في تطور صادم يعيد تشكيل خريطة العملات في اليمن، أصدر البنك المركزي تعميماً رسمياً يفرض فارقاً سعرياً لا يتجاوز 3 ريالات فقط بين شراء وبيع الريال السعودي - أضيق هامش في تاريخ التعاملات النقدية اليمنية الحديثة. هذا القرار الحديدي يضع حداً نهائياً لسنوات من الفوضى والمضاربات، مع تهديد صارم بسحب تراخيص المخالفين فوراً.
التعميم، الذي أحدث هزة حقيقية في أروقة البنوك، حدد سعر شراء الريال السعودي بـ425 ريالاً يمنياً وسعر البيع بـ428 ريالاً، بهامش ربح لا يتجاوز 0.7% من إجمالي سعر الصرف. أحمد الحميري، صاحب محل صرافة صغير في تعز، يروي قلقه: "الأرباح أصبحت محدودة جداً، لكن الاستقرار أهم من الأرباح الوهمية." هذا بينما تشهد محلات الصرافة حركة محموصة من المراجعين الذين يتابعون الأسعار الجديدة بعيون قلقة.
ليست هذه المحاولة الأولى من نوعها، إذ سبق للبنك المركزي أن فرض تسعيرات مماثلة في المحافظات المحررة كجزء من استراتيجية طويلة المدى لاستعادة السيطرة على الفوضى النقدية. د. فايز المقطري، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن "هذا الإجراء يشبه إلى حد كبير ما فعلته البنوك المركزية العربية خلال أزمات مماثلة، وهو خطوة صحيحة نحو الانضباط النقدي." الجذور العميقة لهذه الأزمة تعود إلى سنوات من الحرب والانقسام والمضاربات العشوائية التي حولت السوق النقدي إلى ساحة معركة حقيقية.
التأثير لن يقتصر على شركات الصرافة فحسب، بل سيمتد ليشمل الحياة اليومية لملايين اليمنيين. سالم باعشن، تاجر في العاصمة صنعاء، لاحظ خلال الأيام الماضية "استقراراً ملموساً في أسعار السلع المستوردة، خاصة المواد الغذائية والأدوية." هذا الاستقرار النسبي قد يعيد الثقة تدريجياً للمواطنين في عملتهم المحلية، مع توقعات بتحسن القدرة الشرائية على المدى المتوسط. لكن التحدي الأكبر يكمن في ضمان الالتزام والحيلولة دون ظهور سوق موازية تلتف على هذه القرارات.
المعركة الحقيقية للسيطرة على الفوضى النقدية تبدأ الآن، والأيام القادمة ستحدد ما إذا كانت هذه الخطوة الجريئة ستنجح في كسر حلقة التلاعب التي دامت سنوات، أم ستواجه مقاومة من المضاربين الذين اعتادوا جني أرباح طائلة من عدم الاستقرار. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون هذه المحاولة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني؟