في مصلحة طب الأطفال بمستشفى باب الواد بوسط العاصمة الجزائرية، تمكن مراحي جمال وتحت إشراف رئيس المصلحة من تأسيس أول فرقة موسيقية أفرادها من الأطفال المرضى المقيمين بالمستشفى، وأحيت هذه الفرقة العديد من الحفلات كما نشّطت العديد من المؤتمرات الطبية المقامة بالجزائر.
في هذا المستشفى استعملت تقنية العلاج بالموسيقى، ويقصد بها استعمال الأدوات الموسيقية لأغراض علاجية من خلال التفاعل مع الموسيقى. ويقال عن هذه التقنية إنها مفيدة لعلاج الكثير من الأمراض المزمنة، والإعاقات الذهنية مثل التوحد ومرض ألزهايمر، إلى جانب مساعدتها على التغلب على الصدمات النفسية الناتجة عن العنف بمختلف أشكاله، كما تساعد على حل مشاكل الإعاقات الجسدية ومشكلات النطق.
وفي حديثه للجزيرة نت أشار جمال مراحي، رئيس جمعية شمس، إلى أن فكرة إنشاء الجمعية تبلورت من خلال تجربته التي دامت عشر سنوات في مصلحة طب الأطفال بمستشفى باب الواد من خلال إشرافه على فضاء ترفيهي للمرضى لمساعدتهم على تقبل المرض.
وبفضل مساعدة من البروفيسور لعرابة عبد النور الذي قال عنه إنه مؤمن بدور العلاج الترفيهي والتكفل السيكولوجي في مساعدة الطفل على تقبل مرضه، تمكن من إنشاء أول فرقة موسيقية أفرادها من الأطفال المرضى في المستشفى.
أنشطة
وتمكنت هذه الفرقة من إصدار قرص مضغوط يحتوي على عدة أغان من الفن الأندلسي، وبفضل هذا التكفل نجح طاقم المستشفى في مساعدة بعض الأطفال على إكمال دراستهم داخل المستشفى.
وكشف مراحي أن العديد من الأطباء والخبراء اتصلوا به لاستدعاء الفرقة لأداء أغان في مؤتمرات طبية دولية، مثل الأيام المغاربية الدولية لطب الطفل بالجزائر.
وجمعية شمس تجمع ثقافي يُعنى بالتكفل بالأشخاص المصابين بأمراض مزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة باستعمال الفن (المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية) وسيلة علاجية.
وحسب مراحي -وهو مرب مختص في تعليم الشباب الفنون الغنائية، واختصاصي في علم النفس الحركي- فإن الدليل على نجاح هذه التجربة هو تصريح رئيس المصلحة حينما قال إن المصلحة باتت تواجه نوعا جديدا من المرض، وهو رفض مغادرة المستشفى، ذلك أن العديد من الأطفال يرفضون المغادرة، لأنهم وجدوا فيها عالما أتاح لهم الفرصة للظهور وإثبات ذواتهم.
هذه التجربة دفعت مراحي ومجموعة من أصدقائه إلى تأسيس جمعية شمس التي اختارت تقنية العلاج بالموسيقى والفنون لما في هذه الأنشطة، على حد تعبيره، من وسائل تضرب على وتر القدرات الفكرية والعقلية، وكل الأحاسيس بطريقة ترفيهية، من خلال وضع فضاءات تساعد المرضى على الاندماج في مجتمع جديد، وتهيئتهم للاندماج في المدرسة وفي المجتمع كأشخاص لهم شخصيتهم المستقلة وليسوا كمعاقين.
ويكشف مراحي أن قاصدي الجمعية الذين تجاوز عددهم المائتين لهم أمراض مختلفة كالإعاقات الذهنية باختلاف أنواعها أهمها التثلث الصبغي 21 والتوحد.
وحول تشكيك البعض ورفض آخرين لهذه التقنية لأنها برأيهم لا تقوم على أسس علمية، استشهد مراحي بمقولة عرضها حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي "من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فاسد المزاج ليس له علاج"، مؤكدا أن هذه التقنية في الدول الغربية أصبحت من المسلمات، وسابقا كانت تطبق في مصحات الأمراض العقلية.
هل بالأمر مبالغة؟
أما الآن -والكلام لا يزال لمراحي- فباتت هذه التقنية تستعمل في أغلب المستشفيات وفي أمراض عضوية كثيرة. ومن خلال تجربته في مستشفيات باريس ومارسيليا أكد مراحي أن المريض قبل أن تجرى له عملية جراحية وقبل تخديره يستمع إلى موسيقى هادئة لتهدئة أعصابه، وكذلك حين يستيقظ.
وأوضح مراحي أن العلاج بالموسيقى ليس طبا بديلا، وأن المرضى الذين يقصدون الجمعية يعالجون بالتوازي عند أطباء اختصاصيين، موضحا أن من يمتهن العلاج بالموسيقى يجب أن يكون ملما بالنشاط الموسيقي نظريا وتطبيقيا، ويجب أن تكون له أيضا مؤهلات في الصحة العقلية وتكوين بسيكولوجي.
وتعتمد الجمعية -وهي الوحيدة من نوعها في الجزائر- على ثلاث مراحل للعلاج، هي المرحلة الترفيهية وبناء الثقة لرصد مشاكل الطفل، ومرحلة الاندماج في الموسيقى وتطبيق خطة العلاج والتركيز على تعليم الانضباط للمرضى، وأخيرا المرحلة الفنية حيث يتقمص المريض ثوبا جديدا لشخصيته هو ثوب الفنان، وهي مرحلة علاجية بامتياز، فبعد أن كان قبل أشهر يسمى بالمعوق بات الآن يسمى بالفنان.
ولمرضى الجمعية عدة مشاركات فنية، أهمهما تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، والمهرجان الأوروبي للموسيقى. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي مثلت الجمعية الجزائر في احتفالية بباريس افتتحت خلالها مؤسسة مختصة بالتكفل بمرضى التوحد.
لكن رئيس عمادة الأطباء الجزائريين بقاط بركاني قال للجزيرة نت إن مصطلح العلاج بالموسيقى في حد ذاته ينطوي على مبالغة، لأنه لا يمكن بأي حال أن تكون الموسيقى هي وسيلة علاجية، مشيرا إلى أن الموسيقى قد يكون لها دور في تهدئة أعصاب بعض المرضى المصابين بأمراض خطيرة أو نفسية، وحتى المرضى الذين يمكثون فترات طويلة في المستشفيات، ولكن لا يمكن للموسيقى برأيه أن تكون بديلا للعلاج بالأدوية.