بين رواية "الرهينة" لزيد مطيع دماج التي صدرتْ طبعتُها الأولى عام 1982م، وتُرجمتْ إلى عدة لغاتٍ، ومسلسل "طريق المدينة" الذي أنتجته قناة "يمن شباب" وتعرضه في رمضان الحالي، كثيرٌ من التماثل والملامح المشتركة، فكلاهما يتناول فترة الأربعينيات من القرن الفائت، وهي فترة نشوءِ الحركة الوطنية في اليمن، وكلاهما يتخذ من فساد أروقة قصور الحكم في تلك الفترة مادة رئيسية يرتكز عليها سردا ودراما.
والقضية بين الفيلم والمسلسل تثار الآن إعلاميا، يذهبُ أحدُ طرفيها إلى أنَّ "طريق المدينة" سرقةٌ واضحةٌ لـ"الرهينة"، بينما ينفي الطرف الآخر ذلك قطعيا.
وقد نفى الدكتور همْدان زيد دمّاج نجل مؤلف "الرهينة" ونائب مدير مركز البحوث والدراسات أن تكون العلاقة بين العملين مجرّد تشابه هنا أو تماثل هناك، مؤكِّدا في حديثه للجزيرة نت أنَّ مسلسل "طريق المدينة" سطْوٌ واضحٌ على رواية الرهينة، ليس فقط من حيث الفكرة ولكنه تعدَّى ذلك إلى الشخصيات وإنْ بمسميات أخرى، وإلى سرقة الحوار نصيا في كثير من مشاهد المسلسل، وبما لا يدع مجالا للشك في مسألة السطو، مؤكدا أن هذه القضية ينبغي أن يحْتشد لها الأدباء والمثقفون في هذا البلد المنهار -على حد تعبيره- لأنها تمثل تحدِّيا سافرا لمبدأ حقوق الملكية الفكرية.
ويستغرب دمَّاج كيف أن مسلسلا وصلت ميزانية إنتاجه إلى أرقام مالية مهولة يسْطو بهذه الجرأة على رواية شهيرة تُصنَّفُ ضمنَ قائمة أجمل مائة رواية عالمية، كما يستغرب في ذات الوقت كيف أن المسلسل يتحدث عن تاريخ فترة من أخصب التراث في تاريخ الثورة اليمنية، ثم يُعهد في كتابة السيناريو الخاص به إلى مؤلف من خارج اليمن، وكأن تاريخ هذا البلد غريب عن مؤرخيه ومثقفيه.
تقارب أفكار
ويؤكد دمَاج أنه أعْلمَ قناة "يمن شباب" سلفاً برفضه المطلق تحويل "الرهينة" إلى مسلسل، وأنه يومَها تلقى طمأنة من إدارة القناة بأن المسلسل بعيدٌ كل البعد عن الرواية، لكنه اكتشف اليوم أن المسلسل رغم ما أضيف إليه من ملامح تمويهية هو ذات الرواية.
ووفق تصريح دماج، فإنه سيقوم برفع دعوى قضائية عقب إجازة عيد الفطر عبر محامين متخصصين، وسيطالب القضاء بالوقوف على حقيقة ما حدث عبر لجان قضائية متخصصة، مؤكدا في ذات الوقت أن الدعوى القضائية ستسير عبر مسارين، داخلي ضد منتج المسلسل في اليمن وخارجي ضد الكاتب السوري مروان قاووق مؤلف المسلسل عبر نقابة الفنون في سوريا.
من جانبه، يستغرب الأستاذ فهد المنيفي المدير العام للإنتاج والبرامج في قناة "يمن شباب" من الحديث عن سرقة "الرهينة" وتوظيفها توظيفا مذهبيا.
وأشار في حديثه مع الجزيرة نت إلى أنَّ هناكَ تقاربا بين الرواية والمسلسل، وهو أمر يحدث في كل الأعمال الفنية تأثرا وتناصَّا، لكنَّ مسألة السرقة لا أساس لها من الصحة، متسائلا عمن يجرؤ على عمل كهذا و"الرهينة" ملء سمع الناس وبصرهم، ومؤلفها عملاق نفخر به جميعا، ونقدر له شجاعته في الانتصار للإنسان اليمني لا من خلال "الرهينة" فحسب وإنما من خلال كل أعماله السردية.
لا للتوظيف السياسي
وأبدى المنيفي استغرابه من تهمة البعد المذهبي التي لو صحَّتْ في المسلسل لصحّت في الرواية، وهو أمرٌ مستبعد تماما، ذلك أن الراحل زيد مطيع دماج كان كاتبا يساريا، مؤمنا بعدالة القضية الوطنية، ومنتصرا لآمال وطموحات الشعب اليمني، وذلك أبعد ما يكون عن المذهبية.
وثمّن عاليا لجوء الدكتور همدان دمّاج للقضاء، معتبرا ذلك أسلوبا حضاريا في مثل هذه المنازعات، واثقا تمام الثقة أنَّ القضاء سيقول كلمته بعيدا عن أجواء الإثارة الصحفية والتحريض الإعلامي المفتعل، وسيميّز بكل اقتدار بين الخيطين الأبيض والأسود في هذه القضية.
وعلى الرغم من اقتناع الطرفين بالمؤسسة القضائية في فضِّ النزاع بين "الرهينة" و"طريق المدينة"، فإنَّ الكاتب المسرحي والناقد الفني صلاح نعمان لا يعوِّل في تصريحه للجزيرة نت على القضاء كثيرا في هذا النزاع لسببين، أولهما جدّة الموضوع على القضاء اليمني الذي لم يسبق له النظر في قضايا مشابهة، إضافة إلى ما يمكن الحديث عنه في هذا السياق من قضايا التناص والتأثر والتأثير، والمشترك الزماني والمكاني بين العملين.
فالسرد -يضيف نعمان- كالشعر "جادّة"، أي طريق وفق الشاعر المتنبي، وربما "وقع الحافر على الحافر"، متمنيا أن يسير أصحاب هذه القضية من الطرفين بعيدا عن التوظيف السياسي الذي يحاول إفساد كل شيء.