في منطقة لا تتجاوز مساحتها نصف مليون كيلومتر مربع، تكشف واشنطن عن استراتيجية صادمة: إدارة التناقضات بين حلفائها السعوديين والإماراتيين بدلاً من حلها، في مخطط طويل المدى لإبقاء الصراع اليمني مفتوحاً تحت السيطرة الأمريكية.
الهدف المخفي وراء هذه الاستراتيجية يتجاوز مجرد النفوذ الإقليمي، حيث تسعى الإدارة الأمريكية لتحويل جنوب اليمن إلى منصة اختبار دائمة لقدرتها على التحكم في الصراعات الإقليمية دون تحمل أعباء الانخراط المباشر.
التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، تصطدم بمحاولات سعودية لاحتواء نفوذه في حضرموت والمهرة، وهو ما يكشف عن عمق الشرخ داخل معسكر الحلفاء. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو النظرة الأمريكية لهذا الشرخ باعتباره فرصة وليس مشكلة.
تعتبر واشنطن أن جنوب اليمن تحول من هامش ثانوي إلى عقدة جيوسياسية محورية تتداخل فيها عدة مصالح حيوية:
- أمن الممرات البحرية الاستراتيجية
- السيطرة على النفوذ الإقليمي
- تشكيل مستقبل الترتيبات السياسية في اليمن
لا تقوم المقاربة الأمريكية تجاه المجلس الانتقالي على اعتراف سياسي مباشر، بل على إدراك وظيفي لدوره كأداة ميدانية قادرة على فرض واقع جديد، مع تجنب واشنطن تحمل التبعات السياسية لمشروعه الانفصالي.
في المقابل، تتعامل الرياض مع تمدد المجلس الانتقالي كتهديد مباشر لوحدة معسكرها الموالي، إضافة لهواجسها الأمنية حول هشاشة ترتيباتها على الحدود الجنوبية. هذا التباين السعودي-الإماراتي، رغم جذوره التاريخية، يظهر اليوم بوضوح أكبر مع توسع نفوذ الميليشيات التابعة لكل طرف.
الخطة الأمريكية الحقيقية لا تهدف لترجيح كفة طرف على آخر، بل لإدارة هذا التنافس بما يمنع انفجاره الكامل مع الحفاظ على استمراريته. واشنطن ترفض الصدام السعودي-الإماراتي المفتوح، لكنها تشجع حالة الشد والجذب التي تبقي الأطراف محتاجة للمظلة الأمريكية.
يفسر هذا المنطق التساهل الأمريكي مع التحركات الإماراتية مقابل إرسال رسائل تهدئة شكلية للسعودية، إضافة للتركيز على إعادة ترتيب الأولويات العسكرية بحيث يبقى الضغط موجهاً نحو صنعاء.
لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر بنيوية خطيرة، حيث أن تعزيز دور الميليشيات المحلية يعمق تفكك المشهد الجنوبي ويقوض أي إمكانية لبناء سلطة مستقرة. كما أن تحويل الجنوب لمنصة ضغط عسكري يعيد إنتاج معادلات الفشل ذاتها التي شهدتها الحرب سابقاً.
الأهم من ذلك أن واشنطن تتجاهل التحولات الجذرية في ميزان القوة، فصنعاء لم تعد قابلة للإخضاع عبر أدوات الضغط غير المباشرة، بل طورت قدرة ردع تجعل أي تصعيد جديد عالي الكلفة على جميع الأطراف.