من عوادم السيارات جاءوا بزيوت رديئة لا توقف المحركات الجامدة فحسب، بل تطال محرك «حياة»، الحوادث المرورية المُثقلة بالدماء والدموع تتمدد بسببها بلا كوابح، والتجار الأصليون يشكون من تقهقر بضاعتهم أمام توغلها الموحش.. ويولد السؤال: هل الطلب المتزايد عليها يُبقي خطرها على البيئة محدوداً ؟! من منطلق «رب ضارة نافعة» أم أن مساوئها بلا حدود، وما هذه «الميزة» إلا قطرة في بحر مُتلاطم..!!
ماركات شهيرة
«الغش وباء يمني بامتياز» توصيف فيه غُصة؛ قاله أمامي يوماً أحد المقيمين العرب بمدينة تعز، تذكرت تفاصيله جيداً حين وجدت نفسي أمام حشد من أساليب مبتكرة في الغش التجاري لم تخطر حتى على الشيطان نفسه!!، وفي الوقت الذي يصف فيه البعض ما هو موجود في أسواقنا من «عُلب» زيوت مغشوشة بأنها «طبق الأصل»، ليأتي التأكيد أن تلك «العُلب» هي الأصل نفسه، وما بداخلها ليس أكثر من زيت «مخلوط» بعد أن فطنت أيادي الغش اليمنية إلى تفريغ تلك «العُلب» الأصلية من غالبية محتواها وسد الفراغ الحاصل بزيوت مغشوشة، ولا ضير هنا أن يبادر «الغشاش» بالتأكيد لأصحاب المركبات أن بضاعته أصلية 100% ؟!!.
- لا أعني التعميم في الاستدلال السابق، بقدر ما أقصد التنبيه وأخذ الحيطة والحذر من كل ما هو «أصلي»!!، لأن عمليات الغش في بلادنا لا تتوقف عند ذاك الأسلوب فحسب، وقد سبق لوزارة الصناعة والتجارة أن كشفت في فترات سابقه عن وجود «12» نوعاً من الزيوت المغشوشة بماركات عالمية شهيرة؟!، منها ما تمت تعبئتها محلياً عن طريق إعادة الزيت المحروق وخلطه بمواد أخرى متبوعاً بزيت «الجرويل» الذي يتكفل بإعطائه اللمعان المطلوب، لتقوم بعد ذلك أيادي الغش الماهرة بتعبئته بدقة في «عُلب» أصلية تم استخدامها من قبل..؟!.
- أرجع عدد من المُهتمين عُمر هذا الغش التجاري القائم إلى أكثر من «12» عاماً، فيما أفاد مسئولون في جمعية حماية المستهلك أن ذات الجمعية أول من نبه لخطورة هذه القضية قبل خمسة أعوام، فمن بين «40» صنفاً من الزيوت المعروضة في الأسواق حينها تم تحديد «36» صنفاً مخالفاً، وبالفعل سارعت الجمعية بنشر تلك الأصناف المخالفة وهو الأمر الذي تفاعل معه عدد كبير من المستهلكين.
«غش × غش»
إن تعاملاتنا التجارية أضحت كلها «غش × غش» قالها أمين الحاج بسخط شديد.. مع سفر له أخير للعاصمة صنعاء اضطر أمين لتغيير زيت سيارته في أحد بناشر الخط السريع، لم يتوجس خيفة من ذلك المحل المُتهالك، فهو لم يلحظ أي تغير في نظامه المتبع, فعلبة الزيت التي شاهدها تندلق من يد البنشري في ماكينة سيارته طبق الأصل للعلامة التجارية التي يعرفها جيداً، بعد مسافة ليست بالبعيدة تبادر إلى مسامع أمين أصوات غير مرضية من مُحرك سيارته، ما إن ولج أبواب العاصمة حتى سارع إلى مراجعة أحد مهندسي السيارات ليكتشف الخلل الفاجعة؛ فأحد أجزاء المحرك الرئيسية بحاجة إلى تغيير جذري وهو الأمر الذي كلفه آلاف الريالات..؟!.
- قبل هذه الخديعة كان أمين يجهل وجود زيوت مغشوشة تتربص به وأمثاله من السائقين، والغريب أنه حتى اللحظة يجهل التفريق بين الزيت الأصلي من الزيت المغشوش، فالخلل الذي لحق بسيارته هو على حد وصف المهندس الميكانيكي المعالج: نتيجة تراكمات وجرع سابقة لزيوت مغشوشة متفاوتة الضرر، قد تكون العلبة الأخيرة هي الأكثر ضرراً إلا أن الخط السريع ساهم في فضح الجميع.
- أمين بعد نقله لرأي المهندس قال: إن انعدام الثقة بين البائع والمشتري صار ثقافة سائدة في مجتمعنا اليمني، وهي مُعشعشة في مخيلته الآن, كما في مخيلة كثيرين، حيث يلجأ في أغلب الأحوال أن يجعل «البنشري» الذي يصلح له سيارته «يقسم بالله» أن الزيت الذي صبه في ماكينة سيارته أصلياً، مستغرباً من رد بعض الباعة أنهم ليسوا على علم بماهية ما لديهم من زيوت..؟!!.
لم يكن معهوداً
هذه الجزئية أثارت استغرابي وبدوري توجهت بذات السؤال لفوزي شمسان أحد تجار زيوت السيارات ليؤكد هو الآخر جهله التام في عملية التفريق بين ما هو أصلي وما هو مغشوش من زيوت السيارات، السؤال ذاته مازال مطروحاً لتأتي الإجابة الدامغة من سعيد العزعزي «بنشري» الذي أكد أن الزيوت الرديئة - هكذا أسماها- موجودة وبكثرة وماركتها معروفة والكثير من السائقين يقبل على شرائها لأنها رخيصة، وتكمن المُصيبة أن سعيد غير مُدرك لمخاطر هذه الزيوت فهي حد وصفه: لم يحصل أن أشتكى منها أحد.
- يناقضه الرأي مجيب حزام «ميكانيكي سيارات» فاثنان وأربعون عاماً هي إجمالي عمره المهني كفيلة بجعله يضع النقاط على الحروف ويطلعنا عن قرب بمقارنة الحاصل «الآن» و «ما كان» فغالبية عملهم في وقتنا الحاضر ينحصر بشكل كبير في توضيب المكائن التالفة للسيارات، وهو أمر لم يكن معهوداً من قبل بهذا الشكل اللافت، مستدركاً “كانت الماكينة التي يتم توضيبها في الماضي تُعمر أكثر من خمس سنوات ومثيلاتها الآن لا تدوم سوى خمسة أشهر..؟َ!.
ينهك الاقتصاد
مصطفى نصر «رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» لم يُخفِ قلقه من التفشي المريع لهذه الظاهرة المُعترف بها رسمياً والمنهكة للاقتصاد الوطني حد التماهي، وهذا الإنهاك حد وصف نصر يكاد يكون منحصراً في أصحاب السيارات أنفسهم, الذين يخسرون جراء ذلك التلاعب المشين ملايين الريالات، لأن هذه الزيوت المغشوشة تؤدي قطعاً إلى الإتلاف التام للماكينة التي توازي تكلفتها نصف قيمة السيارة ذاتها، مستدركاً أن الضرر ذاته يطال الاقتصاد الوطني ككل، والمال العام، والدخل القومي، والاستهلاك المحلي، لافتاً إلى أن أغلب الزيوت المعروضة في أسواقنا المحلية فيها نظر، وإلا ما سر تراجع العمر الافتراضي لعلبة الزيت الواحدة من خمسة آلاف أو ثلاثة آلاف كيلومتر إلى أقل من ألف كيلو متر ؟!.
- وبالنسبة لدور المركز الذي يديره في التوعية في هذا الجانب، أفاد نصر: بأن دورهم في هذه الجزئية لن يجدي بدون تدخل كافة الجهات المعنية، لأن التكاتف في هكذا قضية مهم جداً، ونجاح التوعية يبقى مشروطاً بنزول اللجان الضبطية ومصادرة كل ما هو مغشوش إلى جانب تفعيل الرقابة الجمركية وسد الطريق أمام كل ما هو مُهرب.
- في ذات الجزئية يشكو تجار زيوت السيارات من تقهقر بضاعتهم إلى حد ما أمام هذا المد المستعصي من «الزيوت المغشوشة» ففارق السعر يلعب دوراً بارزاً في إقبال أصحاب البناشر على كل ما هو رخيص.. حامد الشميري أحد هؤلاء، لا يتوقف لحظة عن نصيحة وتحذير عملائه من الانقياد إلى تلك البضاعة الرخيصة، وختم الشميري حديثه بتوجيه الدعوة للجهات المعنية في هذا الشأن بتبني حملات صارمة لتصحيح هذه الاختلالات ومحاسبة المتسببين سواءً كانوا مصنعين محليين أم مهربين، مفصحاً أن الجميع «سائقين و تجار» ليسوا أكثر من مجرد ضحايا؟؟!.
سلاح فتاك
توقفت ملياً أمام إحصاءات الحوادث المرورية في بلادنا فأدركت عمق الفاجعة المُثقلة بالدماء والدموع، الأرقام المأساوية تتوالى تباعاً دون توقف، وبالمقابل ثمة أسباب ومسببات بدأت تطفو على السطح زادت من وتيرة الكارثة «ككل» وكأنها سلاح فتاك ضحاياه في ازدياد، فيما تجار الحروب في غيهم يلعبون، لا همَّ لهم إلا ارتفاع أرصدتهم، وانتفاخ كروشهم، حتى لا يبقى على ظهر البسيطة إلا «هـُـم..» ؟!!.
- في مُجمل رده عن أسباب كثرة الحوادث المرورية في بلادنا يجزم المقدم/ عبد العزيز إسماعيل: أن السائق نفسه يتحمل نصيب الأسد في ذلك, فهو إما يكون مسرعاً أو متجاوزاً أو مستهتراً، مضيفاً: الاختلالات الفنية التي ينطوي موضوعنا الماثل - الزيوت المغشوشة- في إطارها كسبب بارز أيضاً، فهذه الزيوت حد وصفه تعمل على إنهاك المحرك وإتلاف البريك، موضحاً المسببات التي أدت لإجمالي الحوادث المرورية لسنوات خلت, والتي كان أغلبها بسبب خلل فني تدخل الزيوت المغشوشة فيه.
نتائج كارثية
مما لاشك فيه أن تأثير الزيوت المغشوشة كبير جداً على محركات السيارات وبالذات «الفلترات» هذا ما أفصح عنه المهندس/ زكريا المعمري فهو أحياناً ما يقوم بتركيب الفلتر, الذي يقوم بدوره بتوضيب ماكينة السيارة، وتأثير الزيت المغشوش يتضح جلياً هنا, حين يلاحظ أن دفع الزيت إلى البورصات يتم بدفعات بطيئة مما يؤدي إلى تخبط واضح ولخبطة في الماكينة، وهو الخطر الذي لا ينفع معه التصليح العادي، ويتطلب حسب توصيف زكريا تغيير المحرك بكامله أو أجزاء منه، وهي قطع غيار باهظة الثمن.
- من جانبه لم يخفِ بسام الشرعبي «ميكانيكي سيارات» أن كثيراً من الحوادث المرورية سببها الرئيس مثل هذه الزيوت التي تؤدي أصلاً إلى إتلاف «القلاصات» و «الربلات» أو ما يسمى بـ «الإصلاح» فيفقد السائق جراء ذلك أجزاء السيطرة على سيارته إما جزئياً أو كلياً، وفي أسوأ الحالات تنقلب السيارة فتكون العواقب وخيمة, وتؤدي ذات الزيوت أيضاً إلى إتلاف منظومة «البريك» فأغلب السائقين للأسف الشديد يستخدمون أنواعاً رديئة ومقلدة من «سُم البريك» فيؤدى ذلك إلى توقف مفاجئ لمهام بريك سياراتهم، وفي مناطق قد تكون بالغة الخطورة، لتكون النتيجة كارثية للغاية يذهب ضحيتها عدد كبير من الناس ومن سائقي السيارات أنفسهم.
جرعات توعية
في سباق مع الوقت التقيت بعدد من أصحاب السيارات الذين طالهم الضرر، وأفحمتهم الشكوى.. فهذا حسن راشد يقول إنه نجا من الموت بأعجوبة، كان قبل فترة يعانق الغيم في قمم جبل صبر، فجأة مع لحظات الهبوط الهادئة «راح عليه البريك» وارتمت سيارته في أحضان الجبل دون أضرار فادحة، لم تتوقف معاناة حسن عند هذا الحد، فقد اضطر بعد فترة وجيزة إلى تبديل محرك سياراته الحديثة، واستيراد المحرك من دولة مجاورة لعدم وجوده في محالات قطع الغيار..
- يقول حسن بنبرة غاضبة: كل ذلك بسبب استخدامي لنوع من سُم البريك الرديء وأنواعاً مختلفة من الزيوت المغشوشة، المشكلة أني حين شرائي اعتمد على ماركة الشركة المنتجة وهي «....» فمن أين لي أن أعرف أن العلبة تمت تعبئتها بنوعية مغشوشة، مؤكداً أن هذه الزيوت المغشوشة تُطرح في الأسواق على الدوام، فيما يجهل الكثير منا جهات إنتاجها أو استيرادها، لتكون النتيجة هلاك وتلف العديد من المحركات خاصة السيارات الحديثة، فضلاً عمّا تؤديه من حوادث تودي بحياة أصحابها، وضياع وهدر للعملة الصعبة في البلد، وتمنى حسن على الجهات المعنية أن تقوم بزيادة جرعات التوعية والإرشاد للمستهلكين لحمايتهم من الغش التجاري في كل المنتجات والخدمات بما فيه زيوت السيارات..
زيت حارق
أصبح الطلب المتزايد لزيوت المركبات العادمة سبباً في تلاشي خطرها على البيئة، الذي استمر لعقود يفتك بملامح حياة الأرض من الأعماق، تحول أولئك الذين كانوا يغذون التربة بتلك المهلكات إلى أناس «ثُقاة» يتفانون في المحافظة عليها؛ ليس حباً لها وإنما طمعاً بالأموال التي باتت تدر عليهم من معامل ومصانع إعادة تدوير تلك الزيوت.
- أمام هذا التحول الذي هو باعتقادي واعتقاد كثيرين «أكثر من رائع» إلا أنه بالمقابل وضع البعض في الاتجاه الآخر، وهو ما تم بالفعل، وقد تجسد هذا التباين من الوهلة الأولى لإثارتي هذه القضية، فجميع من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر وورش الصيانة يدعمون هذا التوجه وبقوة، وقد علق أحد السائقين على ذلك بالقول: «يحق لهم، فهم المستفيدون في كل الأحوال».
- سامي مقبل «صاحب محل بنشر» كان ضد توجهنا في مجابهة ظاهرة الزيوت المغشوشة، واصفاً من ينحون ذات التوجه بأنهم أعداء «لهم» وللبيئة؟!..قد يكون سامي غير مطلع على خطورة تلك الزيوت المغشوشة, التي ربما يتفانى في بيعها من الأبواب الخلفية، وما أتمناه أن يقرأ هذا التحقيق جيداً ليعلم أن كلتا الحالتين أخطر من بعضيهما على البيئة تارة وعلى الإنسان تارة أخرى، وبدلاً من صب تلك الزيوت العادمة فوق الأرض وجعلها تتغلغل في عمق التربة لتفسدها وتلوث مياهنا الجوفية، فالأولى تجميعها في أحواض مخصصة لذلك وبيعها ليس لكل من هب ودب، وإنما لـ «ثقاة» يتولون إعادة تدويرها وتكريرها وفق المواصفات العالمية، تحت إشراف شامل من الجهات المعنية في هذا الجانب.
بديل ناجح
وما ينبغي التأكيد عليه أن عمليات إعادة تدوير الزيوت المستهلكة تتطلب إعادة التصنيع الجيد وإعادة التكرير وفق عمليات حديثة.. وما ينبغي التأكيد عليه أن ثمة عوامل ومعايير مهمة اتفق عالمياً على وجوب مراعاتها عند اختيار وتحديد تكنولوجيا المعالجة المطلوبة لإعادة الاستخدام والتدوير.
- علماء البيئة يرون في عمليات تدوير وإعادة صناعة الزيوت بديل ناجح للحد من تلوث الأرض، مشترطين في ذلك أن يتم في إطار المواصفات العالمية المتعارف عليها..
المهندس سعيد العريقي يدعم هذا التوجه، واصفاً عمليات التدوير التي تتم في بلادنا بـ «اللعب على الذقون» وأن الزيوت المشابهة التي يتم استيرادها أو تهريبها من دول مجاورة - كدبي مثلاً- هي أقل خطراً من تلك المصنعة محلياً؛ لأن عمليات تدويرها وتكريرها تمت وفق المواصفات العالمية..
تساؤل دارج
«نسكب الزيت الحارق فوق التراب، وإلا نجمعه ونبيعه فنفيد ونستفيد..؟!!» تساؤل دارج انبعثت من لسان يحيى قائد صالح «بنشري» لخص ببساطه الحل من وجهة نظره.. يحيى كان الأحسن تفاعلاً ممن يشاركونه ذات المهنة - في هذه الجزئية تحديداً- فغالبية من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر كانوا متحفظين بخوف صامت في الرد عن استفساراتي اللامتناهية وفي الأخص «إلى من يبيعون تلك الزيوت العادمة» فأدركت لحظتها أن في الكواليس تفاصيل محظورة، لأكتشف بعد استقصاء مشوب بالحذر أن تلك المحلات مُعتمدة بشكل رئيس على بيع تلك الزيوت العادمة، فالبرميل الواحد قيمته عشرة آلاف ريال.
ماركات شهيرة
«الغش وباء يمني بامتياز» توصيف فيه غُصة؛ قاله أمامي يوماً أحد المقيمين العرب بمدينة تعز، تذكرت تفاصيله جيداً حين وجدت نفسي أمام حشد من أساليب مبتكرة في الغش التجاري لم تخطر حتى على الشيطان نفسه!!، وفي الوقت الذي يصف فيه البعض ما هو موجود في أسواقنا من «عُلب» زيوت مغشوشة بأنها «طبق الأصل»، ليأتي التأكيد أن تلك «العُلب» هي الأصل نفسه، وما بداخلها ليس أكثر من زيت «مخلوط» بعد أن فطنت أيادي الغش اليمنية إلى تفريغ تلك «العُلب» الأصلية من غالبية محتواها وسد الفراغ الحاصل بزيوت مغشوشة، ولا ضير هنا أن يبادر «الغشاش» بالتأكيد لأصحاب المركبات أن بضاعته أصلية 100% ؟!!.
- لا أعني التعميم في الاستدلال السابق، بقدر ما أقصد التنبيه وأخذ الحيطة والحذر من كل ما هو «أصلي»!!، لأن عمليات الغش في بلادنا لا تتوقف عند ذاك الأسلوب فحسب، وقد سبق لوزارة الصناعة والتجارة أن كشفت في فترات سابقه عن وجود «12» نوعاً من الزيوت المغشوشة بماركات عالمية شهيرة؟!، منها ما تمت تعبئتها محلياً عن طريق إعادة الزيت المحروق وخلطه بمواد أخرى متبوعاً بزيت «الجرويل» الذي يتكفل بإعطائه اللمعان المطلوب، لتقوم بعد ذلك أيادي الغش الماهرة بتعبئته بدقة في «عُلب» أصلية تم استخدامها من قبل..؟!.
- أرجع عدد من المُهتمين عُمر هذا الغش التجاري القائم إلى أكثر من «12» عاماً، فيما أفاد مسئولون في جمعية حماية المستهلك أن ذات الجمعية أول من نبه لخطورة هذه القضية قبل خمسة أعوام، فمن بين «40» صنفاً من الزيوت المعروضة في الأسواق حينها تم تحديد «36» صنفاً مخالفاً، وبالفعل سارعت الجمعية بنشر تلك الأصناف المخالفة وهو الأمر الذي تفاعل معه عدد كبير من المستهلكين.
«غش × غش»
إن تعاملاتنا التجارية أضحت كلها «غش × غش» قالها أمين الحاج بسخط شديد.. مع سفر له أخير للعاصمة صنعاء اضطر أمين لتغيير زيت سيارته في أحد بناشر الخط السريع، لم يتوجس خيفة من ذلك المحل المُتهالك، فهو لم يلحظ أي تغير في نظامه المتبع, فعلبة الزيت التي شاهدها تندلق من يد البنشري في ماكينة سيارته طبق الأصل للعلامة التجارية التي يعرفها جيداً، بعد مسافة ليست بالبعيدة تبادر إلى مسامع أمين أصوات غير مرضية من مُحرك سيارته، ما إن ولج أبواب العاصمة حتى سارع إلى مراجعة أحد مهندسي السيارات ليكتشف الخلل الفاجعة؛ فأحد أجزاء المحرك الرئيسية بحاجة إلى تغيير جذري وهو الأمر الذي كلفه آلاف الريالات..؟!.
- قبل هذه الخديعة كان أمين يجهل وجود زيوت مغشوشة تتربص به وأمثاله من السائقين، والغريب أنه حتى اللحظة يجهل التفريق بين الزيت الأصلي من الزيت المغشوش، فالخلل الذي لحق بسيارته هو على حد وصف المهندس الميكانيكي المعالج: نتيجة تراكمات وجرع سابقة لزيوت مغشوشة متفاوتة الضرر، قد تكون العلبة الأخيرة هي الأكثر ضرراً إلا أن الخط السريع ساهم في فضح الجميع.
- أمين بعد نقله لرأي المهندس قال: إن انعدام الثقة بين البائع والمشتري صار ثقافة سائدة في مجتمعنا اليمني، وهي مُعشعشة في مخيلته الآن, كما في مخيلة كثيرين، حيث يلجأ في أغلب الأحوال أن يجعل «البنشري» الذي يصلح له سيارته «يقسم بالله» أن الزيت الذي صبه في ماكينة سيارته أصلياً، مستغرباً من رد بعض الباعة أنهم ليسوا على علم بماهية ما لديهم من زيوت..؟!!.
لم يكن معهوداً
هذه الجزئية أثارت استغرابي وبدوري توجهت بذات السؤال لفوزي شمسان أحد تجار زيوت السيارات ليؤكد هو الآخر جهله التام في عملية التفريق بين ما هو أصلي وما هو مغشوش من زيوت السيارات، السؤال ذاته مازال مطروحاً لتأتي الإجابة الدامغة من سعيد العزعزي «بنشري» الذي أكد أن الزيوت الرديئة - هكذا أسماها- موجودة وبكثرة وماركتها معروفة والكثير من السائقين يقبل على شرائها لأنها رخيصة، وتكمن المُصيبة أن سعيد غير مُدرك لمخاطر هذه الزيوت فهي حد وصفه: لم يحصل أن أشتكى منها أحد.
- يناقضه الرأي مجيب حزام «ميكانيكي سيارات» فاثنان وأربعون عاماً هي إجمالي عمره المهني كفيلة بجعله يضع النقاط على الحروف ويطلعنا عن قرب بمقارنة الحاصل «الآن» و «ما كان» فغالبية عملهم في وقتنا الحاضر ينحصر بشكل كبير في توضيب المكائن التالفة للسيارات، وهو أمر لم يكن معهوداً من قبل بهذا الشكل اللافت، مستدركاً “كانت الماكينة التي يتم توضيبها في الماضي تُعمر أكثر من خمس سنوات ومثيلاتها الآن لا تدوم سوى خمسة أشهر..؟َ!.
ينهك الاقتصاد
مصطفى نصر «رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» لم يُخفِ قلقه من التفشي المريع لهذه الظاهرة المُعترف بها رسمياً والمنهكة للاقتصاد الوطني حد التماهي، وهذا الإنهاك حد وصف نصر يكاد يكون منحصراً في أصحاب السيارات أنفسهم, الذين يخسرون جراء ذلك التلاعب المشين ملايين الريالات، لأن هذه الزيوت المغشوشة تؤدي قطعاً إلى الإتلاف التام للماكينة التي توازي تكلفتها نصف قيمة السيارة ذاتها، مستدركاً أن الضرر ذاته يطال الاقتصاد الوطني ككل، والمال العام، والدخل القومي، والاستهلاك المحلي، لافتاً إلى أن أغلب الزيوت المعروضة في أسواقنا المحلية فيها نظر، وإلا ما سر تراجع العمر الافتراضي لعلبة الزيت الواحدة من خمسة آلاف أو ثلاثة آلاف كيلومتر إلى أقل من ألف كيلو متر ؟!.
- وبالنسبة لدور المركز الذي يديره في التوعية في هذا الجانب، أفاد نصر: بأن دورهم في هذه الجزئية لن يجدي بدون تدخل كافة الجهات المعنية، لأن التكاتف في هكذا قضية مهم جداً، ونجاح التوعية يبقى مشروطاً بنزول اللجان الضبطية ومصادرة كل ما هو مغشوش إلى جانب تفعيل الرقابة الجمركية وسد الطريق أمام كل ما هو مُهرب.
- في ذات الجزئية يشكو تجار زيوت السيارات من تقهقر بضاعتهم إلى حد ما أمام هذا المد المستعصي من «الزيوت المغشوشة» ففارق السعر يلعب دوراً بارزاً في إقبال أصحاب البناشر على كل ما هو رخيص.. حامد الشميري أحد هؤلاء، لا يتوقف لحظة عن نصيحة وتحذير عملائه من الانقياد إلى تلك البضاعة الرخيصة، وختم الشميري حديثه بتوجيه الدعوة للجهات المعنية في هذا الشأن بتبني حملات صارمة لتصحيح هذه الاختلالات ومحاسبة المتسببين سواءً كانوا مصنعين محليين أم مهربين، مفصحاً أن الجميع «سائقين و تجار» ليسوا أكثر من مجرد ضحايا؟؟!.
سلاح فتاك
توقفت ملياً أمام إحصاءات الحوادث المرورية في بلادنا فأدركت عمق الفاجعة المُثقلة بالدماء والدموع، الأرقام المأساوية تتوالى تباعاً دون توقف، وبالمقابل ثمة أسباب ومسببات بدأت تطفو على السطح زادت من وتيرة الكارثة «ككل» وكأنها سلاح فتاك ضحاياه في ازدياد، فيما تجار الحروب في غيهم يلعبون، لا همَّ لهم إلا ارتفاع أرصدتهم، وانتفاخ كروشهم، حتى لا يبقى على ظهر البسيطة إلا «هـُـم..» ؟!!.
- في مُجمل رده عن أسباب كثرة الحوادث المرورية في بلادنا يجزم المقدم/ عبد العزيز إسماعيل: أن السائق نفسه يتحمل نصيب الأسد في ذلك, فهو إما يكون مسرعاً أو متجاوزاً أو مستهتراً، مضيفاً: الاختلالات الفنية التي ينطوي موضوعنا الماثل - الزيوت المغشوشة- في إطارها كسبب بارز أيضاً، فهذه الزيوت حد وصفه تعمل على إنهاك المحرك وإتلاف البريك، موضحاً المسببات التي أدت لإجمالي الحوادث المرورية لسنوات خلت, والتي كان أغلبها بسبب خلل فني تدخل الزيوت المغشوشة فيه.
نتائج كارثية
مما لاشك فيه أن تأثير الزيوت المغشوشة كبير جداً على محركات السيارات وبالذات «الفلترات» هذا ما أفصح عنه المهندس/ زكريا المعمري فهو أحياناً ما يقوم بتركيب الفلتر, الذي يقوم بدوره بتوضيب ماكينة السيارة، وتأثير الزيت المغشوش يتضح جلياً هنا, حين يلاحظ أن دفع الزيت إلى البورصات يتم بدفعات بطيئة مما يؤدي إلى تخبط واضح ولخبطة في الماكينة، وهو الخطر الذي لا ينفع معه التصليح العادي، ويتطلب حسب توصيف زكريا تغيير المحرك بكامله أو أجزاء منه، وهي قطع غيار باهظة الثمن.
- من جانبه لم يخفِ بسام الشرعبي «ميكانيكي سيارات» أن كثيراً من الحوادث المرورية سببها الرئيس مثل هذه الزيوت التي تؤدي أصلاً إلى إتلاف «القلاصات» و «الربلات» أو ما يسمى بـ «الإصلاح» فيفقد السائق جراء ذلك أجزاء السيطرة على سيارته إما جزئياً أو كلياً، وفي أسوأ الحالات تنقلب السيارة فتكون العواقب وخيمة, وتؤدي ذات الزيوت أيضاً إلى إتلاف منظومة «البريك» فأغلب السائقين للأسف الشديد يستخدمون أنواعاً رديئة ومقلدة من «سُم البريك» فيؤدى ذلك إلى توقف مفاجئ لمهام بريك سياراتهم، وفي مناطق قد تكون بالغة الخطورة، لتكون النتيجة كارثية للغاية يذهب ضحيتها عدد كبير من الناس ومن سائقي السيارات أنفسهم.
جرعات توعية
في سباق مع الوقت التقيت بعدد من أصحاب السيارات الذين طالهم الضرر، وأفحمتهم الشكوى.. فهذا حسن راشد يقول إنه نجا من الموت بأعجوبة، كان قبل فترة يعانق الغيم في قمم جبل صبر، فجأة مع لحظات الهبوط الهادئة «راح عليه البريك» وارتمت سيارته في أحضان الجبل دون أضرار فادحة، لم تتوقف معاناة حسن عند هذا الحد، فقد اضطر بعد فترة وجيزة إلى تبديل محرك سياراته الحديثة، واستيراد المحرك من دولة مجاورة لعدم وجوده في محالات قطع الغيار..
- يقول حسن بنبرة غاضبة: كل ذلك بسبب استخدامي لنوع من سُم البريك الرديء وأنواعاً مختلفة من الزيوت المغشوشة، المشكلة أني حين شرائي اعتمد على ماركة الشركة المنتجة وهي «....» فمن أين لي أن أعرف أن العلبة تمت تعبئتها بنوعية مغشوشة، مؤكداً أن هذه الزيوت المغشوشة تُطرح في الأسواق على الدوام، فيما يجهل الكثير منا جهات إنتاجها أو استيرادها، لتكون النتيجة هلاك وتلف العديد من المحركات خاصة السيارات الحديثة، فضلاً عمّا تؤديه من حوادث تودي بحياة أصحابها، وضياع وهدر للعملة الصعبة في البلد، وتمنى حسن على الجهات المعنية أن تقوم بزيادة جرعات التوعية والإرشاد للمستهلكين لحمايتهم من الغش التجاري في كل المنتجات والخدمات بما فيه زيوت السيارات..
زيت حارق
أصبح الطلب المتزايد لزيوت المركبات العادمة سبباً في تلاشي خطرها على البيئة، الذي استمر لعقود يفتك بملامح حياة الأرض من الأعماق، تحول أولئك الذين كانوا يغذون التربة بتلك المهلكات إلى أناس «ثُقاة» يتفانون في المحافظة عليها؛ ليس حباً لها وإنما طمعاً بالأموال التي باتت تدر عليهم من معامل ومصانع إعادة تدوير تلك الزيوت.
- أمام هذا التحول الذي هو باعتقادي واعتقاد كثيرين «أكثر من رائع» إلا أنه بالمقابل وضع البعض في الاتجاه الآخر، وهو ما تم بالفعل، وقد تجسد هذا التباين من الوهلة الأولى لإثارتي هذه القضية، فجميع من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر وورش الصيانة يدعمون هذا التوجه وبقوة، وقد علق أحد السائقين على ذلك بالقول: «يحق لهم، فهم المستفيدون في كل الأحوال».
- سامي مقبل «صاحب محل بنشر» كان ضد توجهنا في مجابهة ظاهرة الزيوت المغشوشة، واصفاً من ينحون ذات التوجه بأنهم أعداء «لهم» وللبيئة؟!..قد يكون سامي غير مطلع على خطورة تلك الزيوت المغشوشة, التي ربما يتفانى في بيعها من الأبواب الخلفية، وما أتمناه أن يقرأ هذا التحقيق جيداً ليعلم أن كلتا الحالتين أخطر من بعضيهما على البيئة تارة وعلى الإنسان تارة أخرى، وبدلاً من صب تلك الزيوت العادمة فوق الأرض وجعلها تتغلغل في عمق التربة لتفسدها وتلوث مياهنا الجوفية، فالأولى تجميعها في أحواض مخصصة لذلك وبيعها ليس لكل من هب ودب، وإنما لـ «ثقاة» يتولون إعادة تدويرها وتكريرها وفق المواصفات العالمية، تحت إشراف شامل من الجهات المعنية في هذا الجانب.
بديل ناجح
وما ينبغي التأكيد عليه أن عمليات إعادة تدوير الزيوت المستهلكة تتطلب إعادة التصنيع الجيد وإعادة التكرير وفق عمليات حديثة.. وما ينبغي التأكيد عليه أن ثمة عوامل ومعايير مهمة اتفق عالمياً على وجوب مراعاتها عند اختيار وتحديد تكنولوجيا المعالجة المطلوبة لإعادة الاستخدام والتدوير.
- علماء البيئة يرون في عمليات تدوير وإعادة صناعة الزيوت بديل ناجح للحد من تلوث الأرض، مشترطين في ذلك أن يتم في إطار المواصفات العالمية المتعارف عليها..
المهندس سعيد العريقي يدعم هذا التوجه، واصفاً عمليات التدوير التي تتم في بلادنا بـ «اللعب على الذقون» وأن الزيوت المشابهة التي يتم استيرادها أو تهريبها من دول مجاورة - كدبي مثلاً- هي أقل خطراً من تلك المصنعة محلياً؛ لأن عمليات تدويرها وتكريرها تمت وفق المواصفات العالمية..
تساؤل دارج
«نسكب الزيت الحارق فوق التراب، وإلا نجمعه ونبيعه فنفيد ونستفيد..؟!!» تساؤل دارج انبعثت من لسان يحيى قائد صالح «بنشري» لخص ببساطه الحل من وجهة نظره.. يحيى كان الأحسن تفاعلاً ممن يشاركونه ذات المهنة - في هذه الجزئية تحديداً- فغالبية من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر كانوا متحفظين بخوف صامت في الرد عن استفساراتي اللامتناهية وفي الأخص «إلى من يبيعون تلك الزيوت العادمة» فأدركت لحظتها أن في الكواليس تفاصيل محظورة، لأكتشف بعد استقصاء مشوب بالحذر أن تلك المحلات مُعتمدة بشكل رئيس على بيع تلك الزيوت العادمة، فالبرميل الواحد قيمته عشرة آلاف ريال.