تمكنت بي بي سي من الاتصال، و بشكل غير مسبوق، ببعض النشطاء المناهضين للحكومة السعودية في المنطقة الشرقية للمملكة، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة للقضاء على أي اضطرابات مدنية.
وقد شهدت المنطقة الشرقية من المملكة احتجاجات خلال الاعوام الثلاث الماضية. ومع التطورات التي صاحبت الربيع العربي منذ عام 2011، بدأ المحتجون يعبرون عن غضبهم تجاه الحكومة. إلا أن احتجاجاتهم لم تحظ الا بالقليل جدا من التغطية الاعلامية، فمن شبه المستحيل أن يتمكن الصحفيون من العمل بحرية في المنطقة الشرقية.
ولم تكن أخبار الاحتجاجات داخل القطيف على الساحل الشرقي للمملكة، تصل حتى للناس داخل المملكة الا بالكاد.
سافرت إلى المنطقة الشرقية عدة مرات خلال العامين الماضيين دون علم السلطات السعودية.
أردت أن أعرف المزيد عن هذا الصراع الذي يخاطر فيه أفراد من الأقلية الشيعية في البلاد بحياتهم في التظاهر ضد ما يعتبره كثيرون نظاما ملكيا قمعيا.
أنا أعرف هذه المنطقة جيدا لأنني ولدت ونشأت في مدينى قريبة منها.
المنطقة الشرقية موطن معظم المسلمين الشيعة في البلاد. وتشير تقديرات إلى أنهم يشكلون أقل من 15 بالمئة من تعداد السكان، ويقول كثيرون منهم إنهم يتعرضون للتمييز الطائفي.
كانت مهمة صعبة أن أعد تقريرا عن تلك الاحتجاجات.
قد أكون سعودية لكن التجول بكاميرا كان أمرا شديد الصعوبة، إذ يعرضني ذلك للاعتقال.
واعتمدت في تقريري بشكل جزئي على صور زودني بها نشطاء والتي تظهر كيف تطور هذا الصراع على مدى الأعوام الثلاث الماضية.
وثق المحتجون ما يقومون به بشكل كامل في محاولة لإيصال رسالتهم إلى العالم. فقد صوروا أنفسهم لدى قيامهم بأعمال تمثل استفزازا كبيرا للسلطات، مثل نزع وإحراق ملصق يحمل صورة الملك، وهو أمر لا يتصوره كثير من السعوديين.
حصار في العوامية
لقد حضرت أيضا اجتماعات سرية للمحتجين. وأتضح لي أنهم لا يتفقون على ذات المطالب، لكنهم جميعا ينشدون إصلاحات شاملة.
وعلى الرغم من أن المنطقة تضم أكبر حقول للنفط في العالم، يقول النشطاء الشيعة إن سكان المنطقة يتعرضون للتهميش الاقتصادي والسياسي منذ وقت طويل.
وذات صباح في شهر فبراير/شباط من عام 2013، كنت أجلس في غرفتي عندما تلقيت رسالة مفادها أن قوات الأمن داهمت منزلين لاثنين من النشطاء المطلوبين، هما فاضل الصفواني ومرسي الربح، في منطقة العوامية إلا أنهما تمكنا من الهرب. وقد طوقت قوات الأمن المنطقة بنقاط تفتيش عقب المداهمة، لكني تمكنت من اختراق الحصار وأنا أحمل آلة تصوير.
لم يغامر أي من فاضل أو مرسي بالحديث إلى الإعلام من قبل، لكنهما قررا الآن أن يرويا لي قصتهما.
يقول فاضل: "عاملونا كإرهابيين. كان واضحا جدا أنهم يريدون قتلنا. أنتي تقفين الآن فوق آبار نفط تغذي العالم بأسره. لكننا لا نستفيد منها شيئا. الفقر والجوع وغياب الشرف وانعدام الحرية السياسية. ليس لدينا شيئ. ماذا بقي إذن؟ وبعد كل هذا يهاجموننا ويحاولون قتلنا."
اللجوء الى السلاح
وعلى مدى ثلاثة أعوام من الاضطرابات، قتل عشرون شخصا بينما سجن وأصيب المئات.
وتقول الحكومة السعودية إن النشطاء مسلحون. إلا أن النشطاء نفوا ذلك في حديثهم لي. لكن في الشهور التي قضيتها بين رحلاتي إلى المنطقة، دققت في مئات الساعات من المشاهد المصورة.
وفي أحد المقاطع فوجئت بناشط يطلق النار على الشرطة من سلاح يدوي.
ويبدو أن الأمور تغيرت. فقد سألت أحد القياديين من النشطاء ما إذا كانوا يستخدمون الأسلحة. رد قائلا: "طبعا إذا هاجمت قوات الأمن السعودية أي بيت فنحن نرى أن من المقبول استخدام أي طريقة للدفاع عن النفس." وعندما سألته بوضوح: "حتى السلاح؟" كان رده: "نعم حتى بالسلاح".
في أواخر العام الماضي اكتشفت أن مرسي الربح، الناشط الذي التقيت به في زيارتي الأولى، قد قتل. ويقول أصدقائه إن الشرطة أردته قتيلا خلال استعدادات لإحياء مناسبة دينية في شوارع العوامية. وخلال العام الحالي قتل رجلا شرطة في أعمال العنف.
ودخلت قوات الأمن والمحتجون في حلقة من المواجهات العنيفة. وأصبحت القطيف منطقة عسكرية تحيط بها نقاط التفتيش والعربات المدرعة.
وطلبت بي بي سي إجراء مقابلات مع السلطات السعودية للتعليق على الموقف إلا أنها لم تتلق ردا.
وبعد عامين من الزيارات المتكررة تبين لي أن من الخطورة بمكان متابعة التحقيق في هذه القضية، واضطررت إلى مغادرة وطني.
اعترى الخوف والشك الناس من حولي، وعاد كفاحهم سرا لا يعلم عنه الناس شيئا.
يمكنكم مشاهدة البرنامج الوثائقي السعودية: الحراك السري ، على قناة بي بي سي العربية في الساعة 1710 بتوقيت غرينتش يوم الجمعة، 30 مايو/أيار ، وتعاد إذاعته أيام 2، 3، 4 يونيو/حزيران.
وقد شهدت المنطقة الشرقية من المملكة احتجاجات خلال الاعوام الثلاث الماضية. ومع التطورات التي صاحبت الربيع العربي منذ عام 2011، بدأ المحتجون يعبرون عن غضبهم تجاه الحكومة. إلا أن احتجاجاتهم لم تحظ الا بالقليل جدا من التغطية الاعلامية، فمن شبه المستحيل أن يتمكن الصحفيون من العمل بحرية في المنطقة الشرقية.
ولم تكن أخبار الاحتجاجات داخل القطيف على الساحل الشرقي للمملكة، تصل حتى للناس داخل المملكة الا بالكاد.
سافرت إلى المنطقة الشرقية عدة مرات خلال العامين الماضيين دون علم السلطات السعودية.
أردت أن أعرف المزيد عن هذا الصراع الذي يخاطر فيه أفراد من الأقلية الشيعية في البلاد بحياتهم في التظاهر ضد ما يعتبره كثيرون نظاما ملكيا قمعيا.
أنا أعرف هذه المنطقة جيدا لأنني ولدت ونشأت في مدينى قريبة منها.
المنطقة الشرقية موطن معظم المسلمين الشيعة في البلاد. وتشير تقديرات إلى أنهم يشكلون أقل من 15 بالمئة من تعداد السكان، ويقول كثيرون منهم إنهم يتعرضون للتمييز الطائفي.
كانت مهمة صعبة أن أعد تقريرا عن تلك الاحتجاجات.
قد أكون سعودية لكن التجول بكاميرا كان أمرا شديد الصعوبة، إذ يعرضني ذلك للاعتقال.
واعتمدت في تقريري بشكل جزئي على صور زودني بها نشطاء والتي تظهر كيف تطور هذا الصراع على مدى الأعوام الثلاث الماضية.
وثق المحتجون ما يقومون به بشكل كامل في محاولة لإيصال رسالتهم إلى العالم. فقد صوروا أنفسهم لدى قيامهم بأعمال تمثل استفزازا كبيرا للسلطات، مثل نزع وإحراق ملصق يحمل صورة الملك، وهو أمر لا يتصوره كثير من السعوديين.
حصار في العوامية
لقد حضرت أيضا اجتماعات سرية للمحتجين. وأتضح لي أنهم لا يتفقون على ذات المطالب، لكنهم جميعا ينشدون إصلاحات شاملة.
وعلى الرغم من أن المنطقة تضم أكبر حقول للنفط في العالم، يقول النشطاء الشيعة إن سكان المنطقة يتعرضون للتهميش الاقتصادي والسياسي منذ وقت طويل.
وذات صباح في شهر فبراير/شباط من عام 2013، كنت أجلس في غرفتي عندما تلقيت رسالة مفادها أن قوات الأمن داهمت منزلين لاثنين من النشطاء المطلوبين، هما فاضل الصفواني ومرسي الربح، في منطقة العوامية إلا أنهما تمكنا من الهرب. وقد طوقت قوات الأمن المنطقة بنقاط تفتيش عقب المداهمة، لكني تمكنت من اختراق الحصار وأنا أحمل آلة تصوير.
لم يغامر أي من فاضل أو مرسي بالحديث إلى الإعلام من قبل، لكنهما قررا الآن أن يرويا لي قصتهما.
يقول فاضل: "عاملونا كإرهابيين. كان واضحا جدا أنهم يريدون قتلنا. أنتي تقفين الآن فوق آبار نفط تغذي العالم بأسره. لكننا لا نستفيد منها شيئا. الفقر والجوع وغياب الشرف وانعدام الحرية السياسية. ليس لدينا شيئ. ماذا بقي إذن؟ وبعد كل هذا يهاجموننا ويحاولون قتلنا."
اللجوء الى السلاح
وعلى مدى ثلاثة أعوام من الاضطرابات، قتل عشرون شخصا بينما سجن وأصيب المئات.
وتقول الحكومة السعودية إن النشطاء مسلحون. إلا أن النشطاء نفوا ذلك في حديثهم لي. لكن في الشهور التي قضيتها بين رحلاتي إلى المنطقة، دققت في مئات الساعات من المشاهد المصورة.
وفي أحد المقاطع فوجئت بناشط يطلق النار على الشرطة من سلاح يدوي.
ويبدو أن الأمور تغيرت. فقد سألت أحد القياديين من النشطاء ما إذا كانوا يستخدمون الأسلحة. رد قائلا: "طبعا إذا هاجمت قوات الأمن السعودية أي بيت فنحن نرى أن من المقبول استخدام أي طريقة للدفاع عن النفس." وعندما سألته بوضوح: "حتى السلاح؟" كان رده: "نعم حتى بالسلاح".
في أواخر العام الماضي اكتشفت أن مرسي الربح، الناشط الذي التقيت به في زيارتي الأولى، قد قتل. ويقول أصدقائه إن الشرطة أردته قتيلا خلال استعدادات لإحياء مناسبة دينية في شوارع العوامية. وخلال العام الحالي قتل رجلا شرطة في أعمال العنف.
ودخلت قوات الأمن والمحتجون في حلقة من المواجهات العنيفة. وأصبحت القطيف منطقة عسكرية تحيط بها نقاط التفتيش والعربات المدرعة.
وطلبت بي بي سي إجراء مقابلات مع السلطات السعودية للتعليق على الموقف إلا أنها لم تتلق ردا.
وبعد عامين من الزيارات المتكررة تبين لي أن من الخطورة بمكان متابعة التحقيق في هذه القضية، واضطررت إلى مغادرة وطني.
اعترى الخوف والشك الناس من حولي، وعاد كفاحهم سرا لا يعلم عنه الناس شيئا.
يمكنكم مشاهدة البرنامج الوثائقي السعودية: الحراك السري ، على قناة بي بي سي العربية في الساعة 1710 بتوقيت غرينتش يوم الجمعة، 30 مايو/أيار ، وتعاد إذاعته أيام 2، 3، 4 يونيو/حزيران.