكثر من (100) يوم عاشها صالح في الجناح الملكي بالرياض والنائب يمارس صلاحيات سطحية. مع ضرورة الإشارة إلى أن الدستور يمنح النائب شرعية تولي منصب رئيس الجمهورية في حال عجز الرئيس عن ممارسة صلاحياته بصورة دائمة لمدة لا تزيد عن ستين يوما.
إجهاض التوقيع بالعودة المفاجئة
قالت الإخبار إن عودة صالح (23 سبتمبر) التي أرادها مفاجئة أجهضت اتفاقاً كان قد تم -قبل يوم واحد من العودة- بين النائب وقيادات في المعارضة وقيادات بارزة في حزب المؤتمر الشعبي ومبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر على آليات تنفيذ المبادرة ليبقى توقيع النائب عليها الذي كان محددا بعد يومين من عودة صالح.
وتكشف مصادر أن أحد المقربين من النائب سرب خبر نتائج الاجتماع إلى أبناء عائلة صالح الذين بدورهم أبلغوا "الأب" الأمر ما دفعه إلى العودة سريعا.
وبعيدا عن صحة المعلومات أو عدمها، فإن المؤشرات تصب في جانب إن النائب كان على وشك توقيع المبادرة بناء على قرار التفويض الذي أصدره صالح في الثاني عشر من سبتمبر الماضي.
يؤيد هذه الفرضية وصول المبعوث الأممي جمال بن عمر وأمين عام مجلس التعاون الخليجي د. عبداللطيف الزياني، في التاسع عشر من سبتمبر للإشراف على التوقيع الذي كان زمنه قاب قوسين أو أدنى. ومع أن التفويض لم يخل من التهديد والتحذير المبطن للنائب، إلا أن حضور بن عمر والزياني يؤكد أن الأمور كانت تسير باتجاه التوقيع. مع أهمية الإشارة إلى أن المعارضة كانت قد توصلت مع النائب وبن عمر إلى اتفاق على آليات تنفيذ المبادرة وتعديلاتها قبل قرار التفويض الذي اشترط إجراء حوارات مع المعارضة ومن ثم التوقيع.
ونستشف ذلك مما قاله رئيس اللقاء المشترك د. ياسين سعيد نعمان إن عودة صالح أوقفت التقدم نحو اتفاق لانتقال السلطة، ومن إن معظم المسائل الصعبة فيما يتعلق بانتقال السلطة تم حلها أو أوشك الاتفاق عليها. ومن بين تلك المسائل خطط تنفيذ العملية الانتقالية وأن يقوم النائب -بدلا من صالح- بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وبالتالي فأن عودة صالح المفاجئة هدفها الرئيس قطع الطريق أمام النائب والحيلولة دون توقيعه المبادرة بغض النظر عن بقية أسباب العودة. وقد استبق الأبناء الموعد الذي كان قد حدد للتوقيع بتصعيد عسكري غير مسبوق وعدم الالتزام بتوجيهات النائب بوقف المواجهات وخرق الهدنة التي كان قد توصل إليها، وزيادة على ذلك رفض نجل صالح -قائد الحرس الجمهوري- لتوجيهات النائب بوقف الحرب.
ذريعة الخصومة الشخصية
لم يكتف صالح بعودته التي قطعت طريق الحل السياسي، بل زاد أعلن في كلمة متلفزة بمناسبة العيد الـ49 لثورة 26 سبتمبر الخالدة، تمسكه بالمبادرة الخليجية "كما هي" وقال إن التفويض لا يزال "ساري المفعول" مع أن العودة تلغيه، في ذات الوقت دعوته إلى انتخابات رئاسية مبكرة. الإعلان اعتبره مراقبون تحذيراً مبطناً للنائب من أن يتخذ أي قرار من شأنه إعلان نهاية نظام صالح، إنه يتناقض تماما مع المبادرة ويؤكد رفضه لها.
حديث صالح عن تمسكه بالمبادرة وأن التفويض ساري المفعول، يجعل موقفه مثيرا للشك، إذ ما دام متمسكاً بالمبادرة والتفويض فلماذا عاد إذاً؟
ربما أن ذلك الحديث كان استجابة للتطور اللافت في الموقف الدولي الذي ارتفعت حدة مطالبته لصالح بالتنحي "فورا" وبالفعل لا بالقول، ما يعني أن إعلان سريان التفويض هروبا من التوقيع وتحايل على الجميع ورمي بالمسئولية على النائب. إنه يقول الشيء ونقيضه في ذات الوقت.
وفي غير بعيد وفي موقف مناقض لإعلانه تمسكه بالمبادرة "كما هي" قال صالح لصحيفة الواشنطن بوست ومجلة تايم الأمريكية إنه لن يتخلى عن السلطة إن أتيح لشركائه السابقين الذين انشقوا عنه المشاركة في انتخابات، في إشارة إلى اللواء علي محسن الأحمر وإلى قبيلة الأحمر. محذرا من إن ذلك سيقود إلى حرب أهلية.
وزاد قال "إذا تخلينا عن السلطة وهم ما زالوا هنا، فهذا سيعني أننا تنازلنا أمام انقلاب".
وعاد يقول إن انتقال السلطة سيتم "عاجلا أم آجلا". مضيفاً: "إننا على استعداد لتوقيع المبادرة خلال الساعات والأيام المقبلة" في حال التوصل إلى اتفاق مع أحزاب اللقاء المشترك.
ومن اللافت إنه لم يتحدث في المقابلة لا تصريحاً ولا حتى تلميحاً عن قرار التفويض.
تزامن ذلك مع تسريبات عن خطة أعدها نظام صالح لاغتيال قيادي بارز في حزب المؤتمر الشعبي بهدف خلط الأوراق وتحميل المعارضة. كما ذكرت وكالة عين الإخبارية.
قصقصة أجنحة النائب
ينظر البعض إلى محاولة اغتيال وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللواء محمد علي أحمد الأسبوع قبل الماضي في عدن وقبلها في أبين، على أنها رسالة تهديد مبطنة للنائب، خصوصا وأن الوزير محسوب على تيار النائب.
ويعتبر البعض أيضا محاولة اغتيال وزير الدفاع الأسبق اللواء عبدالله علي عليوه، رسالة أخرى لقيادات المجلس الوطني وللنائب أيضاً.
وفي حال صحت هذه التقديرات فإن الأب والأبناء يهدفون إلى خلط الأوراق وقصقصة أجنحة تيار "الزمرة" الذي ينتمي إليه النائب والوزيران.
النائب الرقم الصعب
يحتمي النائب بموقعه الحساس كشعرة توازن وضامن للحل السياسي الذي يفرضه الخارج ويستحبه غالبية الداخل، الإجماع الذي يحظى به يشكل سدا حصينا أمام أي قرار قد يتخذه صالح أو يفكر فيه بإقالة النائب وتعيين بديلا له.
مثل هذا القرار كان متاحا لصالح قبل ولادة المبادرة الخليجية بنسخها الخمس وتعديلاتها وآلياتها، أو حتى فيما قبل اندلاع احتجاجات الحراك الجنوبي في 2007م، تداعيات الثورة الشعبية جعلت من كهذا قرار مستحيلا، وهذا من حظ النائب الذي تعاد إلى ملعبه الكرة في كل مرة تفارقه ولو لمسافات قصيرة قد تفرضها قواعد اللعبة السياسية. وإذا كان صالح يمتلك الشرعية الدستورية لاستبدال النائب فإنه صار يفتقد الشرعية السياسية التي تفرض عليه الاحتفاظ بنائبه كأمر واقع يستحيل أو يصعب عليه تجاوزه.
ما يعني صعوبة أو استحالة فرضية استبدال النائب –التي كنا تحدثنا عنها في العدد الماضي- وما لا يعني تغافل حقيقة أن هناك أسماء مرشحة يحتفظ بها صالح في مفضلته البديلة ينتظر وقتها المناسب.
ربما كانت المعلومات التي تم تداولها سابقا عن نية صالح تعيين قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة نائبا له للشئون العسكرية من قبيل الضغوطات على النائب الذي شكا سابقا من "لي الذراع" وهدد بمغادرة النظام في حال نشبت الحرب.
اللواء الأحمر.. قطب الخطر السياسي
مثلما يمثل النائب قطب الخطر السياسي يمثل قائد المنطقة الشمالية الجنرال علي محسن الأحمر، قطب الخطر العسكري، وبالتالي يحرص صالح على محاولة إعادتهما إلى صفه، وتصوير ما يحدث في اليمن على أنه مجرد صراع عسكري تزامن مع أزمة سياسية يحتاج أولهما للمصالحة وحل الخلاف الذي يضمن –وفق تقديراته- إيجاد حل للأخير.
يمكن تفسير ذلك من الوساطات المتعددة التي ينتدبها صالح لعلي محسن التي كانت أخراها بعد ساعات من عودة صالح الذي أرسل وفدا من رموز قبيلته إلى علي محسن. الجنرال الذي أعلن انضمامه للثورة عقب جمعة الكرامة -20 مارس- وتعهد بحمايتها يستعصي في كل مرة على محاولات حل الخلاف الشخصي –بنظر صالح- وينحاز إلى الحلول الوطنية وقد عرض في غير مرة استعداده للرحيل في حال رحيل صالح وأفراد عائلته وترك اليمن لليمنيين.
تعهد الجنرال بحماية الثورة وحماية ساحاتها وشبابها والتزامه المستمر بالنهج السلمي رغم الخسائر البشرية والمادية، مثل وجعاً لصالح وقيد الحرس الجمهوري بما يمتلكه من قوة مدمرة. وتزامنت عودة صالح مع تقدم مفاجئ وكبير لقوات الفرقة على قوات الحرس والأمن وتمكنت من السيطرة في وقت قياسي على شوارع كثيرة من العاصمة بعد اعتداء قوات الحرس والأمن على المتظاهرين وسارع صالح إلى بعث وساطات للتهدئة ووقف المواجهات. لقد كانت ضربة لم يعهدها أو يتوقعها لصالح.
ويرى صالح أن محسن يقف وراء حالة الشلل والفشل التي أصابت قوات الحرس وبالتالي فإنه إذا ما نجح في حل الخلاف –بنظره- مع محسن فإنه سيتمكن من مواجهة الثورة وبقية الخصوم.
*نقلاً عن صحيفة الأهالي.