نشرت صحيفة مصرية في عددها اليوم تحقيقاً استقصائي تحت عنوان « اليوم السابع» تخوض مغامرة شراء مخدرات يمنية من القاهرة ، سلطة الضوء فيه على تجارة القات في مصر وآلية تهريبه وبيعه والشخصيات التي تعتبر أهم متعاطيه .
ووضعت الصحيفة العنوان الجذاب في منشتها الرئيسي في حين عنون التحقيق في الصفحات الداخلية بـ«اليوم السابع» «تخترق العالم السرى لتجارة المخدرات اليمنية فى مصر50 جراما من القات بـ120 جنيها..و2000 جنيه سعر كيلو الشمة..والدقى والعجوزة مكان البيع..عصابات يمنية تهربه من المطار باعتباره حنة أو عطارة».
وفيما يلي «يمن برس» يعيد نشر التحقيق المعد من الزميل في «اليوم السابع» أحمد أبو حجر :-
الهدوء يسيطر على المكان.. لا يقطعه سوى «سارينة» دراجة بخارية قادمة من نهاية الشارع الجانبى بمنطقة الدقى.. ساعة كاملة فى انتظار إتمام موعد رتبه وسيط لى لشراء القات أو المضغة اليمنية.. وصل شابان فى منتصف العشرينيات وفى شارع إيران بمنطقة الدقى فى تمام الساعة العاشرة مساء بحسب الموعد المتفق عليه للقاء.. أخرج أحدهما علبة بلاستيكية صغيرة تحتوى على مسحوق «بودرة» تميل إلى اللون الأخضر يصل وزنها نحو 50 جراما مقابل 100 جنيه، فيما أخرج الثانى زرعة القات من طيات ملابس.
الموعد السابق رتبه لنا وسيط مصرى مع شاب من الجالية اليمنية التى تقيم بالدقى، فقط أردنا التأكد من تلك الشائعات التى تشير إلى ترويج مخدر القات اليمنى بحى الدقى والعجوزة الذى يكثر بهما تواجد الوحدات السكنية المفروشة التى تقطن بها الجالية اليمنية سواء كطلاب بالجامعات المختلفة أو كعمالة وافدة أو هؤلاء القادمين لتلقى العلاج بالمستشفيات المصرية.
استفسرت عن «كيف» اليمنيين الذى بدأ انتشاره فى مصر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، فقال أحدهما ويدعى «جميل»: «القات» أو «المضغة» المنتشرة زراعتها وتناولها فى اليمن متوافرة لدينا إذا ما احتجت مرة أخرى له فابقنا على اتصال، ولم يجد غضاضة فى ترك هاتفه المحمول، «وأضاف هو ليس مخدرا كما يطلق عليه لكنه منشط ذهنى قوى التأثير يساعدك على العمل لمدة 24 ساعة متواصلة دون راحة»، انصرف الشابان وتركا الأسئلة تدور فى رأسى.
«القات» بحسب موسوعة ويكيبيديا شجيرة بطيئة النمو يبلغ متوسط طولها من متر إلى 3 أمتار ويبلغ طول ورقها مستديم الخضرة المائل إلى اللون البنى الغامق قرابة 5 إلى 10 سنتيمترات، واستخدمه اليمنيون كمضغة بعد دخوله إلى هناك فى القرن السادس عشر وأصدرت له حكومة عدن البريطانية فى 1844، رخصا لعدد من التجار يسمح لهم ببيعه وتصل أرباحه حاليا فى اليمن نحو 12 مليون دولار يومياً.
أثناء حصاد «القات» يتم تجميع الأوراق والأغصان الخضراء ورشها بالماء بشكل متكرر ثم توضع فى أكياس بلاستيكية للحفاظ عليها رطبة»، هكذا قال الشاب اليمنى «جميل» الذى قابلته فى المرة الأولى، ويضيف: يستخدم القات كمضغة حيث يتم مضغ الأوراق والاحتفاظ بها فى أحد جانبى الفم وببطء يتم بلع السائل الناتج عن المضغ ليصل إلى المعدة وتستغرق العملية الواحدة نحو 20 دقيقة من المضغ المتواصل وتكرر تلك العملية لـ3 مرات متتالية -فى جلسة الكيف الواحدة- للوصول إلى النشوة واليقظة والنشاط لمدة تستمر لأكثر من ساعة ونصف.
«مضغ القات وابتلاع السائل الناتج عنه له طقوس خاصة» فعلى حد وصف الشاب اليمنى يصاحب المضغ تدخين الشيشة أو السجائر وهو ما يحتاج إلى غرفة محكمة الغلق خوفا من التأثر بالهواء المتسرب إلى جلستهم الذى قد يسبب الصداع بالإضافة إلى أنه من المهم أن يصاحب عملية البلع بعض من الماء أو مياه غازية «حاجة ساقعة» أو قليل من الشاى «لبل» الريق الذى يجف نتيجة المضغ والبلع.
البنك الدولى قال فى إحصائية رسمية عن القات اليمنى إن واحدا من كل سبعة عاملين باليمن يعمل فى إنتاج وتوزيع القات، الأمر الذى يجعله أكبر مصدر للدخل فى الريف ولذلك يتم تهريبه خارج البلاد، وهو ما دعا «أيمن» الشاب اليمنى الآخر ليشرح كيف يتم تهريب القات إلى مصر، مضيفا أنه قبل ثورة 25 يناير كان القات متداولا على نطاق ضيق بين اليمنيين فى مصر بسبب إحكام القبضة الأمنية على المطارات والموانى وهو ما كان يجد صعوبة فى إدخال كميات كبيرة وكانت تقتصر على الاستعمال الشخصى، موضحا أن بعد الثورة تغير الحال وأصبحت الكميات التى قد تصل إلى نحو 10 كيلو جرامات من القات تدخل مع الأفراد اليمنيين باعتباره مواد حناء أو منتجات عطارة، بالإضافة إلى التهريب عن طريق السودان.
وأضاف القات وجد سوقا رائجة فى مصر نظرا لكثافة اليمنيين، بالإضافة إلى تواجد عدد من الأفارقة الذين يحملون جنسيات مختلفة منهم السودانيون، وهو ما دفع عددا من المصريين بمساعدة اليمنيين لاستقدام كميات كبيرة من القات عبر تهريبه من موانى اليمن إلى السودان إلى مصر عبر الدروب الصحراوية وبحيرة وناصر، ويضيف أن فى حالة التهريب عبر السودان إلى مصر فإنه يأتى مطحونا بسبب الجفاف الذى قد تتعرض له الأوراق والذى يفقدها جزءا كبيرا من أهميتها لدى المتعاطين.
أسعار القات فى مصر تختلف باختلاف المتعاطى أو «الزبون»، فالأخضر الطازج يباع منه العلبة بـ100 جنيه أما المطحون المباع فى العلبة البلاستيكية الشبيهة بعلبة «الطحينة» التى تصل سعتها إلى نحو 50 جراما يتراوح سعرها بالنسبة للزبون المصرى ما بين 100 إلى 120 جنيها فى حين أنها تباع للزبون اليمنى بسعر 80 جنيها، فبحسب «أيمن» الزبائن كثيرون متنوعو الطبقات مصريون ويمنيون ومن جنسيات أفريقية مختلفة سواء من السودان أو إريتريا أو إثيوبيا، كما أن شريحة المتعاملين معهم تتنوع لكنها تتزايد مع طلبة الجامعات، وأصحاب المهن والحرفيين.
القات كالحشيش لا يمضغ فقط لكنه يتم أيضا تدخينه عبر الشيشة أو السجائر عبر طحن الساق والبراعم الزهرية والأوراق الصغيرة الجافة.
القات بأنواعه ليس النوع الوحيد الذى بدأ فى غزو السوق المصرية، لكن أيضاً هناك مسحوق الشمة وهو عبارة عن أوراق تبغ مجفف، يميل لونها إلى اللون البنى الداكن لتعرضه لأشعة الشمس كخطوة أولى لتجفيف أوراقه، التى يتم طحنها لتضاف إلى الزعفران والماء للتغلب على رائحة التبغ لإكسابها نكهة مقبولة، بعد ذلك يغطى الإناء بالبلاستيك لفترة تتجاوز 6 ساعات لتغير لونه من البنى الداكن إلى اللون الأسود، ومن ثم يعبأ فى أكياس جيدة الغلق لتبقى محتفظة برائحتها.
وينتشر مسحوق الشمة بين اليمنيين أيضاً فى الدقى والعجوزة أو أى من تلك المناطق التى يقطنها الطلاب اليمنيون بالقاهرة والجيزة عن طريق اليمنيين القادمين للعمل فى مصر، وتباع الشمة فى علب بلاستيكية صغيرة الحجم تصل إلى نحو 50 جراما بنحو 100 جنيه فى حين أن العلبة كبيرة الحجم تصل إلى نحو 120 جنيها، وهو ما يعنى أن الكيلو يصل إلى نحو 2000 جنيه.
يتم تناول الشمة المطحونة بوضعها بين اللثة السفلية والأسنان، أو أسفل اللسان بهدف الحصول على النيكوتين، للوصول إلى الدم ومنه إلى الدماغ، وهى حسب الرأى الطبى، تتفوق على السجائر فى كميات «النيكوتين» التى تصل إلى الدم وتعتبر الشمة بديلا قويا للقات، حيث إن مستخدمها لا تظهر عليه تلك الآثار الواضحة فى انتفاخ الخدود الذى يظهر على متعاطى القات وهو ما يمكنه من استخدامها فى أى مكان، بالإضافة إلى رخص سعرها بالمقارنة مع القات وتأثيرها القوى بالمقارنة مع السجائر.
الشمة بحسب اعتقاد متعاطيها تساعدهم فى تكوين حالة من النشوة، بالإضافة إلى حالة خاصة من الارتياح والتفكير العميق كما أن متعاطيها يرغبون فى زيادة قدرتهم الجنسية باعتبارها منشطا جنسيا لكن دون أن يدركوا أن مسحوق الشمة يسبب ضعفا جنسيا، بالإضافة إلى أن لون الأسنان يميل إلى الأصفر وتتحول من كثرة الاستخدام إلى اللون البنى الداكن بالإضافة إلى رائحة كريهة تستوطن فم المتعاطى ما يسبب النفور منه وهى الآثار الجانبية الأولية لتناول الشمة، لكن بعد أن يصبح المتعاطى مدمنا لها فإنه يبدأ المعاناة فبحكم التلامس الدائم بين الشمة واللثة فإنها تسبب التهابات دائمة فيها كما أنها تعتبر من مسببات سرطان اللثة إذا ما تم استخدامها لفترة طويلة لاحتوائها على مادة النيكوتين، كما أن وضعها فى قاع الفم، يؤدى إلى حركات خاطئة أثناء الحديث للفك، ومنها التشنجات العضلية فى الفكين.
لا يعترف هؤلاء المتعاطون لنبات القات بحجم التأثيرات السلبية للمضغ فهؤلاء كما أهدروا وقتا طويلا يصل إلى ساعتين فى المضغ قد يهدر مثلهما لكى يقنع من حوله أن القات لا أضرار صحية له ناتجة عن مضغه ويكتفى «القات يساعدنا فى تحقيق راحة نفسية وينشط الذاكرة ويساعد على العمل ويبقى المتعاطى يقظا»، متجاهلا أن منظمة الصحة العالمية قد أدرجت القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة لما يحتويه من مركبات عضوية أهمها «الكاثين» و«النوربسيدو إفيدرين» وهى مواد تتشابه فى تركيبها مع الأمفيتامين، حيث تفرز بعض المواد الكيميائية التى تعمل على تحفيز الخلايا العصبية مما يقلل الشعور بالإجهاد والتعب، ويزيد القدرة على التركيز فى الساعات الأولى للتعاطى، ثم يعقب ذلك شعور بالاكتئاب والقلق، وقال تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية إن باحثيها توصلوا إلى حصر 40 مادة من أشباه القلويات فى القات، صنفوها ضمن مجموعة الكاثيديولين، ومعظمها يتشابه مع الكوكايين والأمفيتامينات فى تأثيرها على المتعاطى، تؤدى هذه المواد إلى زيادة ضربات القلب والنشاط الحركى وزيادة استهلاك الأوكسجين، وقالت إن القات مسؤول عن ارتفاع ضغط الدم واحتشاء عضلة القلب ومضغه لساعات طويلة سبب فى نوبات قلبية مفاجئة وهى سبب رئيسى فى انعدام الشهية والأورام الخبيثة فى الفم ويتسبب بمشاكل فى قرحة المعدة والمرىء، بالإضافة إلى الإصابة بمرض السكرى وعدم الاستفادة من علاج الإنسولين للسكرى.
«القات على الرغم من أنه لا يقود إلى الوفاة الفعلية إلا أنه يقتل بصمت كثيرا من الأشخاص الذين يتعاطونه»، هكذا قال الدكتور هشام الخياط، أستاذ الجهاز الهضمى والكبد، بمعهد تيودور بلهارس، مضيفا: يشعر متعاطى القات بالانتعاش المؤقت وزيادة اليقظة والنشاط أكثر من المعتاد إلا أن تلك الأعراض التى قد يعتقد معها متعاطى القات أنها إيجابية إلا أنه سرعان ما يشعر بالأرق واضطرابات فى النوم والميل إلى العدوانية.
ويضيف التناول اليومى للقات يؤدى إلى تدمير خلايا المخ والإصابة بالعته الشيخوخى، بالإضافة إلى الإصابة بارتفاع فى الإنزيمات الكبدية التى تؤدى إلى التهابات مزمنة فى الكبد وتضخم الطحال وفشل كبدى كامل يستوجب زراعة كبد.
ويكمل: القات نتيجة استخدام مزارعى القات للمبيدات والمواد الكيماوية السامة فى الزراعة يؤدى أيضا إلى الإصابة بسرطان الكبد منذ الصغر لانتشار تلك العادة بين طلبة الجامعات.
مدير صندوق مكافحة الإدمان والتبغ التابع لرئاسة الوزراء المصرية عمرو عثمان، قال إن نبات القات ليس من النباتات المخدرة المنتشرة فى مصر وإنما ينتشر فى بعض الدول العربية منها اليمن. ويشير إلى أنه يعتبر من المواد المخدرة التى تدعم القدرة البدنية وتؤدى إلى الإدمان ولديها تأثير سلبى من الناحية النفسية والبدنية، ويؤكد أن القات من المواد المحظور استخدامها فى مصر ويعاقب القانون على تداولها أو الاتجار بها.
وبحسب مصدر أمنى بإدارة مكافحة المخدرات فإن نبتة القات مدرجة فى الجدول الخامس للنباتات الممنوع زراعتها، ويحل القات فى الجدول بعد كل من نبات القنب الهندى الذى يستخرج منه مخدر الحشيش، وأيضا شجرة الكوكا ونبات الخشخاش الذى ينتج الأفيون بالإضافة إلى جميع أنواع جنس البابافير، وأضاف المصدر الذى رفض ذكر اسمه أن القانون يعاقب كلا من متعاطى وتاجر القات ومن يقوم بزراعته بالعقوبات الواردة فى قانون المخدرات رقم 182 لسنة 1960 بحيث تصل عقوبة الجلب إلى الإعدام فيما تبقى عقوبة الاتجار إلى الأشغال الشاقة فيما تبقى الحيازة المجردة والتعاطى أقل العقوبات.