منذ عامين ونصف العام يلعب الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر دوراً بالغ الأهمية في رسم واقع ومستقبل اليمن، ورعاية حوارات واتفاقات القوى السياسية والمجتمعية اليمنية والإشراف عليها، ويضطلع بمهمة وضع المجتمع الدولي أمام صورة ما يحدث في اليمن، واستقطاب الدعم الدولي لدعم تنفيذ مهام العملية السياسية الانتقالية الجارية هناك.
مناضل المغربي
ولد جمال بنعمر في العام 1957 بمدينة الناظور شمال المملكة المغربية، وعُرف في شبابه كناشط سياسي يساري وحقوقي مغربي، فقاده نشاطه إلى المعتقل في 1976، وحكم عليه بالحبس لمدة 12 سنة. وخلال وجوده في السجن حصل على البكالوريوس في الحقوق من جامعة تطوان، وبدأ الدراسة بالمراسلة للحصول على الماجستير من جامعة فرنسية.
قضى بنعمر نحو ثمان سنوات في السجن، ثم خرج في 1983 بموجب عفو ملكي. فغادر حينها المغرب إلى إسبانيا، ومن بعدها إلى بريطانيا، حيث التحق بالعمل مع منظمة العفو الدولية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وانضم هناك إلى معهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتم اختياره في 1994م للعمل في الأمم المتحدة.
دبلوماسي ناجح
ساهم بنعمر خلال عمله في معهد كارتر في إعادة صياغة دساتير عدة دول، وشارك في بعثات مراقبة الانتخابات في عدد من البلدان. وخلال وجوده في الأمم المتحدة عمل في برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وفي قسم الشؤون السياسية، وكُلف بالملف العراقي لفترة من الزمن، ورافق الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي في مهمته مبعوثا أمميا خاصا لأفغانستان، كما شارك في تسوية نزاعات دولية هامة في كوسوفو، والبوسنة، وجنوب أفريقيا، ومنطقة البحيرات الكبرى. وشغل منصب مدير برنامج إعادة إعمار الدول التي تعاني من الأزمات، إلى أن عينه بان كي مون مبعوثا شخصيا له إلى اليمن. وفي الأول من أغسطس 2012 جرى تعيينه مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بدرجة أمين عام مساعد، ومسؤولا وممثلا للمساعي الحميدة للمنظمة الدولية في اليمن خلال المرحلة الانتقالية.
مهمة صعبة
مع تزايد القمع والعنف الذي واجهت به سلطات الرئيس السابق علي عبدالله صالح شباب الثورة الشعبية في عام 2011، وبعد أيام من انشقاق الجيش اليمني، سجل جمال بنعمر زيارته الأولى لليمن في أبريل من ذلك العام مبعوثاً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ثم تتالت زيارته إلى أن بلغت حتى الآن 23 زيارة قضى خلالها نحو 250 يوما في اليمن.
وخلال هذه الزيارات استطاع بنعمر تحقيق ما يشبه المعجزة في مساعدة اليمنيين على تجاوز الأزمة، إذ أسهمت جهوده في وقف الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في 2011، واستطاع جمع طرفي الحكم والمعارضة على طاولة الحوار، وكان له الدور الأكبر في التوصل إلى اتفاق التسوية السياسية عبر طرحه لأفكار أدت لإدخال تغييرات جوهرية وإجرائية هامة على المبادرة الخليجية، وصياغة الآلية التنفيذية للمبادرة. وعلى ضوء جهوده ومعلوماته أصدر مجلس الأمن قرارين وعدة بيانات حول الأوضاع في اليمن، مثل كل ذلك جزءاً من مرجعيات العملية السياسية الانتقالية. وبموجب ذلك فلتت اليمن من حرب أهلية كارثية كانت نذرها قد ملأت أنحاء البلاد.
تنفيذ الاتفاق
بعد توقيع اتفاق التسوية السياسية في نوفمبر 2011 تواصلت جهود بنعمر في متابعة تطبيق الاتفاق وتنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتذليل الصعوبات الماثلة، وأدت جهوده وضغوطه إلى معالجة خلافات كبيرة نشأت بين طرفي الاتفاق حول عدة موضوعات، منها منح الرئيس السابق ومن عملوا معه الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، وتزكية مجلس النواب لعبدربه منصور هادي كمرشح وحيد في انتخابات 2012، وتنفيذ قرارات الرئيس هادي بشأن عزل وتغيير بعض القيادات العسكرية من أقرباء ومعاوني الرئيس السابق.
ومع بدء التحضيرات لعقد مؤتمر الحوار الوطني ساهم بنعمر في دعم جهود لجنة الاتصال بأطراف الحوار، ثم قدم، بمعية فريق من الخبراء العامين معه، استشارات وخبرات مهمة في عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وأدت جهوده إلى تخطي أكبر العقبات والخلافات التي واجهت عمل اللجنة، ومن بينها تحديد نسب وحصص الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار.
وعلى مدى عدة أشهر عقد بنعمر سلسلة من اللقاءات في عدن وصنعاء والقاهرة ودبي مع قيادات وقوى الحراك الجنوبي لإقناعها بالمشاركة في مؤتمر الحوار، وقادت تلك اللقاءات بعض قوى الحراك إلى أروقة المؤتمر. وعندما تعرض المؤتمر لخطر الفشل والانهيار بسبب انسحاب قوى الحراك الجنوبي منه في أغسطس- آب الماضي، استطاع بنعمر معالجة المعضلة وأتي بممثلي الحراك مجددا إلى طاولة الحوار، لتتشكل بناء على مقترحاته لجنة جنوبية شمالية مصغرة اضطلعت بمناقشة مشروع وثيقة لحل القضية الجنوبية قيل إن بنعمر هو الذي صاغها على ضوء ما سبق من حوارات وما قُدم من رؤى في فريق القضية الجنوبية بالمؤتمر، وتقترح الوثيقة قيام دولة اتحادية (فيدرالية) يمنية، تسبقها فترة تأسيسية يُمثل الجنوب فيها بنسبة خمسين بالمائة في كافة مؤسسات الدولة وهياكلها القيادية.
تكريم يمني
كرّم الرئيس اليمني هادي بنعمر بمنحه وساماً رفيعاً تقديراً "لما قام به وما بذله من جهود جبارة لتجنيب اليمن ويلات الصراع". واختارت صحيفة "يمن تايمز" بنعمر رجل العام 2011 في اليمن. واقترح البعض منحه الجنسية اليمنية، وإطلاق أسمه على أحد شوارع العاصمة صنعاء، ونحت تمثال كبير له، وأنبأتنا أخبار طريفة أن أحد اليمنيين عرض على بنعمر تزويجه بابنته تعبيرا عن الامتنان والشكر على ما قدمه لليمن.
اليماني ناحت الصخر
يؤكد العديد من السياسيين اليمنيين أن الصفات الشخصية التي يتمتع بها بنعمر، وصبره، ونفسه الطويل، وخبراته، وقدرته الدبلوماسية العالية، هي سر نجاح جهوده في اليمن. ويضيف صديقه المغربي إلياس العمري إلى هذه الصفات: "الحفاظ على العمق الإنساني الكامن في دواخله، وقدرته على التعرف سريعا على معاناة الآخرين بحكم المعاناة التي صادفها هو أيضا في مشواره". ويقول العمري إن بنعمر "معروف بسعة ورحابة صدره، ويتقبل جميع الآراء، ولديه قدرة على الاستماع لموقفين متضادين في لحظة واحدة، والبحث عن مكامن الالتقاء بينهما".
وكتب الصحفي حاتم البطيوي: "استطاع جمال بنعمر أن ينحت في صخر التوتر اليمني، ويتعاطى مع إكراهات الجغرافيا وتقلبات السياسة وأنوائها ووطأة الحياة الاجتماعية الصعبة في هذا البلد بإزميل نحات الدبلوماسية البارع، لدرجة أن زملاءه في الأمم المتحدة أصبحوا ينادونه باسم "اليماني"، بعد أن انغمست يداه في عجين سياسة بلاد الملكة بلقيس، وتناقضاتها وتعقيداتها المتناسلة مثل الفطر، عاملا على تجاوز المنعطفات والانعراجات التي تصل فيها حوارات أطراف الأزمة اليمنية إلى الطريق المسدود".
"هنا أمستردام"
من صنعاء:عثمان تراث
مناضل المغربي
ولد جمال بنعمر في العام 1957 بمدينة الناظور شمال المملكة المغربية، وعُرف في شبابه كناشط سياسي يساري وحقوقي مغربي، فقاده نشاطه إلى المعتقل في 1976، وحكم عليه بالحبس لمدة 12 سنة. وخلال وجوده في السجن حصل على البكالوريوس في الحقوق من جامعة تطوان، وبدأ الدراسة بالمراسلة للحصول على الماجستير من جامعة فرنسية.
قضى بنعمر نحو ثمان سنوات في السجن، ثم خرج في 1983 بموجب عفو ملكي. فغادر حينها المغرب إلى إسبانيا، ومن بعدها إلى بريطانيا، حيث التحق بالعمل مع منظمة العفو الدولية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وانضم هناك إلى معهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتم اختياره في 1994م للعمل في الأمم المتحدة.
دبلوماسي ناجح
ساهم بنعمر خلال عمله في معهد كارتر في إعادة صياغة دساتير عدة دول، وشارك في بعثات مراقبة الانتخابات في عدد من البلدان. وخلال وجوده في الأمم المتحدة عمل في برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وفي قسم الشؤون السياسية، وكُلف بالملف العراقي لفترة من الزمن، ورافق الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي في مهمته مبعوثا أمميا خاصا لأفغانستان، كما شارك في تسوية نزاعات دولية هامة في كوسوفو، والبوسنة، وجنوب أفريقيا، ومنطقة البحيرات الكبرى. وشغل منصب مدير برنامج إعادة إعمار الدول التي تعاني من الأزمات، إلى أن عينه بان كي مون مبعوثا شخصيا له إلى اليمن. وفي الأول من أغسطس 2012 جرى تعيينه مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بدرجة أمين عام مساعد، ومسؤولا وممثلا للمساعي الحميدة للمنظمة الدولية في اليمن خلال المرحلة الانتقالية.
مهمة صعبة
مع تزايد القمع والعنف الذي واجهت به سلطات الرئيس السابق علي عبدالله صالح شباب الثورة الشعبية في عام 2011، وبعد أيام من انشقاق الجيش اليمني، سجل جمال بنعمر زيارته الأولى لليمن في أبريل من ذلك العام مبعوثاً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ثم تتالت زيارته إلى أن بلغت حتى الآن 23 زيارة قضى خلالها نحو 250 يوما في اليمن.
وخلال هذه الزيارات استطاع بنعمر تحقيق ما يشبه المعجزة في مساعدة اليمنيين على تجاوز الأزمة، إذ أسهمت جهوده في وقف الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في 2011، واستطاع جمع طرفي الحكم والمعارضة على طاولة الحوار، وكان له الدور الأكبر في التوصل إلى اتفاق التسوية السياسية عبر طرحه لأفكار أدت لإدخال تغييرات جوهرية وإجرائية هامة على المبادرة الخليجية، وصياغة الآلية التنفيذية للمبادرة. وعلى ضوء جهوده ومعلوماته أصدر مجلس الأمن قرارين وعدة بيانات حول الأوضاع في اليمن، مثل كل ذلك جزءاً من مرجعيات العملية السياسية الانتقالية. وبموجب ذلك فلتت اليمن من حرب أهلية كارثية كانت نذرها قد ملأت أنحاء البلاد.
تنفيذ الاتفاق
بعد توقيع اتفاق التسوية السياسية في نوفمبر 2011 تواصلت جهود بنعمر في متابعة تطبيق الاتفاق وتنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتذليل الصعوبات الماثلة، وأدت جهوده وضغوطه إلى معالجة خلافات كبيرة نشأت بين طرفي الاتفاق حول عدة موضوعات، منها منح الرئيس السابق ومن عملوا معه الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، وتزكية مجلس النواب لعبدربه منصور هادي كمرشح وحيد في انتخابات 2012، وتنفيذ قرارات الرئيس هادي بشأن عزل وتغيير بعض القيادات العسكرية من أقرباء ومعاوني الرئيس السابق.
ومع بدء التحضيرات لعقد مؤتمر الحوار الوطني ساهم بنعمر في دعم جهود لجنة الاتصال بأطراف الحوار، ثم قدم، بمعية فريق من الخبراء العامين معه، استشارات وخبرات مهمة في عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وأدت جهوده إلى تخطي أكبر العقبات والخلافات التي واجهت عمل اللجنة، ومن بينها تحديد نسب وحصص الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار.
وعلى مدى عدة أشهر عقد بنعمر سلسلة من اللقاءات في عدن وصنعاء والقاهرة ودبي مع قيادات وقوى الحراك الجنوبي لإقناعها بالمشاركة في مؤتمر الحوار، وقادت تلك اللقاءات بعض قوى الحراك إلى أروقة المؤتمر. وعندما تعرض المؤتمر لخطر الفشل والانهيار بسبب انسحاب قوى الحراك الجنوبي منه في أغسطس- آب الماضي، استطاع بنعمر معالجة المعضلة وأتي بممثلي الحراك مجددا إلى طاولة الحوار، لتتشكل بناء على مقترحاته لجنة جنوبية شمالية مصغرة اضطلعت بمناقشة مشروع وثيقة لحل القضية الجنوبية قيل إن بنعمر هو الذي صاغها على ضوء ما سبق من حوارات وما قُدم من رؤى في فريق القضية الجنوبية بالمؤتمر، وتقترح الوثيقة قيام دولة اتحادية (فيدرالية) يمنية، تسبقها فترة تأسيسية يُمثل الجنوب فيها بنسبة خمسين بالمائة في كافة مؤسسات الدولة وهياكلها القيادية.
تكريم يمني
كرّم الرئيس اليمني هادي بنعمر بمنحه وساماً رفيعاً تقديراً "لما قام به وما بذله من جهود جبارة لتجنيب اليمن ويلات الصراع". واختارت صحيفة "يمن تايمز" بنعمر رجل العام 2011 في اليمن. واقترح البعض منحه الجنسية اليمنية، وإطلاق أسمه على أحد شوارع العاصمة صنعاء، ونحت تمثال كبير له، وأنبأتنا أخبار طريفة أن أحد اليمنيين عرض على بنعمر تزويجه بابنته تعبيرا عن الامتنان والشكر على ما قدمه لليمن.
اليماني ناحت الصخر
يؤكد العديد من السياسيين اليمنيين أن الصفات الشخصية التي يتمتع بها بنعمر، وصبره، ونفسه الطويل، وخبراته، وقدرته الدبلوماسية العالية، هي سر نجاح جهوده في اليمن. ويضيف صديقه المغربي إلياس العمري إلى هذه الصفات: "الحفاظ على العمق الإنساني الكامن في دواخله، وقدرته على التعرف سريعا على معاناة الآخرين بحكم المعاناة التي صادفها هو أيضا في مشواره". ويقول العمري إن بنعمر "معروف بسعة ورحابة صدره، ويتقبل جميع الآراء، ولديه قدرة على الاستماع لموقفين متضادين في لحظة واحدة، والبحث عن مكامن الالتقاء بينهما".
وكتب الصحفي حاتم البطيوي: "استطاع جمال بنعمر أن ينحت في صخر التوتر اليمني، ويتعاطى مع إكراهات الجغرافيا وتقلبات السياسة وأنوائها ووطأة الحياة الاجتماعية الصعبة في هذا البلد بإزميل نحات الدبلوماسية البارع، لدرجة أن زملاءه في الأمم المتحدة أصبحوا ينادونه باسم "اليماني"، بعد أن انغمست يداه في عجين سياسة بلاد الملكة بلقيس، وتناقضاتها وتعقيداتها المتناسلة مثل الفطر، عاملا على تجاوز المنعطفات والانعراجات التي تصل فيها حوارات أطراف الأزمة اليمنية إلى الطريق المسدود".
"هنا أمستردام"
من صنعاء:عثمان تراث