الفنان الفوتوغرافي والممثل المسرحي عبد الرحمن الغابري، الذي استطاع من خلال عمله كمصوّر أن يوثق لتلك الفترة، يتفق مع ناجي، إذ يشير إلى أن البدايات الأولى لنشوء فرق مسرحية، انطلقت على يد الطبقة العمّالية من عمّال الغزل والنسيج، وعدد من جنود وصف "دائرة التوجيه المعنوي" في القوات المسلحة.
وبينما يتشارك ناجي مع الغابري في إلقاء مسؤولية الانحدار الثقافي والفنّي على تيارات الإسلام السياسي والبنى القَبَلية، يؤكد ناجي أن هذه التيارات كانت جزءاً من نظام سياسي لاحق، تشكّل من الإقطاع العسكري والقبيلة السياسية وتيارات مختلفة، ويعتبر أن هذا النظام هو المسؤول عن قتل الحركة الثقافية في اليمن، وفي تعز خاصةً، مستدلاً بفشل الصراعات الأيديولوجية والسياسية التي خاضها الإسلاميون خلال عقد السبعينيات على تجميد الحراك الثقافي آنذاك.
وإذا كانت هذه الانتكاسة قد دمّرت البنية الوليدة لنشوء المسرح وتطوّر الفن الغنائي والموسيقي اليمني، فإن السينما، لم تكن بحال أفضل. وإن لم يكن قد بدأ الإنتاج السينمائي خلال تلك الفترة، إلا أن السينما ومن خلال صالات العرض المنتشرة في ربوع المدينة، لعبت دوراً مؤثراً في تمدين المجتمع، وقدّمت مساهماتٍ ثقافية وطليعية مهمة، ما جعل بعضهم يتبنى مقولة "السينما.. المدرسة الثالثة"، وهي العبارة التي كانت تكتب على الجدران خلال تلك الفترة.
صحيح أن اليمن عرف السينما قبل ثورة أيلول/ سبتمبر 1962، من خلال العمال الصينيين الذين كانوا يقومون بأعمال شق طريق صنعاء – الحُديدة، وأثناء تواجد القوات العربية المصرية لمساندة الثورة الوليدة، حيث أُنشئت صالة عرض ترفيهية للجنود، وقد كان مسموحاً لكل مواطن يسكن في تعز بالحضور ومشاهدة العروض السينمائية المختلفة، ومنها أفلام إسماعيل ياسين، التي اشتهرت في ذلك الحين، ليتبع ذلك إنشاء عدد من دور العرض السينمائية التابعة للقطاع الخاص.
لكن تدهور الحركة الثقافية منذ منتصف الثمانينيات، أدى إلى اندثارها تماماً، فقد تم إغلاق "سينما بلقيس"، أول صالة عرض سينمائي تأسست في المدينة عام 1963، وهذا المصير هو ما سرى على بقية دور العرض السينمائية: "سينما سبأ"، "سينما بلقيس2"، "سينما 23 يوليو"، وغيرها من دور السينما، بما فيها "سينما المنتزه" التابعة للدولة، والتي تحولت إلى صالة للأعراس والمناسبات، شأنها شأن عدد من دور السينما في مختلف أنحاء اليمن. وبرأي ناجي فإن "استنبات وتعزيز توجهات جماعات الإسلام السياسي في المدارس والمساجد والمعاهد، جعل استمرار دور السينما كمجال استثماري للقطاع الخاص يفشل تجارياً وتنويرياً".
ومع إغلاق دور عرض السينما التي لم يبق منها سوى صالة صغيرة واحدة، وتوقف العروض المسرحية منذ سنوات، واستخدام المسرح الوحيد في المدينة للمناسبات السياسية الرسمية، وضآلة الفعاليات الثقافية والأدبية، وتحويل المنتديات الثقافية إلى "مقايل" لتخزين القات؛ يصبح الحديث عن "العاصمة الثقافية"، كما أشار القرار الحكومي، ضرباً من السخرية الفجة، واستخفافاً موجعاً بالنشيج الذي تذرفه النخب على هذه المدينة التي كانت يوماً ما مدينة ثقافية.