الرئيسية / تقارير وحوارات / العمال المرحلون.. أزمة جديدة تنضم إلى سلسلة أزمات اليمن
العمال المرحلون.. أزمة جديدة تنضم إلى سلسلة أزمات اليمن

العمال المرحلون.. أزمة جديدة تنضم إلى سلسلة أزمات اليمن

06 ديسمبر 2013 10:30 صباحا (يمن برس)
رحّلت المملكة العربية السعودية العمّال اليمنيين الذين ثبت وجودهم بصفة غير قانونية على أراضيها، بعد أن منحتهم مهلة معينة لتسوية أوضاعهم ضمن قانون العمل والإقامة في المملكة، رغم أن الجانب السعودي قد تساهل في الإجراءات، ليحتوي أزمة العمال اليمنيين.

بعد استيفاء المدة الزمنية المحددة، عاد حوالي 200،000 عامل يمني مغترب من المملكة العربية السعودية، منذ شهر يونيو الماضي، وفقا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، ضمن عملية قامت بها السلطات السعودية لترحيل كل من يخالف قوانين العمل، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تؤدي إلى زيادة الفقر وزعزعة استقرار العملية الانتقالية في اليمن، وفق تقرير لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يرصد تداعيات هذه الخطوة على اليمن المنهك.

ويشكل العمال المرحلون إلى اليمن عبئا إضافيا على البلد الفقير الذي يعاني من انتشار البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية رغم الإعانات الدولية التي يحصل عليها. وازدادت الأزمة مع انهيار الخدمات العامة وانعدام الوقود وارتفاع أسعار الغذاء والمياه، الأمر الذي جعل الحياة بالغة الصعوبة لأغلب اليمنيين، ووضع البلاد على شفير أزمة إنسانية كبرى.

وتقف الحكومة المؤقتة اليمنية عاجزة عن إيجاد حلول لتنامي مشكلة البطالة وسوء الأوضاع المعيشية، فالمرحلة الانتقالية التي يمر بها اليمن على الصعيد السياسي، منذ سقوط نظام علي عبد الله صالح في مظاهرات حاشدة شهدها اليمن سنة 2011، أدت إلى المزيد من تدهور الحالة الإنسانية والاقتصادية، بعد أن ضاق الشعب اليمني ذرعا بنظام لم يحقق له معيشة مستقرة يحلم بها.

لذلك وجد اليمنيون العمل في المملكة العربية السعودية مهربا لهم ووسيلة للنجاة من براثن البطالة المزمنة في بلادهم، إذ أن أكثر من نصف اليمنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً عاطلون عن العمل.

معضلة اليمن
تكمن معضلة العمال العائدين في أنهم لم يستوفوا الشروط القانونية للبقاء في السعودية، رغم تمديد السلطات للفترة الزمنية الممنوحة لهم، لتسوية وضعياتهم القانونية. وتشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من العمالة اليمنية في السعودية باتت تعمل بصفة غير شرعية، ومعظمها غير مؤهل فنيا، ويفتقر إلى الخبرة والتأهيل النوعي، فضلا عن أن هؤلاء اليمنيين باتوا يعملون في مجالات تقتضي جهدا بدنيا بسيطا ولا تتطلب مهارات خاصة، فيما برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تسول بعض المغتربين وتهريب الأطفال وتجارة المخدرات.

ويرى مراقبون أن إصدار المملكة السعودية قوانين تنظم العمالة الأجنبية فيها هو حق سياسي سيادي خاص بالسعودية، وأن أزمة العمالة اليمنية فيها، مشكلة يمنية لا سعودية، جوهرها كون اليمن عالقا منذ عقود خارج الزمن في طاحونة الصراعات الداخلية، وعدم مواكبته للتحولات الإقليمية والدولية المتتابعة.

هذه الأزمة لم تعف الحكومة اليمنية من الانتقادات التي وجهها إليها ناشطون سياسيون، من عدم التزامها بواجباتها وتحمل مسؤولياتها إزاء معالجة أوضاع مواطنيها في السعودية، ووفقا للإحصاءات الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، والتي تساعد على تقديم المساعدة الطارئة للعائدين عند معبر الطوال الحدودي، كان 93 بالمئة من العائدين ذكورا، وقال 98 بالمئة منهم إنهم عادوا بسبب افتقارهم إلى وثائق سليمة. وتقول الحكومة اليمنية إنها تتوقع عودة 400،000 مواطن آخر عاطل عن العمل على الأقل في الأشهر المقبلة.

معضلة المخالفين، حسب حورية مشهور، وزيرة حقوق الإنسان اليمنية، "أنهم يشكون من أنواع مختلفة من الانتهاكات، من قبل كفلائهم عندما يرفضون أن يدفعوا لهم أي تعويضات عن العمل الذي قاموا به في شركاتهم".

وأضافت مشهور قائلة: "ما لم نمنحهم الفرص لعيش حياة كريمة نخشى أنهم قد يتحولون إلى عنصر من عناصر عدم الاستقرار. وبالتأكيد سيكونون بحاجة ماسة إلى مساعدة فورية على المدى القصير، مثل الغذاء والعلاج الطبي، ولكن على المدى الطويل، ينبغي علينا توفير المزيد من فرص العمل لتغطية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم أيضا".

حملة صارمة
في أواخر مارس 2013، بدأت الشرطة تنفيذ حملة صارمة وجيزة استهدفت العمال الأجانب كجزء من سياسة الحكومة لفرض قوانين العمل وخلق المزيد من فرص العمل للملايين من العمال السعوديين العاطلين عن العمل.

وتحاول السعودية في إطار سلسلة إصلاحات بدأت قبل عامين توفير وظائف لمواطنيها، حيث بلغت نسبة البطالة 12 في المئة وفقا للبيانات الرسمية. ولا تتضمن هذه النسبة العدد الكبير من العاطلين الذين لا يبحثون عن عمل. وكثيرا ما أشار كبار المسؤولين السعوديين إلى أن جهود رفع نسبة شاغلي الوظائف بين المواطنين من بين أكبر التحديات التي تواجه البلاد.

ومن الجدير بالذكر أنه بموجب نظام الكفالة المتبع في المملكة العربية السعودية، ينبغي على أرباب العمل الأصليين للعمالة الوافدة منح الإذن لتغيير العمل، وكذلك الإذن بمغادرة البلاد. كما يأخذ العديد من الكفلاء جوازات سفر العمال المهاجرين عند وصولهم. وحتى الآن، كانت الدولة تتغاضى عن تغيير العمال لوظائفهم والعمل لدى أصحاب عمل جدد دون استيفاء الأوراق اللازمة نظراً إلى أهمية العمال الأجانب في الاقتصاد السعودي.

وفي سياق متصل، تعتمد آلاف الأسر اليمنية على التحويلات النقدية التي يرسلها اليمنيون العاملون في الخارج والتي أصبحت بمثابة طوق نجاة لها. ووفقا لدراسات استقصائية أجرتها المنظمة الدولية للهجرة، كان ثلاثة أرباع العائدين يرسلون الأموال إلى اليمن.

وأكدت تيريزا زكريا، في بيان صادر عن المنظمة الدولية للهجرة، أن "حقيقة أن الأسر لن تتلقى هذه التحويلات بعد الآن سيكون لها تأثير كبير عليها وعلى الاقتصاد في منطقتها". كما حذرت قائلة: "إننا نشهد فقدان حوالي 5 ملايين دولار بسبب توقف التحويلات النقدية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر فقط. ويعود معظمهم إلى مناطق ذات مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. وسوف تؤدي هذه الخسارة الفادحة في الدخل إلى تفاقم هذا الوضع لا محالة".

السفر عن طريق الهرب
يوجد نحو تسعة ملايين عامل مهاجر في المملكة العربية السعودية، من بينهم أعداد كبيرة من البنغاليين واليمنيين والإثيوبيين، وبسبب الفرق الشاسع في الفرص الاقتصادية بين واحدة من أفقر الدول في شبه الجزيرة العربية وواحدة من أغناها، يواصل العديد من اليمنيين السفر شمالا للبحث عن عمل، بسبب وضع اقتصادي مترد وتراكم الفساد الذي كان نتيجة سياسات لم تجلب للبلاد سوى المعاناة المستمرة وخلقت مستوى عاليا من الفقر .

عبد السلام هو من اليمنيين الذين اختاروا طريق الهروب إلى السعودية، بطريقة غير شرعية، بسبب أوضاع معيشتهم المزرية، وتم تهريب عبد السلام، البالغ من العمر 27 عاما والقادم من محافظة ريمة اليمنية، إلى المملكة العربية السعودية أربع مرات وكان مصيره الترحيل في كل مرة.

وكان عبد السلام يعمل في المملكة العربية السعودية لدى رجل أعمال يمني من قريته، وكان يبيع الهواتف والعطور والحلويات. وأضاف قائلا: "إنهم (أرباب الأعمال اليمنيون) يستأجرون فقط العمال الذين يتم تهريبهم خلال مواسم الأعياد، مثل الحج، عندما يكون تطبيق القانون أقل صرامة. وخلال الفترة المتبقية من العام، يتعرض أصحاب الأعمال المشروعة للطرد إلى خارج البلاد، إذا تم اكتشاف توظيفهم لعمال غير شرعيين مثلي".

وقال عبد السلام إنه عندما كان يعمل، كان يرسل حوالي نصف راتبه الشهري البالغ 1،500 ريال سعودي (400 دولار) إلى أسرته في اليمن. وقال شقيقه الأصغر، محمد، الذي يعيش في صنعاء: "حتى في ذلك الحين، وعلى الرغم من مساهمته هذه، لم يكن لدى الأسرة ما يكفي من المال. والآن لدينا قدر أقل من المال. لا يمكننا شراء ما يكفي من الغذاء لتناول الوجبات اليومية. وليست لدينا غسالة ملابس أو ثلاجة. يمكننا فقط تحمل نفقات الأشياء الأساسية".

الفئات الضعيفة
وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش إن المملكة العربية السعودية لديها الحق في طلب الامتثال لقوانين العمل، ولكن يجب عليها أن تدرس الطرق التي تجعل العمال عرضة لسوء المعاملة.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال آدم كوغل، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش: "عليك أن تفهم السبب الذي يجعل هذا العدد الكبير من العاملين في المملكة العربية السعودية يعيش في وضع غير قانوني، والسبب الذي يجعل هذا العدد الكبير من الناس يعمل لدى شركات وأفراد ليسوا كفلاءهم الرسميين".

وأضاف أن "أرباب العمل لديهم سلطة مفرطة على موظفيهم، حيث يتعرض العمال لمشاكل، ولا يمكنهم عمل الكثير لأنهم يحتاجون إلى موافقة صاحب العمل الأول لتغيير وظائفهم".

وكثيرا ما تعاني العلاقات بين اليمن وجاره الشمالي الغني من التوتر المتمثل في النزاعات الدائمة على ترسيم وحراسة حدودهما المشتركة التي يبلغ طولها 1،458 كيلومتر. كما كانت السعودية تدعم نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خلال الحرب الأهلية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة، الذين أصبحوا بمثابة عدو مشترك على جانبي الحدود اليمنية-السعودية. ولكن المشاكل الاقتصادية التي تغرق اليمن، زادها تغلغلا انتشار تنظيم القاعدة المتشدد في البلاد التي لا تزال تخطو خطوات بطيئة لتثبيت حكومة قادرة على إنقاذ اليمن من دوامة الفقر والصراعات الداخلية التي تعصف به.

200.000 عامل يمني عادوا في شهر يونيو الماضي

400.000 عامل يمني سيعودون في الأشهر المقبلة

98 بالمئة من العمال عادوا لافتقارهم إلى وثائق سليمة

50 ألف عامل يتم ترحيلهم شهريا من السعودية
شارك الخبر