في كشف مدوي هز الأوساط الاقتصادية، فجر وزير المالية اليمني عبد الجبار أحمد قنبلة حقيقية بكشفه عن مؤامرة اقتصادية تجعل اليمنيين يدفعون ثمن فاكهتهم مرتين: مرة كمواد خام بالريال، ومرة أخرى كعصائر مستوردة بالدولار. هذه الجريمة الاقتصادية المنظمة، التي وصفها الوزير بالأخطر في التاريخ، تحول شعباً كاملاً إلى مجرد مستهلكين دائمين لثرواتهم المسروقة، في مشهد يذكر بأبشع أشكال الاستعمار الاقتصادي.
تكشف الوثائق الرسمية التفاصيل الصادمة لهذه المؤامرة: السعودية والإمارات تستورد الفواكه اليمنية الممتازة بأبخس الأثمان، ثم تحولها إلى مركزات وعصائر بإضافة منكهات ومواد صناعية، لتعيدها محملة بالدولارات وبأسعار مضاعفة. "نحن نبيع رماننا بريال ونشتري عصير الرمان بعشرة ريالات"، يقول أحمد المزارع من إب وهو يحمل صندوقاً من الرمان الأحمر اللامع. فاطمة، صاحبة مصنع العصائر في صنعاء، تصارع الإفلاس يومياً: "كيف أنافس منتجاً مصنوعاً من فاكهتنا ومدعوماً بمليارات النفط؟"
الجذور العميقة لهذه المأساة تعود لتدمير النظام الاقتصادي المتوازن الذي أرساه الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، والذي كان يحمي الإنتاج المحلي من الإغراق الخارجي. عبر أربعة عقود من الحماقة والسياسات المدمرة، تحول اليمن من بلد منتج إلى سوق استهلاكية صرفة. الخبراء يؤكدون أن هذا النموذج مطبق في كل البلدان المستعمرة اقتصادياً: "استخراج المواد الخام بأسعار مهينة وإعادة بيعها كمنتجات نهائية بأضعاف الثمن"، يوضح د. محمد الاقتصادي من جامعة صنعاء.
تأثير هذه المؤامرة يخنق الحياة اليومية لملايين اليمنيين: كل أسرة تدفع أضعاف ثمن منتجاتها الأصلية، بينما تنهار المصانع المحلية واحداً تلو الآخر تحت ضغط الإغراق المنظم. سالم العامل فقد وظيفته في مصنع العصائر بسبب المنافسة غير العادلة: "شاهدت آلات المصنع تُباع خردة بينما الشاحنات تفرغ العصائر المستوردة في نفس الموقع". قانون الاستثمار الجديد يبرز كشعاع أمل وحيد وسط هذا الظلام، بما يحمله من برامج حماية وتشجيع للمنتج اليمني، لكن نجاحه يتطلب إرادة شعبية حقيقية لمقاومة عقود من التبعية.
المعادلة واضحة ولا تحتمل التأجيل: إما النهوض بالحماية والتشجيع معاً كما فعلت كل الدول الصناعية الناجحة، أو استمرار دورة الاستعباد الاقتصادي إلى ما لا نهاية. فرصة كسر القيود متاحة الآن مع قانون الاستثمار الجديد، لكن التطبيق يحتاج لثورة حقيقية في الوعي الاستهلاكي. السؤال الذي يحدد مصير أجيال كاملة: هل سيبقى اليمنيون يدفعون ثمن ثرواتهم مرتين، أم أن الوقت حان أخيراً لكسر حلقة الاستغلال الأبدية؟