يتمركز مسلحون حوثيون في أكثر من نقطة تفتيش على الطريق الذي يصل مدينة حوث، وسط قبيلة حاشد، محافظة عمران، بمحافظة صعدة. في هذه النقاط، وعلى جنبات الطريق وبعض المنازل، يُمكن مشاهدة "الصرخة"، والعلم الأخضر، الذي رفعه الحوثيون في الاحتفال بالمولد النبوي. مسلحو الحوثي شبان متحمسون، وبعضهم مازال دون سن الـ 18. يبدون شغوفين بمهمتهم، ويظهرون حرصاً في تفحص المارة؛ خلافاً للجنود المتمركزين في النقاط التابعة للجيش.
مديرية "حرف سفيان" كبيرة، وهي تقع اليوم، بشكل كامل، تحت سيطرة الحوثيين الذين سيطروا عليها منذ اندلاع الحرب الخامسة التي اندلعت في مايو 2008. حينها، دخلت هذه المديرية الحرب، عندما قطع مسلحون مناصرون للحوثي الطريق هنا على الجيش، مانعين مروره إلى صعدة. في أغسطس 2009، انفجرت الحرب السادسة، التي دارت في هذه المديرية، وألحقت بها دماراً كبيراً؛ إلا أنها أفضت إلى سيطرة الحوثي بشكل كامل على "حرف سفيان". أغلب مشايخ هذه المديرية التحقوا بالحوثي أو تجنبوا مواجهته، باستثناء صغير بن عزيز، الذي خاض، منتصف عام 2010، حرباً ضد الجماعة انتهت بتفجير منزله، وإخراجه من المديرية.
دمار الحرب مازال على جدران منازل مدينة "الحرف"، مركز المديرية. تقع منازل هذه "المدينة" على جانبي الطريق الرئيسي، الذي يشق واديا خصبا يبدأ منذ النزول من "الجبل الأسود"، باتجاه صعدة. زُرت هذه "المدينة" عام 2010، وأدركت حينها حجم الدمار الذي تعرضت له، جراء تلك الحربين، الخامسة والسادسة. بعد ظهر السبت الماضي، تفقدت المنازل الواقعة على جانبي الطريق، فتأكدت أني لم أكن أبالغ عندما قلت، عام 2010، إني لم أشاهد فيها منزلاً ليس فيه آثار للحرب والخراب. مازالت آثار القذائف والرصاص باقية على المنازل؛ وكأن المنطقة تريد تحويل ذاكرة الحرب إلى واقع يومي معاش.
شارك صغير بن عزيز، وهو أحد مشايخ "حرف سفيان" وعضو في البرلمان، في أغلب الحربين الخامسة والسادسة، اللتين خاضهما الجيش ضد جماعة الحوثي، في "حرف سفيان". وبعد أشهر من انتهاء الحرب السادسة، تفجرت مواجهات بين الحوثيين ومقاتلين يتبعون "بن عزيز". استمرت الحرب بين الجانبين شهرين وعشرة أيام، انتهت بتمكن المقاتلين الحوثيين، مساء 26/7/2010، من دخول منطقته (العمشية)، وتدمير منزله الواقع فيها.
والسبت الماضي، أمكنني مشاهدة منزل "بن عزيز"، على يمين الطريق الرئيسي، وهو مازال مدمراً. شأن سلطة صنعاء، خسر الرجل تلك الحرب. وعندما أطبق الحوثيون الحصار عليه، أرسل له الجيش طائرة مروحية نقلته إلى العاصمة صنعاء. ومذاك، لم يتمكن "بن عزيز" من العودة إلى منطقته، ومازال يعيش كمهجر في العاصمة.
على طول الطريق الرئيسي، الذي يقطع "حرف سفيان"، هناك فقط نقطتان عسكريتان تابعتان للجيش؛ مقابل حضور كثيف لمقاتلي جماعة الحوثي. ورغم الهدوء الذي بات يلف هذه المديرية؛ إلا أن السير في الطريق الرئيسي، الذي يقطعها، يُعد بمثابة عقاب حقيقي. تآكل جزء كبير من هذا الطريق، وتخللته حفر صغيرة تُحدث حالة ارتجاج مزعجة في السيارة. لم يسبق لي أن سرت على طريق كهذا، وأشعر بالتعاطف مع الأهالي والمارة، وقد أجبروا على التعايش مع هذا الطريق طوال سنوات. الطريق قديم، وأرجع أحد الحوثيين التآكل الفادح الذي أصابه إلى مرور دبابات الجيش فيه، سيما خلال الحروب الست التي خاضها الجيش ضد الحوثيين. بدأ العمل في ترميم وتوسيع هذا الطريق؛ إلا أن العمل توقف بعد إنجاز مسافة بسيطة من الطريق. ولمعرفة كيف تُدار البلاد، يُمكن الإشارة هنا إلى أن مشروع تنفيذ هذا الطريق أسند إلى شيخين: أحدهما من "حاشد"، والثاني من "حرف سفيان".
يسيطر الهدوء على "حرف سفيان"، بعد أن كانت تُعد من أخطر مناطق التقطع في اليمن. بدا رفيقي الحوثي منتشياً، وهو يقول لي إن جرائم القتل توقفت في هذه المديرية، وأشار إلى أن آخر جريمة قتل وقعت هنا قبل نحو 3 سنوات.
شأن كثير من المناطق الواقعة في الجغرافية الزيدية، دخلتْ "حرف سفيان" في جماعة الحوثي عبر أشخاص ذهبوا إلى صعدة لمناصرة "السيد" في حروبه التي خاضها هناك ضد الجيش. قال أحد قيادات الحوثي إن هذه المديرية بدأت مسيرتها الحوثية عبر 30 شاباً. وفقاً للرجل، فقد تجمع هؤلاء الشبان بأسلحتهم الشخصية في "مدينة الحرف"، وقرروا الذهاب إلى "مران" لمساندة حسين الحوثي في الحرب الأولى، التي اندلعت عام 2004. بلكنة تقديسية، أشار الرجل إلى أن هؤلاء الشبان لم يجدوا، حينها، سيارتين تنقلانهم في نفس الوقت إلى "مران"، إلا أنهم تمكنوا من الذهاب إلى هناك عبر دفعتين. وبعد انتهاء الحرب عاد بعضهم فقط، فيما قتل الآخرون. حمل العائدون من الحرب معهم قصص بطولات شخصية لهم ولرفاقهم، وقصصا أسطورية عن "السيد". تمكنوا من كسب مناصرين جُدد اتجهوا إلى صعدة لإعلان الولاء، ثم شاركوا ضمن مقاتلي الجماعة في بقية الحروب. كانوا مقاتلين في أيام الحروب، و"دعاة مبشرين" في مناطقهم أيام السلم. كثير من المناطق الزيدية دخلت الحوثية بذات الطريقة؛ لهذا كانت الحروب وسيلة رئيسية لاتساع جماعة الحوثي، سيما وقد تجلت الجماعة كتجسيد للمظلومية الزيدية، وكمخلص تولى مهمة الإحياء المذهبي لإيقاف مظلومية يعتقد أن عمرها نصف قرن....
تواجهك نقطة عسكرية عند الدخول إلى أراضي محافظة صعدة؛ فيما تتمركز أخرى قبل الدخول إلى عاصمة المحافظة. في المقابل، هناك حضور أكبر لمقاتلي جماعة الحوثي، الذين يبدون أكثر حرصاً في التأكد من هويات المارة، ومعرفة أسباب زيارتهم إلى صعدة. وصلنا المدينة ليلاً، وكانت الشوارع التي مررنا فيها مضاءة بشكل لافت، على غير عادة بقية المدن اليمنية. أخبرني أحد الحوثيين أن مدينة صعدة ليست ضمن الشبكة الوطنية للكهرباء، وتضاء عبر مولدات خاصة. قال الرجل إن الكهرباء تعمل هنا في المساء فقط، وتنقطع في الصباح. ودون قصد، اختبرت صدق ذلك؛ إذ لم أتمكن، ظهر اليوم الثاني، من شحن بطارية تليفوني عند تناولنا وجبة الغداء في منزل قيادي حوثي.
بتنا ليلتنا الأولى في فندق متواضع داخل المدينة. استمررنا في مضغ القات حتى وقت متأخر من المساء، وعندما انتهينا من ذلك لم أجد ما أضيع به وقتي في تلفزيون الغرفة غير قائمة قنوات أغلبها ذات اتجاه ديني وحوثي. كانت "المسيرة" تبث أناشيد عن "الشهداء"؛ فيما كان هناك برامج مملة في "المنار"، و"الساحات"، وبقية القنوات المتوفرة. لم أتمكن من مشاهدة فيلم واحد، ولم يكن بالإمكان التغلب على الأرق عبر مشاهدة "السعيدة"، أو "اليمن اليوم".
صحونا في السابعة والنصف. وبعد ساعة ونصف بدأنا رحلتنا نحو مركز "دار الحديث" السلفي، الواقع في مديرية "كتاف". سارت معنا سيارة "هيلوكس"، وأخرى "شاص"، مليئتين بمسلحين حوثيين. توقفنا عند نقطة حوثية تقع على مخرج المدينة، في الطريق المؤدي إلى "كتاف"، ثم "منفذ البقع" الحدودي. وبعد مسافة، مررنا بنقطة ثانية، ثم ثالثة. شعارات الحوثي حاضرة بقوة، وراياته الخضراء ترفرف على هذه النقاط المسلحة وحولها. وبين وقت وآخر، كنت أُشاهد سيارات حديثة عليها مسلحون حوثيون يتحركون في الطرقات كدوريات أمنية. بعض هذه الدوريات عليها "ونانات" تُصدر ذات الأصوات التي للأطقم الحكومية.
وصلنا إلى "الرزامات" التي تقع إلى يسار الطريق الرئيسي، على مسافة قريبة من مدينة صعدة. هنا دارت الحرب الثانية بين الحوثيين وقوات الجيش. قاد تلك الحرب عبد الله الرزامي، الذي تخلى عن عضويته في البرلمان، وساند صديقه حسين الحوثي في الحرب الأولى التي جرت في مسقط رأس الأخير في جبال "مران". ثم استمر بعد ذلك، وخاض الحرب الثانية مع قوات الجيش هنا في أرضه. سمعت، منذ سنوات، أن الرزامي اعتزل جماعة الحوثي، وبقي في منطقته ضمن مسلحين حوثيين تابعين له. أتذكر ما قيل حينها إن الرجل يرفض، ومقاتلوه، تصديق أن حسين الحوثي قُتل، ومازالوا ينتظرون عودته. قبل أكثر من شهر، عاد الرزامي إلى الواجهة، فشارك في الحرب في صفوف مسلحي عبد الملك الحوثي، ضد "سلفيي كتاف".
زُرت هذه المنطقة من "الرزامات" بعد الحرب الأولى، التي انتهت في العاشر من سبتمبر عام 2004، بتمكن قوات الجيش من دخول "مران"، وقتل حسين الحوثي في "جرف سلمان"، الواقع على منحدر جبلي كبير أعلى منزله.
في جبال تالية لـ"الرزامات"، تقع منطقتا "مطرة"، و"النقعة"، اللتين لجأ إليهما عبد الملك الحوثي، وظل فيهما فترة من الزمن بعيداً عن قوات الجيش. وبتنسيق مع الرزامي، أدار عبد الملك من هناك جولات مختلفة من حروبه مع قوات الجيش. اليوم، لا أحد يعرف أين هو عبد الملك؛ إلا أن الجميع يعرفون أن الرزامي يتحصن في منطقته ضمن جماعة تبدو كما لو أنها منشقة عن الحركة الأم.
على شمال الطريق الرئيسي، تقع بيوت طينية ضمن واد أخضر خصب يمتد إلى الداخل. من هنا تبدأ الرزامات، التي تقع اليوم ضمن نفوذ عبد الله الرزامي. أحد مرافقينا الحوثيين قال إن الرزامي لديه مزارع كبيرة يعمل فيها مقاتلوه على الحدود مع نجران. وعندما عرض علي زيارة الرجل، تراجعتُ عن الأمر بعد أن عرفت أن الطريق إليه بعيدة ووعرة لن تتمكن سيارتي من السير فيها.
بعد مسافة بسيطة، توقفنا أمام نقطة يتمركز فيها مسلحون حوثيون. لم يسمح هؤلاء المسلحون بمرورنا، وتجاهلوا طقمي المسلحين الحوثيين الذين كانوا معنا، إلى جانب تجاهلهم لأحد قياديي المكتب الإعلامي التابع لعبد الملك الحوثي. نزل حوثيون من سيارات عدة، وشاهدتهم وهم يتحدثون مع مسلحي هذه النقطة، محاولين إقناعهم بالسماح لنا بالمرور. بعد دقائق بسيطة، عاد رفيقاي الحوثيان إلى سيارتي، وأبلغني أحدهما سبب منع هؤلاء المسلحين لنا من المرور. يتبع هؤلاء المسلحون عبد الله الرزامي، وعند مشاهدتهم إحدى الناشطات وهي كاشفة شعرها اعتقدوا أننا من الصليب الأحمر الدولي؛ لهذا رفضوا السماح لنا بالمرور. بعد دقائق، تمكن مرافقونا الحوثيون من إقناع مسلحي النقطة أننا لسنا من الصليب الأحمر. وسمحوا بمرورنا بعد أن أقسم أحد مرافقينا يميناً أننا لسنا من الصليب الأحمر.
تجاوزنا هذه النقطة مواصلين طريقنا نحو "كتاف". على بعد مسافة كبيرة، توقفنا أمام نقطة أخرى يتمركز فيها مسلحون حوثيون يتبعون الرزامي. وبعد مسافة أخرى، مررنا بنقطة ثالثة تابعة لهم. لم أكن أدرك أن الرزامي على هذا القدر من الاستقلالية عن الجماعة. وقد بدا لي ذلك كما لو أنه بذرة انشقاق داخل الجماعة. قد يتمكن الحوثي من احتواء الرزامي وجماعته. وفي حال فشل، سيكون عليه خوض أول حرب داخلية لتصفية جيوب التمرد فيها.
يرفع مسلحو الرزامي شعارات جماعة الحوثي في نقاطهم الثلاث. كذلك ظهروا أكثر حرصاً على رفع صور حسين الحوثي. عرفت من رفيقي الحوثي أن هؤلاء المسلحون يطلقون شعر رؤوسهم، لأنهم ينتظرون عودة "السيد حسين"، الذي أصبح بمثابة "إمام غائب" بالنسبة لهم. يعترف الحوثيون بنفوذ الرزامي على هذه المناطق، ويقولون إن عبد الملك الحوثي تركها له تجنباً لأي صدام معه ومع مسلحيه، الذين يتم تعريفهم كـ"مشعّبين". و"مشعّبين" هذه تعني أنهم مبالغون في تشيعهم لحسين الحوثي. حتى الآن، يبدو الرزامي أقل من أن يُمكن وصفه كـ"متمرد" داخل الحركة، لأنه يدين بالولاء لعبد الملك، واعتزاله للجماعة يأتي ضمن غلوه في تشيعه لحسين الحوثي.
بعد نقاط الرزامي، مررنا بثلاث نقاط عسكرية تابعة للجيش، لم أشاهد فيها جندياً واحداً. المتاريس في نقاط الجيش أكثر منها في النقاط التابعة لمسلحي الحوثي والرزامي. جوار إحدى النقاط العسكرية هذه، شاهدت مدرعة، وجوار ثانية شاهدت دبابة. قال أحد رفاقي في الرحلة إن الجنود نيام؛ رغم أن الساعة كانت قد تجاوزت العاشرة والنصف صباحاً. لعل الجنود يشعرون بعدم جدوى وقوفهم في نقاط التفتيش، لأنهم يتمركزون في مناطق لا يستطيعون فرض سيطرتهم فيها. واللافت أن أعلام الجمهورية ترتفع في جميع النقاط العسكرية الواقعة ضمن نفوذ جماعة الحوثي. أتذكر الآن أني شاهدت، الأسبوع قبل الماضي، العلم الوطني يرتفع في أغلب نقاط الجيش الواقعة في الطريق المؤدي من "كرش" إلى مدينة عدن. الأرجح أن الجيش في هذه المناطق يستدعي العلم الوطني كرمز للهوية الوطنية؛ لأن الجنود يشعرون أنهم يواجهون هويات أخرى يتصاعد نفوذها على حساب اليمن كدولة جمهورية وموحدة.
من على منحدر صغير، بدأنا الهبوط نحو "كتاف"، مارين من منحدر جبلي. هنا كانت مناطق التماس في الحرب بين الحوثيين والسلفيين، على سلسلة الجبال الواقعة على يمين ويسار هذا الطريق. استمرت المعارك هنا لأشهر. وقال قيادي حوثي إن مقاتلي جماعته كانوا يتقدمون بشكل بطيء في بداية الحرب، على هذه الجبهة. وللتوضيح أكثر، قال: "كنا نتقدم مجرد أمتار بسيطة في اليوم الواحد".
وعند الوصول إلى "سوق كتاف"، أشار أحد مقاتلي الحوثي إلى المنحدر الصخري الذي ممرنا منه، وقال إن من أسماهم "التكفيريين" أعدموا هناك شخصا يعاني حالة نفسية، متهمين إياه بأنه "جاسوس حوثي".
إلى يمين الطريق الرئيسي، توزعت قرى صغيرة، تمتد أكبرها في وادي "آل أبو جبارة"، مركز هذه المديرية التي تعد أكبر مديريات صعدة.
على مدخل "سوق كتاف" يتمركز مسلحون حوثيون في نقطة تفتيش. شعارات الحوثي منتشرة بكثرة، ويبدو واضحاً أنها كُتبت على المنازل والجدران، وفي مواقع متفرقة على جانبي الطريق. عادت سيطرة عبد الملك الحوثي للظهور في هذه المديرية، بعد أن قطعتها سيطرة الرزامي في مناطق الرزامات، التي تفصل مدينة صعدة عن "كتاف".
حضور الحوثي حديث في هذه المديرية؛ إذ لم يتجاوز عمره عشرة أيام. ذلك أن مقاتلي الجماعة تمكنوا من دخول "كتاف" نهاية ديسمبر الفائت، بعد أن ظلت هذه المديرية خارجة عن سيطرتهم طوال السنوات الماضية. أحد قيادات الحوثي قال إن "كتاف" تمثل ثلثي مساحة محافظة صعدة. ابتسم الرجل وهو يقول إنهم لم يتنبهوا إلى مساحة هذه المديرية إلا بعد أن دخلوها مؤخراً، وكانوا يتقبلون حديث خصومهم عن سيطرتهم الكاملة على صعدة، رغم أن من أسماهم "التكفيريين" كانوا يسيطرون على ثلثي المحافظة، بسيطرتهم على "كتاف".
"وادي آل أبو جبارة" فاتن، وبيوته الطينية ساحرة. في مرتفع مجاور له، يقع مركز "دار الحديث" السلفي. على الطريق الرئيسي المؤدي إلى منفذ "البقع" الحدودي، يتمركز مسلحون حوثيون، في نقطة يؤدي خط أسفلتي متفرع منها إلى اليمين نحو هذا المركز. على بعد أقل من كيلومتر واحد، انعطفنا يميناً، سالكين طريقا ترابيا صعدنا فيه نحو تلة صغيرة تقع على مدخلها متاريس وخنادق، وأسطوانة غاز اخترقتها شظية.
هذا هو مركز "دار الحديث"، الذي يقول الحوثيون إنه بني قبل نحو 30 عاماً من قبل عبد المجيد الزنداني، بدعم من رجال دين آخرين، على رأسهم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن. صعدنا إلى هذا المركز في طريق ترابي لا يتجاوز 100 متر. تفضي البوابة الترابية إلى مساحة مفتوحة وغير مستوية كانت تقع فيها مباني هذا المركز محاطة بتلال، وجبل صغير، يقع على يمين من يعبر هذه البوابة.
بدا الدمار واسعاً هنا، عكس قوة الحوثيين وجبروتهم. المتاريس واضحة على قمة الجبل والتلال المحيطة بالمركز. مبانٍ مدمرة تقطعها طرق ترابية، وخنادق. إلى اليمين، هناك بقايا مبنى ممتد على طابق واحد تم نسفه بالمتفجرات. يبدو هذا المبنى كما لو أنه كان يستخدم كمخازن ملحقة بالمركز. هناك خندق حُفر من وسط الساحة الأمامية للمركز صعوداً باتجاه هذا المبنى الواقع على منحدر صخري. في بداية هذا الخندق من الأسفل، هناك بقايا مبنى آخر، مكون من طابق واحد، تم تدميره. تناثر هذا المبنى إلى حطام اختلط ببقايا ملابس رجالية ونسائية. على الجانب الأيسر، أسفل الجبل، تمتد بقايا أنقاض مبان كانت مبنية على شكل أفقي مشكلة حزاما طويلا يُطوّق جانباً كبيراً من المركز. تم تدمير كل هذه المباني. وأدت شدة التفجير إلى اقتلاع بعض أساسات هذه المباني ودفعتها بشكل معكوس إلى الأعلى.
وسط هذه المساحة الواسعة، حدثت عملية التدمير الأكبر للمسجد، الذي من الواضح أنه كان قائماً على بدروم أرضي. وقفنا على أطلال الخراب، وفي الأسفل شاهدنا عمق البدروم الأرضي. التفجير أزال كل أعمدة المبنى، باستثناء عمودين رئيسيين ظلا منتصبين وتبدو عليهما آثار الدمار. الأرجح أن هذين العمودين كانا يشكلان قوام بوابة هذا المسجد، الذي كانت تلقى فيه المحاضرات والدروس الدينية، وغير الدينية. أحد قادة الحوثي قال إنهم عثروا على وثائق بينها جدول حصص بصناعة المتفجرات والكمائن وعمليات القتل ضد الضباط، وغير ذلك من العمليات الإرهابية.
وسط الساحة، باتجاه الداخل، كان هناك مبنيان طوليان تم تدميرهما بالكامل. وإلا يمين هذين المبنيين، يقع مبنى المولد الكهربائي، الذي كان يزود المركز بالكهرباء. لا وجود للمولد؛ فالأرجح أن الحوثيين أخذوه، ضمن الوثائق والأشياء التي أخرجوها من هذا المركز قبل تفجيره. عند زيارتنا للمكان، كان هناك عمال يبحثون بين الأنقاض عن الحديد. وقد شاهدت شاحنة تمكن هؤلاء من ملئها بأسياخ الحديد استعداداً لنقلها إلى مكان ما. أعلى المكان الذي يقع فيه مبنى المولد، كان هناك متاريس وخلفها تظهر أجزاء من "وادي آل أبو جبارة"، على بعد أقل من كيلومتر واحد.
في أحد الأنفاق المحفورة وسط الساحة الرئيسية للمركز، شاهدت بقايا ساق لشخص لا وجود لجثته. عندما وقفت ألتقط صوراً لهذه الساق، أخبرني أحد المقاتلين الحوثيين أنه مازال هناك أكثر من 20 جثة لـ "التكفيريين" مرمية في جبال مجاورة شهدت معارك بين الجانبين. أشار الرجل إلى أن وسطاء قدموا، الأسبوع الماضي، إلى المكان لدفن جثث قتلى السلفيين؛ إلا أن هناك جثثا لم يدفنها هؤلاء الوسطاء، وهي هذه العشرون الجثة.
قال أحد الحوثيين إن مقاتلي جماعته دخلوا هذا المركز في هجوم كبير أدى إلى فرار جميع المقاتلين التكفيريين، باستثناء شخص منهم كان نائماً، وفوجئ، عندما استيقظ من النوم، بسيطرة الحوثيين على المكان والمنطقة.
قبل الدخول إلى هذا المركز، يقع، على يمين الطريق، منزل الشيخ مصلح بن الأثلة، وهو شيخ من أهالي "كتاف" تولى عملية إدخال السلفيين إلى المنطقة. يقع منزل "بن الأثلة" على تلة صغيرة مجاورة لمركز "دار الحديث"، وقد تم تدمير منزله هذا من قبل الحوثيين، الذين يتهمونه بإدخال السلفيين إلى المنطقة، وقيادة الحرب ضدهم. كبقية خصوم الحوثيين، انتهى الحال بـ "بن الأثلة" إلى التهجير من بلاده.
قال عبد الملك القحوم، الذي يعمل في المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي، إن "دار الحديث" هذا كان يستخدم كمركز للجماعات التكفيرية تخطط منه لعليات الاغتيالات التي حدثت ضد ضباط الجيش والأمن، وغيرهم. وأكد أن جماعته حصلت من هذا المركز على وثائق تؤكد أنه كان وكراً للجماعات التكفيرية تُخطط منه لتنفيذ عملياتها في اليمن والمنطقة العربية بشكل عام. ويقول الحوثيون إن هذه الجماعات التكفيرية اختطفت، قبل سنوات، العقيد الحسام، مدير الأمن السياسي في صعدة، وأعدمته داخل هذا المركز.
وإذ أشار القحوم إلى أنه تم بناء هذا المركز قبل نحو 30 عاماً، من قبل الزنداني وأسامة بن لادن؛ قال إن مسؤولين في النظام، على رأسهم قائد عسكري كبير، سهلوا عمل هذا المركز كوكر لتنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية المتشددة. ويقول القحوم إنه تم شق طريق أسفلتي من أجل هذا المركز، قادماً من الطريق الرئيسي المؤدي إلى منفذ "البقع"، ويؤدي إلى معسكر آخر لتنظيم القاعدة يقع على قمة جبل تفضي إلى "أم الرياح"، ثم إلى منفذ "الخضراء" الحدودي السعودي.
وقال عبد الرحمن عوض رازع، أحد مسلحي الحوثي، من أهالي "كتاف"، إن هذا المركز تأسس من قبل شخص يدعى عبادة مسعد عبادة. ويؤكد جميع الحوثيين أن الزنداني جاء، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلى هذه المنطقة، وعمل على بناء هذا المركز. وبين الوثائق التي حصل عليها الحوثيون من داخل هذا المركز، حصلت "الشارع" عن نسخ من بعضها، هناك رسالة وجهها مسؤول المركز إلى الزنداني طالبه فيها بدعم المركز، مذكراً إياه بدوره في بنائه. كذلك يجمع الحوثيون على أن أسامة بن لادن جاء إلى هذا المركز عند تأسيسه.
عرض علينا القحوم أن يأخذنا إلى معسكر تنظيم القاعدة غير المعلن، الذي قال إنه تم شق الطريق الأسفلتي من أجله، ومن أجل "مركز دار الحديث"، الذي تم تدميره. غادرنا ركام الخراب، الذي أنهى مسيرة نحو 30 عاماً من التواجد السلفي في "كتاف". قطعنا الطريق الترابي، ثم انعطفنا يساراً، وبدأنا السير في الطريق الأسفلتي، الذي يقول الحوثيون إنه شُق قبل نحو عامين من أجل إيصال الدعم من السعودية إلى معسكر تنظيم القاعدة، ومركز "دار الحديث" المدمر. وفقاً لعبد الرحمن عوض رازع، فقد تم شق هذا الطريق الأسفلتي قبل نحو عامين، بأموال سعودية، بهدف "مد التكفيريين بالدعم المالي والعسكري والمواد الغذائية القادمة من السعودية".
وفيما أفاد رازع بأن رجلي دين من نجران، يسميان حسن وفارس الجليل، كانا يتوليان الإشراف على هذا المركز ومعسكر "القاعدة" في "كتاف"، وهما من دفعا الأموال لشق هذا الطريق؛ قال إن السلطات السعودية اعتقلت، مؤخراً، هذين الشخصين بتهمة الإرهاب.
يمتد هذا الطريق الإسفلتي إلى أكثر من 30 كم، وينتهي إلى باحة غير مستوية على قمة جبل يبدأ منه طريق ترابي إلى "أم الرياح"، ومنفذ "الخضراء". يُمكن مشاهدة حداثة العمل هنا، فهناك بقايا أحجار، و"نيس"، لم يتم استكمال العمل بها لتحزيم جانبي الطريق، الذي لم أشاهد، طوال مروري فيه، أي وجود لقرية، أو لمنزل واحد، يُمكن أن يُبرر شقه. وخلال نحو ساعة ونصف لم نشاهد أي سيارة تسير هنا، باستثناء طقم تابع لمسلحي جماعة الحوثي المتمركزين في رأس الجبل. من الواضح أن هذا الطريق شُق ليكون ممراً خلفياً غير مرئي. ويقول الحوثيون إنه شُق لتأمين نقل الدعم المالي والمادي من السعودية إلى مقاتلي "القاعدة" المتمركزين في رأس هذا الجبل، و"التكفيريين" الذين كانوا في مركز "دار الحديث" في "كتاف".
انتهى بنا الطريق إلى باحة غير مستوية في قمة الجبل يقول الحوثيون إن معسكر تنظيم القاعدة كان يتمركز فيها. قال رازع إنه، وبقية مقاتلي الحوثي، خاضوا اشتباكات مع مسلحي "القاعدة"، الذين كانوا يتمركزون في هذا المكان في 52 خيمة سعودية الصنع، مكتوب عليها "خيام الخليج". وفقاً لرازع، فقد كان هذا آخر معاقل "التكفيريين"، الذين فروا من تاركين خلفهم الخيام، وأشياء أخرى، أهمها مخازن أسلحة. بسهولة، يُمكن مشاهدة أن حياة عابرة كانت هنا. وهناك مازالت خيمة يقول الحوثيون إنها من بقايا "التكفيريين".
تنتشر المتاريس في محيط المكان، الذي تطل قمته على "أم الرياح"، باتجاه الأراضي السعودية. أيضاً وجدنا في المكان بقايا حفريات، وخيمتين يتمركز في إحداها مقاتلو الحوثي، فيما قالوا إن الثانية من بقايا "التكفيريين".
صعدنا إلى قمة الجبل، وأشار أحد مسلحي جماعة الحوثي إلى الطريق الترابي النازل من الجبل نحو "أم الرياح". قال إن من تبقى من المقاتلين السلفيين فروا من مركز "دار الحديث" سالكين هذا الطريق الذي أفضى بهم إلى "أم الرياح"، ثم إلى "اليتمة"، في محافظة الجوف. بعدها، صعد الحوثيون إلى هذا الجبل، ودخلوا المعسكر الذي يقولون إنه كان مقاتلو "القاعدة" يتمركزون فيه هنا. ولتأمين المكان، يتمركز مسلحون حوثيون بشكل دائم في المكان. لقد أصبحت سلطة الحوثي تمتد إلى هنا.
*نقلا عن صحيفة الشارع
مديرية "حرف سفيان" كبيرة، وهي تقع اليوم، بشكل كامل، تحت سيطرة الحوثيين الذين سيطروا عليها منذ اندلاع الحرب الخامسة التي اندلعت في مايو 2008. حينها، دخلت هذه المديرية الحرب، عندما قطع مسلحون مناصرون للحوثي الطريق هنا على الجيش، مانعين مروره إلى صعدة. في أغسطس 2009، انفجرت الحرب السادسة، التي دارت في هذه المديرية، وألحقت بها دماراً كبيراً؛ إلا أنها أفضت إلى سيطرة الحوثي بشكل كامل على "حرف سفيان". أغلب مشايخ هذه المديرية التحقوا بالحوثي أو تجنبوا مواجهته، باستثناء صغير بن عزيز، الذي خاض، منتصف عام 2010، حرباً ضد الجماعة انتهت بتفجير منزله، وإخراجه من المديرية.
دمار الحرب مازال على جدران منازل مدينة "الحرف"، مركز المديرية. تقع منازل هذه "المدينة" على جانبي الطريق الرئيسي، الذي يشق واديا خصبا يبدأ منذ النزول من "الجبل الأسود"، باتجاه صعدة. زُرت هذه "المدينة" عام 2010، وأدركت حينها حجم الدمار الذي تعرضت له، جراء تلك الحربين، الخامسة والسادسة. بعد ظهر السبت الماضي، تفقدت المنازل الواقعة على جانبي الطريق، فتأكدت أني لم أكن أبالغ عندما قلت، عام 2010، إني لم أشاهد فيها منزلاً ليس فيه آثار للحرب والخراب. مازالت آثار القذائف والرصاص باقية على المنازل؛ وكأن المنطقة تريد تحويل ذاكرة الحرب إلى واقع يومي معاش.
شارك صغير بن عزيز، وهو أحد مشايخ "حرف سفيان" وعضو في البرلمان، في أغلب الحربين الخامسة والسادسة، اللتين خاضهما الجيش ضد جماعة الحوثي، في "حرف سفيان". وبعد أشهر من انتهاء الحرب السادسة، تفجرت مواجهات بين الحوثيين ومقاتلين يتبعون "بن عزيز". استمرت الحرب بين الجانبين شهرين وعشرة أيام، انتهت بتمكن المقاتلين الحوثيين، مساء 26/7/2010، من دخول منطقته (العمشية)، وتدمير منزله الواقع فيها.
والسبت الماضي، أمكنني مشاهدة منزل "بن عزيز"، على يمين الطريق الرئيسي، وهو مازال مدمراً. شأن سلطة صنعاء، خسر الرجل تلك الحرب. وعندما أطبق الحوثيون الحصار عليه، أرسل له الجيش طائرة مروحية نقلته إلى العاصمة صنعاء. ومذاك، لم يتمكن "بن عزيز" من العودة إلى منطقته، ومازال يعيش كمهجر في العاصمة.
على طول الطريق الرئيسي، الذي يقطع "حرف سفيان"، هناك فقط نقطتان عسكريتان تابعتان للجيش؛ مقابل حضور كثيف لمقاتلي جماعة الحوثي. ورغم الهدوء الذي بات يلف هذه المديرية؛ إلا أن السير في الطريق الرئيسي، الذي يقطعها، يُعد بمثابة عقاب حقيقي. تآكل جزء كبير من هذا الطريق، وتخللته حفر صغيرة تُحدث حالة ارتجاج مزعجة في السيارة. لم يسبق لي أن سرت على طريق كهذا، وأشعر بالتعاطف مع الأهالي والمارة، وقد أجبروا على التعايش مع هذا الطريق طوال سنوات. الطريق قديم، وأرجع أحد الحوثيين التآكل الفادح الذي أصابه إلى مرور دبابات الجيش فيه، سيما خلال الحروب الست التي خاضها الجيش ضد الحوثيين. بدأ العمل في ترميم وتوسيع هذا الطريق؛ إلا أن العمل توقف بعد إنجاز مسافة بسيطة من الطريق. ولمعرفة كيف تُدار البلاد، يُمكن الإشارة هنا إلى أن مشروع تنفيذ هذا الطريق أسند إلى شيخين: أحدهما من "حاشد"، والثاني من "حرف سفيان".
يسيطر الهدوء على "حرف سفيان"، بعد أن كانت تُعد من أخطر مناطق التقطع في اليمن. بدا رفيقي الحوثي منتشياً، وهو يقول لي إن جرائم القتل توقفت في هذه المديرية، وأشار إلى أن آخر جريمة قتل وقعت هنا قبل نحو 3 سنوات.
شأن كثير من المناطق الواقعة في الجغرافية الزيدية، دخلتْ "حرف سفيان" في جماعة الحوثي عبر أشخاص ذهبوا إلى صعدة لمناصرة "السيد" في حروبه التي خاضها هناك ضد الجيش. قال أحد قيادات الحوثي إن هذه المديرية بدأت مسيرتها الحوثية عبر 30 شاباً. وفقاً للرجل، فقد تجمع هؤلاء الشبان بأسلحتهم الشخصية في "مدينة الحرف"، وقرروا الذهاب إلى "مران" لمساندة حسين الحوثي في الحرب الأولى، التي اندلعت عام 2004. بلكنة تقديسية، أشار الرجل إلى أن هؤلاء الشبان لم يجدوا، حينها، سيارتين تنقلانهم في نفس الوقت إلى "مران"، إلا أنهم تمكنوا من الذهاب إلى هناك عبر دفعتين. وبعد انتهاء الحرب عاد بعضهم فقط، فيما قتل الآخرون. حمل العائدون من الحرب معهم قصص بطولات شخصية لهم ولرفاقهم، وقصصا أسطورية عن "السيد". تمكنوا من كسب مناصرين جُدد اتجهوا إلى صعدة لإعلان الولاء، ثم شاركوا ضمن مقاتلي الجماعة في بقية الحروب. كانوا مقاتلين في أيام الحروب، و"دعاة مبشرين" في مناطقهم أيام السلم. كثير من المناطق الزيدية دخلت الحوثية بذات الطريقة؛ لهذا كانت الحروب وسيلة رئيسية لاتساع جماعة الحوثي، سيما وقد تجلت الجماعة كتجسيد للمظلومية الزيدية، وكمخلص تولى مهمة الإحياء المذهبي لإيقاف مظلومية يعتقد أن عمرها نصف قرن....
تواجهك نقطة عسكرية عند الدخول إلى أراضي محافظة صعدة؛ فيما تتمركز أخرى قبل الدخول إلى عاصمة المحافظة. في المقابل، هناك حضور أكبر لمقاتلي جماعة الحوثي، الذين يبدون أكثر حرصاً في التأكد من هويات المارة، ومعرفة أسباب زيارتهم إلى صعدة. وصلنا المدينة ليلاً، وكانت الشوارع التي مررنا فيها مضاءة بشكل لافت، على غير عادة بقية المدن اليمنية. أخبرني أحد الحوثيين أن مدينة صعدة ليست ضمن الشبكة الوطنية للكهرباء، وتضاء عبر مولدات خاصة. قال الرجل إن الكهرباء تعمل هنا في المساء فقط، وتنقطع في الصباح. ودون قصد، اختبرت صدق ذلك؛ إذ لم أتمكن، ظهر اليوم الثاني، من شحن بطارية تليفوني عند تناولنا وجبة الغداء في منزل قيادي حوثي.
بتنا ليلتنا الأولى في فندق متواضع داخل المدينة. استمررنا في مضغ القات حتى وقت متأخر من المساء، وعندما انتهينا من ذلك لم أجد ما أضيع به وقتي في تلفزيون الغرفة غير قائمة قنوات أغلبها ذات اتجاه ديني وحوثي. كانت "المسيرة" تبث أناشيد عن "الشهداء"؛ فيما كان هناك برامج مملة في "المنار"، و"الساحات"، وبقية القنوات المتوفرة. لم أتمكن من مشاهدة فيلم واحد، ولم يكن بالإمكان التغلب على الأرق عبر مشاهدة "السعيدة"، أو "اليمن اليوم".
صحونا في السابعة والنصف. وبعد ساعة ونصف بدأنا رحلتنا نحو مركز "دار الحديث" السلفي، الواقع في مديرية "كتاف". سارت معنا سيارة "هيلوكس"، وأخرى "شاص"، مليئتين بمسلحين حوثيين. توقفنا عند نقطة حوثية تقع على مخرج المدينة، في الطريق المؤدي إلى "كتاف"، ثم "منفذ البقع" الحدودي. وبعد مسافة، مررنا بنقطة ثانية، ثم ثالثة. شعارات الحوثي حاضرة بقوة، وراياته الخضراء ترفرف على هذه النقاط المسلحة وحولها. وبين وقت وآخر، كنت أُشاهد سيارات حديثة عليها مسلحون حوثيون يتحركون في الطرقات كدوريات أمنية. بعض هذه الدوريات عليها "ونانات" تُصدر ذات الأصوات التي للأطقم الحكومية.
وصلنا إلى "الرزامات" التي تقع إلى يسار الطريق الرئيسي، على مسافة قريبة من مدينة صعدة. هنا دارت الحرب الثانية بين الحوثيين وقوات الجيش. قاد تلك الحرب عبد الله الرزامي، الذي تخلى عن عضويته في البرلمان، وساند صديقه حسين الحوثي في الحرب الأولى التي جرت في مسقط رأس الأخير في جبال "مران". ثم استمر بعد ذلك، وخاض الحرب الثانية مع قوات الجيش هنا في أرضه. سمعت، منذ سنوات، أن الرزامي اعتزل جماعة الحوثي، وبقي في منطقته ضمن مسلحين حوثيين تابعين له. أتذكر ما قيل حينها إن الرجل يرفض، ومقاتلوه، تصديق أن حسين الحوثي قُتل، ومازالوا ينتظرون عودته. قبل أكثر من شهر، عاد الرزامي إلى الواجهة، فشارك في الحرب في صفوف مسلحي عبد الملك الحوثي، ضد "سلفيي كتاف".
زُرت هذه المنطقة من "الرزامات" بعد الحرب الأولى، التي انتهت في العاشر من سبتمبر عام 2004، بتمكن قوات الجيش من دخول "مران"، وقتل حسين الحوثي في "جرف سلمان"، الواقع على منحدر جبلي كبير أعلى منزله.
في جبال تالية لـ"الرزامات"، تقع منطقتا "مطرة"، و"النقعة"، اللتين لجأ إليهما عبد الملك الحوثي، وظل فيهما فترة من الزمن بعيداً عن قوات الجيش. وبتنسيق مع الرزامي، أدار عبد الملك من هناك جولات مختلفة من حروبه مع قوات الجيش. اليوم، لا أحد يعرف أين هو عبد الملك؛ إلا أن الجميع يعرفون أن الرزامي يتحصن في منطقته ضمن جماعة تبدو كما لو أنها منشقة عن الحركة الأم.
على شمال الطريق الرئيسي، تقع بيوت طينية ضمن واد أخضر خصب يمتد إلى الداخل. من هنا تبدأ الرزامات، التي تقع اليوم ضمن نفوذ عبد الله الرزامي. أحد مرافقينا الحوثيين قال إن الرزامي لديه مزارع كبيرة يعمل فيها مقاتلوه على الحدود مع نجران. وعندما عرض علي زيارة الرجل، تراجعتُ عن الأمر بعد أن عرفت أن الطريق إليه بعيدة ووعرة لن تتمكن سيارتي من السير فيها.
بعد مسافة بسيطة، توقفنا أمام نقطة يتمركز فيها مسلحون حوثيون. لم يسمح هؤلاء المسلحون بمرورنا، وتجاهلوا طقمي المسلحين الحوثيين الذين كانوا معنا، إلى جانب تجاهلهم لأحد قياديي المكتب الإعلامي التابع لعبد الملك الحوثي. نزل حوثيون من سيارات عدة، وشاهدتهم وهم يتحدثون مع مسلحي هذه النقطة، محاولين إقناعهم بالسماح لنا بالمرور. بعد دقائق بسيطة، عاد رفيقاي الحوثيان إلى سيارتي، وأبلغني أحدهما سبب منع هؤلاء المسلحين لنا من المرور. يتبع هؤلاء المسلحون عبد الله الرزامي، وعند مشاهدتهم إحدى الناشطات وهي كاشفة شعرها اعتقدوا أننا من الصليب الأحمر الدولي؛ لهذا رفضوا السماح لنا بالمرور. بعد دقائق، تمكن مرافقونا الحوثيون من إقناع مسلحي النقطة أننا لسنا من الصليب الأحمر. وسمحوا بمرورنا بعد أن أقسم أحد مرافقينا يميناً أننا لسنا من الصليب الأحمر.
تجاوزنا هذه النقطة مواصلين طريقنا نحو "كتاف". على بعد مسافة كبيرة، توقفنا أمام نقطة أخرى يتمركز فيها مسلحون حوثيون يتبعون الرزامي. وبعد مسافة أخرى، مررنا بنقطة ثالثة تابعة لهم. لم أكن أدرك أن الرزامي على هذا القدر من الاستقلالية عن الجماعة. وقد بدا لي ذلك كما لو أنه بذرة انشقاق داخل الجماعة. قد يتمكن الحوثي من احتواء الرزامي وجماعته. وفي حال فشل، سيكون عليه خوض أول حرب داخلية لتصفية جيوب التمرد فيها.
يرفع مسلحو الرزامي شعارات جماعة الحوثي في نقاطهم الثلاث. كذلك ظهروا أكثر حرصاً على رفع صور حسين الحوثي. عرفت من رفيقي الحوثي أن هؤلاء المسلحون يطلقون شعر رؤوسهم، لأنهم ينتظرون عودة "السيد حسين"، الذي أصبح بمثابة "إمام غائب" بالنسبة لهم. يعترف الحوثيون بنفوذ الرزامي على هذه المناطق، ويقولون إن عبد الملك الحوثي تركها له تجنباً لأي صدام معه ومع مسلحيه، الذين يتم تعريفهم كـ"مشعّبين". و"مشعّبين" هذه تعني أنهم مبالغون في تشيعهم لحسين الحوثي. حتى الآن، يبدو الرزامي أقل من أن يُمكن وصفه كـ"متمرد" داخل الحركة، لأنه يدين بالولاء لعبد الملك، واعتزاله للجماعة يأتي ضمن غلوه في تشيعه لحسين الحوثي.
بعد نقاط الرزامي، مررنا بثلاث نقاط عسكرية تابعة للجيش، لم أشاهد فيها جندياً واحداً. المتاريس في نقاط الجيش أكثر منها في النقاط التابعة لمسلحي الحوثي والرزامي. جوار إحدى النقاط العسكرية هذه، شاهدت مدرعة، وجوار ثانية شاهدت دبابة. قال أحد رفاقي في الرحلة إن الجنود نيام؛ رغم أن الساعة كانت قد تجاوزت العاشرة والنصف صباحاً. لعل الجنود يشعرون بعدم جدوى وقوفهم في نقاط التفتيش، لأنهم يتمركزون في مناطق لا يستطيعون فرض سيطرتهم فيها. واللافت أن أعلام الجمهورية ترتفع في جميع النقاط العسكرية الواقعة ضمن نفوذ جماعة الحوثي. أتذكر الآن أني شاهدت، الأسبوع قبل الماضي، العلم الوطني يرتفع في أغلب نقاط الجيش الواقعة في الطريق المؤدي من "كرش" إلى مدينة عدن. الأرجح أن الجيش في هذه المناطق يستدعي العلم الوطني كرمز للهوية الوطنية؛ لأن الجنود يشعرون أنهم يواجهون هويات أخرى يتصاعد نفوذها على حساب اليمن كدولة جمهورية وموحدة.
من على منحدر صغير، بدأنا الهبوط نحو "كتاف"، مارين من منحدر جبلي. هنا كانت مناطق التماس في الحرب بين الحوثيين والسلفيين، على سلسلة الجبال الواقعة على يمين ويسار هذا الطريق. استمرت المعارك هنا لأشهر. وقال قيادي حوثي إن مقاتلي جماعته كانوا يتقدمون بشكل بطيء في بداية الحرب، على هذه الجبهة. وللتوضيح أكثر، قال: "كنا نتقدم مجرد أمتار بسيطة في اليوم الواحد".
وعند الوصول إلى "سوق كتاف"، أشار أحد مقاتلي الحوثي إلى المنحدر الصخري الذي ممرنا منه، وقال إن من أسماهم "التكفيريين" أعدموا هناك شخصا يعاني حالة نفسية، متهمين إياه بأنه "جاسوس حوثي".
إلى يمين الطريق الرئيسي، توزعت قرى صغيرة، تمتد أكبرها في وادي "آل أبو جبارة"، مركز هذه المديرية التي تعد أكبر مديريات صعدة.
على مدخل "سوق كتاف" يتمركز مسلحون حوثيون في نقطة تفتيش. شعارات الحوثي منتشرة بكثرة، ويبدو واضحاً أنها كُتبت على المنازل والجدران، وفي مواقع متفرقة على جانبي الطريق. عادت سيطرة عبد الملك الحوثي للظهور في هذه المديرية، بعد أن قطعتها سيطرة الرزامي في مناطق الرزامات، التي تفصل مدينة صعدة عن "كتاف".
حضور الحوثي حديث في هذه المديرية؛ إذ لم يتجاوز عمره عشرة أيام. ذلك أن مقاتلي الجماعة تمكنوا من دخول "كتاف" نهاية ديسمبر الفائت، بعد أن ظلت هذه المديرية خارجة عن سيطرتهم طوال السنوات الماضية. أحد قيادات الحوثي قال إن "كتاف" تمثل ثلثي مساحة محافظة صعدة. ابتسم الرجل وهو يقول إنهم لم يتنبهوا إلى مساحة هذه المديرية إلا بعد أن دخلوها مؤخراً، وكانوا يتقبلون حديث خصومهم عن سيطرتهم الكاملة على صعدة، رغم أن من أسماهم "التكفيريين" كانوا يسيطرون على ثلثي المحافظة، بسيطرتهم على "كتاف".
"وادي آل أبو جبارة" فاتن، وبيوته الطينية ساحرة. في مرتفع مجاور له، يقع مركز "دار الحديث" السلفي. على الطريق الرئيسي المؤدي إلى منفذ "البقع" الحدودي، يتمركز مسلحون حوثيون، في نقطة يؤدي خط أسفلتي متفرع منها إلى اليمين نحو هذا المركز. على بعد أقل من كيلومتر واحد، انعطفنا يميناً، سالكين طريقا ترابيا صعدنا فيه نحو تلة صغيرة تقع على مدخلها متاريس وخنادق، وأسطوانة غاز اخترقتها شظية.
هذا هو مركز "دار الحديث"، الذي يقول الحوثيون إنه بني قبل نحو 30 عاماً من قبل عبد المجيد الزنداني، بدعم من رجال دين آخرين، على رأسهم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن. صعدنا إلى هذا المركز في طريق ترابي لا يتجاوز 100 متر. تفضي البوابة الترابية إلى مساحة مفتوحة وغير مستوية كانت تقع فيها مباني هذا المركز محاطة بتلال، وجبل صغير، يقع على يمين من يعبر هذه البوابة.
بدا الدمار واسعاً هنا، عكس قوة الحوثيين وجبروتهم. المتاريس واضحة على قمة الجبل والتلال المحيطة بالمركز. مبانٍ مدمرة تقطعها طرق ترابية، وخنادق. إلى اليمين، هناك بقايا مبنى ممتد على طابق واحد تم نسفه بالمتفجرات. يبدو هذا المبنى كما لو أنه كان يستخدم كمخازن ملحقة بالمركز. هناك خندق حُفر من وسط الساحة الأمامية للمركز صعوداً باتجاه هذا المبنى الواقع على منحدر صخري. في بداية هذا الخندق من الأسفل، هناك بقايا مبنى آخر، مكون من طابق واحد، تم تدميره. تناثر هذا المبنى إلى حطام اختلط ببقايا ملابس رجالية ونسائية. على الجانب الأيسر، أسفل الجبل، تمتد بقايا أنقاض مبان كانت مبنية على شكل أفقي مشكلة حزاما طويلا يُطوّق جانباً كبيراً من المركز. تم تدمير كل هذه المباني. وأدت شدة التفجير إلى اقتلاع بعض أساسات هذه المباني ودفعتها بشكل معكوس إلى الأعلى.
وسط هذه المساحة الواسعة، حدثت عملية التدمير الأكبر للمسجد، الذي من الواضح أنه كان قائماً على بدروم أرضي. وقفنا على أطلال الخراب، وفي الأسفل شاهدنا عمق البدروم الأرضي. التفجير أزال كل أعمدة المبنى، باستثناء عمودين رئيسيين ظلا منتصبين وتبدو عليهما آثار الدمار. الأرجح أن هذين العمودين كانا يشكلان قوام بوابة هذا المسجد، الذي كانت تلقى فيه المحاضرات والدروس الدينية، وغير الدينية. أحد قادة الحوثي قال إنهم عثروا على وثائق بينها جدول حصص بصناعة المتفجرات والكمائن وعمليات القتل ضد الضباط، وغير ذلك من العمليات الإرهابية.
وسط الساحة، باتجاه الداخل، كان هناك مبنيان طوليان تم تدميرهما بالكامل. وإلا يمين هذين المبنيين، يقع مبنى المولد الكهربائي، الذي كان يزود المركز بالكهرباء. لا وجود للمولد؛ فالأرجح أن الحوثيين أخذوه، ضمن الوثائق والأشياء التي أخرجوها من هذا المركز قبل تفجيره. عند زيارتنا للمكان، كان هناك عمال يبحثون بين الأنقاض عن الحديد. وقد شاهدت شاحنة تمكن هؤلاء من ملئها بأسياخ الحديد استعداداً لنقلها إلى مكان ما. أعلى المكان الذي يقع فيه مبنى المولد، كان هناك متاريس وخلفها تظهر أجزاء من "وادي آل أبو جبارة"، على بعد أقل من كيلومتر واحد.
في أحد الأنفاق المحفورة وسط الساحة الرئيسية للمركز، شاهدت بقايا ساق لشخص لا وجود لجثته. عندما وقفت ألتقط صوراً لهذه الساق، أخبرني أحد المقاتلين الحوثيين أنه مازال هناك أكثر من 20 جثة لـ "التكفيريين" مرمية في جبال مجاورة شهدت معارك بين الجانبين. أشار الرجل إلى أن وسطاء قدموا، الأسبوع الماضي، إلى المكان لدفن جثث قتلى السلفيين؛ إلا أن هناك جثثا لم يدفنها هؤلاء الوسطاء، وهي هذه العشرون الجثة.
قال أحد الحوثيين إن مقاتلي جماعته دخلوا هذا المركز في هجوم كبير أدى إلى فرار جميع المقاتلين التكفيريين، باستثناء شخص منهم كان نائماً، وفوجئ، عندما استيقظ من النوم، بسيطرة الحوثيين على المكان والمنطقة.
قبل الدخول إلى هذا المركز، يقع، على يمين الطريق، منزل الشيخ مصلح بن الأثلة، وهو شيخ من أهالي "كتاف" تولى عملية إدخال السلفيين إلى المنطقة. يقع منزل "بن الأثلة" على تلة صغيرة مجاورة لمركز "دار الحديث"، وقد تم تدمير منزله هذا من قبل الحوثيين، الذين يتهمونه بإدخال السلفيين إلى المنطقة، وقيادة الحرب ضدهم. كبقية خصوم الحوثيين، انتهى الحال بـ "بن الأثلة" إلى التهجير من بلاده.
قال عبد الملك القحوم، الذي يعمل في المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي، إن "دار الحديث" هذا كان يستخدم كمركز للجماعات التكفيرية تخطط منه لعليات الاغتيالات التي حدثت ضد ضباط الجيش والأمن، وغيرهم. وأكد أن جماعته حصلت من هذا المركز على وثائق تؤكد أنه كان وكراً للجماعات التكفيرية تُخطط منه لتنفيذ عملياتها في اليمن والمنطقة العربية بشكل عام. ويقول الحوثيون إن هذه الجماعات التكفيرية اختطفت، قبل سنوات، العقيد الحسام، مدير الأمن السياسي في صعدة، وأعدمته داخل هذا المركز.
وإذ أشار القحوم إلى أنه تم بناء هذا المركز قبل نحو 30 عاماً، من قبل الزنداني وأسامة بن لادن؛ قال إن مسؤولين في النظام، على رأسهم قائد عسكري كبير، سهلوا عمل هذا المركز كوكر لتنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية المتشددة. ويقول القحوم إنه تم شق طريق أسفلتي من أجل هذا المركز، قادماً من الطريق الرئيسي المؤدي إلى منفذ "البقع"، ويؤدي إلى معسكر آخر لتنظيم القاعدة يقع على قمة جبل تفضي إلى "أم الرياح"، ثم إلى منفذ "الخضراء" الحدودي السعودي.
وقال عبد الرحمن عوض رازع، أحد مسلحي الحوثي، من أهالي "كتاف"، إن هذا المركز تأسس من قبل شخص يدعى عبادة مسعد عبادة. ويؤكد جميع الحوثيين أن الزنداني جاء، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلى هذه المنطقة، وعمل على بناء هذا المركز. وبين الوثائق التي حصل عليها الحوثيون من داخل هذا المركز، حصلت "الشارع" عن نسخ من بعضها، هناك رسالة وجهها مسؤول المركز إلى الزنداني طالبه فيها بدعم المركز، مذكراً إياه بدوره في بنائه. كذلك يجمع الحوثيون على أن أسامة بن لادن جاء إلى هذا المركز عند تأسيسه.
عرض علينا القحوم أن يأخذنا إلى معسكر تنظيم القاعدة غير المعلن، الذي قال إنه تم شق الطريق الأسفلتي من أجله، ومن أجل "مركز دار الحديث"، الذي تم تدميره. غادرنا ركام الخراب، الذي أنهى مسيرة نحو 30 عاماً من التواجد السلفي في "كتاف". قطعنا الطريق الترابي، ثم انعطفنا يساراً، وبدأنا السير في الطريق الأسفلتي، الذي يقول الحوثيون إنه شُق قبل نحو عامين من أجل إيصال الدعم من السعودية إلى معسكر تنظيم القاعدة، ومركز "دار الحديث" المدمر. وفقاً لعبد الرحمن عوض رازع، فقد تم شق هذا الطريق الأسفلتي قبل نحو عامين، بأموال سعودية، بهدف "مد التكفيريين بالدعم المالي والعسكري والمواد الغذائية القادمة من السعودية".
وفيما أفاد رازع بأن رجلي دين من نجران، يسميان حسن وفارس الجليل، كانا يتوليان الإشراف على هذا المركز ومعسكر "القاعدة" في "كتاف"، وهما من دفعا الأموال لشق هذا الطريق؛ قال إن السلطات السعودية اعتقلت، مؤخراً، هذين الشخصين بتهمة الإرهاب.
يمتد هذا الطريق الإسفلتي إلى أكثر من 30 كم، وينتهي إلى باحة غير مستوية على قمة جبل يبدأ منه طريق ترابي إلى "أم الرياح"، ومنفذ "الخضراء". يُمكن مشاهدة حداثة العمل هنا، فهناك بقايا أحجار، و"نيس"، لم يتم استكمال العمل بها لتحزيم جانبي الطريق، الذي لم أشاهد، طوال مروري فيه، أي وجود لقرية، أو لمنزل واحد، يُمكن أن يُبرر شقه. وخلال نحو ساعة ونصف لم نشاهد أي سيارة تسير هنا، باستثناء طقم تابع لمسلحي جماعة الحوثي المتمركزين في رأس الجبل. من الواضح أن هذا الطريق شُق ليكون ممراً خلفياً غير مرئي. ويقول الحوثيون إنه شُق لتأمين نقل الدعم المالي والمادي من السعودية إلى مقاتلي "القاعدة" المتمركزين في رأس هذا الجبل، و"التكفيريين" الذين كانوا في مركز "دار الحديث" في "كتاف".
انتهى بنا الطريق إلى باحة غير مستوية في قمة الجبل يقول الحوثيون إن معسكر تنظيم القاعدة كان يتمركز فيها. قال رازع إنه، وبقية مقاتلي الحوثي، خاضوا اشتباكات مع مسلحي "القاعدة"، الذين كانوا يتمركزون في هذا المكان في 52 خيمة سعودية الصنع، مكتوب عليها "خيام الخليج". وفقاً لرازع، فقد كان هذا آخر معاقل "التكفيريين"، الذين فروا من تاركين خلفهم الخيام، وأشياء أخرى، أهمها مخازن أسلحة. بسهولة، يُمكن مشاهدة أن حياة عابرة كانت هنا. وهناك مازالت خيمة يقول الحوثيون إنها من بقايا "التكفيريين".
تنتشر المتاريس في محيط المكان، الذي تطل قمته على "أم الرياح"، باتجاه الأراضي السعودية. أيضاً وجدنا في المكان بقايا حفريات، وخيمتين يتمركز في إحداها مقاتلو الحوثي، فيما قالوا إن الثانية من بقايا "التكفيريين".
صعدنا إلى قمة الجبل، وأشار أحد مسلحي جماعة الحوثي إلى الطريق الترابي النازل من الجبل نحو "أم الرياح". قال إن من تبقى من المقاتلين السلفيين فروا من مركز "دار الحديث" سالكين هذا الطريق الذي أفضى بهم إلى "أم الرياح"، ثم إلى "اليتمة"، في محافظة الجوف. بعدها، صعد الحوثيون إلى هذا الجبل، ودخلوا المعسكر الذي يقولون إنه كان مقاتلو "القاعدة" يتمركزون فيه هنا. ولتأمين المكان، يتمركز مسلحون حوثيون بشكل دائم في المكان. لقد أصبحت سلطة الحوثي تمتد إلى هنا.
*نقلا عن صحيفة الشارع