الرئيسية / تقارير وحوارات / أول لقاء بين جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل
أول لقاء بين جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل

أول لقاء بين جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل

30 نوفمبر 2012 10:30 صباحا (يمن برس)

الوطن كله صار على المحك، الثقافة والفكر تحديداً في مهب الريح، جحافل التضييق والقولبة تزأر في عنف وكراهية، المشهد شديد القتامة والريبة، الأمر إذاً يحتاج إلى (حكيم) نستقطر من كلماته (روشتة الخلاص)، و(نوراً) يتقدمنا لاقتحام ذلك النفق المظلم الذي استطال بأكثر مما يجب، والأمر أيضاً يحتاج إلى (مرجعية) نعود إليها لنبحث لديها عن (بوصلة الاتجاه) الصحيح، ورشد ورشاد التوجه المستنير، وفي هذا الظرف الضاغط، فإن الحكمة والمرجعية يتجسدان في شخص أستاذنا محمد حسنين هيكل، ولأن الأمر أعمق وأصعب من كونه (أزمة سياسة)، ولكنه (أزمة ثقافة وهوية)، فقد حسمنا أمرنا وقررنا أن نتحاور مع الأستاذ حول الثقافة والفكر والأدب والإبداع، وكلها (حبات عقد) إذا ما انتظمت حددت ملامح (الهوية المصرية)، تلك الهوية التي اتسمت دوماً برحابة الفكر، وتعددية الرؤى، وتلاقح الأفكار، والنفور من القولبة .

 

 وقد كان الأستاذ - كعادته- سخياً وكريماً حيث استضافنا على مدى جلستين طويلتين - يفصل بينهما أسبوع - واستمع باهتمام إلى كل أسئلتنا، وكان كعادته أيضا، مرتب الفكر، صافي الذهن، واضح الرؤى، صادق التوجه، حيث قدم من خلال إجاباته الكثير والكثير ليس عن الماضي فقط ولكن عن الحاضر والمستقبل . . ونشعر بكثير من الامتنان والتقدير للأستاذ لأنه خصنا بهذا الحوار المهم والذي نزعم أنه قد جاء في وقته تماماً .

 

 . . نعود مرة أخرى إلى “ثقافة الحروب”، وهل تلك المواجهة الدائمة والمرعبة مع الموت تجعل الإنسان يبحث عن “المتعة الأخيرة”، وهل كانت “القراءة والثقافة” هي متعتك الأخيرة في كل الحروب التي قمت بتغطية أحداثها؟

 

* الحرب وتحديداً حرب 1948 كانت السبب في لقائك الأول مع جمال عبدالناصر، وبعد الثورة في 1952 تعمقت علاقتك به حتى أصبحت صديقه وفي 1953 كنت مسؤولاً عن صياغة أفكاره في كتاب “فلسفة الثورة” فهل وجدت في عبدالناصر بطلك القديم الظاهر بيبرس؟

 

- الأستاذ: أريد أن أخبرك أولاً بظروف وتفاصيل المقابلة الأولى مع عبدالناصر، حيث كانت مقابلة تعيسة جداً، حيث كنت مع حسن فهمي عبدالمجيد والذي أصبح في ما بعد سفيرنا بالمغرب، وكان في ذلك الوقت ضابط أركان حرب مع البطل أحمد عبدالعزيز، وكان حيدر باشا وزير الحربية في ذلك الوقت قد رفض منحي تصاريح الذهاب إلى فلسطين لتغطية أحداث الحرب، فذهبت إلى الأردن، ومن عمان إلى القدس إلى بيت لحم لكي أصل إلى قوات أحمد عبدالعزيز، وكان معي المصور محمد يوسف، ولم تكن هناك وسائل للمواصلات فمشينا على الأقدام 32 كيلومتراً، وكان في الطريق مستعمرتان لليهود، مستعمرة الزراعة ومستعمرة تل بيوت، وسرنا في اتجاه المستعمرات وكان معنا دليل فلسطيني اسمه “أبو إبراهيم” لديه خبرة طويلة في المسالك والدروب الآمنة، ورغم ذلك شعر بنا سكان أحد المستعمرتين وضربوا علينا النار وقد أصبت إصابة خفيفة في ساقي - والطريف أن “أبو إبراهيم” كان السبب في اكتشاف أمرنا فقد استرحنا بعض الوقت إلى جوار صخرة كبيرة، وفجأة أخرج مسدسه وأطلق رصاصة بحجة أنه رأى ثعباناً، أو كما قال هو “حنش”، وهذه الرصاصة كشفت أمرنا، فأطلق علينا سكان المستعمرة النار، المهم وصلنا إلى أحمد عبدالعزيز وكانت القوات المصرية الأساسية موجودة في “المجدل”، فقد دخل الجيش المصري بجناحين، جناح إلى بئر سبع وبيت لحم وهو الجناح الشرقي الذي كان فيه أحمد عبدالعزيز، أما القوات الرئيسية للجيش المصري فقد سارت على الطريق الساحلي إلى المجدل وأشدود “غزة - مجدل - أشدود” وكانت منطقة الفلوجة في الخط الواصل بين المنطقتين “بيت لحم - المجدل” والذي يسمى الطريق الأوسط، وطلبت من أحمد عبدالعزيز أن أذهب إلى الغرب فأعطاني سيارة جيب وأحد ضباطه، ونزلنا إلى الفلوجة وعلمت بوجود ضابط مهم بالمنطقة، وكنا قد توقفنا لوجود معركة كبيرة ومهمة على الطريق، وطلبت رؤية هذا الضابط المهم واسمه جمال عبدالناصر، فأخذوني إليه، وكان عائداً لتوه من المعركة، مجهداً ومتعباً ولم ينم منذ عدة أيام ووجدته في قسم شرطة “عراق المنشية”، يستعد للنوم، ومعه “بطانيتان” طوى إحداهما ليجعل منها “وسادة” وفرش الأخرى على الأرض لينام عليها، ومن اللحظة الأولى اكتشفت أن عبدالناصر كان ساخطاً جداً على الصحافة المصرية، لأنها كانت تنشر أخباراً غير صحيحة عن المعارك في فلسطين، وجلس على البطانية وقال: “انتوا مش عايزين تسمعوا حاجة، انتوا في مصر عايزين تكتبوا اللي انتوا عايزينه” . .

 

فقلت له: هل قرأت لي شيئاً؟

 

فأجاب: أيوه قرأت لك، وفي حاجات عجبتني . .

 

وكان شديد العصبية وجلسنا نحو نصف ساعة فقط ثم تركته وأكملت طريقي إلى المجدل، ونسيت عبدالناصر، وجاء عام ،1949 وعادت القوات المحاصرة في الفلوجة والتي كان من بينها جمال عبدالناصر، وكنت وقتها أغطي أحداث الانقلابات السورية، وجاءني زكريا محيي الدين وكنت رأيته قبل ذلك، وطلب إعطائي بعض الوثائق المهمة عن اتصالات “إسرائيل” ببعض القبائل في سيناء، وكانت لديه بطاقات لأشخاص مزدوجي الجنسية . وعندما جاء زكريا محيي الدين لمقابلتي كان معه جمال عبدالناصر، فتذكرت على الفور مقابلتنا الأولى في فلسطين وطلب مني في هذه المقابلة الثانية نسخة من كتابي الأول “إيران فوق بركان” وأذكر أن ثمن الكتاب وقتها كان “عشرة قروش”، فأعطيته النسخة هدية، ووجدت عبدالناصر في هذا اللقاء مهتماً بما يحدث في سوريا، ولم أقابله بعد ذلك إلا يوم 18 يوليو/تموز أي قبل الثورة بأيام قليلة، وكان ذلك في بيت اللواء محمد نجيب .

 

* تؤكد كل المعلومات أن عبدالناصر كان قارئاً ومثقفاً، ويستدل على ذلك بقائمة استعاراته من مكتبة الكلية الحربية، فكيف كانت علاقات التأثير والتأثر بينكما في مجال الثقافة؟

 

- الأستاذ: عندما قابلت عبدالناصر يوم 18 يوليو/تموز تناقشنا في أشياء كثيرة، وعندما نزلنا من منزل اللواء محمد نجيب وجدت لديه رغبة في استكمال النقاش، فطلبت أن نذهب إلى الأخبار فرفض عبدالحكيم عامر - وكان معنا - بحدة، فسألتهما هل تذهبان إلى بيتي فوافقا على الفور، فركبنا سيارتي، لأن سيارة عبدالناصر “الأوستن” كانت معطلة، وكنت أسكن في 14 شارع شجرة الدر بالزمالك في عمارة دار الهناء، ومازلت حتى الآن أتذكر ملابس عبدالناصر وهو جالس بجواري في السيارة (بنطلون رمادي وقميص أبيض)، وجلس عبدالحكيم في المقعد الخلفي للسيارة، ووقتها لم أكن قد تزوجت بعد، ورغم ذلك كان بيتي مرتباً، وكان يعمل معي سفرجي “هايل”، مات منذ عام واحد - الله يرحمه - وكان البيت مليئاً بالكتب التي كنت آتي بها من سفرياتي المختلفة لرغبتي الشديدة في القراءة والاطلاع “وحتى الآن الكتب جزء مهم في كل بيت أذهب إليه في الإسكندرية في الغردقة، في المنزل الريفي في برقاش” .

 

 المهم عندما دخل عبدالناصر إلى البيت تفحص كل أركانه ثم سألني: أنت أرستقراطي؟

 

فقلت له: أبداً، وبدأنا نتحدث لنكمل ما كنا قد بدأناه في بيت محمد نجيب ثم في السيارة، وبعد الثورة كان أحمد أبو الفتح وإحسان عبدالقدوس وحلمي سلام أقرب إلى عبدالناصر مني، ولكن سرعان ما تقاربنا، وذلك لأنه اكتشف أنني أملك الكثير عن خلفية الصراع بعد قراءاتي عن حرب فلسطين وما بعدها، كما أنه كان يمتلك رؤية في كيفية الدفاع عن مصر، وأن هذا الدفاع لابد وأن يبدأ شرقاً، ولذلك كان الوطن العربي شديد الأهمية بالنسبة له، واكتشف عبدالناصر أثناء النقاشات التي كانت تدور بيننا أنني أعرف الوطن العربي جيداً، فقد أتاح لي عملي كمراسل أن أمر على الوطن العربي (ركناً . . ركناً وبلداً بلداً)، ذهبت إلى فلسطين، وبيروت، والشام، ولذلك تلاقت اهتماماتنا ووجدنا أن بيننا الكثير من المشتركات، وتحديدا المعرفة المشتركة وهذه المعرفة في جوهرها “ثقافة”، وبشكل عام فالثقافة هي المحصلة النهائية للتعليم والتربية الأسرية، فالإنسان ينتقل ما بين الأسرة ثم التعليم المنظم ثم التجربة العملية ثم مراقبة الحياة ومتابعتها لسنوات طويلة، وحصيلة كل هذا هو ما نسميه الثقافة، فهي حصيلة كل المعارف التي تتوافر للإنسان، من خلال معايشة الحياة، ومعايشة التاريخ، ومعايشة الزمن، ولذلك فمن الخطأ أن نتصور أن الثقافة هي الفن فقط، أو هي الرسم فقط، أو المزيكا فقط، أو الأدب فقط - إلخ، ونعود إلى عبدالناصر فقد تكلم مع كثيرين غيري، وحتى كتاب “فلسفة الثورة” كان من المفترض أن يكتبه الأستاذ فتحي رضوان والذي تقدم بمشروع أولي للكتاب، ولكنه كان بشكل أو بآخر مختلفاً عما يريده عبدالناصر، وعندما جاءني كتاب فلسفة الثورة جاءني لأن عبدالناصر اكتشف أن بيننا الكثير من المشتركات والاهتمامات وظن أنني قد أستطيع التعبير بدقة عن أفكاره، وعلى مر السنوات الماضية كثيراً ما كنت أسأل نفسي هل أثرت في عبدالناصر، أم هل تأثرت أنا به، والحقيقة أن الأمور لا تقاس بمثل هذا المقياس، لأن الأساس في ما ربط بيني وبينه هو “العلاقة الإنسانية”، ولذلك فأنت لاتستطيع أن تحدد في هذه العلاقة من ساهم بماذا وكيف كانت هذه المساهمة؟ فالعلاقات الإنسانية التي تنطلق من الصداقة تقوم على الحوار المستمر الذي لاينقطع وبذلك فطرفا العلاقة بينهما علاقات تأثير وتأثر بشكل دائم، والحوادث تربط بينهما بشكل مستمر، وعندما تأتي أنت الآن لتقول بأن عبدالناصر اختارني أو “اصطفاني” لكي أصيغ أفكاره في كتاب “فلسفة الثورة”، فهذا ربما يكون غير صحيح، لأن ما حدث أنني كنت قريباً من أفكاره، وهذه المسألة لا تأتي بالاحتراف، ولكن تأتي بالقرب والتقارب في الفكر، فمن قبل فلسفة الثورة كنت أحتك بعبد الناصر .

 

* لقد ظهر هذا الاحتكاك واضحاً ليلة ثورة يوليو وما صاحبها من أحداث كنت طرفاً فاعلاً فيها؟

 

- الأستاذ: قبل اندلاع ثورة يوليو كنت رئيساً لتحرير آخر ساعة، وكنت أعرف الكثير من الساسة والقادة المصريين، فكنت أعرف نجيب الهلالي بشكل جيد، وأعرف علي ماهر وحسين سري وحافظ عفيفي، إلخ، وليلة الثورة ذهبت إلى القيادة العامة للقوات المسلحة حيث كان عبدالناصر موجوداً ومعه رفاقه من مجلس قيادة الثورة، وكنت وقتها واحداً من رؤساء تحرير جريدة “الأخبار”، وكان مصطفى وعلي أمين قد ذهبا إلى الإسكندرية لمتابعة الأحداث وتشكيل الوزارة أيضاً، ولم يكونا على علم بمسألة الثورة حتى تفجرت الأحداث، وكنت دائم الاتصال بسكرتير تحرير الأخبار، وفي الثالثة صباحاً وأثناء حديثي مع سكرتير التحرير قطع عامل التليفون (عم حامد) التواصل وأخبرني بأن مصطفى بيه يسأل عني وأوصلني به، فسألني مصطفى أمين بلهفة هل تعرف أن الجيش خرج من ثكناته، فقلت أعرف، فقال وأين أنت الآن؟ فقلت في قيادة الجيش الذي خرج من ثكناته، فسألني وهل اللواء محمد نجيب معهم؟ فقلت نعم، فقال انتظر نجيب الهلالي باشا هيكلمك، وفي هذه الليلة اكتشفت أهم صفات جمال عبدالناصر وهي (الحسم) وسرعة إصدار القرار الصائب، فعندما سألني نجيب الهلالي عن رقم التليفون الذي أتكلم منه لم أقدم جواباً، ودخل اللواء محمد نجيب والذي كان يجلس في مكتب حسين فريد رئيس الأركان فأخبرته بأني أكلم مصطفى أمين وهو يسأل عن رقم التليفون الذي أتحدث منه، فقال: عبدالحكيم عامر بحدة: لا تخبره بالرقم، فرد عبدالناصر بهدوء: اخبره برقم التليفون، وكان على ما أذكر “44544”، ثم قال لعبدالحكيم: على الأقل يكون لنا اتصال بهم لنعرف كيف يفكرون .

 

* نعود إلى الثقافة وعلاقة التأثير والتأثر مع عبدالناصر؟

 

- الأستاذ: كنا نتحدث كثيراً في التاريخ وفي الأدب والشعر، وقد قرأ عبدالناصر كثيراً في التاريخ، وخاصة في التاريخ العسكري، فعندما كان يعد رسالته “أركان حرب” وهي تعادل رسالة الماجستير كان موضوعه الدفاع عن مصر وكان متأثراً بنظرية اللورد اللنبي، وبشكل عام فقد كان قارئاً جيداً للتاريخ، وللاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية بشكل خاص، وأذكر أن عبدالناصر كان دائم الترديد لبيت من الشعر يقول:

 

خلت الرقاع من الرخاخ ففرزنت

 

فيها البيادق واستطال الأعبد

 

بمعنى أن رقعة الشطرنج لم يعد بها شيء إلا العساكر (هذا البيت من قصيدة “الحبس” للشاعر الفلسطيني سعيد الكرمي 1852 - 1935) .

 

والأهم من المناقشات والحوارات التي كانت تجمعني بجمال عبدالناصر، أن علاقتنا تطورت إلى صداقة حقيقية، لها خلفية ولها منطقة تتحرك فيها، ولها الموضوعات التي نتناقش حولها، وفي الصداقات الحقيقية يجب ألا تعجزك الموضوعات، ولا يرهقك الصمت، بمعنى أن الصديقين إذا جلسا معاً من دون أن يتكلما فإن هذا الوضع لا يمثل أية أزمة لأن التواصل الروحي بين الأصدقاء أكبر وأقوى من أي تواصل، والصداقة الحقيقية لا تعرف التكلف، ذلك التكلف الذي يدفع كل طرف إلى إعطاء صورة مزيفة عن نفسه، وإذا وجد هذا التكلف فسد كل شيء، لأن الصداقة تعني أن يكون كل صديق على طبيعته تماما مع صديقه - يتحدثان وقتما يريدان ويصمتان وقتما يريدان (لا تعجزهما الموضوعات ولا يرهقهما الصمت)، على شرط ألا يؤدي الصمت إلى الوحشة أو الملل، ورغم أني عرفت أصدقاء كثيرين في مصر وخارجها وكان توفيق الحكيم من أقرب أصدقائي لكني طوال السنوات الماضية أشعر دائماً بأن عبدالناصر “بيوحشني” كصديق وليس كزعيم، وفي التاريخ الحديث هناك علاقة صداقة أقرب لحالتي مع عبدالناصر جمعت ما بين القائد الإنجليزي مونتجمري والزعيم الإنجليزي تشرشل .

 

* في حوار قديم مع الفنان فريد شوقي أخبرني بأن عبدالناصر استدعاه أثناء معارك 1956 ليكلفه بعمل فيلم عن أحداثها، وأن السادات قال له لقد أبكيتني بفيلم “لاتبك يا حبيب العمر” وأن مبارك قال له “كرشك كبر يا فريد”، فهل يصلح ما قاله فريد شوقي كقاعدة للتفرقة “ثقافياً” بين الرؤساء الثلاثة؟

 

- الأستاذ: ليس لي علاقة بتقييمات فريد شوقي، ولكن كل رئيس منهم ابن مرحلته مع وجود الفروق الشخصية والاستعداد الذاتي للتعامل مع الثقافة ومفرداتها . فعبد الناصر جاء وسط حركة للتحرر الوطني وصار زعيماً لها، فهو موجود على الساحة وابن شرعي لها، كما أنه رائد من رواد فكرة الوحدة له رؤية وفكر وثقافة . بينما أنور السادات كرئيس وليد لفترة تناقضات الحرب الباردة وما أدت إليه، أما حسني مبارك فهو وليد لفترة الهيمنة الأمريكية، تلك الهيمنة التي ترسخت في كامب ديفيد .

 

وبشكل عام فإن كل رئيس من الثلاثة عبّر عن مرحلته، مع مراعاة أن العمل العام يفرض عليك بأكثر مما تفرضه عليه، وقدرتك تتحقق باستعمال المكونات المتاحة لك لتحقيق أهدافك، تلك الأهداف التي يجب أن تنطلق من استراتيجية واحدة، وهذا كان واضحاً تماماً مع عبدالناصر، والذي أدرك أن الثقافة عنصر مهم من عناصر الاستراتيجية المصرية التي تنطلق بالأساس من عروبة مصر، حيث وحدة اللغة والامتداد الجغرافي . والمؤسف أنه بعد عبدالناصر وجدنا من يقول “مصر أولاً”، ومثل هذا الكلام لا يصح في دولة بقيمة وقامة مصر، فعندما تكون في منطقة أنت جزء منها ثقافيا، فكيف تقول إنك أولاً أو حتى ثانياً أو ثالثاً أو أخيراً، لا يوجد شيء من هذا، خاصة وأنك بلد لا تستطيع العيش بمواردك داخل حدودك، وقد كانت عبقرية عبد الناصر في إدراكه لكل هذه الأبعاد ثقافياً واستراتيجياً .

"الخليج " الاماراتية

شارك الخبر