كانت تعز فيما مضى إحدى أهم مناطق اليمن، وكان ميناء المخا الواقع فيها من أهم موانئ العالم طيلة 13 قرناً، حتى بدأت رحلة التراجع بعد أن ضربها الإنجليز والإيطاليون خلال الحرب العالمية الأولى مستهدفين الأتراك الذين كانوا احتلوها. خبا نجم تعز لعقود بعد الحرب حتى صعد الرئيس اليمني الأسبق، إبراهيم الحمدي، إلى الحكم في صنعاء فأعيد تأسيس ميناء المخا، لكن ترك الرئيس السابق علي عبد الله صالح موقعه كحاكم عسكري لتعز وشريطها الساحلي وانتقاله إلى العاصمة لإدارة الدولة بعد مقتل الحمدي وأحمد حسين الغشمي كان كفيلاً بتحول المحافظة إلى بؤرة تهريب نشطة ومصدر إثراء غير مشروع لرموز حكمٍ وقادة عسكريين ومشائخ ومنتفعين. وبعد سقوط نظام «صالح» دخلت دول وجماعات سياسية سوق التهريب الذي يستهدف المملكة بعد السوق المحلية اليمنية، ويبدأ التهريب من البضائع مروراً بالمخدرات والأسلحة وصولاً إلى البشر.
تحول ميناء المخا، الواقع على الشريط الساحلي الغربي لليمن، إلى أهم مراكز التهريب في المنطقة بعد أن كان من أشهر موانئ التجارة في العالم خصوصاً تجارة البن. وتتنوع عمليات التهريب في المخا، ويعد تهريب البشر، وتحديداً القادمين من إفريقيا، أخطرها، كما تنشط عمليات تهريب السلاح والمخدرات، وتعد المملكة العربية السعودية الهدف الثاني لهذه العمليات بعد اليمن.
ترصد «الشرق» في حلقة اليوم من ملف «تعز.. عاصمة التهريب في اليمن» عمليات التهريب في سواحل محافظات تعز والحديدة ولحج، الواقعة غرب اليمن، وكيف تحولت دولة إريتريا والمياه اليمنية وممر باب المندب المائي إلى مركز إقليمي لإدارة أجندة إيرانية وقطرية وإسرائيلية.
وتقول مصادر عديدة، تحدثت إليها «الشرق»، إن تركيا دخلت مؤخراً كلاعب قوي إلى جانب قطر وإيران وإسرائيل، واستطاعت أن تنسق مع قطر وتتقاسم عدة أدوار مهمة لتهريب السلاح إلى اليمن من خلال ذات الشبكات التي تنشط منذ سنوات طويلة غرب اليمن.
وضبطت السلطات اليمنية شحنات سلاح تركية عديدة خلال الأشهر الماضية بعضها وصل عن طريق الموانئ وأخرى عن طريق ممرات التهريب؛ لتتحول اليمن إلى سوق مفتوح للأسلحة التركية التي تدخل البلاد لصالح قوى سياسية، وأيضا للتجارة من قِبَل قيادات عسكرية وقبلية تعمل في إطار تحالف تركيا الموجود داخل اليمن.
هجوم برلماني
ورفع نوابٌ في البرلمان اليمني مؤخراً حدة انتقاداتهم لتركيا وطالبوا الحكومة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وكذا إقالة مسؤولين أمنيين بعد عمليات اغتيال طالت قيادات عسكرية رفيعة بأسلحة تركية كاتمة للصوت آخرها الأسبوع الماضي وراح ضحيتها اثنان من كبار قادة الجيش اليمني.
وقال النائب عبدالله الخلاقي في جلسة الأربعاء الماضي في البرلمان إن دولاً صديقة وشقيقة تتشارك في زرع القلاقل في المشهد اليمني، وتساءل قائلاً: «ماذا يريد مثلث الرعب، الولايات المتحدة وإيران وتركيا من اليمن؟».
كما طالب نواب بإقالة رؤساء أجهزة المخابرات لفشلهم في وقف شحنات السلاح التركية التي تصل إلى اليمن عن طريق التهريب.
وهاجم النواب الموقف التركي من تهريب السلاح إلى اليمن، وقالوا: «إن تركيا قالت إن أول شحنة سلاح تركية هُرِّبَت إلى اليمن مرت خارج الإطار الرسمي فماذا عن الشحنات المهربة لاحقاً؟»، واستغربوا عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات حيال شحنات الأسلحة الواردة منها.
فيما دافع نواب ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين، في ذات الجلسة التي تم فيها مناقشة تهريب السلاح التركي إلى اليمن، عن تركيا وحمَّلوا الحكومة اليمنية مسؤولية محاسبة مهربي شحنات السلاح.
رد تركي
وأمام الهجوم البرلماني والإعلامي في اليمن على تركيا بسبب شحنات السلاح المهربة، عقد سفير تركيا في صنعاء، مؤتمراً صحفياً أمس الأول هو الثاني له خلال شهر واحد، للدفاع عن بلاده دون أن يكون مقنعاً في طرحه للإعلام.
وأكد سفير تركيا في مؤتمره دعم بلاده لوحدة وأمن واستقرار اليمن، وأشار إلى أن حكومة بلاده لا يمكن أن تسمح بتصدير أسلحة إلى اليمن كونها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف اليمنية، متهماً أطرافاً أخرى بأنها تريد الإضرار بالعلاقات المتميزة بين البلدين.
وأوضح السفير التركي أن بلاده ما زالت تحقق في واقعة شحنة السلاح المضبوطة في ميناء عدن، نافياً علمه بشحنات أخرى، كما عبر عن أسفه لتوجيه بعض وسائل الإعلام اتهامات صريحة للحكومة التركية بتصدير أسلحة إلى اليمن للإضرار بأمنها واستقرارها «مستبقةً نتائج التحقيق»، حسب قوله.
كما تحدث السفير عن تهريب أسلحة إلى اليمن من دول أخرى «إلا أنه لم يتم تناولها بشكل مضخم كما هو الحال مع الأسلحة التركية المهربة والمضبوطة في اليمن»، وأكد استعداد تركيا لمساعدة اليمن في محاربة هذه الظاهرة، مذكَِراً بأن هناك اتفاقية تعاون جمركي بين البلدين سيتم التوقيع عليها قريباً وستسهم في الحد من ظاهرة التهريب.
عمل مخابراتي
وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني في القطاع الساحلي اليمني، علي القرشي، إن دولة إريتريا تُستَخدَم كمركز إقليمي لعددٍ من الدول للانطلاق صوب اليمن والمنطقة وتنفيذ أجندة خاصة بهذه الدول، ومنها قطر وإيران وإسرائيل وتركيا لاحقاً وقبل ذلك كانت ليبيا التي رحل عناصر مخابراتها من المنطقة بعد سقوط نظام معمر القذافي.
وكشف القرشي، وهو الذي عمل لسنوات طويلة في مكافحة التهريب بمنطقة الساحل الغربي لليمن، عن وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني يعملون مع ضباط من الاستخبارات الإيرانية والإريترية إضافة إلى وجود كتيبة قطرية تعمل ما بين إريتريا وجيبوتي وغالبية أفرادها من عناصر المخابرات، كما لفت إلى أن جوبا، عاصمة جنوب السودان، كانت تستقبل إمدادات عسكرية من إسرائيل عبر أريتريا.
وأوضح القرشي، في حديثه لـ«الشرق»، أن ضباطاً من المخابرات الليبية كانوا ينشطون في أريتريا ويعملون لتنفيذ مخططات تستهدف المملكة العربية السعودية من خلال استقطاب عناصر من قبيلة الرشايدة في إفريقيا وتجنيدهم لمهمات في المملكة.
وتحدث القرشي عن وجود منظومة اتصالات حديثة ورادارات في جزيرة حالب الإريترية يعمل عليها ضباطٌ إيرانيون لمراقبة ممر باب المندب، وتابع قائلاً: «كل يوم سبت تأتي طائرة هليكوبتر وتقوم بنقلهم إلى أسمرة للالتقاء مع ستة ضباط آخرين يعملون في الحرس الثوري الإيراني ويتولون تدريب كتائبٍ في الجيش الإريتري على استخدام السلاح الثقيل ويقومون أيضا بالتنسيق مع الضباط الإريتريين الذين يتولون التدريب في معسكرات تابعة للمعارضة الصومالية وكذلك تدريب عناصر تتبع جماعة الحوثي في اليمن».
وقال القرشي إن عملية تطوير ميناء «راس ترما» الإريتري تمت بدعم إيراني قطري وإن مواد البناء الخاصة حُمِّلَت من ميناء الحديدة والمخا في اليمن عام 2007، معداً أن عمليات القرصنة كانت جزءاً من مخطط كبير لتغطية أعمال التهريب والأنشطة الاستخباراتية في المياه اليمنية والإريترية وخليج عدن وذلك من أجل تمرير صفقات الأسلحة والمخدرات في إطار عملية تهريب منظمة تشرف عليها تلك الدول بهدف زعزعة استقرار اليمن والسعودية والسودان.
ولفت القرشي إلى وجود عناصر تابعة لأجهزة المخابرات الإيرانية والإسرائيلية والقطرية والإريترية تعمل على زرع مخبرين لها على امتداد السواحل اليمنية خصوصاً في المنطقة الممتدة من راس عمران في لحج إلى ميدي في حجة.
وأشار القرشي إلى أن مهربي الأسلحة إلى اليمن لديهم عمال من جنسيات مختلفة (يمنيين وصوماليين وإريتريين) وهم مدعومون من قادة عسكريين في اليمن ويحظون بدعم إريتري حيث تتم كافة الإجراءات الخاصة بهم في الموانئ الإريترية.
وأكمل «بعض القادة العسكريين في اليمن يمارسون تهريب الأسلحة بكل سهولة ويقومون بالتضليل عند قيام أية جهة أمنية أخرى بالقبض على حمولات أسلحة مهربة ويتم إغلاق ملف القضية دون معرفة خيوطها ومن يقفون وراءها».
وعد القرشي أن التحركات القطرية في إريتريا منذ بداية الأزمة في اليمن كانت مؤشراً واضحاً على بحث قطر عن دور فاعل في اليمن حيث قامت الدوحة بدعم مشروع رفع مستوى تأهيل القوات البحرية من أجل سيطرة البحرية الإريترية على خط الملاحة في باب المندب بسبب ضعف دور القوات البحرية اليمنية.
ووصف القرشي قائد القوات الإريترية، محمد كركاري، بأنه أحد المقربين من النظام القطري وقال «له علاقات واسعة مع تجار السلاح والمهربين إلى اليمن، ومن خلاله تضمن قطر توصيل أية شحنات تريدها إلى اليمن».
وذكر القرشي أن لدى أريتريا 360 جزيرة تُستَخدَم القريبة منها لسواحل اليمن كنقاط التقاء لتفريغ الحمولات من القوارب الكبيرة إلى الصغيرة لنقلها إلى السواحل كما أن هناك عمليات تهريب أسلحة من موانئ صومالية تحت إشراف المخابرات الإريترية والمتعاملين معها من أجهزة استخبارات أخرى، وكشف أن قطر تبحث عن استثمار في مدينة ميدي الحدودية مع المملكة العربية السعودية وجزر يمنية لأغراض خاصة، كما لفت إلى تهريب أسمدة إسرائيلية ومواد تدخل في صناعة المتفجرات من مصر والأردن إلى اليمن.
اختراق
في سياقٍ متصل، كشف مصدر في محور محافظة تعز عن اختراق المهربين لعمليات الوحدات العسكرية والأمنية بما يمكِّنهم من التعرف على أية برقيات أو بلاغات عن رصد شحناتهم في المياه ليقوموا بتغيير وجهتهم بعد أن تكون الحملات العسكرية ذهبت إلى المواقع السابقة.
وقال المصدر لـ «الشرق» إن المهربين تصل إليهم كل الأوامر التي تصدر بخروج حملات ضدهم أو مصادرة شحناتهم في عرض البحر أو في سواحل المخا وباب المندب ولحج وذباب.
وأطَّلعت «الشرق» على وثيقة سرية تثبت الصراع بين القوى الأمنية والعسكرية اليمنية على خدمة المهربين.
وتوضح الوثيقة أنه تم إرسال بلاغ من أحد فروع الأمن في الساحل الغربي إلى عمليات محافظة تعز يفيد بوجود شحنة سيتم تهريبها إلى إريتريا.
وبعد أن تم تجهيز عملية من المنطقة العسكرية الجنوبية تضم أطقم من وحدات عسكرية مختلفة وتحديد تاريخ المداهمة للشحنة التي كانت في منطقة واحجة بالمخا على الشريط الساحلي الغربي، تم تأجيل الحملة رغم أخذ الإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، بخروجها.
وبعد يومين من تأجيل الحملة وصل بلاغ آخر يفيد بتهريب الشحنة بتواطؤ من المسؤول الأمني الذي أبلغ عنها في وشاية من شأنها إلحاق الضرر بالمسؤول الذي أُبلِغَ عن الشحنة ولإجباره على عدم تجاوز شبكات التهريب وعلاقاتها برجال الأمن والجيش المتواطئين.
وتوجد في منطقة الشريط الساحلي الغربي لليمن، والتي تنشط فيها عمليات التهريب، وحدات عسكرية تضم لواءً عسكرياً كبيراً في مدخل المخا ولواءً آخر في باب المندب وكتيبة دفاع جوي ووحدات من القوات البحرية وشرطة خفر السواحل، غير أن هذه القوات ليس لها أي دور يذكر في مكافحة التهريب بل تحول قادة الوحدات إلى حماة للمهربين وشركاء لهم في العمل في عرض البحر واليابسة وفي الطرق التي تسير عليها المواد المهرَّبة نحو المدن.
والتقطت عدسة «لشرق» صورة لخمسة قوارب بحرية رابضة وسط قاعدة عسكرية في ميناء المخا وقد صَدِئَت وتلفت نتيجة عدم استخدامها أبداً رغم أنها مخصصة لمكافحة عمليات التهريب في الساحل الغربي.
وكشف مسؤول عسكري كبير لـ «الشرق» عن وجود ثلاث محطات رادار تابعة لقوات خفر السواحل اليمنية في الساحل الغربي تم تجهيزها بـ 60 مليون دولار قبل سنوات لمساعدة شرطة خفر السواحل في تنسيق عملية مكافحة التهريب مع الوحدات العسكرية الأخرى، إلا أن هذه المحطات أصبحت تالفة حيث لم تستخدم إطلاقاً منذ تجهيزها على نفقة دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا.
تحول ميناء المخا، الواقع على الشريط الساحلي الغربي لليمن، إلى أهم مراكز التهريب في المنطقة بعد أن كان من أشهر موانئ التجارة في العالم خصوصاً تجارة البن. وتتنوع عمليات التهريب في المخا، ويعد تهريب البشر، وتحديداً القادمين من إفريقيا، أخطرها، كما تنشط عمليات تهريب السلاح والمخدرات، وتعد المملكة العربية السعودية الهدف الثاني لهذه العمليات بعد اليمن.
ترصد «الشرق» في حلقة اليوم من ملف «تعز.. عاصمة التهريب في اليمن» عمليات التهريب في سواحل محافظات تعز والحديدة ولحج، الواقعة غرب اليمن، وكيف تحولت دولة إريتريا والمياه اليمنية وممر باب المندب المائي إلى مركز إقليمي لإدارة أجندة إيرانية وقطرية وإسرائيلية.
وتقول مصادر عديدة، تحدثت إليها «الشرق»، إن تركيا دخلت مؤخراً كلاعب قوي إلى جانب قطر وإيران وإسرائيل، واستطاعت أن تنسق مع قطر وتتقاسم عدة أدوار مهمة لتهريب السلاح إلى اليمن من خلال ذات الشبكات التي تنشط منذ سنوات طويلة غرب اليمن.
وضبطت السلطات اليمنية شحنات سلاح تركية عديدة خلال الأشهر الماضية بعضها وصل عن طريق الموانئ وأخرى عن طريق ممرات التهريب؛ لتتحول اليمن إلى سوق مفتوح للأسلحة التركية التي تدخل البلاد لصالح قوى سياسية، وأيضا للتجارة من قِبَل قيادات عسكرية وقبلية تعمل في إطار تحالف تركيا الموجود داخل اليمن.
هجوم برلماني
ورفع نوابٌ في البرلمان اليمني مؤخراً حدة انتقاداتهم لتركيا وطالبوا الحكومة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وكذا إقالة مسؤولين أمنيين بعد عمليات اغتيال طالت قيادات عسكرية رفيعة بأسلحة تركية كاتمة للصوت آخرها الأسبوع الماضي وراح ضحيتها اثنان من كبار قادة الجيش اليمني.
وقال النائب عبدالله الخلاقي في جلسة الأربعاء الماضي في البرلمان إن دولاً صديقة وشقيقة تتشارك في زرع القلاقل في المشهد اليمني، وتساءل قائلاً: «ماذا يريد مثلث الرعب، الولايات المتحدة وإيران وتركيا من اليمن؟».
كما طالب نواب بإقالة رؤساء أجهزة المخابرات لفشلهم في وقف شحنات السلاح التركية التي تصل إلى اليمن عن طريق التهريب.
وهاجم النواب الموقف التركي من تهريب السلاح إلى اليمن، وقالوا: «إن تركيا قالت إن أول شحنة سلاح تركية هُرِّبَت إلى اليمن مرت خارج الإطار الرسمي فماذا عن الشحنات المهربة لاحقاً؟»، واستغربوا عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات حيال شحنات الأسلحة الواردة منها.
فيما دافع نواب ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين، في ذات الجلسة التي تم فيها مناقشة تهريب السلاح التركي إلى اليمن، عن تركيا وحمَّلوا الحكومة اليمنية مسؤولية محاسبة مهربي شحنات السلاح.
رد تركي
وأمام الهجوم البرلماني والإعلامي في اليمن على تركيا بسبب شحنات السلاح المهربة، عقد سفير تركيا في صنعاء، مؤتمراً صحفياً أمس الأول هو الثاني له خلال شهر واحد، للدفاع عن بلاده دون أن يكون مقنعاً في طرحه للإعلام.
وأكد سفير تركيا في مؤتمره دعم بلاده لوحدة وأمن واستقرار اليمن، وأشار إلى أن حكومة بلاده لا يمكن أن تسمح بتصدير أسلحة إلى اليمن كونها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف اليمنية، متهماً أطرافاً أخرى بأنها تريد الإضرار بالعلاقات المتميزة بين البلدين.
وأوضح السفير التركي أن بلاده ما زالت تحقق في واقعة شحنة السلاح المضبوطة في ميناء عدن، نافياً علمه بشحنات أخرى، كما عبر عن أسفه لتوجيه بعض وسائل الإعلام اتهامات صريحة للحكومة التركية بتصدير أسلحة إلى اليمن للإضرار بأمنها واستقرارها «مستبقةً نتائج التحقيق»، حسب قوله.
كما تحدث السفير عن تهريب أسلحة إلى اليمن من دول أخرى «إلا أنه لم يتم تناولها بشكل مضخم كما هو الحال مع الأسلحة التركية المهربة والمضبوطة في اليمن»، وأكد استعداد تركيا لمساعدة اليمن في محاربة هذه الظاهرة، مذكَِراً بأن هناك اتفاقية تعاون جمركي بين البلدين سيتم التوقيع عليها قريباً وستسهم في الحد من ظاهرة التهريب.
عمل مخابراتي
وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني في القطاع الساحلي اليمني، علي القرشي، إن دولة إريتريا تُستَخدَم كمركز إقليمي لعددٍ من الدول للانطلاق صوب اليمن والمنطقة وتنفيذ أجندة خاصة بهذه الدول، ومنها قطر وإيران وإسرائيل وتركيا لاحقاً وقبل ذلك كانت ليبيا التي رحل عناصر مخابراتها من المنطقة بعد سقوط نظام معمر القذافي.
وكشف القرشي، وهو الذي عمل لسنوات طويلة في مكافحة التهريب بمنطقة الساحل الغربي لليمن، عن وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني يعملون مع ضباط من الاستخبارات الإيرانية والإريترية إضافة إلى وجود كتيبة قطرية تعمل ما بين إريتريا وجيبوتي وغالبية أفرادها من عناصر المخابرات، كما لفت إلى أن جوبا، عاصمة جنوب السودان، كانت تستقبل إمدادات عسكرية من إسرائيل عبر أريتريا.
وأوضح القرشي، في حديثه لـ«الشرق»، أن ضباطاً من المخابرات الليبية كانوا ينشطون في أريتريا ويعملون لتنفيذ مخططات تستهدف المملكة العربية السعودية من خلال استقطاب عناصر من قبيلة الرشايدة في إفريقيا وتجنيدهم لمهمات في المملكة.
وتحدث القرشي عن وجود منظومة اتصالات حديثة ورادارات في جزيرة حالب الإريترية يعمل عليها ضباطٌ إيرانيون لمراقبة ممر باب المندب، وتابع قائلاً: «كل يوم سبت تأتي طائرة هليكوبتر وتقوم بنقلهم إلى أسمرة للالتقاء مع ستة ضباط آخرين يعملون في الحرس الثوري الإيراني ويتولون تدريب كتائبٍ في الجيش الإريتري على استخدام السلاح الثقيل ويقومون أيضا بالتنسيق مع الضباط الإريتريين الذين يتولون التدريب في معسكرات تابعة للمعارضة الصومالية وكذلك تدريب عناصر تتبع جماعة الحوثي في اليمن».
وقال القرشي إن عملية تطوير ميناء «راس ترما» الإريتري تمت بدعم إيراني قطري وإن مواد البناء الخاصة حُمِّلَت من ميناء الحديدة والمخا في اليمن عام 2007، معداً أن عمليات القرصنة كانت جزءاً من مخطط كبير لتغطية أعمال التهريب والأنشطة الاستخباراتية في المياه اليمنية والإريترية وخليج عدن وذلك من أجل تمرير صفقات الأسلحة والمخدرات في إطار عملية تهريب منظمة تشرف عليها تلك الدول بهدف زعزعة استقرار اليمن والسعودية والسودان.
ولفت القرشي إلى وجود عناصر تابعة لأجهزة المخابرات الإيرانية والإسرائيلية والقطرية والإريترية تعمل على زرع مخبرين لها على امتداد السواحل اليمنية خصوصاً في المنطقة الممتدة من راس عمران في لحج إلى ميدي في حجة.
وأشار القرشي إلى أن مهربي الأسلحة إلى اليمن لديهم عمال من جنسيات مختلفة (يمنيين وصوماليين وإريتريين) وهم مدعومون من قادة عسكريين في اليمن ويحظون بدعم إريتري حيث تتم كافة الإجراءات الخاصة بهم في الموانئ الإريترية.
وأكمل «بعض القادة العسكريين في اليمن يمارسون تهريب الأسلحة بكل سهولة ويقومون بالتضليل عند قيام أية جهة أمنية أخرى بالقبض على حمولات أسلحة مهربة ويتم إغلاق ملف القضية دون معرفة خيوطها ومن يقفون وراءها».
وعد القرشي أن التحركات القطرية في إريتريا منذ بداية الأزمة في اليمن كانت مؤشراً واضحاً على بحث قطر عن دور فاعل في اليمن حيث قامت الدوحة بدعم مشروع رفع مستوى تأهيل القوات البحرية من أجل سيطرة البحرية الإريترية على خط الملاحة في باب المندب بسبب ضعف دور القوات البحرية اليمنية.
ووصف القرشي قائد القوات الإريترية، محمد كركاري، بأنه أحد المقربين من النظام القطري وقال «له علاقات واسعة مع تجار السلاح والمهربين إلى اليمن، ومن خلاله تضمن قطر توصيل أية شحنات تريدها إلى اليمن».
وذكر القرشي أن لدى أريتريا 360 جزيرة تُستَخدَم القريبة منها لسواحل اليمن كنقاط التقاء لتفريغ الحمولات من القوارب الكبيرة إلى الصغيرة لنقلها إلى السواحل كما أن هناك عمليات تهريب أسلحة من موانئ صومالية تحت إشراف المخابرات الإريترية والمتعاملين معها من أجهزة استخبارات أخرى، وكشف أن قطر تبحث عن استثمار في مدينة ميدي الحدودية مع المملكة العربية السعودية وجزر يمنية لأغراض خاصة، كما لفت إلى تهريب أسمدة إسرائيلية ومواد تدخل في صناعة المتفجرات من مصر والأردن إلى اليمن.
اختراق
في سياقٍ متصل، كشف مصدر في محور محافظة تعز عن اختراق المهربين لعمليات الوحدات العسكرية والأمنية بما يمكِّنهم من التعرف على أية برقيات أو بلاغات عن رصد شحناتهم في المياه ليقوموا بتغيير وجهتهم بعد أن تكون الحملات العسكرية ذهبت إلى المواقع السابقة.
وقال المصدر لـ «الشرق» إن المهربين تصل إليهم كل الأوامر التي تصدر بخروج حملات ضدهم أو مصادرة شحناتهم في عرض البحر أو في سواحل المخا وباب المندب ولحج وذباب.
وأطَّلعت «الشرق» على وثيقة سرية تثبت الصراع بين القوى الأمنية والعسكرية اليمنية على خدمة المهربين.
وتوضح الوثيقة أنه تم إرسال بلاغ من أحد فروع الأمن في الساحل الغربي إلى عمليات محافظة تعز يفيد بوجود شحنة سيتم تهريبها إلى إريتريا.
وبعد أن تم تجهيز عملية من المنطقة العسكرية الجنوبية تضم أطقم من وحدات عسكرية مختلفة وتحديد تاريخ المداهمة للشحنة التي كانت في منطقة واحجة بالمخا على الشريط الساحلي الغربي، تم تأجيل الحملة رغم أخذ الإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، بخروجها.
وبعد يومين من تأجيل الحملة وصل بلاغ آخر يفيد بتهريب الشحنة بتواطؤ من المسؤول الأمني الذي أبلغ عنها في وشاية من شأنها إلحاق الضرر بالمسؤول الذي أُبلِغَ عن الشحنة ولإجباره على عدم تجاوز شبكات التهريب وعلاقاتها برجال الأمن والجيش المتواطئين.
وتوجد في منطقة الشريط الساحلي الغربي لليمن، والتي تنشط فيها عمليات التهريب، وحدات عسكرية تضم لواءً عسكرياً كبيراً في مدخل المخا ولواءً آخر في باب المندب وكتيبة دفاع جوي ووحدات من القوات البحرية وشرطة خفر السواحل، غير أن هذه القوات ليس لها أي دور يذكر في مكافحة التهريب بل تحول قادة الوحدات إلى حماة للمهربين وشركاء لهم في العمل في عرض البحر واليابسة وفي الطرق التي تسير عليها المواد المهرَّبة نحو المدن.
والتقطت عدسة «لشرق» صورة لخمسة قوارب بحرية رابضة وسط قاعدة عسكرية في ميناء المخا وقد صَدِئَت وتلفت نتيجة عدم استخدامها أبداً رغم أنها مخصصة لمكافحة عمليات التهريب في الساحل الغربي.
وكشف مسؤول عسكري كبير لـ «الشرق» عن وجود ثلاث محطات رادار تابعة لقوات خفر السواحل اليمنية في الساحل الغربي تم تجهيزها بـ 60 مليون دولار قبل سنوات لمساعدة شرطة خفر السواحل في تنسيق عملية مكافحة التهريب مع الوحدات العسكرية الأخرى، إلا أن هذه المحطات أصبحت تالفة حيث لم تستخدم إطلاقاً منذ تجهيزها على نفقة دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا.