توصف الدراما اليمنية بأنها من أضعف أشكال الدراما في المنطقة لأسباب عديدة، يعود بعضها إلى عدم توفّر الإمكانيات المادية، والبعض الآخر إلى غياب المراكز المتخصصة التي تعمل على تأهيل أطراف المنجز الدرامي.
وفتح هذا الوضع الهش المجال لتسلل هواة يعشقون التمثيل ولا يعرفون قواعده، ورغم وجود مواهب درامية فإن بُعدها عن الحرفية يجعل أداءها باهتا ومتخلِّفا عن مسيرة الدراما العربية التي حققت إنجازات لافتة خاصة في العقد الأخير.
وسعيا للجمع بين ما توفَّر من مواهب في المشهد الدرامي وبين القدْر الكافي من الحرفية، أنتجت قناة "يمن شباب" مسلسل "طريق المدينة" الذي استعانت فيه بخبرات سورية تأليفا وإخراجا وتمثيلا.
ويأتي الكاتب السوري مروان قاووق -مؤلف مسلسل "باب الحارة"- على رأس القائمة بصفته مؤلفا، والمخرج كِنان إسكندراني، إضافة إلى مائة ممثل منهم أربع سوريات. ويوجد من الوجوه الدرامية المعروفة الفنان قاسم عمر والفنان نبيل حزام والفنان يحيى إبراهيم والفنانة منال المليكي.
وحول فكرة المسلسل يؤكد فهد المنيفي للجزيرة نت أن "طريق المدينة" يسلّط الضوء على فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي بدأت فيها الحركة الوطنية في اليمن تكتسب قيما ثورية مثقلة بالرفض وساعية للخروج من عالم القهر والاستعباد إلى رحاب دولة يستعيد فيها اليمني إنسانيته المختطفة.
قراءة متمعنة
وأشار المنيفي الذي يعمل مديرا للإنتاج والبرامج في قناة "يمن شباب"، إلى أن المسلسل الذي سيُعرض في ثلاثين حلقة خلال رمضان القادم، يحاول من خلال قراءة متمعِّنة للمفاعيل الفكرية والاجتماعية والسياسية التي سادت تلك الفترة أن يعيد قراءة تاريخها بما ينطوي عليه من فساد مخيم في قصور الحكم، وبما كان يعتمل في الشارع اليمني من تنامي السخط الثوري، وقدرته على تجاوز الحالة الفردية إلى كيان جمعي نجح في مراحل تالية من التخلص من النظام الإمامي المستبد، وتأسيس حكم جمهوري يقوم على الشورى واحترام الإنسان.
وعن اختيار الخبرات السورية دون غيرها في هذا المسلسل، يقول المنيفي "إن الدراما السورية أثبتت في الآونة الأخيرة أنها الأقدر على تنفيذ الأعمال ذات النكهة التاريخية التي تغوص في أعماق المجتمع باحثة فيه عن قيم البساطة والتعايش الاجتماعي ورفض الظلم والانتصار للحرية"، وهي المواضيع التي جُسِّدت في أعمال درامية رائعة مثل "الخوالي" و"باب الحارة" و"ليالي الصالحية".
وأكد المخرج إسكندراني أن عملا مهما مثل "طريق المدينة" بما يحمل من أهداف ورسالة واضحة، يفتح آفاقا كثيرة أمام مخيلة المخرج ويتيح سبلا عديدة للإبداع، كما أن التقنيات الحديثة المستخدمة في التصوير توسِّع من دائرة المتاحات الفنية وصولا إلى عمل أكثر إبداعا وحرفية.
وبشأن التعامل مع الممثل اليمني، يقول إسكندارني "كان في البداية صعبا بعض الشيء لاختلاف التعابير وطرق التعامل أمام الكاميرا من حيث التقنيات، لكن هذا الأمر لم يقف عائقا أمام المواهب الموجودة داخل كل ممثل، وبقليل من الصبر خرجنا بمنجز رائع".
وأشار الفنان اليمني قاسم عمر إلى أن "طريق المدينة" يمثل خطوة صحيحة في طريق الدراما الاحترافية، وأنه وضع كثيرا من الوجوه الدرامية اليمنية في أجواء جديدة أتاحت لها أن تتلمّس مكامن الإبداع، وأن تستفيد كثيرا من الدراما السورية في كل ما يتعلق بالعمل الدرامي.
وقال عمر "رغم أن طريق المدينة ليس أول عمل درامي يمني سوري مشترك، فإن هذا العمل يأتي في ظروف أحسن، وفي مرحلة تطورت فيها الدراما اليمنية أكثر من ذي قبل".
يذكر أن مشاهد مسلسل "طريق المدينة" صوِّرت في الأحياء القديمة لمدينة صنعاء، وفي عدد من ضواحيها.