الرئيسية / تقارير وحوارات / وثيقة بيع الغاز اليمني "بيعة سارق" أخيراً في متناول الرأي العام
وثيقة بيع الغاز اليمني \"بيعة سارق\" أخيراً في متناول الرأي العام

وثيقة بيع الغاز اليمني "بيعة سارق" أخيراً في متناول الرأي العام

28 مايو 2013 08:01 صباحا (يمن برس)
أخيراً ظهرت وثيقة قرار مجلس الوزراء رقم 257 لعام 2005م المتعلقة ببيع الغاز الطبيعي اليمني لشركة توتال الفرنسية وسويس وكوجاز الكورية. اكتشف النفط فزاد اليمنيون فقراً، كما سبق وقلت، واكتشف الغاز فباعوه بيعة سارق! وهذه هي المرة الأولى التي تكشف للرأي العام اليمني وثائق أكبر صفقة فساد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومن المؤسف أن تنشر في مدونتي الشخصية بـgoogle، محدودة الانتشار والتداول، وليس في وسيلة إعلام مقروءة أو متلفزة محلية أو عربية ولكن ما باليد حيلة!

وكشفت في مصر أسرار وخبايا بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل بمجرد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك. ولأن ثورة حقيقة اندلعت في مصر وجد محافظ شرم الشيخ السابق ورجل الأعمال البارون المصري حسين سالم -النسخة المصرية من شاهر عبدالحق في اليمن كمستثمر ومنمي أموال العائلة الحاكمة- مطارداً في مطارات العالم ففرّ إلى أسبانيا مخلفاً وراءه في مصر أكبر فنادق سياحية يملكها في شرم الشيخ غير إن الثورة المصرية لحقت به إلى أسبانيا ووجه النائب العام المصري طلباً بتسليمه عبر الانتربول الدولي وصدر بحقه حكم غيابي بالسجن لسبع سنوات بوصفه مهندس صفقة الغاز المسال.

تضجرني المقارنة الزائفة بين الثورتين المصرية واليمنية. في اليمن العكس، بل النقيض: كل مهندسي الصفقة يعيشون حياة هادئة رغيدة كأبطال وأصحاب مليارات، بل ويتبجحون أمام الرأي العام ويتحدثون عن النزاهة ومكافحة الفساد والدولة المدنية بل إن أحد مهندسي صفقة الغاز المسال -من رجال أعمال القصر الجمهوري السابق والحالي- صار أحد رواد مقيل رئيس الوزراء محمد باسندوة –الذي هو رئيس مجلس الثورة الشبابية للتذكير!!- ووزير المالية صخر الوجيه أحد أكبر معارضي صفقة الغاز المسال والصفقات المشبوهة سابقاً قبل جلوسه على كرسي وزارة المالية الأثير! وأحسبه يهز رأسه موافقاً عند الحديث عن الثورة الشبابية كنوع من التشجيع لثورة وسعت نفوذهم ومفاسدهم الشخصية.

تكشف الوثيقة وملحقاتها، التي أنشرها تباعاً في مدونتي، الكثير من المعلومات القيمة التي ظلت لسنوات مغيبة عن الرأي العام والاقتصاديين في البلد. فبخلاف ما هو حاصل أقر مجلس الوزراء تصدير 5.7 طن متري سنوياً من الغاز المسال وليس 6.7 طن كما هو الحال اليوم بغية إنشاء محطات كهربائية تعمل بالغاز. المشروع الذي تعثر، ويعاني منه الشعب اليمني شعباً واقتصادياً، بسبب الـ"قمِْر" والتنافس الخفي بين الجيل الثاني من عائلة صالح وحميد الأحمر حيث تستورد الحكومة اليمنية سنوياً ملياري لتر ديزل ومازوت لاستخدامه في توليد الكهرباء في حين أن بمقدورها، ، في حال استبعاد 150 ميجا من الكهرباء المولدة بالديزل واستبدالها 150 ميجا غازية، إيجاراً أو بناءً، وتحقيق تخفيض 5% فقط في أسعار شراء المشتقات النفطية سيحقق وفراً يعادل رفعاً لسعر الديزل على المواطن بمقدار 11 ريال للتر الواحد. وسيوفر للحكومة ما يعادل 31% من دعمها للديزل" من دون رفعه وتضرر المواطن والمزارع.
 
وفي أوقح فضيحة فساد موثقة مادياً يكشف السطر الأول من الصفحة الثانية من قرار مجلس الوزراء، كما هو واضح أمامكم، ان الأسعار التي حصلت عليها اليمن من السوق الكورية قديمة وما كان ينبغي الموافقة عليها بأي حال من الأحوال حيث أخذت عام 2002م وليس في 2005م عند توقيع الاتفاقية أو في 2009م عند بدء التصدير حيث تضاعفت أسعار الغاز المسال ثلاثة أضعاف ووصلت إلى 14 و17 دولار عن كل مليون وحدة حرارية.

وأقرت الحكومة اليمنية حرفياً في منطوق القرار المنشور أمامكم، كدليل إضافي على فساد القائمين على الصفقة وضرورة محاكمتهم، بسابق معرفتها بأسعار بيع الغاز القطري والعماني كما في السطر الثالث (تحته خط) وكان وقتها يتراوح بين 11 و14 دولار في حين وافقت هي على بيع الغاز اليمني بأقل من السعرين القطري والعماني ثلاثة أضعاف.

وبخلاف ما كان شائعاً لسنوات لدى النخب الاقتصادية والبرلمانية والرأي العام اليمني تكشف الوثيقة أن أدنى سعر بيع مقدم من الشركة الكورية يبدأ بـ2.8 دولار عن كل مليون وحدة حرارية وليس 3.16 دولار.

وفي أكبر فضيحة كذب علنية على الرأي العام زعمت الحكومة اليمنية كنوع من الدعاية السياسية الزائفة للرئيس عبدربه منصور هادي إنها نجحت في تعديل أسعار بيع الغاز اليمني من 3 دولار إلى 7 دولار غير إن الحقيقة التي مرت بسلام وكأن المجتمع اليمني غير معني، أن الاتفاقية لم تعدل قط ولم تمس وأن توتال قامت فقط بتحويل شحنات الغاز من أمريكا إلى أسيا بسبب انهيار أسعار الغاز في بورصة هنري هوب الأمريكية إلى أقل من 2 دولار (لاحظوا في الصفحة الثانية هشاشة توقعات الحكومة اليمنية عن أسعار هنري هوب على مدى 20 عاماً وأنها ستكون في المتوسط بمعدل 4.5 دولار). وأي خبير اقتصادي يعرف أن تحويل الشحنات من سوق لآخر أمر وارد في سوق الطاقة بتراضي الطرفين وبما يحقق مصلحة الطرفين، بل إنه مذكور كحل اضطراري في آخر 3 أسطر من الصفحة الثانية أمامكم.

و سواء بيع الغاز اليمني بالسعر القديم (3.2) دولار أو بالسعر الجديد المزعوم (7.2)دولار فإن الحقيقة الصادمة التي يغفل عنها اليمنيون إن حكومتهم تستورد الغاز المسال من الخارج بـ13.5 دولار ويستورد الغاز المنزلي بـ32 دولار عن كل برميل

وليس الرئيس عبدربه منصور هادي وحده من سعى إلى الاستفادة الإعلامية من أكبر جريمة فساد مالي وإداري في عهد النظام السابق. لقد عمد فور عودته من فرنسا إلى تحويل حقيقة بيع الغاز اليمني "بيعة سارق" إلى دعاية سياسية وبطولة إعلامية كاذبة استخدمت كمخدّر عاطفي لشباب الثورة وقد أثبتت الأيام، مع الأسف، أنه فعال وناجح وأن الخديعة انطلت على الرأي العام اليمني.

حتى سيدة نوبل الزميلة توكل كرمان قابلت كبار مسئولي الحكومة الكورية وطلبت منهم إعادة النظر في أسعار الغاز المسال اليمني. ومع أن شيئاً لم يتغير ولن يتغير فلا شيء يمنع من الاحتفال بالزيارة الناجحة!

أما صخر الوجيه الذي كان ليل نهار يتحدث عن صفقة الغاز المسال وفسادها وألقى محاضرة في منتدى الشيخ الأحمر قبل سنوات كان أول وزير في الحكومة يلقي شركة توتال لقاء تعارفياً على الأرجح قبل أن ينسى صفقة الغاز المسال كما لو أنها محيت من ذاكرته فور جلوسه على مقعد المالية في حكومة الوفاق.

ومن العناوين الملفتة في المهزلة اليمنية أن الرئيس هادي ورئيس حكومته محمد سالم باسندوة يطالبان كما ينقل الإعلام الرسمي في كل لقاء يجمعهما بمسئول فرنسي يطالبان، بلهجة موظف مطيع لدى السفارة الفرنسية في صنعاء، بإعادة النظر في أسعار بيع الغاز اليمني مع أن بمقدور أحدهما إلغاء الصفقة بجرة قلم كون الشركة اليمنية للغاز المسال شركة يمنية تستطيع وزارة الصناعة ووزيرها سعدالدين بن طالب، وهو بالمناسبة من عضو تحالف مناهضة صفقة الغاز المسال، سحب الترخيص على الشركة بجرة قلم. فقد تم إنشاء شركة yemenlng كشركة محلية مع أن حصة الحكومة الفرنسية ضعف حصة الحكومة اليمنية كغطاء لشركة توتال الفرنسية من أجل الاحتيال على القانون وعدم مرورها عبر البرلمان كون الدستور ينص على أن جميع الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة اليمنية وبين أي شركة أجنبية ينبغي أن تصدر أولاً بقانون من المجلس التشريعي البرلماني قبل سريانها وهي نفس الحيلة التي ابتكرها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فقة الغاز المصري.
 
أشعر بالإحباط لكثرة ما كتبت حول هذا الموضوع منذ 2008م. والآن إذا لم يحدث نشر هذه الوثيقة أقل ما يتوقع من فتح ملف القضية ومحاسبة القائمين عليها وإعادة النظر في الأسعار جذرياً- إذا لم يحدث شيء من ذلك فليس علي من ملامة إن أنا غسلتُ يدي من هذا الأمر وقلت "اذهبوا جميعاً إلى الجحيم"!









شارك الخبر