وقد كان الأستاذ - كعادته- سخياً وكريماً حيث استضافنا على مدى جلستين طويلتين - يفصل بينهما أسبوع - واستمع باهتمام إلى كل أسئلتنا، وكان كعادته أيضا، مرتب الفكر، صافي الذهن، واضح الرؤى، صادق التوجه، حيث قدم من خلال إجاباته الكثير والكثير ليس عن الماضي فقط ولكن عن الحاضر والمستقبل . . ونشعر بكثير من الامتنان والتقدير للأستاذ لأنه خصنا بهذا الحوار المهم والذي نزعم أنه قد جاء في وقته تماماً .
* الأستاذ هيكل المثقف والأديب والمفكر، منطقة لم نعتد الولوج إليها كثيراً - بعد أن طغت عليها منطقة الصحافي والسياسي - ولذلك سنركز عليها ولنبدأ ب “موسوعية الإنتاج”، والتي حتماً ولدت من “موسوعية التلقي”، وهذا يعيدنا إلى الجذور والروافد التي كونت ثقافة هيكل، مع الوضع في الاعتبار الحيرة والدهشة لدى الكثيرين من كيفية امتلاك شاب صغير في عمر التاسعة عشرة لتلك الموسوعية في التلقي؟
- هيكل: تكمن البداية في كيفية الوصول إلى هذه السن، ولا يكون لهذه السنين إضافات، فالمدة ليس لها قيمة، ولكن القيمة تنشأ بما يوضع في هذه المدة، وكيف تم وضعه، وعن نفسي فقد بدأت بالصدفة في “الإيجيبيشن جازيت”، ثم دخلت تجربة مواكبة وتغطية الحروب، والحرب ذروة الدراما الإنسانية، وقد خدمتني الأحداث في بداية مشواري حيث قمت بتغطية حرب فلسطين كاملة (1948) . ثم ثورة مصدق الأولى في إيران، ثم الحرب الأهلية في البلقان، وكان مقري الرئيس في اليونان، وقبل كل هذا معارك العلمين في الحرب العالمية الثانية حيث عملت مساعداً لمحرر صحفي .
*تمخضت هذه التجارب عن كتابك الأول “إيران فوق البركان” والذي صدر عام 1951 .
- هيكل: هذه التجارب الكبيرة والمهمة تتطلب ممن يذهب إليها بهدف تغطيتها صحفيا أن يعد نفسه إعدادا جيدا، فتجارب الحرب العالمية الثانية، ثم حرب فلسطين، ثم ثورة مصدق وحرب البلقان، وكل التوترات الموجودة في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، كل هذا يحتاج إلى إعداد جيد للنفس لكي يذهب الإنسان إلى هذه المهام، وقد ساعد في هذا الإعداد امتلاكي لتجربة تعليم مليئة بالمعرفة المنضبطة، خاصة وأنا أعمل في جورنال إنجليزى أكثر انضباطا من الجرائد المصرية في ذلك الوقت، وهذا جعلني في مواجهة أكثر من تحدٍ، فلا يمكن أن أذهب لتغطية أحداث العلمين في باكورة شبابي، من دون أن أقرأ بما فيه الكفاية، ودون أن أعد نفسي لما سأراه .
* السؤال هو كيف لصحافي في مقتبل العمر (19 سنة) أو أكثر قليلاً أن يحصل على ثقة رؤسائه فيدفعوا به كمراسل حربي لتغطية أحداث العلمين؟
- هيكل : أولى تجاربي كانت في سن العشرين، ولم أذهب إلى العلمين كمراسل كامل، ولكني ذهبت كمساعد مراسل - وفي الصحافة لا تفيد “المجاملة”، ولا يشهد لك إلا ما تستطيع أن تقدمه وتضع عليه اسمك؛ لأن رئيسك في العمل الجاد لن يحابيك أو يجاملك، وفي الإيجيبشن جازيت كان رئيسي إنجليزيا، وكان دائم الإشادة بعملي ونشاطي، وقد أجدت في عمل مساعد المراسل أو مساعد المحرر، فحصلت على ثقة رؤسائي ودفعوا بي إلى أوروبا لتغطية بداية تحرير الدول التي كانت تحت الاحتلال الألماني، فحصلت على فرص كبيرة وكثيرة، ورأيت أوروبا تتحرر، رأيت باريس المحررة، وكل هذا تطلب إعداداً شاقاً للنفس، لكي أقوم بمهامي على المستوى المطلوب، وهذا الاعداد كان بالأساس ثقافياً، وثقافياً هنا تعني المشاهدة والتفكير والاطلاع والمعايشة .
* من المؤكد أن هذا الإعداد لم يكن لحظياً . . وهذا يعيدنا إلى الجذور الأولى في مرحلة الطفولة، لنتعرف إلى قراءاتك ولمن كنت تقرأ؟
- هيكل: في منزل جدي لوالدتي وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم لكل أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم، فأحفاد عبدالله سلام لابد أن يحفظوا القرآن، وكان في بيت جدي “مندرة” مليئة بالكتب جمعها جدي وخالي من مكتبة صبيح بالأزهر، وبيت جدي كان موجودًا في المنطقة التي بها مشيخة الأزهر الجديدة، وكان بجوارنا بيت الرافعي وبيت الرزاز، وهذه المنطقة كانت مقراً للتجارة الوطنية في مصر، وتمتد إلى ميدان الأوبرا، والسكة الحديد حتى ميدان عابدين، وهو الخط الفاصل بين قاهرة التجارة الوطنية، وقاهرة التجارة الأجنبية، كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة التي كان بها بيت جدي وهي المنطقة التي يطلقون عليها الآن السكة الجديدة والأزهر والغورية، فالتجارة الوطنية كما ذكرت كانت في هذه المنطقة، وفي الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية .
وقد ساهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم ديني في تشكيل ملامح شخصيتي الأولى، حيث كنت أذهب يوم الجمعة مع جدي إلى مقصورة سيدنا الحسين في وقت مبكر وأجلس لأستمع إلى القرآن الكريم بأصوات المقرئين العظام: الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني والشيخ محمد رفعت، هذا إضافة إلى البيت الذى يحمل استعداداً ثقافياً كبيراً، وفي هذا الإطار أؤكد على أنني ولدت بمنطقة الحسين وليس في قرية باسوس في القليوبية كما يكتب الكثيرون - وأذكر أن أول كتاب قرأته كان “أدب الدنيا والدين” - وعانيت كثيراً في فهمه - وقرأت بعد ذلك في دواوين الشعر وفي كتاب الأغاني للأصفهاني وفي كتاب ألف ليلة وليلة، ثم جذبتني كثيراً كتب السير الشعبية مثل ذات الهمة والظاهر بيبرس، وهو واحد من الشخصيات التي تأثرت بها كثيراً؛ لأني رأيت فيه صورة البطل .
* إلى هذا القدر أعجبتك شخصية بيبرس، رغم أنه قاتل قتل صديقه قطز؟
- هيكل: أنت تنظر إليه بطريقة جزئية، ولكني أنظر إلى تاريخه الهائل فقد تصدى بشجاعة للتتار، وأنشأ مملكة أو إمبراطورية مملوكية في هذه المنطقة من العالم، وإلى الآن ربما لايعرف الكثيرون مدى ما كانت عليه قوة هذه المملكة، وهذه القوة موجودة في الكتب والمراجع التي رصدت أعمال بيبرس، وعلى أي حال فقد أحببته كبطل استطاع تغيير أقداره، فرغم أنه بيع كمملوك جاهل بعشرة دنانير من الذهب، في حين كان أقرانه يباعون بمئة دينار أو أكثر؛ وذلك لأنه كان يعاني من نقطة بيضاء في عينه، ورغم هذا استطاع تكوين أفضل وأقوى إمبراطورية مملوكية في ذلك الوقت بعد انهيار عصر الخلفاء، وباختصار فقد كان بيبرس علامة مميزة في عصره .
* نعود إلى بلورة الجذور والروافد الثقافية في بداية حياتك .
- هيكل: القرآن الكريم هو الرافد الأول بعد أن تحول إلى “واجب عائلي” فقد كان علي وكل أطفال العائلة أن نتعلم القرآن على يد الشيخ قاسم، ثم الافتتان بالسير الشعبية، ومنها إلى المجالات الأدبية المختلفة، والفضاءات الثقافية المفتوحة، والثقافة بشكل عام عملية مستمرة تعيش مع الإنسان من ساعة مولده إلى ساعة موته، وتحتاج إلى المعايشة، فليس من المعقول أن أطلب منك أن تتصور معرضاً أو مكتبة أو مرسماً، إلخ؛ لأن عليك أن تتعايش مع هذه الأنشطة لأن الثقافة حياة بالدرجة الأولى، تدفعك إلى امتلاك “النظرة الكلية” إزاء الزمن والعصور والتطورات والتاريخ، والثقافة هي الوعي بعالمك والحياة فيه وتصور تقدمه، بعد أن تقترب منه ثم تلامسه ثم تعيش فيه ومعه، وكل هذا تعايشت معه من خلال قراءة القرآن ثم الكتب المختلفة ثم التعليم الأساسي، وأعتقد أني مدين بشدة لمدرسة خليل أغا الابتدائية والتي كانت تابعة للخاصة الملكية، فالتعليم بهذه المدرسة كان شديد الرقي والتميز، وحتى الآن مازلت أتذكر معامل المدرسة وملاعبها وخلايا تربية النحل والزراعة، ومثل هذا التعليم الراقي هو الذي يستطيع أن يعطيك المفاتيح التي يمكنك أن تصل من خلالها إلى العلم الحقيقي والآفاق الأوسع .
* هذه الجذور الثقافية شديدة التميز تتصادم مع ذهابك بعد ذلك إلى دراسة التجارة والأرقام، فلماذا كان هذا الخيار الصعب، وهل كان جبراً أم اختياراً؟
- هيكل : الحقيقة أني لم أختر هذه النوعية من الدراسة، ولكن الأمر يكمن في أن جدي ووالدي كانا يعملان بالتجارة، وإن شئت الدقة فالتجارة كانت مهنة كل العائلة، وشاءت الأقدار أن يصر والدي على أن أعمل معه في التجارة، حيث كان لي أخوان أكبر مني من زوجة أخرى غير والدتي وقد عملا بالفعل مع أبي في التجارة، ولكنهما ماتا بسبب المرض وأصبحت الابن الأكبر فكان لابد أن أعمل مع والدي في تجارته، ولذلك دخلت مدرسة التجارة المتوسطة، بينما إخوتي الصغار ذهبوا إلى الجامعة، فأخي الأصغر مني مباشرة ذهب إلى هندسة القاهرة وأصبح بعد ذلك أستاذاً في جامعة جورج واشنطن ورغم أن الحرب العالمية كانت ضاغطة على كل شيء ومن الصعب تغيير المسار إلا أني ذهبت إلى الجامعة الأمريكية لكي أغير مسار حياتي، وقد اختلفت كثيراً مع والدي لكي أفعل ذلك، ولكن دعم ومساندة والدتي كانا الدافع الأكبر لتكملة هذا المشوار .
* وهل استطعت بعد ذلك أن تنتزع رضاه واعترافه بنجاحك في مشوارك الجديد؟
- هيكل: لم أستطع إقناعه، ولكن والدتي كانت مقتنعة ومساندة وشاءت الأقدار أن أحصل على اعتراف ورضا والدي في “المحكمة”، حيث كان طرفاً في قضية خلاف تجاري، وكان محاميه المحامي الكبير “جاك كحيل” وهو أجنبي متمصر، وكان معجباً ومتابعاً لكتاباتي الأولى، وألح على والدي كثيراً لكي يرضى عني ويبارك خطواتي، ولكن والدي كان يرفض دائماً، حتى جاءت هذه القضية، وفجأة سأله القاضي هل لك علاقة بالصحافي محمد حسنين هيكل، فقال أبى “إنه ابني”، وكنت وقتها قد نشرت بعض كتاباتي عن فلسطين، فذهب والدي إلى والدتي وقال لها: يبدو أن كلام جاك كحيل صحيح وأن محمد له مستقبل كبير، و”يظهر إني كنت غلطان” .
* نعود مرة أخرى إلى “ثقافة الحروب”، وهل تلك المواجهة الدائمة والمرعبة مع الموت تجعل الإنسان يبحث عن “المتعة الأخيرة”، وهل كانت “القراءة والثقافة” هي متعتك الأخيرة في كل الحروب التي قمت بتغطية أحداثها؟
- هيكل: كثير من مشاهير الصحافة والأدب في العالم، عملوا في الصحافة المصرية الصادرة باللغات الأجنبية أو عملوا مراسلين لكبريات الصحف العالمية في مصر وقت أحداث الحرب العالمية الثانية، ومنهم على سبيل المثال جورج أوريل الذي عمل في الإيجيبشن غازيت، وبعضهم كان يقضي فترة خدمته العسكرية كمراسل عسكري مرافق للجيوش التي تعمل في مصر . . وأحد هؤلاء وكان يعمل مراسلا ل”الغارديان” في القاهرة كانت لديه نظرية للعمل الصحفي، تكمن في ضرورة أن يعمل الصحافي في بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث ليتعرف خبايا النفس البشرية، وعليه أن يعمل أيضا مراسلاً عسكرياً ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولا لمشاكلها، وفيما بعد كان للدكتور محمود عزمي ومعه الأستاذ محمد التابعي نظرية أخرى للعمل الصحفي، تؤكد على أن الصحافي في بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن ليتعرف إلى تفاصيل “الحياة” ولكن بصورة مصغرة، ثم عليه أن يعمل في قسم البرلمان، ليتعرف إلى أسرار وخبايا الحياة السياسية، وعندما ذهبت إلى “آخر ساعة” عملت فعلاً بقسم الفن، وربما لا يعرف الكثيرون أنني ارتبطت بعلاقة صداقة قوية مع الفنان نجيب الريحاني، وكنت أجلس معه في الكواليس، وبعد نهاية العرض كنت أركب معه الحنطور ونذهب لنجلس على المقهى، وذات ليلة وبعد مناقشات طويلة قال لي ماذا تفعل في هذا الوسط “مكانك مش هنا”، وأعتقد أن الدكتور عزمي لم يكن يقصد بالفن مجرد المسرح فقط، ولكن الأدب والفكر والثقافة بشكل عام . ومن حسن حظي أني طبقت النظريتين فقد عملت مراسلاً حربياً كما عملت بالفن .
ونعود إلى ثقافة حرب، فعندما تذهب كمراسل حربي فأنت لن تواجه الحرب فقط، وأذكر عندما ذهبت إلى اليونان لتغطية حرب البلقان كان معي المصور محمد يوسف، والذي أبدى دهشته لأنه وجد معي أربعة أو خمسة كتب عن مشكلة البلقان وعن اليونان، وعن الصراع التركي اليوناني والنزاع في البلقان، إلخ؛ فالحرب تحتاج إلى أن تجيد قراءتها، فكيف تقرأها وأنت غريب عنها، وتغيب عنك المعلومات الأساسية عن أطرافها وعن الأسباب التي أدت إليها . . وأذكر أن محمد يوسف كان يتعمد إخفاء هذه الكتب حتى لا أسهر طول الليل أقرأ فيها وأذاكرها ما يجعله لا ينام هو الآخر .
* هذه المعلومات تؤكد على أن هدفك الأساسي منذ البداية كان أن تصبح “محللاً سياسياً” وليس مجرد “مخبر صحفي”؟
- هيكل: على أيامنا كانت مهمة “المخبر الصحفي” أصعب وأهم من الآن، فالخبر في الوقت الراهن يذاع على الهواء عبر الفضائيات أو من خلال شبكة الإنترنت، أما قديما فكنا نعتمد على الأخبار التي ترد إلينا من وكالات الأنباء، وفي كل الأحوال فإن الصحافي وخاصة الآن مطالب بشرح ماذا تعني الأخبار والعمل على تحليلها؛ وذلك لأنه لايوجد رأي إلا على قاعدة خبر .. فالصحافيون ليسوا أدباء أو مفكرين أو فلاسفة يتحدثون عن معنى الوجود وصيرورة الكون، ولكنهم صحافيون يتحدثون عن الحياة اليومية ومتابعة أخبارها، ولذلك فمن المهم شرح وتحليل الخبر طبقا لقاعدة “لا رأي إلا على قاعدة خبر” .
* هذه قاعدة مهنية مهمة، والغريب أن غالبية الصحافيين والكتاب يسيرون عكس هذه القاعدة تماما أو على الأقل يهملونها؟
- هيكل: من المؤكد أن الأعمدة الكثيرة التي ملأت الجرائد والمجلات ليست عملا صحفياً، وإن كنت ألتمس الكثير من الأعذار للصحافيين والكتاب من الأجيال الجديدة، فهناك مصدران لصناعة الأخبار: الدولة والمجتمع، وأخبار الدولة هي الجزء المهم في عملنا، والمجتمع يصنع أخباره بالنشاط الاجتماعى الطبيعى، فهناك أخبار ما يحدث في عالم الجريمة، وما يحدث في قطاع الأعمال، وأيضا النشاط الفني والثقافي، كل هذا مهم، ولكن الأخبار الحقيقية المؤثرة هي ما تصنعه الدولة، فهي التي تصدر القوانين، والصحافي ليس مصلحاً اجتماعياً - ولكنه يحاول من خلال تنوير المجتمع أن يجعله قادراً على متابعة ما يحدث .
ونعود مرة أخرى إلى الحرب ففي الحروب وقبل أن تتعرض للمخاطر عليك أن ترى ملامح المشهد بشكل كلي؛ لأنك لو تعاملت مع الحرب على أنها مجرد (عركة) فسوف تخطئ خطأ فادحاً، فالحرب ليست مجرد نيران ومدافع، إلخ، ولكن الأهم هو ما الذي يحدث خلف هذه النيران .
وأذكر ونحن نغطي حرب البلقان من اليونان كنا نسير ثلاث سيارات جيب بين جبلين، كنت في السيارة الأولى مع بعض مراقبي الأمم المتحدة، وفي السيارة الثانية بعض مراقبي الأمم المتحدة، وفي السيارة الثالثة المصور محمد يوسف مع بعض المرافقين، وكانت قذائف الهاون تنهال من حولنا، وفجأة انفجرت السيارة الثانية بعد اصطدامها بأحد الألغام، وشاهد محمد يوسف ما حدث لمن فيها، ولو أن الحرب مجرد مغامرة لرفض يوسف تكملة هذه الرحلة المرعبة، ورغم انفعال محمد يوسف الشديد إلا أنه دخل معنا تحت سيارة لوري لنختبئ من قذائف الهاون، وكانت السيارة محروقة من آثار المعارك، وما حدث لنا رغم صعوبته وما يحمله من رعب إلا أنه ليس الحرب .
ولكنه مجرد هوامش على تجربة الحرب، ولكن الحرب بمعناها الشامل يجب أن تنظر إليها من خلال الأبعاد السياسية والاستراتيجية التي تكمن خلف هذه الحرب، فالحرب ليست مجرد ضرب نار ولكنها قوى ومصالح تتصارع، وتيارات عالمية تتصادم، وهنا تكمن الاستفادة من تجربة الحرب، فأحداث العالم الساخنة والمتفجرة لا تسمح لك بالالتفات بعيداً عنها.
"الخليج" الاماراتية