يمثل البحر وجهة أثيرة لشبان اليمن، خصوصاً في المناسبات مثل إجازة عيدي الفطر والأضحى. لكن البحر لم يعد جاراً آمناً على ما يفيد القول المأثور «جاور بحر ولا تجاور ملك». ففي ظل تفشي الكراهية والنزاعات ذات الطابع الجهوي والمذهبي ضاق البحر وتشكلت حواجز نفسية باتت تفصل البحر عن الجبل.
ويقول حسين وهو شاب من صنعاء إنه ربما يسافر خلال إجازة العيد الى الحديدة (غرب) بدلاً من عدن وحضرموت (جنوب) بسبب أعمال الكراهية والعنف التي تشهدها مناطق الجنوب ضد الشماليين. بيد أن مناطق الساحل الغربي مثل الحديدة لا تخلو أيضاً من العداء لأبناء المناطق الأخرى وإن كان أقل حدة مما هو عليه الوضع في الجنوب.
وفي حزيران (يونيو) الماضي أغرق شبان مسلحون يعتقد أنهم ينتمون إلى الحراك التهامي المطالب باستقلال شبه ذاتي، حافلة تابعة لشركة تجارية ينتمي مالكوها إلى محافظة تعز (وسط). وتحولت الحافلة التي تم إغراقها في شاطئ مدينة الحديدة بعد إنزال الموظفين الذين كانوا على متنها، مزاراً لعدد من سكان المدينة وزوارها وصارت رمزاً يعكس مدى انهيار قيم التعايش.
وتفشت الكراهية على أساس جهوي وطائفي وهذه المرة الأولى التي يشهد فيها اليمن في تاريخه الحديث هذه الدرجة من التنافر. ويرى الخريج الجامعي علوي مرشد أن تشبث الأجيال الجديدة بالهويات الصغيرة هو نتيجة لانفجار الأوهام التي روجتها الأيديولوجيات القومية والإسلامية والماركسية. ويقول إنه مع العولمة وانتشار وسائل الاتصال الحديثة وجد الشباب أن الحياة التي يعيشونها لا صلة لها بما يعيشه أقرانهم في بقية دول العالم بما فيها دول مجاورة، مؤكداً أن هذه الصدمة دفعت الشباب «ليعودوا إلى رحم الأم المتمثل بالمنطقة والقبيلة والطائفة».
ووفق الطالبة الجامعية منى عوض، فإن إعلان قيام الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 مثل خلاصاً للشباب الطامح إلى الحرية والحياة الكريمة، بيد أن إدارة دولة الوحدة بواسطة أحزاب شمولية، وتحول الديموقراطية احتراباً أهلياً قضيا على بصيص الأمل في تحسن الحياة.
وعلى رغم إطلاق مبادرات وبرامج تعنى بمناهضة عنف الشباب وتعزيز الانتماء الوطني، إلا أن هذه الجهود قلما أثمرت، خصوصاً مع فشل منظمات المجتمع في تقديم نموذج يحتذى وتحول الكثير منها شبكات عائلية عينها على الربح.
وتؤكد منى وجود أساس ثقافي في استمرار الانتماءات الجهوية والمذهبية، ما يجعل أصحاب الهويات المغلقة غير قادرين على تقبل مبدأ التعايش والتنوع. وترى في طرد جماعة «أنصار الله» الشيعية المسلحة يهود صعدة من موطنهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين، حتى قبل دخول التشيع إلى اليمن، استعادة لمرحلة الحروب الدينية والمذهبية، واستلهاماً لفكرة التميز والنقاء السائدة لدى فئة السادة الهاشميين الذين وإن حكموا اليمن لأكثر من ألف عام إلا أن الشعور الأقلوي ما انفك يلازمهم وتعزز مع سقوط حكمهم في 1962.
ويستحضر شبان الساحل الغربي رموز القوة في الموروث العصبوي التهامي مثل قبيلة الزرانيق الحربية التي خاضت خلال النصف الأول من القرن العشرين حروباً شرسة ضد جيوش الأئمة الزيديين من سكان الجبال.
وتترك الشعارات الجهوية والمذهبية جاذبية وسحراً لدى الشبان العاطل معظمهم من العمل، بما يذكر بسحر الشعارات القومية والأممية التي راجت خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وينطوي خطاب الكراهية على نوع من التقمص لحال الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي فينشر بعض المواقع الإلكترونية الجنوبية أخباراً تصف مواطنين شماليين بـ «المستوطنين».
وتستفيد قوى سياسية ودينية من حال التشظي التي تشهدها البلاد لتحقيق مآرب سياسية. ويقول الموظف الحكومي غسان ثابت إن سياسة التجزئة التي فشل الاستعمار في تكريسها تتحقق الآن من خلال الممارسات السلبية للأحزاب، موضحاً أن شبكات المصالح تتنافس على إعادة إنتاج احتكار السلطة والثروة اتكاء على عصبيات مناطقية ومذهبية.
ويمثل الشباب صلب الجماعات المسلحة وعمودها الفقري. ويقدم القائد الميداني لجماعة «أنصار الله» أبو علي الحاكم الذي لم يتجاوز منتصف الثلاثينات، مثالاً على مدى صعود نجم الشباب داخل الجماعات التي تمارس العنف.
والحق أن دفع الشباب للانخراط في جماعات تمارس العنف يلقى دعماً أجنبياً. وتمول الولايات المتحدة تشكيل ميليشيات من الشباب ساعدت الجيش اليمني في دحر تنظيم «القاعدة» من مناطق يمنية مثل أبين وشبوة.
ويقدم نظام تقسيم البلاد إلى 6 أقاليم الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام الحالي، وسيلة مثلى لحل مشاكل هيمنة المنطقة واحتكار السلطة والثروة، إلا أن ثمة قوى ترفض نظام الأقاليم وتتهمه بتهديد وحدة البلاد، على رغم أن بعض هذه القوى سبق واشتكى من السلطة المناطقية.
واللافت في الحال اليمنية أن التجمعات السكانية التي تتميز فعلاً بخصوصية ثقافية ولغوية مثل سقطرى والمهرة تبدو أقل تقوقعاً في هويتها فيما يرى البعض الآخر أن ضعف حضور السياسة في هذه المجتمعات، ربما جعلها أكثر انفتاحاً على الآخر من غيرها.
"صحيفة الحياة"
ويقول حسين وهو شاب من صنعاء إنه ربما يسافر خلال إجازة العيد الى الحديدة (غرب) بدلاً من عدن وحضرموت (جنوب) بسبب أعمال الكراهية والعنف التي تشهدها مناطق الجنوب ضد الشماليين. بيد أن مناطق الساحل الغربي مثل الحديدة لا تخلو أيضاً من العداء لأبناء المناطق الأخرى وإن كان أقل حدة مما هو عليه الوضع في الجنوب.
وفي حزيران (يونيو) الماضي أغرق شبان مسلحون يعتقد أنهم ينتمون إلى الحراك التهامي المطالب باستقلال شبه ذاتي، حافلة تابعة لشركة تجارية ينتمي مالكوها إلى محافظة تعز (وسط). وتحولت الحافلة التي تم إغراقها في شاطئ مدينة الحديدة بعد إنزال الموظفين الذين كانوا على متنها، مزاراً لعدد من سكان المدينة وزوارها وصارت رمزاً يعكس مدى انهيار قيم التعايش.
وتفشت الكراهية على أساس جهوي وطائفي وهذه المرة الأولى التي يشهد فيها اليمن في تاريخه الحديث هذه الدرجة من التنافر. ويرى الخريج الجامعي علوي مرشد أن تشبث الأجيال الجديدة بالهويات الصغيرة هو نتيجة لانفجار الأوهام التي روجتها الأيديولوجيات القومية والإسلامية والماركسية. ويقول إنه مع العولمة وانتشار وسائل الاتصال الحديثة وجد الشباب أن الحياة التي يعيشونها لا صلة لها بما يعيشه أقرانهم في بقية دول العالم بما فيها دول مجاورة، مؤكداً أن هذه الصدمة دفعت الشباب «ليعودوا إلى رحم الأم المتمثل بالمنطقة والقبيلة والطائفة».
ووفق الطالبة الجامعية منى عوض، فإن إعلان قيام الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 مثل خلاصاً للشباب الطامح إلى الحرية والحياة الكريمة، بيد أن إدارة دولة الوحدة بواسطة أحزاب شمولية، وتحول الديموقراطية احتراباً أهلياً قضيا على بصيص الأمل في تحسن الحياة.
وعلى رغم إطلاق مبادرات وبرامج تعنى بمناهضة عنف الشباب وتعزيز الانتماء الوطني، إلا أن هذه الجهود قلما أثمرت، خصوصاً مع فشل منظمات المجتمع في تقديم نموذج يحتذى وتحول الكثير منها شبكات عائلية عينها على الربح.
وتؤكد منى وجود أساس ثقافي في استمرار الانتماءات الجهوية والمذهبية، ما يجعل أصحاب الهويات المغلقة غير قادرين على تقبل مبدأ التعايش والتنوع. وترى في طرد جماعة «أنصار الله» الشيعية المسلحة يهود صعدة من موطنهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين، حتى قبل دخول التشيع إلى اليمن، استعادة لمرحلة الحروب الدينية والمذهبية، واستلهاماً لفكرة التميز والنقاء السائدة لدى فئة السادة الهاشميين الذين وإن حكموا اليمن لأكثر من ألف عام إلا أن الشعور الأقلوي ما انفك يلازمهم وتعزز مع سقوط حكمهم في 1962.
ويستحضر شبان الساحل الغربي رموز القوة في الموروث العصبوي التهامي مثل قبيلة الزرانيق الحربية التي خاضت خلال النصف الأول من القرن العشرين حروباً شرسة ضد جيوش الأئمة الزيديين من سكان الجبال.
وتترك الشعارات الجهوية والمذهبية جاذبية وسحراً لدى الشبان العاطل معظمهم من العمل، بما يذكر بسحر الشعارات القومية والأممية التي راجت خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وينطوي خطاب الكراهية على نوع من التقمص لحال الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي فينشر بعض المواقع الإلكترونية الجنوبية أخباراً تصف مواطنين شماليين بـ «المستوطنين».
وتستفيد قوى سياسية ودينية من حال التشظي التي تشهدها البلاد لتحقيق مآرب سياسية. ويقول الموظف الحكومي غسان ثابت إن سياسة التجزئة التي فشل الاستعمار في تكريسها تتحقق الآن من خلال الممارسات السلبية للأحزاب، موضحاً أن شبكات المصالح تتنافس على إعادة إنتاج احتكار السلطة والثروة اتكاء على عصبيات مناطقية ومذهبية.
ويمثل الشباب صلب الجماعات المسلحة وعمودها الفقري. ويقدم القائد الميداني لجماعة «أنصار الله» أبو علي الحاكم الذي لم يتجاوز منتصف الثلاثينات، مثالاً على مدى صعود نجم الشباب داخل الجماعات التي تمارس العنف.
والحق أن دفع الشباب للانخراط في جماعات تمارس العنف يلقى دعماً أجنبياً. وتمول الولايات المتحدة تشكيل ميليشيات من الشباب ساعدت الجيش اليمني في دحر تنظيم «القاعدة» من مناطق يمنية مثل أبين وشبوة.
ويقدم نظام تقسيم البلاد إلى 6 أقاليم الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام الحالي، وسيلة مثلى لحل مشاكل هيمنة المنطقة واحتكار السلطة والثروة، إلا أن ثمة قوى ترفض نظام الأقاليم وتتهمه بتهديد وحدة البلاد، على رغم أن بعض هذه القوى سبق واشتكى من السلطة المناطقية.
واللافت في الحال اليمنية أن التجمعات السكانية التي تتميز فعلاً بخصوصية ثقافية ولغوية مثل سقطرى والمهرة تبدو أقل تقوقعاً في هويتها فيما يرى البعض الآخر أن ضعف حضور السياسة في هذه المجتمعات، ربما جعلها أكثر انفتاحاً على الآخر من غيرها.
"صحيفة الحياة"