في تطور يكشف عمق المأساة الاقتصادية اليمنية، يباع الريال السعودي اليوم بـ 425 ريالاً يمنياً في عدن مقابل 140 ريالاً فقط في صنعاء - فارق صادم يبلغ 204%! هذا الانقسام النقدي المدمر يضع اليمن أمام حقيقة مرة: بلد واحد يعيش بعملتين مختلفتين تماماً رغم حمل نفس الاسم. الهدوء الحالي في أسواق الصرف قد يكون مجرد هدوء يسبق عاصفة اقتصادية مدمرة قد تمحو ما تبقى من مدخرات الملايين.
وسط هذا الاستقرار المؤقت المخادع، تصرخ الأرقام بحقائق مؤلمة: المواطن اليمني في عدن يدفع 1617 ريالاً يمنياً مقابل دولار واحد، بينما نظيره في صنعاء يحصل على نفس الدولار بـ 535 ريالاً فقط - فارق يبلغ 1082 ريالاً يمنياً! أبو محمد، تاجر من صنعاء ووالد لثلاثة أطفال، يروي معاناته: "كنت أملك مدخرات تكفي لتعليم أطفالي، أما اليوم فلا تكفي حتى لشراء الخبز لأسبوع واحد." مصادر مصرفية تؤكد أن "الاستقرار الحالي مؤقت والأوضاع قابلة للتغير في أي لحظة."
هذا الانقسام النقدي التاريخي لم يأت من فراغ، بل هو نتاج 9 سنوات من الحرب الأهلية التي مزقت النسيج الاقتصادي اليمني إرباً. الصراع بين مجلس القيادة الرئاسي في الجنوب وجماعة الحوثي في الشمال خلق سلطتين نقديتين منفصلتين، كل منهما تفرض سياستها الخاصة. هذا السيناريو يذكرنا بانقسام ألمانيا الشرقية والغربية إبان الحرب الباردة، لكن مع فارق أن الألمان كانوا يعلمون أن الوحدة قادمة، أما اليمنيون فيعيشون في دوامة من عدم اليقين.
في أسواق عدن وصنعاء، تملأ رائحة الخوف محال الصرافة حيث يتراكم المواطنون في طوابير طويلة، وجوههم تحمل ملامح القلق والتعب. سارة، امرأة ريادية من عدن، تمكنت من استغلال فروقات الأسعار لبناء مشروع تجاري صغير، لكنها تحذر: "هذه الفروقات سلاح ذو حدين - قد تجلب ربحاً سريعاً لكنها قد تدمر الاقتصاد كله." العائلات اليمنية تواجه اليوم تحدياً وجودياً: كيف تحافظ على مدخراتها في ظل عملة تتآكل كالثلج تحت الشمس؟ الأمهات يبكين في الصمت، والآباء ينامون بعين واحدة خوفاً من استيقاظهم على انهيار جديد.
الريال اليمني اليوم كالمريض على سرير الإنعاش - يتنفس بصعوبة بالغة. د. عبدالله، المحلل الاقتصادي السابق، يحذر من أن "العملة اليمنية على مفترق طرق تاريخي - إما التوحيد عبر حل سياسي شامل، أو الانهيار النهائي الذي سيجعل اليمن أول دولة في التاريخ الحديث تفقد عملتها الوطنية دون حرب نووية." المجتمع الدولي مدعو للتحرك العاجل قبل أن يصبح اليمن مثالاً حياً على كيفية تدمير اقتصاد بأكمله. السؤال الذي يؤرق الجميع: هل سيشهد اليمن معجزة اقتصادية تنقذه من الهاوية، أم أن القطار قد فات بالفعل؟