مثلت أزمة سد النهضة الإثيوبي واحدة من أهم الأزمات التي اتخذها معارضو الرئيس المعزول محمد مرسي ذريعة لإظهاره في مظهر الرئيس الضعيف المفرط في حقوق مصر المائية، والمضيع لهيبتها في القارة السمراء.
وعقب عزل الجيش لمحمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي بدأ الحديث عن سد النهضة يتراجع بشكل كبير، وخفتت أصوات سياسيين وإعلاميين لطالما تعالت في وجه مرسي متهمة إياه بالتقاعس في مواجهة هذا التهديد.
وفيما فشلت جولات المحادثات -التي أجرتها السلطات الحالية في إيجاد حل للأزمة بين مصر وإثيوبيا- أعلنت مصادر في الحكومة الإثيوبية أن بناء سد النهضة يسير وفق ما هو مخطط له، وأن عملية الإنشاء تجاوزت 30% من المشروع. وأكدت أن العمل في السد -الذي يعد الأكبر في أفريقيا- سينتهي في غضون عام 2017، وهو ما قابلته السلطات المصرية بالقول إن لديها خططا لمواجهة أخطار هذا السد دون أن تفصح عن طبيعة هذه الخطط.
ويعتبر الخبير في الشؤون الأفريقية عطية عيسوي أن عدم إفصاح السلطة عن خططها يعزى لرغبتها في بعث القلق في نفوس الإثيوبيين لحثهم على الجلوس لطاولة المفاوضات. وأكد عيسوي للجزيرة نت أن مصر "لا تملك إلا اللجوء إلى المحكمة الدولية للفصل في هذا النزاع إذا وافقت إثيوبيا على هذا، أو اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي الذي يستبعد أن يصدر قرارا لصالح مصر في ظل النظام الحالي غير المرحب به من لدن الدول الغربية والأفريقية".
خسائر كبيرة
وفي أكتوبر/تشرين الماضي أكد رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي أن سد النهضة يمكن أن يكون مصدر رخاء للدول المحيطة ومنها مصر، وهو ما اختلف معه عيسوي معتبرا أن مصر ستطالها أضرار كبيرة من هذا السد الذي "سيحرمها من حوالي تسعة مليارات متر مكعب من حصتها المائية، وهي كمية تكفي لزراعة مليوني فدان، كما أنها ستفقد نحو 25% من الطاقة الكهربائية التي ينتجها السد العالي".
ولفت إلى أن تعامل النظام الحاكم الحالي مع الأزمة جاء "أقل تأثيرا وأخف حدة مقارنة بتعامل نظام الرئيس المعزول مرسي الذي كان أقرب إلى منطق الهواة"، وتابع "يجب على السلطة الحالية إبداء مرونة أكثر في مسألة الانضمام لاتفاقية عنتيبي، أو السعي للضغط على إثيوبيا بواسطة الدول التي لها مصالح مع إثيوبيا، أو التي تمول لها مشاريع كبرى كالصين وإيطاليا، وكذلك اللجوء إلى الدول والمؤسسات الممولة لمشروع السد لإجبار أديس أبابا على القبول بحل يضمن حصة مصر من المياه".
وأعرب عيسوي عن استغراب المتحدث نفسه تصريح أحد مسؤولي وزارة الري المصرية عن طرق إثيوبيا أبواب مصر لحل الأزمة، في وقت يدرك الجميع أن أديس أبابا تعلم أن القاهرة لا تملك إلا التفاوض على حد قوله.
جبهة الإنقاذ
وتقف جبهة الانقاذ صامتة إزاء عمليات البناء المتسارعة في سد النهضة، وهي التي شنت حربا ضد مرسي بسبب ما وصفته بالتقاعد في حماية حصة مصر المائية، كما طالبه بعض قادة الجبهة بتوجيه ضربة عسكرية للإنشاءات في السد، كما غيرت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب من تناولها للأزمة.
وقال سليمان للجزيرة نت إن الحديث عن تدخل عسكري في هذه القضية "لا يتماشى مع ما يعيشه العالم من علاقات جعلت من الحلول العسكرية أمرا شديد الصعوبة"، مضيفا أنه لا يوجد شيء في العالم الحديث اسمه هيبة مصر، وإنما هناك شيء اسمه احترام مصر الذي تكتسبه من خلال علاقاتها وسلوكياتها مع الدول أطراف الأزمة.
العلاقة بأفريقيا
ويضيف الخبير العسكري أنه من "الواضح أن علاقات النظام الحالي سيئة وسلوكه مرفوض بدليل تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، ومنعها من حضور القمة الأفريقية للمرة الأولى منذ خمسين عاما".
وعزا سليمان صمت السلطات الحالية ومؤيديها أمام هذه الخطوات المتسارعة لإنشاء السد إلى "ضخامة المشروع ووقوف دول ومؤسسات كبيرة خلفه"، مضيفا أن الحديث عن الحل العسكري والأمن القومي كان فقط لتأليب الشعب على الرئيس المعزول مرسي، "أما الآن وقد تصدر العسكريون المشهد فلا مجال لهذا الحديث، لأنهم لم يتمكنوا من فرض حل عسكري في سيناء حتى يفرضوه في أثيوبيا".