خارجا من مقر العمل، أنتظر سيارة أجرة (تاكسي)، لوح لي سائق كان يقف عند بوابة الخروج، وبرغم حالة التاكسي المزرية إلا أني ركبت فيها.
تحدثت للسائق بابتسامة مستفسرا: "هذا التاكسي آخر مرة نظفوه في غزوة بدر صح؟" ضحك الرجل بود، وفاجأني بالإجابة: "بالكاد أقدر أسوق السيارة، حتى الزجاج اللي عندك ما أقدر أوصل وأرفعه".
استوقفني كلامه وتأملت في هيئة الرجل، إنه شاب لم يتجاوز الثلاثينات، يغطي ركبتيه ومنتصفه بمنشفة بيضاء أجبرتني على التساؤل عن معنى كلامه بأنه بالكاد يستطيع قيادة السيارة.
رد علي الرجل، "الله لا يبتليك أنا معاق".
صفعني بالكلمة، وبالتفاصيل التي تجعل المرء يصغر تدريجيا أمام قوة شخص مثل "عادل"..
اسمه عادل، ينتمي إلى إحدى قرى (نهم)، أصيب بطلقة نارية بالخطأ في إحدى فقرات العمود الفقري، فتسببت له بشلل أوقف حركة نصف جسمه الأسفل، وتبقى له يدين تعملان وبقية جسده الأعلى.
لم استوعب ما يفعل عادل، تحرجت من التأمل في كيف يقود السيارة بهذه المهارة في هذا الازدحام قبيل الإفطار، كانت يمسك مقود السيارة (السكان) بيد، وباليد اليسرى، يمسك مقبضا حديديا يتحكم بدواسة الوقود والفرامل، بحركة متقنة جعلتني أخجل من رهاب قيادة السيارات الذي أعيشه منذ ثلاثة أعوام بعد أن اصطدمت بسيارتي وفقدت شجاعة قيادة السيارة منذ ذلك الحين وبعت السيارة بكلها.
سألت عادل: هل تسببت بحادث سير طوال فترة قيادتك للسيارة بهذه الطريقة، فقال: مرة واحدة أمسكت تفاحة لآكلها وتحركت السيارة واصطدمت بسيارة أخرى لكن الحادث كان بسيطا، "بينما أخوتي قد عملوا أكثر من 10 حوادث بسياراتهم خلال سنة".
يتحدث الرجل بلغة الواثق من أنه سيأتي يوم تعود فيه صحته إليه، ويصبح قادرا على السير مجددا وتحريك أرجله ونصفه السفلي، لأنه حسب ما يقول يحتاج لعملية في الخارج لتنشيط منطقة في الحبل الشوكي، طمأنه الأطباء أنها ستنجح، لكنه يحتاج لمن يتكفل بذلك.
يحلم عادل بالأطفال ويذكر زوجته بشكل أكثر امتنانا، معتبرا أنها أعظم شخص وقف إلى جانبه برغم كل ما يعانيه، ويقول إنه طرح عليها أمر الطلاق منذ أصيب، لكنها رفضت وأصرت أن تبقى معه.
يواصل الحديث عنها ويتألم حين يتذكر أنه يغضب عليها أحيانا وهي تحتمله بكل صبر.
يضيف: "لن أجد أفضل منها".
حياته مع التاكسي بدأت منذ قرابة عام، ويتحدث بسرور أن "التاكسي بحمد الله لم يتعطل"، سوى مرتين "بنشر التاير وهي واقفة جنب البيت"، فساعده جاره على تغييرهما.
مشواري مع عادل سيف كان بمثابة درس لا تجيد كل دروس التنمية البشرية ومحاضرات الدعاة والمفكرين والوعاظ إن تؤثر بي مثل ما فعل هذا الشاب الباسم.
لم أسمع من الرجل أي تذمر طوال مشواري معه، واستأنست بالحديث معه كصديق قديم، وأشعرني برغم حاجته للخروج من محنته أن المواساة تقهر كبرياء صموده في وجه هذا الظرف.
*من صفحة الصحفي اليوسفي على الفيس بوك
تحدثت للسائق بابتسامة مستفسرا: "هذا التاكسي آخر مرة نظفوه في غزوة بدر صح؟" ضحك الرجل بود، وفاجأني بالإجابة: "بالكاد أقدر أسوق السيارة، حتى الزجاج اللي عندك ما أقدر أوصل وأرفعه".
استوقفني كلامه وتأملت في هيئة الرجل، إنه شاب لم يتجاوز الثلاثينات، يغطي ركبتيه ومنتصفه بمنشفة بيضاء أجبرتني على التساؤل عن معنى كلامه بأنه بالكاد يستطيع قيادة السيارة.
رد علي الرجل، "الله لا يبتليك أنا معاق".
صفعني بالكلمة، وبالتفاصيل التي تجعل المرء يصغر تدريجيا أمام قوة شخص مثل "عادل"..
اسمه عادل، ينتمي إلى إحدى قرى (نهم)، أصيب بطلقة نارية بالخطأ في إحدى فقرات العمود الفقري، فتسببت له بشلل أوقف حركة نصف جسمه الأسفل، وتبقى له يدين تعملان وبقية جسده الأعلى.
لم استوعب ما يفعل عادل، تحرجت من التأمل في كيف يقود السيارة بهذه المهارة في هذا الازدحام قبيل الإفطار، كانت يمسك مقود السيارة (السكان) بيد، وباليد اليسرى، يمسك مقبضا حديديا يتحكم بدواسة الوقود والفرامل، بحركة متقنة جعلتني أخجل من رهاب قيادة السيارات الذي أعيشه منذ ثلاثة أعوام بعد أن اصطدمت بسيارتي وفقدت شجاعة قيادة السيارة منذ ذلك الحين وبعت السيارة بكلها.
سألت عادل: هل تسببت بحادث سير طوال فترة قيادتك للسيارة بهذه الطريقة، فقال: مرة واحدة أمسكت تفاحة لآكلها وتحركت السيارة واصطدمت بسيارة أخرى لكن الحادث كان بسيطا، "بينما أخوتي قد عملوا أكثر من 10 حوادث بسياراتهم خلال سنة".
يتحدث الرجل بلغة الواثق من أنه سيأتي يوم تعود فيه صحته إليه، ويصبح قادرا على السير مجددا وتحريك أرجله ونصفه السفلي، لأنه حسب ما يقول يحتاج لعملية في الخارج لتنشيط منطقة في الحبل الشوكي، طمأنه الأطباء أنها ستنجح، لكنه يحتاج لمن يتكفل بذلك.
يحلم عادل بالأطفال ويذكر زوجته بشكل أكثر امتنانا، معتبرا أنها أعظم شخص وقف إلى جانبه برغم كل ما يعانيه، ويقول إنه طرح عليها أمر الطلاق منذ أصيب، لكنها رفضت وأصرت أن تبقى معه.
يواصل الحديث عنها ويتألم حين يتذكر أنه يغضب عليها أحيانا وهي تحتمله بكل صبر.
يضيف: "لن أجد أفضل منها".
حياته مع التاكسي بدأت منذ قرابة عام، ويتحدث بسرور أن "التاكسي بحمد الله لم يتعطل"، سوى مرتين "بنشر التاير وهي واقفة جنب البيت"، فساعده جاره على تغييرهما.
مشواري مع عادل سيف كان بمثابة درس لا تجيد كل دروس التنمية البشرية ومحاضرات الدعاة والمفكرين والوعاظ إن تؤثر بي مثل ما فعل هذا الشاب الباسم.
لم أسمع من الرجل أي تذمر طوال مشواري معه، واستأنست بالحديث معه كصديق قديم، وأشعرني برغم حاجته للخروج من محنته أن المواساة تقهر كبرياء صموده في وجه هذا الظرف.
*من صفحة الصحفي اليوسفي على الفيس بوك